الانتخابات البرلمانية في المغرب... أين يقف حزب العدالة والتنمية؟

الأحد 07/أغسطس/2016 - 01:20 م
طباعة الانتخابات البرلمانية
 
يستعد حزب العدالة والتنمية المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في المغرب، لاختبار شعبي قوي، عبر الانتخابات التشريعية المقررة في 7 أكتوبر المقبل، في ظل منافسة مع عددٍ من الأحزاب السياسية خاصة حزب الأصالة والمعاصرة، فضلًا عن الانشقاقات التي شهدها العدالة والتنمية مؤخرًا، وغياب ثقة الدولة به رغم حالة التطبيع القائمة بين الطرفين. 

موقف العدالة والتنمية:

موقف العدالة والتنمية:
تضاعف منسوب الصراع بين الهيئات والشخصيات الحزبية بالمغرب قبل استحقاقات 7 أكتوبر الانتخابية، وتتركز أنظار المراقبين بشكل خاص على الثنائي الحزبي العدالة والتنمية وغريمه السياسي الأصالة والمعاصرة؛ نظرًا لتموقعهما وثقلهما داخل المشهد السياسي، في حين تتضاءل حظوظ الأحزاب الأخرى مثل حزب الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، والتي يبقى هدفها الأساسي ضمان أفضل تمثيل ممكن في الحكومة المقبلة من خلال التحالف مع الحزب الفائز.
ولفهم تجربة الإسلاميين المغاربة مع السلطة لا بد من إدراك طبيعة النظام الملكي في المغرب الذي ظل ينظر دائماً إلى الأحزاب السياسية ذات المصداقية باعتبارها منافسًا له في مشروعيته، فحاربها بقوة. 
بالأمس تمت محاربة الأحزاب اليسارية؛ لأنها نافست النظام في شعبيته، واليوم تحارب الأحزاب الإسلامية؛ لأنها تنافسه في مشروعيته الدينية؛ لذلك سعى النظام في المغرب إلى ضبط المشهد السياسي للتحكم فيه.
وبالنسبة لحزب "العدالة والتنمية" فهو نفسه خرج من صلب جماعة "التوحيد والإصلاح"، التي كانت شبه "محظورة" في عرف النظام بما أنها لم تحصل على ترخيصها القانوني إلا بعد وصول الحزب إلى رآسة الحكومة، كما صرح بذلك رئيس الحزب والحكومة عبد الإله بنكيران. فالسلطة كانت وما زالت تتوجس من الترخيص لعمل التيارات الإسلامية، فهي تمنع أكبر جماعة إسلامية في المغرب وهي "العدل والإحسان" من تأسيس حزب. وقامت عام 2009 بحل حزبين إسلاميين هما "حزب الأمة" و"البديل الحضاري".
فالفترة التي قضاها حزب العدالة والتنمية داخل السلطة أتاحت له الاقتراب من مؤسسة الحكم، وهو الأمر الذي أقلق أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة، لاستشعارها بأنّ التنافس صار داخل الدار وفي مربع السلطة نفسه لا من خارجه. وقد أزالت سنوات الحكومة الماضية مخاوفَ مسبقة كانت للمؤسسة الحاكمة تجاه حزب العدالة والتنمية، وأبانت بصورة أساسية إمكانية التعايش مع الضيف "الجديد" عليها.
فمؤسس الحزب أو بالأحرى "عرابه" عبد الكريم الخطيب عرف بعلاقاته القوية بل وحتى العائلية مع أعلى دوائر السلطة في المغرب. ومؤخرًا اتهمه عميل مخابرات مغربي سابق بأنه كان عميلا لمخابرات الاستعمار الفرنسي. أما زعيم الحزب الحالي ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، فعرف عنه، من خلال ما نشرته الصحافة المغربية، تعاونه مع أجهزة الأمن في سنوات "الرصاص والجمر" في المغرب. كما أن أحد قيادات الحزب الذي كان يوصف بأنه من "صقوره"، وهو مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات في الحكومة الحالية، اعترف هو نفسه بأنه كان يعد تقارير سرية عن الحركات الإسلامية في المغرب بطلب من وزير داخلية الملك الراحل الحسن الثاني، إدريس البصري.
ويمنح هذا المعطى حزب العدالة والتنمية فرصاً كبيرة لإدارة المرحلة المقبلة؛ إذ يدرك الحزب أنّه في حاجة إلى التصويت الشعبي، وفي حاجة أكبر إلى موقف مؤسسة القصر الإيجابي في التأثير في المشهد السياسي.
وفي إدارته الفترة التي تسبق الانتخابات، يحاول الحزب عدم الانجرار إلى ثنائية الاستقطاب حول الهوية التي يسعى لها خصمه حزب الأصالة والمعاصرة. وما زال جزءٌ من مخاوف الحزب مرتبطاً بمدى تطور موقف المخزن وجهاز الدولة منه، ورهاناته السياسية في الانتخابات المقبلة من ناحية، في حين أنّ خسارته سوف تطيح مكتسباتٍ عملَ الحزب على تثبيتها في السنوات الماضية، من ناحية أخرى.
كما تتأرجح بنية الحزب بين الانضباط لهيئات الحزب والتمرد على هذه القرارات إما لأسباب موضوعية كغياب الشفافية والكولسة في اختيار المترشحين حسب الاتّباع أو المناصرين لهذا المترشح أو ذاك، خصوصًا أمام رصد ظاهرة تصدّر نفس الوجوه في الحزب للوائح الانتخابية مما يحرم مناضلين من الصف الثاني أو الثالث من البروز، أو لأسباب شخصية تكمن في الرغبة في الوصول إلى البرلمان.

انشقاقات العدالة والتنمية:

انشقاقات العدالة
وخلال الأيام الماضية شهد حزب العدالة والتنمية انشقاقات بخروج مجموعة من القياديين من صفوف الحزب والتحاقهم مؤخرًا بالحزب المنافس الأصالة والمعاصرة، يبرز درجة الصراع وطبيعته وأدواته بين الحزبين. 
وأعلن قياديون سابقون بـ"حزب العدالة والتنمية" الإسلامي من مدينة مراكش ومكناس، عن انسحابهم من حزبهم السابق والتحاقهم بحزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض. وقال محمد راضي السلاوني، برلماني وكاتب جهوي سابق بحزب العدالة والتنمية، وأحد منسقي هذه الانسحابات: إن هناك العديد من "الإخوان والأخوات" اتصلوا به أخيرًا يعلنون عن انسحابهم من حزب العدالة والتنمية ويرغبون في الالتحاق بالحزب الجديد.
ومن بين القيادات التي أعلنت اليوم انسحابها من حزب العدالة والتنمية الدكتور "عبد المالك المنصوري"، طبيب جراح وقيادي سابق بالحزب ومنتخب بمقاطعة النخيل بمراكش ورئيس جمعية وطنية، بالإضافة إلى أطر من شبيبة العدالة وممثلين عن "الفضاء المغربي للمهنيين" بمراكش، والحاج عبد الله الحافظي من مدينة الرباط، الذي قال إنه كان على علاقة بقيادة حزب العدالة والتنمية.
وعن أسباب هذا النزوح السياسي الجماعي، أكد "السلاوني" أن ذلك جاء "نتيجة مسلسل من المؤامرات والزيف الداخلي والإقصاءات" التي عانى منها المنسحبون من قبل تيار تغلغل داخل إسلاميي العدالة والتنمية وأصبح يسيطر عليه أصحاب المصالح والمال.
من الملاحظ ان الانشقاقات الأخيرة داخل حزب العدالة والتنمية يمكنها أن تضرب وحدة الحزب التنظيمية وتؤثر على صورته داخل المجتمع والقاعدة الانتخابية.

منافس صلب:

منافس صلب:
ويبقى حزب الأصالة والمعاصرة منافسًا صلبًا أمام حزب العدالة والتنمية في الشارع المغربي، في ظل محاولات حزب العدالة والتنمية تكريس نوع من الهيمنة والتحكم والاستئثار الكلي بالمشهد السياسي والحزبي.
حزب الأصالة والمعاصرة يطرح نفسه بديلًا لحزب العدالة والتنمية لرئاسة الحكومة، وليست لديه نية للاكتفاء بالتواجد شريكًا في الحكومة القادمة، فهو لم يعد يطيق لا المعارضة ولا مجرد الشراكة مع أحزاب أخرى بدون رئاسة الحكومة.
يدرك حزب الأصالة والمعاصرة الذي يُعرف بقربه من القصر نشأةً ورؤيةً، أنّ الانتخابات المقبلة سوف تقرر مستقبله السياسي، ولا يريد الاكتفاء بكونه شريكاً في الحكومة المقبلة فقط، بل يطرح نفسه بديلاً لحزب العدالة والتنمية لرئاسة الحكومة. ويسعى الحزب الذي أعلن مؤخراً عن مشروع مواجهة الإسلاميين، إلى الحيلولة دون فوز خصمه حزب العدالة والتنمية الذي يتحول بالتدريج إلى "حزب ملكي بنفَسٍ إصلاحي"، وذلك من خلال المساحات والخبرات التي يكتسبها أثناء ممارسة السلطة. ويوظف الأصالة والمعاصرة حالياً كامل إمكاناته لإرباك حزب العدالة والتنمية خلال الأشهر المتبقية للانتخابات، وتحرّكه مخاوف من نشوء تحالفات قد يدفع صوبها العدالة والتنمية، تمدد بقائه في المعارضة.
ويكمن الخوف الحقيقي بالنسبة إليه على المدى البعيد، في أن هذه الانتخابات سوف تتيح لخصمه الأول، العدالة والتنمية، في حال فوزه، سنوات أخرى من الزمن السياسي لمراكمة تجربة الإسلاميين وتجذرها السياسي والاجتماعي، وهي الفترة التي قد تؤثِّر سلبًا على مستقبل حزب الأصالة والمعاصرة؛ لأنها كفيلة بتغيير الكثير من الأوضاع السياسية والمقولات والمواقف والأشخاص.

الصراع مع السلفيين:

الصراع مع السلفيين:
كما يأتي الصراع مع الإسلاميين خاصة التيار السلفيي ليهدد عرش حزب العدالة والتنمية المغربي في الجلوس على كرسي الحكومة المقبلة، فقد كان الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران، في كلمته السياسية الموجهة لرؤساء الجماعات من حزبه واضحا في كون المرجعية كانت حاسمة، وشدد على التمسك بها، وعلى تمثلها، وحذر من محاولة فرضها على المواطنين أو الانحراف إلى التعالي عليهم بها.
الواقع السياسي يقول: إن حزب العدالة والتنمية يسوق نفسه، بأنه إنتاج الصحوة الإسلامية وكل الفاعلين في هذا المجال (بما فيهم العدل والإحسان رغم مواقفها من المشاركة السياسية ضمن المؤسسات) وذلك عبر 4 عقود تقريبًا، ولكن صراع العدالة والتنمية مع السلفيين والجماعات الاسلأممية الأخرى تهدد مكانة الحزب كمرجعية لجميع الإسلاميين.
وقد تناولت بوابة الحركات الإسلامية في وقت سابق، الصراع بين العدالة والتنمية والتيار السلفي ومحاولة إقصائهم من المشهد السياسي قبيل انتخابات التشريعية في أكتوبر المقبل ليضمن حصول على أصوات الإسلاميين في المغرب، وهو ما قد يأتي بنتائج عسكية للحزب.
للمزيد عن صراع الإخوان والسلفيين اضغط هنا

المشهد المغاربي:

المشهد المغاربي:
فيما يبدو أن مستقبل حزب العدالة والتنمية على المحك، في بقائه في صدارة المشهد السياسي المغربي والاستمرار في تولي السلطة التنفيذية "الحكومة"، في حال فشله في الحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في ظل منافسة شرسة من الأحزاب السياسية الأخرى.. فهل سينجح العدالة والتنمية بالبقاء في مقدمة المشهد السياسي؟ أم سيتراجع في المغرب كما حدث لأحزاب الإسلام السياسي في عدد من الدول العربية؟

شارك