تقرير دار الأفتاء المصرية۔۔ هل يضع حدًا لـ "فوضى الفتاوى" وخلط الدين بالسياسة؟!

السبت 24/مايو/2014 - 03:53 م
طباعة تقرير دار الأفتاء
 
يتداول النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو للشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية قال فيه: إننا نتعبد إلى الله باختيار السيسي رئيسًا للجمهورية، وأضاف: نحن لا نكفر من اختار اختيارًا مخالفًا لنا، أو أن اختيار فلان الفلاني إثم وجريمة من الكبائر، متسائلاً: "هل كان الحكام على مدار التاريخ الإسلامي مثاليين وهل كانت تصرفاتهم وفق الشريعة تمامًا؟ مؤكدا أن السيسي «اختيار أنسب وأمثل، كما أنه ليس هو الخليفة الراشد ولا الخليفة المعصوم".
ياسر برهامي
ياسر برهامي
وجاءت فتوى برهامي بعد سلسة من الفتاوى التي اقتحمت العمل السياسي في مصر منذ بداية ثورة 25 يناير مروراً بالتعديلات الدستورية والتي اعتلى عن طريقها التيار الإسلامي رأس السلطة في مصر، بالإضافة إلى الفتاوى التي دعمت صعود جماعة الاخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي، وتسببت في انقسام المجتمع المصري، وأدت إلى إراقة دماء العديد من الشباب خلال ما عرف إعلاميًّا بأحداث الاتحادية، وما تلاها من تفجيرات استهدفت رجال الشرطة والجيش المصري؛ مما دعا المرصد الإعلامي لفتاوى التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية إلى إصدار تقرير في هذا الصدد.
وأكد "التقرير" أن الفتاوى أصبحت أحد أكثر القضايا التي تحتاج إلى مزيد الضبط والتأصيل، في ظل "فوضى الفتاوى" وانتقالها من الاجتماعي إلى السياسي؛ لتهدد وتروع وتحرض وتشعل الفتن، وتدعو إلى القتل وتبيحه، بما يضع المجتمعات كلها دون استثناء فوق بركان يتطاير شرره بالفعل في خضم الواقع السياسي المتصارع.
وأوضح تقرير مرصد الإفتاء تصاعد حدة الفتاوى السياسية الصادرة من غير المتخصصين منذ ثورة 25 يناير 2011، خاصة مع صعود التيارات الإسلامية، مؤكداً من خلال رصده المتتابع للأحداث ظهور فتوى دينية مصاحبة لأى بيان أو تصريح سياسي بالتأييد أو المعارضة، بما يكشف يقينًا توجيه هذه الفتاوى لخدمة أهداف سياسية حزبية معينة، وتوظيف الدين لاستقطاب الأتباع، واستغلال شغف الناس بالدين؛ من أجل سحب البساط من تحت أقدام منافسيهم بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، ثم أفراد الجيش والشرطة الذين اعتبرهم أصحاب تلك الفتاوى التكفيرية "طاغوتاً". وكانت نتيجة تلك الفتاوى سقوط الكثيرين من أفراد الجيش والشرطة شهداء وضحايا عمليات إرهابية، جاءت استجابة لتلك الفتاوى الضالة والمضلة.
وأكد أنه بمراجعة شرعية تلك الفتاوى التكفيرية من الجانب الفقهي ثبت أن من يطلقونها غير مؤهلين علميًّا ولا عقليًّا، لافتقادهم أدنى المعايير العلمية المعتمدة في إصدار الفتاوى الشرعية، ولعدم إدراكهم خطورة ما يطلقونه من أحكام تؤدي إلى خراب المجتمعات وإحداث الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن جعلهم التكفير مدخلاً شرعيًّا للقتل واستباحة الدماء والأعراض، بما يمثل إفساداً في الأرض يهدم مقاصد الشريعة الإسلامية من أساسها.
وعرض التقرير عدداً من الفتاوى السياسية التي أسهمت في تعزيز حالة الانقسام المجتمعي في مصر، والتحريض على الاقتتال، وتخريب البيوت، ومنها على سبيل المثال: "الفتوى بإهدار دم المتظاهرين الذين خرجوا في مظاهرات 30 يونيو 2013 ضد حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وأخرى تحرّم الخروج عليه قبل مظاهرات 30 يونيه، والإفتاء ببطلان محاكمته، مقابل أخرى تعطي المسوغ الشرعي لقتل أنصار الإخوان، مرورًا بتحريم المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وفتاوى تبيح قتل المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، باعتباره مرتدًّا عن الإسلام، انتهاءً بفتوى تطليق "الزوجة الإخوانية"، وآخرها فتوى تبيح حرق سيارات ومقرات الشرطة والاعتداء على بيوت الضباط وممتلكاتهم.
وأكد د. إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية والمشرف على إصدار التقرير أن فتاوى التكفير تلقي بآلاف الشباب في آتونِ التطرف والقتل والانفجار؛ طلبًا لما يزعمون من الشهادة، فيسارعون إلى سفك دماء الأبرياء وترويع المواطنين داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى أنها تمزق النسيج المجتمعي وتشيع الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الواحد، بعد أن تقسم المواطنين إلى مؤمنين وكفار، وتصادر حق المواطنين في أن يكون لهم وطن يحتضنهم.

تقرير دار الأفتاء
وشدد التقرير، على أن التكفيريين لا يتركون خياراً أمام بقية المواطنين سوى القتل أو الفرار خارج الوطن، الذي جعله المتطرفون لا يتسع لعموم المواطنين على اختلاف قناعاتهم السياسية والفكرية.
وأوصى بعدة نتائج وتوصيات، أهمها التأكيد أن الإفتاء له طبيعة خاصة في المجتمع المصري، فهو ذو تأثير وتأثر بجميع جوانب الحياة، ويجب على الأمة أن تُعْنَى بشأنه وتنتبه إلى خطورة ممارسته.
كما أوصى التقرير بضرورة قيام مؤسسات الإفتاء الرسمية بمهمة إصلاح ظواهر الانقسام المجتمعي والخلل الاجتماعي الناتج عن فوضى الفتاوى، حيث من المقرر أن الفتوى تحدث أثراً عميقاً في المجتمع ونظمه وتقاليده، مع ضرورة ألا يتأثر منهج الإفتاء بالسياسة الحزبية فيما يصدره من فتاوى وأن يظل على حياده وعدم التبعية لأي حزب أو شخص أو رأي سوى المبادئ الحاكمة للسياسة الشرعية في الإسلام، مشددا على أن دار الإفتاء بمرجعيتها الوسطية ومنهاجها المعتدل تعيد التوازن إلى الساحة السياسية في المجتمع المصري، ومن هنا كان دورها فاعلاً في توجيه وتصويب وتوضيح أي رأي صادر من أي جهة تنتصر لاتجاهها السياسي، وتحاول أن تصبغه بصبغة دينية لتؤثر على الرأي العام.
ويطرح ما سبق لدينا تساؤلا حول دور الأحزاب الدينية المساندة للسلطة، وما سيتبع فتوى "ياسر برهامي" من فتاوى مساندة للسلطة المقبلة، أيًّا كانت وهل يكفي التقرير السابق لإيقاف تلك الفوضى أم لا بد من البحث عن بدائل أخرى أقرب للمواطن المصري؟

شارك