كنوز من التنوير في فكر شيخ أزهري

الإثنين 15/فبراير/2021 - 07:00 ص
طباعة كنوز من التنوير في حسام الحداد
 
الكتاب – من آثار مصطفى عبد الرازق
الكاتب- علي عبد الرزاق 
الناشر – سلسلة ذاكرة الكتابة قصور الثقافة 2015
 حصل الشيخ علي عبد الرزاق على شهرة كبيرة بسبب كتابه الذى نقض فيه فكرة الخلافة الإسلامية (الإسلام وأصول الحكم ) الأمر الذي طغى بتأثيره وآثاره على شيوخ كثيرين لعل من أهمهم أيضا شقيق الشيخ علي نفسه وهو الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق، لذلك يلقي هذا الكتاب الضوء على جوانب مهمة في حياة وفكر الشيخ مصطفى، حيث يقدم لنا المؤلف هذا السفر الضخم تحت عنوان " آثار مصطفى عبد الرازق " وفي تقديم طه حسين للكتاب (502 صفحة من الحجم الكبير) يقول عنه  نجد فيه من الموضوعات والأحاديث التي تختلف مع بعضها أشد اختلاف، فستراه على ذلك مؤتلفاً أشد الائتلاف يؤلف بين مختلفات ما تفيض عليه نفس الكاتب الهادئة السمحة الرزينة من هدوء سمح رزين، ولو أن المؤلف قد ترك لنفسه العنان في الحديث عن مصطفى عبد الرازق لما وجد لهذا الكلام منتهى قد ينتهى عنده أو يقف عليه، فـها هو الكاتب يخلص للتفكير في هذا الصديق العزيز، وها أنت أيها القارئ عليك أن تخلص لتقرأ أصدق حديث لأخ عن أخيه وأسمح كلام كتبه كاتب في هذا العصر الحديث بعد ذلك.

طريقة الإمام في الإصلاح

لعل من أهم الفقرات في الكتاب الجزء المخصص لعلاقة الشيخ مصطفى عبد الرازق والإمام محمد عبده، والذى يكشف فيه عن طريقة الإمام في الإصلاح ومدرسته حيث يقول لم يكن الإمام محمد عبده من مشايخ الطرق الصوفية يعطي تلاميذه العهود ويلقنهم أسرار الطريق ولم يكن صاحب دعوة خفية يدس تعاليمها وراء الحجب والاستار ولكنه كان حين عرفه اخي مصطفي رجلا يملا اسمه البلاد ويتردد ذكره في محافل الاصلاح الديني والسياسي وتتجه اليه الانظار في ميادينهما فهو موفور النشاط وله في كل ناحية من نواحي الحياة مشاركة وهو حيثما كان عامل على الاصلاح مرعي الجانب مسموع الراي كان رجلا واسع العلم واسع افاق الفكر وله في علمه الواسع منهج سليم وله في فكره البعيد الافاق ونظره الحكيم مذاهب طريقة امن بعد طول البحث وكثرة التجاريب انها اقوم السبل إلى ما تعلقت به نفسه من اصلاح في الدين وفي شؤون الحياة الدنيا
وطريقته في الدعوة الي منهجه العلمي ومذاهبه الاصلاحية هي المحجة السمحة الواضحة فهو في العلم لا يعمل شيئا اكثر من ان يختار الكتب التي يانس فيها الخير ثم يأخذ في تدريسها علي اسلوبه الخاص به في دروس عامة يحضرها من يريد من الطلبة علي طريقة التدريس التي كانت جارية يومئذ في الجامع الازهر وهو في مذاهبه الاصلاحية لا يعمل شيئا أكثر من أن يتجه في كل ما يبديه من امر وفي كل ما يشارك من شأن وجهة الاصلاح كما يجب ان يكون الاصلاح فهو يدعو الي الاصلاح بالعمل اولا ثم بالقول الصريح يصدع به أنى كان في المحافل العامة وفي مجالسه الخاصة وفيما يؤلف من كتب وابحاث وفيما ينشر في الجرائد والمجلات وفي رسائله العامة أو الخاصة فدعوة الاستاذ الامام كما تري دعوة عامة تتوجه الي كل من بلغته الدعوة على أي وجه فوعاها، ومدرسته كما تري ليست مدرسة يحدها زمان ولا مكان ولا اشخاص ولكنها مدرسة تتلاقي فيها الارواح جنودا مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والنجاح في هذه المدرسة لا يكون بكثرة الدرس ولا طول التلقي عن الاستاذ الامام ولا بالقرب منه وانما يكون بالتعارف بروحه والائتلاف معه وعلي قدر ذلك يكون التلاقي عنه والاستمداد منه وكم من استاذ كاستأذنا الإمام كثر مريدوه وملاوموه ثم لم ينجح من بينهم الا اقلهم ملازمة له واضعفهم اتصالا ظاهرا به اذ كان احسنهم استعداد وكان روحه امكن تعارفا بروحه وائتلافا وكذلك لم يذهب اخي مصطفي الي دروس الاستاذ الامام الا قريبا من نهايتها ولم يغش مجالسه الا لماما ولكن لم ينشب روحاهما اذ التقيا ان يتعارفا اقوى تعارفا وان يتألف اصدق تالف . مقالات الكتاب رائعة وآثاره كنوز تنم عن استنارة مفقودة ويكفي ان نذكر منها:

ليلة في الأوبرا:

في جريدة السفور العدد 102 السنة الثانية الجمعة 18 مايو 1917، وتحت عنوان ليلة في الاوبرا كتب مصطفى عبد الرازق (كانت الحفلة السنوية الكبرى لنادي الألعاب الرياضية بالجزيرة من أظهر حفلات السرور رونقا واكملها جمالا، احتشدت لها البارحة في الأوبرا أزهار مصر الباسمة في اكمام الشباب ولم يبق أحد في البلد إلا حواه مسرح إسماعيل الكبير، كان شبابًا كله ذلك الندى تفيض من ارضه وسمائه نفحات الصبا حتى ليكاد الشيخ فيه يشعر أنه عاد فتيا، ونتمنى أن تكثر هذه الحفلات ليقوى أثرها في تنبيه الأذواق إلى مظاهر الجمال وإذا قالوا إن الزمان زمان حرب، فما نظن أن الانسانية مستغنية عن الجمال في حرب ولا سلم  لم يكن في الحفلة سيدات إلا قليلا وما نراه إسرافا أن يتمنى متمن ان يغشى نساؤنا مثل ذلك المجتمع لنستطيع ان نشرف ايضا على محضرهن في المجامع وتطور ذوقهن ولعلنا نستغنى بهذا عن الخاطبات اللواتي هن شر واسطة في احكام عقدة بين زوجين واذا لم يامن رجالنا علي نسائنا فيه القائمون على امر الحكم في البلاد من وزراء وواقفين على باب الوزراء، أذهلنا وصف الحضور عن نظام الحفلة نفسه وكان غاية في حسن الاختيار وحسن التأليف ما بين تمثيل وإنشاء وفكاهة.. إن هذه المقالة الصغيرة تكشف في سطورها القليلة عن مصلح عظيم يقدر الموسيقي والفن ومكانة المرأة،  إنه نموذج من رجل الدين المفقود في واقعنا الصعب.

شارك