الحركة الإسلامية..استسلام بالعقيدة

الإثنين 04/مايو/2015 - 07:27 م
طباعة
 
ما أَهُمّ به من نقد للحركة الإسلامية المعاصرة أشبه ما يكون باستدعاء لاجتهادات عمر بن الخطاب التي ملأت الدنيا عدلا على هامش النص وظاهر الاعتقاد الديني. لم يكن ليبلغ رضي الله عنه هذه المكارم لو ظل مستسلما إلى سلطة النص أو منتظرا نزول الوحي من جديد ليحسم في قطع يد السارق عام الرمادة أو تعطيل سهم المؤلفة قلوبهم أو توقيف إقطاع أرض السواد للفاتحين. 
طبعا لا قياس مع وجود الفارق، وأي فارق: فارق كبير! عمر رضي الله عنه يتحرك سياسيا مع وجود نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والحركة الإسلامية تقف سياسيا موضع الجمود مع غياب النص أو مع وجود نص ظني الثبوت ظني الدلالة. 
حقا، لا أجد فيما أتابع من سلوكات سياسية للحركة الإسلامية كلاما جامعا إلا أن تكون استسلمت للدينامية السياسية بترديد الثوابت الدينية والعقائدية !
عودا إلى الصديق الذي يتابع التطورات السياسية بثبات عقائدي راسخ ثم يراسلني، ولا أدري ما إذا كان يراسلني لإظهار تهافت ما أذهب إليه من أفكار واختيارات، أم كان يحرص على ذلك بدافع البحث عن مخارج للمؤمن من مآزق التعقد والدينامية التي يشهدها الحقل السياسي. أتى بآية "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا.") النساء/140)، وذلك من أجل تحريم لقاء بنكيران بالسيسي. أجبته ناصحا: "أنفع لك أن تتأنى بقراءة تفسير الآية استزادةً للعلم عوضا عن تلقفها وتوظيفها لإدانة المؤمنين. لما وقف الإخوان المسلمون عند تفسير الآية كانوا كلما سمعوا شيوعيا يستهزئ بالإسلام في مجلس الشعب يخرجون من المجلس ثم يعودون، ولما انتبه خصومهم لهذا السلوك، كانوا كلما أرادوا تمرير قرار صعب قام أحدهم ليستهزئ فيسهل عليهم تمرير غاياتهم بسهولة لحظة غياب الإخوان. ولم ينتبه الإخوان المسلمون إلى قصور فهمهم وسلوكهم إلا بعد حين. الشاهد عندي من كل ذلك أخي الكريم، إنه من الصعب إخضاع واقع متحرك لنص ثابت، بل الأجدى جمع النصوص ورد الفروع إلى الأصول وربط الجزئيات بالكليات والمقاصد. والله الموفق.
لو كانت مسالك الثبات منتجة لكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس أولى بها تشبثا وانتهاجا، ولاتخذتها مبررا وعذرا. فكيف لحركة مقاومة أرضها محتلة وشعبها يذوق ألوان التنكيل صباح مساء أن تشارك سياسيا في سلطة حكم ذاتي يحاط بالحصار والتحكم من جميع الجهات؟ !
ولو كان منهج التمايز والبراء مثمرا لاتبعه أحفاد دولة الخلافة العثمانية في تركيا المعاصرة، ولحشدوا من أجل ذلك عشرات النصوص الدينية والوقائع التاريخية، فكيف لحركة إسلامية يدعو قادتها الشباب إلى الاقتداء بهدي الرسول أن يعترفوا بالعلمانية وأن يمجدوا أتاتورك المتآمر على الدين والخلافة؟ !  
كلا إن أكثر التنظيمات الإسلامية تعرضا لضغوط تجعلها لا تستمد النصر إلا بالركون إلى النص، هي تنظيمات تبدع آليات تدفعها إلى الحركة والتفاعل الايجابي بالمستجدات والاهتمام بجزئيات الساحة السياسية، بدلا عن الجمود والوقوف عند جزئيات الشريعة الإسلامية.
أنْعم بها من حركات تسعى إلى مراكمة الانجازات وتدارك تطورات الواقع السريعة وتثبيت الوجود قريبا من مربع إنتاج القرار السياسي لمراقبة التطورات ومحاصرة انفلاتها إلى متاهات التعقد والغموض؛ حركات تؤطر الانجاز على الأرض وفق منطق فن الممكن، لا بمنطق قول كن فيكون! حركات تنشغل بتدبير الاكراهات ومراعاة التوازنات، ولا تؤسس نشاطها على إخضاع العبد وتسييد إرادة  الرب ! 

وحين تجافي الحركة الإسلامية قوانين اللعب السياسي، ولا تكترث للتحولات والتوازنات والاكراهات، يتفوق عليها الخصوم وتتهاطل عليها المصائب، ولا تجد حينها غير منطق العقيدة ملاذا وإشارات النص تفسيرا.

   وحتى لا أوغل في التجريد، تعالوا إلى إسقاط ما ذكرت على التطورات الأخيرة في مصر. راسلني صديقي آنف الذكر ليخبرني بأحكام الإعدام والسجن ضد الإخوان المسلمين، وهمه المضمر وشعاره المدوي: مزيدا من إدانة بنكيران ! كما سمعتُ من صديق آخر أسفا صادقا على واقع الإخوان المسلمين في مصر: مبارك قاتل الثوار أُفرج عنه بريئا، ومرسي المنتخب بعد الثورة يدان بعشرين سنة سجنا!   
أقول بإيجاز، إن مثل السيسي ومرسي كمثل فريقين دخلا مباراة، فوظف كل منهما ما بحوزته من تقنيات ومهارات وإمكانات، ثم أصاب فريق مرسي، بعد استنفاذه كل الأوراق الرابحة في وقت وجيز، إرهاق بدني شديد وتشنج عضلي حاد أفقداه القدرة على التحكم والدفاع، فانقض عليه فريق السيسي بإصابات كثيرة تجاوزت خمسين إصابة، تحسبا لأي تعاف يحل بفريق مرسي يتيح له فرصة الرجوع في النتيجة، إذ يحتمل أن تؤثر عاصفة الحزم الداعمة للشرعية في إنقاذ فريق مرسي. 
إذن لم الدهشة حيال أحكام الإعدام والسجن؟ لا يعقل من لاعب سياسي أن يركن جسمه في الزاوية، فإن فعل دَلَّ ذلك على دخوله صراعا يفوق طاقته أو على اعتماده استراتيجية فاشلة وأسلحة متجاوزة. ومن غير المجدي التبرير بالابتلاء، لأنه عذر أقبح من زَلاّت، فهل نزل علينا خبر السماء ليقطع ظنون القراءات والتفسيرات؟ أم نزكي النفس؟ "بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا". 
وليس المقام مقام تقييم السلوك السياسي للإخوان بعد الثورة، فقد تعالت أصوات الإخوان بانتقاد أخطاء التجربة. لكن ما أقصده توضيح المرجعية الفكرية أو النصية لأخطاء الإخوان التي صارت كوارث، فبقدر جمودهم على شرعية النص التي توازي تمسكهم بالترشيح للرئاسة، انقلبوا على شرعية الواقع التي توازي قرارهم السابق القاضي بترك الترشح ومراعاة التوازنات.   

إياكم أن تظنوا بأني أُسَوِّي بين الجلاد والضحية، بل أرجو أن تأخذوا كلامي دليلا لصد الجلاد عن مداخل الوصول إلى الضحية، أو فليكن دعوة إلى ترك شغف تمثيل أدوار الضحية. وكلمة السر لإدراك هذه المُنى تكمن في قياس الواقع السياسي بعيدا عن نماذج الماضي حتى تكون حركة إسلامية مرنة قادرة على المناورة، ويكون الدين لله والوطن للجميع.  

شارك