"ختان الإناث" بين السلفيين والأزهر
الخميس 02/يونيو/2016 - 03:59 م
طباعة
كثيرات هن البنات اللائي فقدن حياتهن نتيجة لعملية الختان، خصوصًا في القرى والنجوع دون أن يشعر بهن أحد، وآخر تلك الحالات التي تسبب الختان في وفاتهن وكانت ضحية لتلك الفتاوى السلفية المنتشرة ليل نهار في برامج تليفزيونية وعلى منابر المساجد، هي طالبة محافظة السويس التي فارقت الحياة نتيجة لعملية الختان في مستشفى خاصة في أواخر مايو 2016، وبعيدًا عن الموقف القانوني الذي تم اتخاذه تجاه المستشفى والطبيبة التي أجرت العملية، وأمر محافظ السويس بغلق المستشفى ومن ثم إصدار النيابة العامة أمر ضبط وإحضار للطبيبة، نتناول هنا الموضوع من شقه الديني أو الشرعي كما يحب رجال الدين سواء داخل المؤسسة الدينية أو خارجها تسميته.
السلفيون وختان الإناث
بدايةً نعرض فتوى للمتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية المهندس عبد المنعم الشحات الذي يقول في مقالة له على موقع أنا سلفي تحت عنوان "ختان الأنثى وثقب أذنها"، يقول: "عداء النصارى للختان عداء قديم، وهو يمثل أحد مظاهر الضلال والتخبط في دين النصارى الذين أرادوا أن يخالفوا اليهود في هديهم الظاهر نكاية فيهم؛ لأنهم كفروا بعيسي -عليه السلام-، رغم علم النصارى أن الختان من سنن إبراهيم -عليه السلام- ومن سنن أنبياء بني إسرائيل من بعده، وأنه ليس أمراً قد اخترعه اليهود من عند أنفسهم وفي كتابهم إلى يومنا هذا القول المنسوب إلى عيسي -عليه السلام-: "ما جئت لأنقض الناموس ولكن لأتممه"، ومع هذا كله عادى النصارى الختان للذكور والإناث حتى صارت القلفة شعارهم، فجمعوا بين نجاسة الباطن بالشرك وبين نجاسة الظاهر من اجتماع البول تحت قلفاتهم. وظل النصارى على حالهم من ترك الختان حتى دلت أبحاثهم الطبية على مسئولية ترك ختان الذكور عن أمراض كثيرة منها سرطان الجهاز البولي، بل ووجدوا أن الأقلف يسبب كثيراً من الأمراض لزوجته كسرطان الرحم، ومن ثم بدأ الغرب على استحياء يتراجع عن معاداة ختان الذكور، ثم بدأ يشجع على ختان الذكور، وذهبت تعاليم الكنيسة أدراج الرياح، وذهب دفاعهم المستميت عن هذه القلفة وعن فوائدها إلى طي الكتمان، وفي محاولة منهم للتعتيم على هذه الحقيقة العلمية الجديدة التي تأتي موافقة لدين الإسلام دين الفطرة، عاد الغرب ليهاجم ختان الإناث في الإسلام، وساعدهم على هذا أن الأضرار الطبية الناجمة عن ترك ختان الإناث أقل من الأضرار الطبية الناجمة عن ترك ختان الذكور، لا سيما وأن كثيراً من الإناث يولدن ولسن في حاجة إلى ختان، إذا ما استصحبنا الصفة الطبية والشرعية لختان الإناث المبينة في قوله -صلى الله عليه وسلم- لخاتنة في المدينة: "اخفضي ولا تنهكي"".(1) هكذا يؤكد الشحات أن ترك سنة ختان الإناث كما يدعي هي تماشٍ مع الغرب الكافر ويمثل أحد مظاهر الضلال والتخبط في الدين!
المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية المهندس عبد المنعم الشحات
ويستكمل عبد المنعم الشحات: "جاء الشرع بولاية الكبير على الصغير ولاية يسأل عنها أمام الله -عز وجل- والولي عليه أن يطبق ما يأمره به الشرع في حق صغيره، ويجتهد في تقدير المصلحة فيما يحتاج إلى تقدير، وقد توسع علماؤنا -رحمهم الله- في ذكر ذلك في كتبهم حتى كتب العلامة ابن القيم في حق الطفل المولود خاصة كتاباً قيماً نافعاً لا نظن أن الغرب يعرف له نظيراً إلى يومنا هذا، وهو كتاب "تحفة الودود في أحكام المولود".
وقد ذكر العلماء من ذلك وجوب أو استحباب أن يقوم الولي بختان صغيره أو صغيرته (بناء على وجوب الختان ذاته أو استحبابه على خلاف بين العلماء في ذلك، وجمهورهم على وجوبه في حق الذكر واستحبابه في حق الأنثى).
وذلك لأن تأخير الختان إلى أن يبلغ الطفل فيه ضرر ديني بتعرضه إلى كشف عورته بعد البلوغ، وضرر طبي حيث يشتد ألم الجرح ويتأخر برؤه، ثم خرج العلماء من ذلك إلى بحث مسألة ثقب الأذن حتى تكون مؤهلة للبس الحلق، فذهب جمهورهم إلى أنه مما يخاطب به الولي كذلك ثقب أذن ابنته الصغيرة، وعلى الرغم من أن تأخير ثقب الأذن لن يترتب عليه متى فعل حال الكبر الضرر الشرعي المتمثل في كشف العورة، وإنما سيترتب عليه ألم يسير من جراء تأخر برء الجرح، إلا أن الفقهاء رأوا أن من مسئوليات ولى الأمر أن يجنب ابنته هذا الظلم طالما كان ذلك ممكناً." (2)
وهكذا يؤكد عبد المنعم الشحات على أن الختان وثقب الأذن من الشرع ويدخلون في ولاية ولي الأمر والذي يسأل عنهما إذا ما لم يقم بهما تجاه طفلته، بل يؤكد الشحات أن العلماء اتفقوا على مشروعية الختان في إيحاء منه أن الختان أجمع عليه العلماء؛ حيث يقول: " وأنهم لم يقولوا بمشروعية الختان لاتصافهم بعقلية وحشية بربرية كما يدعي مدعو الحضارة في زماننا، بل لأنهم علموا أن شرع الله مصلحة كله، ومن ثم فيخاطب الولي بتحصيل هذه المصلحة لصغاره، ولما تفاوتت أنظارهم في مقدار المصلحة في ثقب الأذن اختلفوا على النحو الذي رأيناه." (3)، وهكذا تتمسك الدعوة السلفية مسألة ختان الإناث رغم التقارير والأبحاث العلمية التي أكدت على خطورة هذه المسالة، وهناك رأي سلفي آخر هو فتوى للشيخ مصطفى العدوي، الداعية السلفي، الذي قال: "إن ختان الإناث هي سنة تتأكد في حق ما تحتاج إليه، والطبيبة ترى إذا كانت البنت تحتاج للختان فعلت وإن لم تحتج لا تفعل". وأضاف العدوي في فتواه أن هناك من قال بالوجوب في ختان الإناث وهم أكثرية، وهناك من قال: لا يجوز. وهو قول منبوذ وشاذ.
وفي فتوى أخرى للشيخ "أبو إسحاق الحويني" الداعية السلفي علق فيها على من يحرمون ختان الإناث قائلا: "لا أستطيع أن أستوعب أن دارسي الفقه يقولون: إن الختان يفتي فيه الأطباء، ليس من حق الطبيب أن يفتي بعمل ختان أم لا، الطبيب عليه توصيف الحالة فقط"، مهاجمًا من يقولون: إن ختان الإناث بدعة أو إنه غير وارد في الشريعة. ويضيف الحويني في فتواه قائلًا: "فتوى تحريم ختان الإناث ليست فتوى شرعية ولكن فتوى سياسية، فختان الإناث واجب".
علماء الأزهر وختان الإناث
الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
ولكي لا نغرق في سجالات علمية لا يعترف بها السلفيون فسوف نقوم بعرض رأي علماء الأزهر في هذه المسألة؛ حيث إن الأزهر يمثل المؤسسة الدينية المنوط بها إصدار الفتاوى وتخريج علماء الدين؛ حيث فتح شيوخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، النار على السلفيين، بعد انتشار فتاويهم بوجوب ختان الإناث، في ظل وفاة طالبة بمحافظة السويس نتيجة الختان، مؤكدين أن ختان الإناث ليس واجبًا شرعيًا، وأن الأسانيد التي تعتمد عليها السلفية ضعيفة ومعلولة.
وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن فتاوى السلفيين بأن ختان الإناث واجب هي فتاوى غير دقيقة، وليس لها أصل في الشرع، موضحًا أن الختان ليس له نهي من الشارع بخصوصه وأقل ما يقال فيه إن الأمر فيه على الإباحة وبعضهم رفعه إلى درجة المسنون، ومعنى هذا إذا قلنا إنه مباح فإنه ليس مطلوبًا من قبل الشارع؛ لأن الإباحة دخيل بين الفعل والترك. وأضاف أن من يرى أن الختان مطلوب فإن الذي يقدر مصلحته بالنسبة للأنثى هو أهل الاختصاص، فإذا وجدوا من خلال خبرتهم وعلمهم أن الأنثى في حاجة إليه فإنه إثراء للضوابط التي تضمن سلامة وصحة من يجري لها، وإذا رأوا عدم المصلحة فيه لها فإنهم لا يجرونه وإجراؤه في هذه الحالة التي لا يكون فيها مصلحة يعد اعتداء على بدن آدمي حي عمدًا، ويستحق فاعله ومن أذن فيه والمشاركون معهم العقوبة المقررة شرعًا (3).
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن، بجامعة الأزهر
كما أكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن، بجامعة الأزهر أن "فقهاء الشريعة الإسلامية أجمعوا على أن ختان الرجال مشروع ومندود والمعنى بسنن الفطرة من أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى أبد الآبدين، أما ختان الإناث فليس من الشعائر العبادية بل من الأمور العادية وهو بمثابة العملية التجميلية إذا وجدت المقتضيات والدواعي. وأضاف كريمة أن الفقهاء قالوا في مفهوم ختان الإناث كشط الجلدة إذا كانت في أعلى الفرد وتفاحشت، موضحًا أن الفقهاء يتفقون مع الأطباء بأنه لا علاقة بالاعتداء على البظر". وتابع كريمة: "أما عن الأحاديث التي تتحدث حول ختان الإناث فحقق الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" أن كلها ضعيفة ومعلولة ولا يستدل بها على المشروعية؛ ولذلك تركت كثير من الدول الإسلامية والعربية في وقت باكر ختان الإناث". ووجه كريمة رسالة إلى السلفيين الذين يفتون بوجوب ختان الإناث قائلا: "الختان ليس سنة تتبع أو بدعة تجتنب بل من أمور المعيشية بمقتضياتها، أما ما يمارس في مصر وجيبوتي هو توارث قبلي قبل الإسلام لا علاقة له بالشريعة الإسلامية".
الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية
فيما قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الختان واجب للذكور فقط وليس الإناث، وما يقول به السلفيون من وجوب ختان الإناث في الإسلام هي حجج واهية، من قبيل أن هذا يزيد من عفة المرأة والفتاة المسلمة. وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية أن العفة لا تكون إلا بالتربية والتنشئة الصحيحة، وليس من ختان الإناث الذي لا يوجد أي دليل على وجوبه في القرآن أو أحاديث الرسول.
دار الإفتاء وختان الإناث
دار الإفتاء المصرية
وأكدت دار الإفتاء المصرية أن قضية ختان الإناث ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، ولكنها قضية ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية، خاصة وأن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضار كثيرة جسدية ونفسية؛ مما يستوجب معه القول بحرمته والاتفاق على ذلك، دون تفرق للكلمة واختلافٍ لا مبرر له. جاء ذلك في معرض رد دار الإفتاء على عدد من الفتاوى التي أطلقها غير المتخصصين، والتي تقول بوجوب ختان الإناث، وتدعو إليه، حيث أكدت الدار أن حديث أم عطية الخاص بختان الإناث ضعيف جدًّا، ولم يرد به سند صحيح في السنة النبوية. وأوضحت دار الإفتاء، في بيان صحفي اليوم الخميس 2 يونيو 2016، أن عادة الختان عرفتها بعض القبائل العربية؛ نظرًا لظروف معينة قد تغيرت الآن، وقد تبين أضرارها الطبية والنفسية بإجماع الأطباء والعلماء، مشيرة إلى أن الدليل على أن الختان ليس أمرًا مفروضًا على المرأة- أن النبي صلى الله عليه وآلة وسلم لم يختن بناته رضي الله عنهن. وأشار البيان، إلى أنها تفاعلت مبكرًا مع البحوث العلمية الطبية الصادرة عن المؤسسات الطبية المعتمدة والمنظمات الصحية العالمية المحايدة، التي أثبتت الأضرار البالغة والنتائج السلبية لختان الإناث؛ فأصدرت عام 2006 بيانًا يؤكد أن الختان من قبيل العادات لا الشعائر، وأن المطلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القول بالتحريم. وحذَّرت دار الإفتاء، من الانجرار وراء تلك الدعوات التي تصدر من غير المتخصصين لا شرعيًّا ولا طبيًّا، والتي تدعو إلى الختان وتجعله فرضًا تعبديًّا، مؤكدة أن تحريم ختان الإناث في هذا العصر هو القول الصواب الذي يتفق مع مقاصد الشرع ومصالح الخلق، وبالتالي فإن محاربة هذه العادة هو تطبيق أمين لمراد الله تعالى في خلقه، وبالإضافة إلى أن ممارسة هذه العادة مخالفة للشريعة الإسلامية فهي مخالفة كذلك للقانون، والسعي في القضاء عليها نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد المنعم الشحات "ختان الأنثى وثقب أذنها" موقع أنا سلفي http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=3035
(2) نفس المصدر.
(3) اليوم السابع 1 يونيو 2016.
