45 جلسة عرفية في 4 سنوات.. وازدراء الأديان والحض على الكراهية في الصدارة

الأربعاء 30/ديسمبر/2015 - 11:11 م
طباعة الجلسات العرفية لم الجلسات العرفية لم تفلج فى نزع فتيل الأزمة
 
95% من جلسات الصلح العرفي في مصر أدت لزيادة الاحتقان الطائفي 
في دراسة حديثة حول تنامى العنف الطائفي والتعامل معها عبر جلسات الصلح العرفية، رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 45 حادثة اعتداء طائفي منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى نهاية عام 2014،  مع الإشارة إلى أن هذا الرقم لا يمثل جميع حالات الاعتداءات والتوترات الطائفية التي شهدتها مصر خلال هذه الفترة، حيث سبق وان رصدت المبادرة مائة وخمسين حادثة طائفية خلال الفترة من 25 يناير 2011 حتى منتصف عام 2013، راح ضحيتها ما يزيد على مائة وستة عشر قتيلًا بخلاف مئات المصابين، منها على سبيل المثال اشتباكات منشية ناصر والاعتداءات الطائفية بإمبابة -2011- والاعتداءات على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية – 2013- التي خلفت أعدادًا كبيرة  من القتلى، كما لم تتضمن هذه القائمة أعمال النهب والحرق التي أعقبت فض اعتصامي رابعة والنهضة  للكنائس والمباني الدينية وممتلكات الأقباط، التي طالت ما يزيد على مائة منشأة دينية مسيحية.
من يدافع عن حقوق
من يدافع عن حقوق ضحايا العنف الطائفي
ومن خلال الدراسة - التي اعدها إسحق إبراهيم مسئول برنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية لحقوق الشخصية - تم رصد 13 محافظة شهدت جلسات صلح عرفية على خلفية توترات طائفية، وبنسبة 48% تقريبًا من محافظات الجمهورية، جاءت معظمها في صعيد مصر، فكل المحافظات جنوب القاهرة باستثناء محافظتي الوادي الجديد والبحر الأحمر، وردت في قائمة المحافظات التي استخدمت فيها هذه الجلسات كآلية للتعامل مع التوترات والنزاعات الطائفية، واعتبرت الدراسة أن هذا ربما يعود إلى التواجد المسيحي الملحوظ في هذه المحافظات مقارنة بمحافظات الدلتا والمحافظات الحدودية، بما يسمح بوجود علاقة متبادلة، يترتب على بعضها توترات واعتداءات ذات طابع طائفي، كما يغلب الطابع الريفي ووجود قبائل عربية في هذه المحافظات، بما يشكل سلطة موازية لسلطة الدولة تشجع هذا الشكل لإنهاء المنازعات.
وجاءت محافظة المنيا  في المركز الأول بين محافظات الجمهورية، بعدد خمس عشرة حالة، وبنسبة 33.3%، وهو يعد مؤشرًا على أجواء التوتر الطائفي السائدة في هذه المحافظة، معتبرة أن ذلك من أحد الأسباب التي تدعو المسئولين والقيادات المحلية إلى اللجوء إلى جلسات الصلح العرفي لفرض التهدئة المجتمعية ومنع امتداد  نطاق الاعتداءات الطائفية لتشمل وحدات محلية أخرى بخلاف أطراف المشكلة، بينما جاءت محافظة بني سويف في المركز الثاني  بخمس حالات، وتلتها خمس محافظات هي القاهرة، أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر، لكل منها ثلاث حالات، ثم جاءت محافظات الجيزة والإسكندرية والفيوم والأقصر بحالتين لكل منهما، أخيرًا، حالة واحدة في كل من محافظتي البحيرة والشرقية.
رصدت الدراسة أن عام 2011 شهد 16 حالة، وقد تراجع عدد الحالات في العام التالي 2012 إلى تسع حالات، ثم عاودت التزايد مرة أخرى في 2013 وسجلت 14 حالة، والاشارة إلى أن أكثر الحالات وقعت في أثناء حكم المجلس العسكري، 21 حالة خلال ثمانية عشر شهرًا من يناير 2011 حتى يونيو 2012، بمعدل 1.2 حالة كل شهر، حيث تزايدت مظاهر التوتر والاعتداءات الطائفية، ومن ثم تصاعد استخدم الجلسات العرفية لتسوية هذه المشاكل، وتليها فترة الرئيس المعزول محمد مرسي خمس عشرة حالة خلال اثني عشر شهرًا، بمعدل 1.25 لكل شهر، أما فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور والرئيس الحالي عبد الفتاح السياسي، فقد شهدت تسع حالات، نظرًا إلى تراجع العنف الطائفي بعد عدة أيام من فض اعتصامي رابعة والنهضة، وذلك لأسباب عديدة من أبرزها تزايد نفوذ الأجهزة الأمنية، وتواري دور منتمي التيار الإسلامي على المستوى المحلي.
وكما رصدت الدراسة، تنوعت الأسباب التي أدت إلى وقوع اشتباكات واعتداءات طائفية، وتم رصد ستة أنواع، الأولى منها أسباب تشمل أحداث العنف الطائفي على خلفية ممارسة الشعائر الدينية كمنع افتتاح كنيسة جديدة، أو منع الصلاة في كنيسة قائمة، أو منع أعمال ترميم كنيسة أو مبنى خدمي قائم  أو الاعتراض على تركيب جرس وتبلغ نسبتها  حوالى 31%، ومنها أسباب ناتجة عن العلاقات بين رجال وسيدات مختلفي الديانة وتبلغ نسبتها 29%، وعدد قليل  من هذه الصدامات كان ناتًجًا عن  تحرش أو اتهامات بالاعتداء الجنسي، وفي جميع الحالات تأخذ المشكلة بعدًا طائفيًّا بانضمام مناصرين لكل طرف على خلفية دينية، أو التوجه للاعتداء  على كنيسة قريبة من موقع الأحداث، مع الإشارة إلى أنه كان من الملفت للنظر اندلاع عنف طائفي على خلفية ممارسات عادية، كدفع مسيحي لأجرة سيارة ميكروباص لجارته المسلمة، أو  سير مسيحي برفقة جارته المسلمة في وضح النهار، وكان النمط العام لهذه الاعتداءات، يتمثل في قيام أفراد بالتحريض وحشد عدد من أهالي القرية أو المركز للاعتداء على الأقباط بدون تمييز، وقد استخدمت بعض المساجد والزوايا للدعوة "للثأر لشرف المسلمين من النصارى"، وعند ذلك تتوجه الحشود الغاضبة  أولًا إلى منزل الشخص المسيحي الذي اتهم بالاعتداء، وهو ما يتطور في كثير من الأحيان إلى  نهب وإشعال النيران في ممتلكاته، ثم يتوجه المعتدون إلى منازل أقباط لا يشتركون مع طرف المشكلة إلا في الهوية الدينية، وفي عدد من الحالات يتم مهاجمة الكنائس والاعتداء على من بداخلها، مع ترديد هتافات دينية عدائية. 
الى متى تستمر الجلسات
الى متى تستمر الجلسات العرفية ويغيب القانون
بينما  في 7 حالات أخرى تم الاعتداء على أقباط وإنزال عقاب جماعي على الهوية الدينية، بما يزيد على 50 % من الحالات، و في 6 حالات  تمت محاصرة الكنائس القريبة والاعتداء عليها، بداية من الرشق بالحجارة وتكسير أجزاء من السور والصلبان الخارجية، ومرورًا باقتحامها والعبث بمحتوياتها، وانتهاءً بحرقها وهدمها. فقد تعرضت 4 كنائس لاعتداءات واسعة النطاق بسبب مشكلة ترتبط بهذا النوع من التوترات الطائفية، وهي كنيسة الشهيدين مار جرجس ومار مينا بقرية صول بمركز أطفيح جنوب القاهرة حيث تعرضت للحرق والهدم، وكنيسة أبو فام الجندي بقرية المراشدة بقنا حيث اُقتحمت وكسرت أبوابها وصلبانها، وكذلك كنيسة الأمير تادرس بقرية منبال بمركز مطاى شمال المنيا، التي اقتحمت وتم العبث بمحتوياتها وتكسير نوافذها، ومبنى خدمات كنيسة بقرية البصرة بمركز العامرية بالإسكندرية.
كما تم رصد حالة وحيدة قام المعتدون، وهم منتمون إلى التيار السلفي، بقطع أذن مسيحي بحجة قيامه بتأجير شقة لسيدة مسلمة اتهموها بأنها سيئة السمعة، فقاموا بحرق الشقة والاعتداء على السيدة والمسيحي بقطع جزء من الأذن والاتصال بالأجهزة الأمنية وإبلاغها بأنهم نفذوا "شرع الله" وأنهم في انتظار قدوم الشرطة لتنفيذ أمر القانون. 
كما رصدت الدراسة أيضا أنواع آخري من الأسباب التى ترتب عليها جلسات الصلح العرفية، وهى متعلقة بحرية التعبير في موضوعات دينية، وبلغت 8 حالات، وهي ليست كل ما يعرف بـ"حالات ازدراء الأديان"، ولكنها تقتصر فقط على الحالات التي أعقبها عنف ديني وعقاب جماعي، وكانت ضد مسيحيين فقط، خمسة منها بدأت الواقعة بضغط علامة "لايك" على صورة أو تعبير اعتبره البعض مسيئًا للإسلام على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حالة واحدة كان  الاتهام الموجه إلى مسيحي بأنه أساء إلى مشايخ التيار السلفي، حين أجرى مقارنة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك بين مقولتين عن التعليم، إحداهما كانت للشيخ الحويني والثانية للدكتور محمد البرادعي، بالإضافة إلى حالة تطورت على إثر مناقشات دينية  بين طالبات بالمدينة الجامعية في أسيوط، وحالة أخرى ناتجة عن اتهام طفلين أميين بتمزيق نسخة من المصحف. وكانت جميع هذه الحالات بمحافظات الصعيد:  ثلاثة بالمنيا، وحالتان بأسيوط، وحالة وحيدة في كل من بني سويف والأقصر وأسوان.
وهناك مجموعة رابعة تشمل المشاجرات والنزاع على أراضٍ أو غيرها من الممتلكات وتبلغ نسبتها 16%، وهي عادةً ما تبدأ كمنازعات عادية كأية نزاعات بين طرفين مشتركين في الديانة لكنها سرعان ما تتحول في بعض الأحيان إلى اعتداءات طائفية، إلى جانب مجموعة خامسة، شمل النزاعات ذات الصلة بممارسة الحقوق السياسية والاستقطاب الديني على خلفية استحقاقات سياسية، ولعل من أبرزها ما حدث في إبان الانتخابات البرلمانية في يناير 2012 من منع مسيحيي قرية الرحمانية في محافظة قنا من التصويت، بدعوى دعمهم مرشحًا من أعضاء الحزب الوطني المنحل في مواجهة مرشح ينتمي إلى أحد الأحزاب الإسلامية، وفي حالة أخرى وقعت اعتداءات طائفية واسعة النطاق بقرية بني أحمد الشرقية بمحافظة المنيا، ذات الأغلبية المسيحية،  على خلفية تشغيل مسيحي لأغنية  "تسلم الأيادي" المناصرة لإجراءات  عزل الرئيس بالسابق محمد مرسي، عند  قدوم سيارات تحمل أنصار الرئيس المعزول إلى القرية لتنظيم مظاهرات بداخلها. 

جلسات عرفية ضد القانون
جلسات عرفية ضد القانون
وهت الدراسة إلى انه بالنظر إلى المجموعات الخمس السابق ذكرها يتضح أن الصدامات الطائفية التي شهدت جلسات عرفية لحلها عادةً ما تسير عبر مسارين رئيسيين،  المسار الأول شائع في النزاعات العادية التي تبدأ بعلاقات مالية أو نزاع على أراضٍ أو  علاقات عاطفية رضائية أو تحرش، ثم تتخذ بعدًا طائفيًّا بانضمام  آخرين ليسوا على علاقة بأطراف المشكلة إلا بانتمائهم إلى نفس الديانة، حيث يتم الحشد الديني عقب اندلاع المشكلة، لإنزال ما يمكن تسميته بالعقاب الجماعي على الأقباط وممتلكاتهم، وفي بعض الحالات يتم التوجه إلى الكنيسة القريبة للاعتداء عليها، وحرقها أو وهدم أجزاء منها،  أما  المسار  الثاني فهو يبدأ طائفيًّا ويستمر كذلك، مثل النزاعات المرتبطة بممارسة الشعائر الدينية واعتراض السكان المحليين عليها، وما يعرف بالاعتداءات المترتبة على ما يعرف بـ "ازدراء الأديان"، وفي هذه الحالات تتوجه الجموع الغاضبة تجاه الكنيسة مباشرة في محاولة لاقتحامها، أو الاعتداء عليها، وفي كثير من الحالات تتم محاصرتها ومنع المصلين من الدخول إليها. 
وحسب ما رصدته الدراسة جاءت قرارات الجلسات العرفية في النزاعات الخاصة ببناء وترميم الكنائس لإرضاء الجانب الأقوى (المسلمين) على حساب الجانب الضعيف (الأقباط)، مع الضغط عليهم للتنازل عن حقوقهم القانونية لا سيما في الحالات التي تم خلالها الاعتداء على الكنيسة أو ممتلكات الأقباط، ونتيجة لما سبق تم وقف العمل في توسعات  خمس كنائس تم والاتفاق على بناء سور يحيط المساحة القديمة، ويفصلها عن المنطقة المجاور، كما تم  نقل كنيستين إلى موقع  آخر، الأولى في قرية القمادير  بمحافظة المنيا، أما الكنيسة الثانية فكانت كنيسة  مار جرجس بقرية طرشوب بمحافظة بني سويف، كما تم رفض فتح كنيسة بعد تجديدها وهو ما حدث في حالة كنيسة السيدة العذراء والأنبا إبرام بعين شمس بالقاهرة. 
كذلك تم منع استكمال بناء منزلين بحجة تحويل كل منهما إلى كنيسة للصلاة فيها: الأول كان بقرية أولاد خلف بمحافظة سوهاج، والثاني بقرية النصيرات بنفس المحافظة، وتم أخذ إقرارات كتابية على صاحبيهما بعدم استخدام المبنيين لأغراض أخرى، إلى جانب وقف استكمال بناء كنيسة مار جرجس بعزبة يعقوب القبلية ووضع شرط الحصول على الموافقات الرسمية وهي الحالة الوحيدة التي تم  فيها الحصول على تصريح كتابي بعد عدة شهور والبدء في استكمال تشطيبات الكنيسة والصلاة بداخلها.
ومن بين 14 حالة توتر طائفي بشأن بناء وترميم الكنائس والصلاة بها، لم تصدر أية قرارات في صالح الجانب القبطي، باستثناء حالة كنيسة عزبة يعقوب القبلية السابق الإشارة إليها.

شارك