الأزهر بين إدانة الأحداث الإرهابية وتجديد الخطاب الديني

الثلاثاء 25/أغسطس/2015 - 03:31 م
طباعة الأزهر بين إدانة
 
كعادة الأزهر بعد كل حادث إرهابي أن يخرج علينا ببيان إدانة للحادث دون بزل الجهد الكافي لمحاولة إنتاج خطاب ديني مختلف عن ذلك الخطاب، الذي يدعو للإرهاب والتطرف سواء كان هذا الخطاب في مناهجه التعليمية أو تتبناه بعض الجماعات الإسلامية، فما زال ينسق مع الدعوة السلفية التي تتبني الخطاب الوهابي مرجعية لها، وهو نفس الخطاب الذي تتبناه تلك الجماعات الإرهابية، وسيرًا على هذا النهج فقد أدان الأزهر الشريف الحادث الإرهابي الغادر الذي استهدف سيارة للأمن المركزي بعبوة ناسفة أثناء سيرها على طريق دمنهور- رشيد.
وشدد الأزهر الشريف- في بيان له أمس الاثنين 24 أغسطس 2015- على أن التنظيمات الإرهابية التي تقف وراء مثل هذه العمليات الإجرامية وقعت في براثن الخسة والجبن، وأن استهدافها لرجال الأمن البواسل يؤكد على فشلها في تنفيذ مخططاتها التي تستهدف النيل من أمن مصر واستقرارها، والتي سقطت أمام بسالة أبناء مصر الأوفياء من القوات المسلحة والشرطة المدنية.
وأعرب الأزهر الشريف عن خالص تعازيه ومواساته لقيادة مصر وشعبها الأبي وأهل الشهيدين، مؤكداً دعمه ومساندته للإجراءات التي تتخذها قوات الأمن المصرية للقضاء على هذه التنظيمات الإرهابية لحماية مصر وشعبها من شرورها، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمد الشهيدين بواسع رحمته وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل.
الدكتور عبد الحي
الدكتور عبد الحي عزب رئيس جامعة الأزهر
بينما على صعيد ما يسميه الأزهر تجديد الخطاب الديني فقد أكد الدكتور عبد الحي عزب، رئيس جامعة الأزهر، أن الذين يعملون على تغذية فهْم الإطاحة بالثوابت لتجديد الخطاب الديني، يعملون من منطلق خاطئ؛ وذلك لأن البيت حينما يُبْنى لا بد أن يكون على أركان، مضيفًا أن للإسلام خمسة أركان فهل يمكن الاستغناء عنها لتجديد الخطاب الديني؟ وأضاف عزب خلال مؤتمر رابطة خريجي الأزهر، بعنوان "الخطاب الديني بين التراث والمعاصرة من الشباب للشباب"، أن أركان الإسلام والثوابت ليست في معرض التجديد، والتي عبر عنها المتخصصون بمقاصد الشريعة، مؤكّدًا أن الأمر معنى به العلماء لا الجهلاء. وأشار عزب إلى أن الطامة الكبرى التي نعيشها أن كل من هب ودب يتصدر للدعوة والفتوى، وأضفى الإعلام على هؤلاء ألقابًا مثل الداعية الكبير، وتم إلباس الباطل بالحق، لتحقيق مآرب، منها سياسية أو شخصية، وسط تميز في القول مع قصد غير شريف. وأوضح عزب، أن العالم رضى بأيديولوجية واحدة هي الأزهر بعد أن وجدوا فيه الصدق ووجدوا في غيره الضلال، مضيفًا أن الأزهر لما اتسم بالصدق والوسطية كان محل أنظار العالم في مواجهة أعداء الكلمة وأعداء الإنسانية، الذين يحاولون النيل من الأزهر حقدًا، مشيرًا إلى عدم النيل من جامعة الأزهر وهي في أمن وأمان، بجهد الإمام الأكبر والمساندة المجتمعية. وقال عزب، إنه اتجه إلى إزالة جذور التطرف والتشدد ومحاولات اختطاف جامعة الأزهر، مؤكّدًا أن المخطط باق بمحاولة وقف الدراسة بالأزهر في كليات الطب، والعلوم، والصيدلة، وباقي الكليات التطبيقية، وفصل الدين عن الدنيا، مضيفًا أن الجامعة استضافت 28 مؤتمرًا علميًّا لإجهاض محاولات فصل الكليات التطبيقية عن الكليات الشرعية، مؤكدًا أن الجامعة تحرك قوافل للبناء والعلاج بدلًا من الطالب الذي كان يلقي المولوتوف على المواطنين.
وحديث رئيس جامعة الأزهر إنما يبين احتكار الأزهر لصحيح الدين دون غيره، متناسيا أن هناك جامعات دينية أخرى في العالم الإسلامي لها اجتهاداتها وفهمها وفقهها الذي يتناسب مع أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وأن مقاصد الشريعة لا أحد ينالها بل إن كل الأديان السماوية والأرضية تدعو إلى الحفاظ على نفس المقاصد "النفس، والعقل، والنسل، والدين، والمال"، فالحفاظ على هذه المقاصد لا يختلف عليها أحد بينما يأتي الخلاف حول كيفية الحفاظ على هذه المقاصد، وأن المذهب الأشعري الذي يتبعه الأزهر ليس هو المذهب الوحيد لدى أهل السنة، وكان من الأفضل لرئيس جامعة الأزهر أن يدعو إلى حوار بين المذاهب الإسلامية ومناقشة تلك المذاهب، بدلًا من اتهامها بالضلال؛ مما يؤدي إلى العنت وبعد المسافة والخلاف الذي يؤدى في النهاية إلى التعصبات المذهبية التي تنتج الإرهاب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن رئيس جامعة الأزهر هو وغيره من العلماء المنتمين للأزهر، والذين يتحدثون عن ثوابت الدين في كل مناسبة عن تجديد الخطاب الديني لا يقومون بتعريفنا ما هي ثوابت الدين؟ من وجهة نظرهم. 
عباس شومان وكيل الأزهر
عباس شومان وكيل الأزهر الشريف
مثال آخر للخطاب الأزهري الذي يدعو للفرقة أكثر ما يدعو إلى الحوار ولم الشمل وهو  عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، حيث قال أمس الاثنين 24 أغسطس 2015: إن تجديد الخطاب الديني بدأ مع مهد الدعوة الإسلامية، وقد مارسه الرسول صلي الله عليه وسلم؛ لأن الأمر قضية لازمة من لوازم الشريعة الإسلامية، مستدلًا بنهي الرسول للصحابة عن كتابة السنة، وأمرهم بكتابة القرآن، خشية من الخلط بين القرآن الكريم ونصوص الحديث النبوي، وعندما تأكد من قدرتهم على عدم الخلط وزوال العلة أذن لهم بالكتابة، وهذا نموذج لتجديد الخطاب الديني- ولم ندر متى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة ولم يوضح هذا وكيل الأزهر- وأكد شومان، في كلمته خلال المؤتمر الأول لإدارة سفراء الهداية بالرابطة العالمية لخريجي الأزهر، بعنوان "الخطاب الديني بين التراث والمعاصرة من الشباب للشباب"، أنه لا خلاف بين العلماء على أهمية التجديد، مشددًا على أن عدم التجديد فيه مخالفة للشريعة الإسلامية.
وأضاف أن له رؤية ثابتة لتجديد الخطاب الديني، تكمن في استعادة الخطاب من خاطفيه، وتصحيح مساره بعد أن استغله أصحاب الأهواء في سفك الدماء وانتهاك الحرمات، وإبعاد المتطفلين عن ساحة الخطاب الديني، بل وإبعاد الخطاب الديني نفسه عن الاستغلال من قبل أصحاب الأهواء السياسية والمصالح الضيقة، إضافة إلى تصفية الخطاب الديني من المغالطات والأفكار غير المستمدة من الكتاب والسنة وآراء الفقهاء العظام، وتجديده بما يوافق الزمان والمكان، منوهًا بأن تراث الفقهاء تاج على رءوس الجميع، ولا ابتعاد عنه، رغم المحاولات اليائسة من البعض. وهنا تكمن المشكلة داخل الأزهر فإن الذهنية الأزهرية متمسكة بما قاله الفقهاء، ملبسين هؤلاء الفقهاء لباس القداسة والعصمة، بغض النظر عن احتياجنا لفقه الواقع.. هذا الفقه الذي أمرنا الشارع بالتعامل فيه، وكان أيضًا حديث هؤلاء الفقهاء القدامى، حيث كانوا ينتجون فقهًا يتوافق مع واقعهم المعيش.
وتابع: "فالتراث أصل في مناهج الأزهر وسنظل متمسكين به"، لافتًا إلى أن الفتاوى الصادرة عن الفقهاء السابقين ليست ملزمة لتغير الأزمنة والأحوال، وهذا ليس معناه الهجوم على التراث؛ لأن السابقين هم من طالبوا اللاحقين بمراجعة كتبهم ومطابقة أقوالهم للأزمان والعلل، وإذا تغيرت العلل فعلينا العودة إلى الاجتهاد."
ويمضي في تمسكه بالتراث وأقوال العلماء القدامى قائلا: "إن هناك ظلمًا بينًا واقعًا على الأزهر في قضية تجديد الخطاب الديني، رغم ما يتم بذله من جهود كبيرة". متسائلًا: "هل المقصود من التجديد عند منتقدي الأزهر أن نطرح التراث جانبًا ونؤلف أحكامًا جديدة، فهذا معناه التبديد لا التجديد، ولم يفعله الأزهر ماضيًا ولن يفعله حاضرًا ولا مستقبلًا؛ لأننا نجدد الخطاب عن قناعة وأسس علمية". لا أحد ينادي بطرح التراث جانبًا بل يجب يا فضيلة وكيل الأزهر أن نقتل هذا القديم بحثًا حتى نقف على أسس نهضوية سليمة دون تقديس هذا التراس واعتباره قرآنا منزلًا".
وذكر أن الأزهر طور في مناهجه التعليمية وشكل لجانا علمية استمرت أكثر من عام ونصف تواصل العمل فيها ليل نهار على مراجعة الكتب والمناهج الدراسية لمرحلة التعليم قبل الجامعي، وانتهت بعون الله، وتم مراجعتها من قبل هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، وتم إقرارها، والكتب الآن في المناطق الأزهرية تنتظر انطلاق العام الدراسي الجديد، وستراجع كل 3 سنوات، مشيرا إلى أن هناك لجنة تعمل الآن على تطوير التعليم الجامعي بالأزهر.
وأضاف أن الأزهر الشريف أعلن سابقًا أن العام المقبل سيكون عام التعليم الابتدائي، وبدأنا في اتخاذ خطوات فاعلة من هذا العام بإقرار نظام رياض الأطفال ليكون الرافد الأساسي للقبول بالتعليم الأزهري بدءًا من الأعوام المقبلة.
وفي إطار التجديد في مجال العمل الدعوي قال وكيل الأزهر: "إن الدورات التدريبية للأئمة والدعاة من العالم الإسلامي لا تتوقف، فلا تنقضي دورة إلا وتبدأ التي تليها، كما تعقد الدورات التدريبة للعلماء والباحثين بالجامع الأزهر الشريف حول تجديد الخطاب الديني".
شيخ الأزهر أحمد الطيب
شيخ الأزهر أحمد الطيب
وأشار إلى المواجهة التي تتم على أرض الواقع من خلال مرصد الأزهر الشريف الذي يعمل ليل نهار على رصد أفكار التنظيمات المتطرفة بمختلف اللغات والرد عليها بنفس اللغة؛ من أجل حماية الشباب المسلم من الوقوع في براثن تلك الجماعات، أضف إلى ذلك قوافل السلام العالمية التي انطلقت برعاية الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين إلى دول العالم تتحدث عن سماحة الإسلام وتدافع عنه باللغات المختلفة.
وأعلن وكيل الأزهر عن قيام مجمع البحوث الإسلامية بطبع مجموعة من الكتب التي تتحدث عن وسطية الإسلام وتوضح حقيقته وترد شبه الجماعات المتطرفة بعدة لغات وسيتم طرحها قريبا، مشيرًا إلى قيام الأزهر بخطوة جديدة من نوعها، وهي فتح الباب أمام السيدات للعمل في مجال الدعوة والإفتاء وسيتم تعيين 500 واعظة بالأزهر قريبًا.
وأعلن انتهاء الأزهر من إعداد مركز الفتاوي المباشرة، والذي سيتم العمل فيه قريبا للرد على فتاوي المواطنين عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ووسائل الاتصال الحديثة يضم أكثر من 300 من علماء الأزهر الشريف وسيعمل على مدار اليوم دون توقف، إضافة إلى تطوير العمل بلجنة الفتوي بالجامع الأزهر والتي أصبحت تضم حاليًا مجموعة كبيرة من علماء الأزهر الشريف.

شارك