دوافع السلفيين للتصعيد ضد الشيعة

السبت 02/مايو/2015 - 04:46 م
طباعة دوافع السلفيين للتصعيد
 
واصل حزب النور تصعيد المواجهة على الشيعة وما يعتبرونه تناميا للمد الشيعي في مصر من خلال الدعوة لإعداد مشروع قانون يجرم نشر المذهب الشيعي في مصر تمهيدا لعرضه على الحكومة المصرية والرئيس لسنه رسميا قبل انتخاب مجلس الشعب أو أن يكون هذا المشروع القانوني على رأس مشاريع الحزب السلفي المزمع طرحها في البرلمان.
فقد طالب حزب النور لجنته القانونية في البدء جاديا بطرح رؤية لهذا القانون، وكيف يتم تطبيقه بطريقة توقف بشكل كامل المد الشيعي في مصر بعد أن زاد في الآونة الأخيرة وكان أخرها واقعة حضانة تعلم الأطفال الطقوس الشيعية كـ "اللطم".

دوافع السلفيين للتصعيد
وفي هذا الصدد، قال سامح عبدالحميد – القيادي بالدعوة السلفية – في تصريحات صحفية له: "يجب سن قانون يُجرم نشر المذهب الشيعي، فلا يمكن السكوت على هذا الشيعي الذي خان الأمانة وجعل الأطفال البريئة في حضانة كفر صقر بالشرقية يلطمون الخدود تقليدًا للشيعة".

دوافع السلفيين للتصعيد
وأضاف: "انتشار الشيعة يُهدد الأمن القومي المصري، ونتذكر أهالي قرية زاوية أبو مسلم الذين ضربوا حسن شحاتة وأصحابه ضربًا شديدًا حتى الموت، ولا نريد أن تتكرر هذه الأحداث الدامية، لأن مذهب مصر هو السنة، وأهل مصر لا يقبلون سب الصحابة رضي الله عنهم ولا يقبلون الطعن في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي هن أمهات المؤمنين، والمصريون لا يستسيغون خرافات الشيعة، لذا وجب سن قانون يُجرم أي مظهر شيعي لتنعم مصر بالأمن والأمان والسلامة والإسلام..".

متى بدأ الخلاف المذهب

متى بدأ الخلاف المذهب
لو تتبعنا التاريخ الشيعي في مصر لوجدنا انه منذ عهد الدولة الفاطمية (969 - 1171م) لم تعرف مصر مسألة شيعية، ولم يبرز الشيعة كموضوع للسجال الحاد إلا بعد ثورة 25 يناير 2015، التي في ما يبدو كشفت عن خلل كبير يعتري مراكز الإدراك في العقلية المصرية. ومرة أخرى عاد النداء لعودة صلاح الدين، لا لتحرير القدس كما اعتاد أن يراه المصريون، بل لتطهير مصر من «الشيعة الحثالة»، أو هكذا اشارت إليهم جموع السلفيين المتظاهرين أمام منزل القائم بالأعمال الإيراني مجتبى أماني، في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي الملتحي حافظ القرآن هو وجماعته والذين وافقوا بالسماح للشيعة بدخول مصر. ورغم وجود الأزهر على أرضها، الذي يُعدّ أكبر جامعة سنية في العالم الإسلامي، مع أن تأسيسه كان شيعياً منذ ألف عام، إلا أن المصريين لم يعرفوا أنفسهم على أنهم مسلمون سنة، ولم يكن لهم تصور العوام عن الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، غير أنهم مسلمون على مذهب مختلف. وربما شاب هذه التصورات خرافات شعبية ناتجة بالضرورة من الجهل بهذا الآخر الذي لم يكن يشكل أزمة هوية في بلد متجانس. لم يكن من المستغرب زواج مسلم سني مسلمة شيعية أو بالعكس.

الاجتماعي والسياسي بين السنة والشيعة

الاجتماعي والسياسي
من اللافت للنظر ان الكثير من المصريين حتى الان لا يعرفون مثلاً أن السيدة تحية كاظم زوجة الزعيم جمال عبد الناصر ابنة تاجر إيراني، ولم يكن ليدهشهم هذا. ولا ينبئنا إعلام الثلاثينيات بجدل مذهبي، عندما تزوج الشاهبور محمد رضا بهلوي ولي عهد إيران الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق. لم يكن للأزهر نصيب من الجدل المذهبي الإسلامي إلا سعيه للتوحيد والتقريب بين المذاهب، فأنشئت تحت رعايته دار للتقريب المذهبي عام 1947. وفي الستينيات، أصدر شيخ الأزهر المؤسس لدار التقريب سابقاً، الشيخ محمود شلتوت، فتواه الشهيرة بجواز التعبد على المذهب الجعفري. لم تكن الدولة لتتبنى خطاباً مذهبياً وهي تُعبّر عن مجتمع غير متمذهب، لكن السياسة منذ هذه المرحلة وصاعداً أدت دورها في تشكل الرؤى الدينية للمجتمع. دخل عبد الناصر في صراع إقليمي مع شاه إيران، لكنه لم يستخدم الأزهر في هذا الصراع ولم يتصوره صراعاً مذهبياً بين شيعة وسنة. وأشعل نجاح الثورة الإيرانية 1979 مشاعر الحماسة داخل المعارضات اليسارية والإسلامية في كل العالم العربي، رغم أن نظام السادات وقف ضدها واستضاف صديقه الشاه المخلوع لتبدأ القطيعة السياسية بين مصر وإيران. 

بداية الصراع

 بداية الصراع
وفي نفس العام 1979 تم إغلاق جمعية آل البيت في مصر إيذاناً بدخول المذهبية برأسها في الصراع، بينما رسخ الانغلاق الشيعي الذي بدأ يطغى على النظام الثيوقراطي الحاكم بولاية الفقيه، بحيث صار التشيع رديفاً لإيران، وبالتالي أثار حساسية أجهزة الأمن، وخاصة مع اشتراك مصر في الحرب العراقية الإيرانية إلى جانب بغداد. ومن هنا جرى التضييق الأمني على كل أشكال التجمعات الشيعية في مصر، رغم وجودها على هامش المجتمع الذي ظل بعيداً عن هذا الصراع. مع أن الدولة سمحت للسلفية بالتغلغل فيه والعمل، وهو ما راكم تحولات ظهرت في بوادر تمذهب وتوترات طائفية بين المسلمين والأقباط. تدور السلفية حول النقاء العقدي، وهو ما يتطلب الولاء والبراء من المخالفين في سبيل تنقية عقيدة زمرة المؤمنين. وكان عمل السلفية في المجتمع لترسيخ هذا الاتجاه الذي يستدعي رفض الآخر المنحرف، سواء من داخل الدين، أو الخارج عنه، فلا يصح الدين إلا بالتأثيم والتكفير. وعلى الرغم أن المسألة الشيعية لم تكن حاضرة بقوة في الخطاب السلفي، غير أنها لم تكن مستبعدة. وفيما كان المصريون في عام 2006 متحمسين للانتصار الذي حققه حزب الله على الجيش الإسرائيلي في حرب يوليو 2006 يوماً، كرّس شيوخ السلفية جهودهم لحماية سنّة مصر من الافتتان بانتصار «الشيعة المنحرفين»، فظهرت تسجيلات ترفض الانتصار، ومحاضرات تحذر من المدّ الشيعي، وهو ما تزامن مع خطاب السلطة المتورطة في حرب التوازنات الاستراتيجية في مواجهة إيران وحلفائها بالتحالف مع دول الخليج راعية «التسلّف» في العالم العربي.

بعد ثورة 25 يناير 2011

بعد ثورة 25 يناير
سرعان ما تطور وضع السلفيين في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث دخلت السلفية ميدان السياسة من المنطلق العقدي نفسه، بعد أن بنت لعقود وجوداً قوياً داخل المجتمع، وأسهمت مع بقية التيارات السياسية في نقل الصراع السياسي إلى ساحة «سياسات الهوية»، ونقلت التدافع السياسي من أهداف الثورة السياسية والاجتماعية الديموقراطية إلى ساحة الحفاظ على الهوية، ومناط شرعية وجودها. غير انها خلال العامين اللذين تلا الثورة استطاعت أن تطور أجهزة سياسية تتسم بقدر كبير من التكيف والبراغماتية والبعد عن الأصولية الخطابية التي تركتها لحشد الجموع الغفيرة في المعارك السياسية مع الحلفاء وضد الخصوم من الجميع. من هنا كان تصدّر السلفيين لمشهد رفض الوجود الشيعي في مصر أو التقارب مع إيران، وتصدى أكثر قيادات الحركة السلفية براغماتية لمواجهة المد الإيراني على أساس عقدي، فبرزت السجالات المذهبية التي تدور حول سبّ الصحابة وزوجات النبي، ونشر المذهب الشيعي داخل مصر. كان قرار التقارب مع إيران قد جاء من النظام الذي أصبح الإخوان المسلمون يسيطرون عليه؛ يعرف عن جماعة الإخوان أنها لم تكن متمذهبة بحكم طبيعتها الشمولية وتعبيرها عن خصائص المجتمع المصري الدينية. غير أنها وجدت نفسها في صراع على اقتسام كعكة المجتمع مع السلفيين منذ السبعينيات فبدأت في التسلف هي الأخرى. وكانت حساسية الصراع المذهبي مع الشيعة إحدى دعاوى ابتعادها عن النظام الإيراني الذي تقاربت معه فور انتصار الثورة الإيرانية. ولم يكن الخطاب الناضح بالمذهبية الذي ألقاه الرئيس مرسي في طهران إلا مزايدة على السلفيين ومغازلة لحسّ التمذهب النامي في المجتمع. و بالتالي ليست موجة التحريض الأخيرة على الشيعة وإيران في مصر بعيدة عن هذا التنافس الذي لم يصل إلى حد التصارع بعد بين الإخوان والسلفيين. 

الازهر يدخل خط المواجهة

بعد ان كان الازهر بعيدا عن الدعوات الطائفية نجد أن الأزهر قد أصيب بتلك العدوى الطائفية. فمع زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، للقاهرة ومقابلته لشيخ الأزهر أحمد الطيب، وقياداته، ظهر التوتر بين الجانبين. وكان محور هذا التوتر القضايا المذهبية التي كان الأزهر بعيداً عنها. ولم تستطع المجاملات البروتوكولية إخفاء هذا التوتر في المؤتمر الصحفي، حيث خرج الأزهر ليطالب إيران بسن قوانين تمنع سب الصحابة. ومقارنة بفتوى الشيخ شلتوت في الستينيات، ظهرت فتوى أزهرية صاحبها عميد كلية الدراسات الإسلامية ينفي فيها فتوى الشيخ شلتوت، ويحرّم التعبد على مذهب من «يعتقد بتكفير الصحابة وتحريف القرآن، ورمي أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها وأرضاها بما برأها الله منه، ومن اعتقد ذلك فهو كافر». مما اكد حينها ان الأجواء في مصر مسممة بالطائفية. 

دوافع السلفيين للتصعيد
وقد رفض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في ديسمبر 2014 دعوات عدد من رموز الشيعة في مصر للقائه، من أجل بحث أزمة التقريب بين منهجهم والمذهب السني. وكشفت مصادر صحفية، أن الطيب يتردد في شأن مقابلة هؤلاء، وأكد رفضه لأى محاولة للالتفاف حول الأزهر من أجل نشر التشيع في مصر. كما اصدر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، بيانا الخميس 12 مارس 2015 ندد فيه بما وصفها بـ"المجازر التي ترتكب ضد أهل السُنة" في العراق خلال المواجهات مع داعش، واصفا مرتكبيها بأنهم "مليشيات شيعية متطرفة" مشيرا في هذا الإطار إلى ما يعرف بـ"قوات الحشد الشعبي" المكونة بغالبيتها من عناصر شيعية. وطالب شيخ الأزهر "بضرورة التحرك العاجل لوقف المجازر التي ترتكب ضد أهل السُنة في العراق"، مضيفًا في بيان، أن تلك التنظيمات ترتكب "جرائم بربرية نكراء في مناطق السُنة التي بدأت القوات العراقية بسط سيطرتها عليها، خاصة في تكريت والأنبار، وغيرها من المدن ذات الأغلبية السُّنية."
ومن خلال هذه القراءة لوضع الشيعة في مصر خصوصا في تاريخنا الحديث نستنتج ان الخلاف الشيعي السني قد اشعلته المواقف السياسية وليست المواقف العقدية فليس الدين هو الذي يؤجج الصراع المذهبي بل السياسة تعمل عملها لتأجيج هذا الصراع والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الان هل الشيعة والاقباط والبهائيين المصريين جميعهم خطر على الامن القومي المصري كما يدعي السلفيين؟ ولمصلحة من نقوم بزرع العداءات بين ابناء الوطن الواحد؟  

شارك