خبير أمريكي: "الثورية والخلود" سر جاذبية "داعش"

الإثنين 30/مايو/2016 - 12:51 م
طباعة خبير أمريكي: الثورية
 
حديث صحفى مع الباحث والكاتب المتخصص في علم الإنسان "سكوت آتران" مؤلف كتاب "ثورة داعش"، ومعه "رافائيل ليوجيه" فيلسوف وعالم فى علم الاجتماع:-
نص الحوار:
ذكرت فى كتابك أن هناك تحقيرًا شاملًا لجاذبية "داعش"، و"اليوتيوبية"، وحتى القيمة التى تمثلها هذه المنظمة: فهل الإرهابيون والسايكوباتيون، أو كما يصفهم "أوليفيه روى" بـ "العدميين" لهم قيمة؟
"سكوت آتران": إذا ما تحدثنا عن "السايكوباتيين"، أو "العدميين"، فلن يساعد ذلك فى فهم هذه الظاهرة: إذ كيف يمكن أن نفسر وجود أتباع "لداعش" فى مئات الدول؛ رجالاً ونساءً من مختلف الأعمار، ومن يعتلون مناصب اجتماعية مختلفة ؟ بعض الشباب المهمشين فى فرنسا، وطلبة الجامعة فى بريطانيا العظمى، وبعض الحرفيين فى شمال إفريقيا ينجذبون لمعنى الثورة الذى تمثله "داعش"، وبالتغيير العميق لحياتهم التى سوف تقدمه لهم، فهم يعتبرون أن حياتهم الحالية مجردة من المعنى، وهو ما يطلقون عليه "العدمية"، ويأملون فى الخروج منها ومعظمهم، حتى وإن كانوا مجرمين، يشعرون بأنهم مكلفون بمهمة أخلاقية، غير أن ما يتعين تفسيره وتوضيحه هو : لماذا انبهر هؤلاء الناس الطبيعيون بهذه المغامرة الثورية؟
"رافائيل ليوجيه": إننى أؤيد وجهة نظر "أوليفيه روى"، فأنا أعتقد أننا أمام "أسلمة الراديكالية" أكثر من "راديكالية الإسلام"، لكننى لا أتفق معه فى أننا أمام لحظة العدمية؛ فالعدمية ظاهرة تندرج تحت تطور التحديث الغربى الليبرالى، "فداعش" تعتقد أن البشرية لا تستطيع العيش بدون أسطورة؛ فالأرض الخيالية، أو الوهمية تسبق العقل، ويتعين الوصول إلى هذه الأرض بمعنى الالتصاق، وهي قبل الالتحاق بأى مشروع جماعى بمعنى الانضمام..
فالارتباط يصل بنا إلى "رغبة الوجود"، وهى المرتبة الأولى قبل "رغبة الخلود"، وأيضًا قبل "رغبة العيش" (يكون)، تعني أن يُذكر اسمك فى أسطورة أو قصة. فعندما نسأل طفلاً :"ماذا يرغب في أن يصبح مؤخرًا؟" فنحن إذن أمام فكرة "السرد التاريخي"، والدين ليس سوى "سرد تاريخي" قبل أي شيء!!.
"فداعش" - أكثر من القاعدة- تلعب على حبل واحد، وهو "اللاهوتية المذهبية"، ومن الممكن أن نكون غير مثقفين، فلا نعرف الألفاظ القرآنية، وغير دارسين للغة العربية القديمة ونتعلق، بمعنى الالتصاق بصور راديكالية، أعطت معنى للحياة، وهذا المعنى لم يعشه هؤلاء الأفراد من منطلق العدمية، لكن الإيجابية، حتى وإن تحوَّل ذلك إلى أعداد هائلة من القتلى من وجهة نظرنا، وحقيقة الانتحار ليست رغبة في الموت، لكنها رغبة في العيش "خارج هذا العالم".
هل يطمحون بصدق إلى الجنة؟!
بالتأكيد، فقد أضافت "داعش" إلى الخطاب الأيديولوجي واللاهوتي "للقاعدة" أسلوب تسويق تستخدمه مع الجميع؛ توضيحًا للصورة وسردًا تاريخيًا خاصًا لجذب الرجال، والنساء، والمثقفين، والفقراء، وقد أدى ذلك إلى إنشاء مجال لدين الجهادية، الذي أصبح - بشكل نسبي- مستقلًا عن جوهر الإسلام.
"سكوت آتران": إننى أؤيد فكرتك التي تؤكد أن أفرادًا متنوعين ينجذبون إلى "داعش"؛ لأنهم يبحثون عن سرد تاريخي يعطي معني لحياتهم، نفس الحالة كانت في "البلشفية"، و"النازية"؛ فأتباع "داعش" يعتقدون أنهم ينقذون العالم، حتى وإن كانت رؤية قيامية (متعلقة بنهاية العالم)، لأنه يتعين هدم هذا العالم أولاً.
وفي هذا السياق؛ يمثل العنف وسيلةً للتحرر الشخصى وتحرير البشرية، وتتمتع "داعش" بكاريزما عالية في هذا المجال، فهي تستمع لكل شخص تجنده، أو توفر الزواج للمحرومين، فعلى سبيل المثال؛ خصصت "داعش"2000 ساعة للتحاور مع امرأة ترغب في تجنيدها.
"ليوجيه": و"داعش" تريد فى هذه الحالة تحقيق الالتحام أكثر من التعمق في البديهيات العقلية واللاهوتية.
"سكوت آتران": ويتعين ألاّ نتجاهل البعد الاجتماعي بالمعنى "المرتبط بالعلاقات"؛ فمن بين بعض الأفراد الذين تورطوا فى العمليات الأخيرة؛ 80% منهم انضموا إلى "داعش"مع أصدقائهم، فهم ينتمون إلى جماعات سبقت وجود "داعش"، واجتمعت لتنضم إليها.
فلقد أذهلني أن أجد فريق كرة قدم بأكمله، أو مجموعة من طلبة كلية الطب في السودان، أو عددًا من الجيران فى ليبيا أو المغرب قد اتجهوا نحو "داعش"، فكل محاولات التجنيد الحالية تهتم بالفرد، ونفسيته، واهتماماته، وهو اقتراب سهل للغاية، بحيث يتعين التركيز على الجماعات، وطرح مسألة الدين؛ لأن الدين هو المجال الذى يمثل مصنعًا جماعيًا لإعطاء معنى للحياة، ويسمح للفرد أن يعيش في وسط جماعة.
"سكوت آتران": فكيف فرض الإنسان نفسه فى هذه القضية على الرغم من كونه أضعف الكائنات؟ يعود ذلك إلى أنه شكَّل جماعات من الأفراد مستعدة للتضحية من أجل الآخر، ليس فقط لعائلاتهم لكن أيضًا للآخرين، الذين ينتمون إلى نفس الأفكار والأفكار المجردة، ويتمثل تناقض الإنسان في أن لديه بالتأكيد عقلاً، لكن أيضًا معتقدات مجردة، وهي التى تولِّد عنده التضحية، والتعاون، والاتحاد، وكلما اقتنعت جماعة بهذه الفكرة، زاد تأثيرها على جماعات أخرى.
"رافائيل ليوجيه": إني لا أعتقد أن الإنسان يمكنه التمييز بين المجال العقلي والأسطوري، فأساس الاندماج هو الأسطورة.
"سكوت آتران": أتفق معك حتى فكرة حقوق الإنسان أساسها دينى، فبعد 200 ألف سنة فى التاريخ البشري، ابتدع المفكرون في أمريكا وفرنسا فجأة هذه الأسطورة. وعن طريق الحروب والاهتمام الدستوري والاجتماعي، بدأوا فى تطبيقها، إنني مقتنع تمامًا أن الحضارة متقطعة، ومن الممكن أن تنهار، "فداعش" تطرح حاليًا بديلًا يتمتع بقوة جذب كبيرة!!.
"رفائيل ليوجيه": فرض الأسطورة، غير أنه قد يحدث في لحظة أن تتحول الأسطورة إلى وهم، فهل من الممكن خداع الإنسانية والقيم الليبرالية؟
"سكوت آتران": ليس بالضرورة؛ فى الستينيات، أعلن "برنارد لويس" أن الإسلام في طريقه ليصبح دينًا "اسميًا"، لكنَّه كان مخطئًا؛ فالإسلام تحت بعض الظروف السياسية والاجتماعية يستعيد نشاطه!!.
لماذا تتحدث يا "سكوت آتران" عن الثورة إذا ما تحدثت عن "داعش"؟
"سكوت آتران": "داعش" تعِد بعالم جديد، وقد وجدوا الوسائل التى ساعدتهم على تقديم رؤيتهم: أرض واسعة، وعدد ضخم من المؤيدين، في عالم أهل السنة. والحديث عن "داعش" يكون السؤال هل أنت مع أو ضد!!.
إن سؤال:  هل أنا مع "داعش" أو لا، لم يُطرح بالفعل فى فرنسا؟
"سكوت آتران": إن غالبية الناس فى فرنسا ضد "داعش"، لكن ليس هناك منافس أمام "داعش".
"رفائيل ليوجيه": أنا متأكد أن الفرنسيين الأصليين المعارضين للجهاد مصطفون ضد "داعش"؛ حتى تتوحد كلمتهم.
"سكوت آتران": لماذا أصبحت "داعش"، التي لم تظهر سوى منذ عامين فقط، متواجدة الآن حتى فى الأماكن البعيدة من غينيا الجديدة حتى الغابات الاستوائية فى البرازيل؟ لأن أفكارها معدية (أو سهلة الانتقال)، وأنهم يوفرون الوسائل المادية لتأكيد رؤيتهم، فـ"هتلر" قد أدرك أن البشر لا يتطلعون فقط إلى الرخاء، والأمن، والصحة! ولكن أيضًا إلى الحماية من الخطر والحرب، والتضحية، والسمو، وقد أيده 80 مليون فرد، بل العنف نفسه أقنعهم باتباعه.
ما الذي يتعين فعله لتفادي انجذاب الشباب إلى حلم "الخلافة" الذي تدعو إليه "داعش"؟
"سكوت آتران": الشباب يعبرون عن أنفسهم، ويحددون الحلم البديل، وعلينا تحقيقه، فيجب علينا الاستماع لهم، لا بد من فهم سبب ذهاب الآلاف من الشباب إلى سوريا، لماذا عشرات الآلاف يرون في "داعش" مصدرًا للأمل، وبدلاً من ذلك، نطالبهم "بالاعتدال"، فأي شخص لديه مراهق في أسرته، يعلم أن هذا أمر  مضحك!!.
"رفائيل ليوجيه": مضحك!!.
"سكوت آتران": نحن نرسل إليهم رسائل تذكرهم بأن "داعش" منظمة وحشية، تقطع الرقاب، وتقتل الأبرياء، وتسيء معاملة النساء، وهم يعلمون ذلك جيدًا! بدلاً من أن تعد لهم برامج لمحاربة الفقر والتهميش.
فكم فردًا لدى الولايات المتحدة، التى تحارب الإرهاب، مستعدون للتحاور مع الأفراد الذين من الممكن أن يتأثروا "بداعش"؟ لا يوجد سوى واحد فقط فى "لوس أنجلوس"، في الوقت الذي ينفقون فيه مليارات الدولارات على مكافحة الإرهاب!.
"رفائيل ليوجيه": يتعين الامتناع عن التسويق "لداعش"؛ فعندما يتحدث "مانويل فال" عن حرب الحضارة، عندما يخلط بين الإسلام، والتعصب، والسلفية ، فهو يعطى بذلك الشعور بأنه سوف يتم اضطهادهم، وهذا ما تحاول "داعش" إثباته بالضبط، مثل فكرة منع الصلاة بالعربية، أو الحديث عن مراكز.
 حديث لمجلة "نفيل أوبزرفاتور" الفرنسية  

شارك