خطاب العرش الـ17 .. رسائل قوية

السبت 13/أغسطس/2016 - 10:56 م
طباعة
 
استهل الملك محمد السادس خطابه بمناسبة الذكرى 17 لاعتلائه عرش المغرب، بتناول القضايا الداخلية، إذ سجل الخطاب تشخيصا دقيقا للوضع السياسي والحزبي الذي صار ملتهبا مع قرب الاستحقاقات التشريعية، ولتهدئة الوضع حدد معالم لضبط هذه المرحلة الحساسة أُجملها في رسالتين قويتين: الرسالة الأولى تحذير "جميع الفاعلين مرشحين وأحزابا" من استخدام اسم الملك الذي يحظى بمكانة دستورية "في أي صراعا ت انتخابية أو حزبية"، والرسالة الثانية استغراب "تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن"، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، همها الوحيد هو كسب الأصوات وتعاطف الناخبين. وهنا أجدني أذكر حملات اعلامية مثل "المغرب مزبلة" أو"الغضبة الملكية على بنكيران".
ولذلك طمأن الخطاب الملكي بداية كل الفاعلين، وربما أربك بعضهم، بعزمه إنفاذ فلسفة جديدة في ملف الانتخابات حين قال:" إننا أمام مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها : من مرحلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحاسبة المنتخبين." كما ذكر في ذات السياق بمسؤولية إشراف رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير العدل والحريات على العملية الانتخابية وسهرهم على حماية اختيار المواطنين. 
وإذا لم يبرر الخطاب بالقدر الكافي سياق إدراج نقطة محاربة الفساد، فإن الرغبة كانت واضحة في التعاطي مع هذا الملف بالمعالجة بعيدا هو الآخر عن المزايدات، "فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين، والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة." كأني بالعفة والنزاهة هنا تشيران إلى من لا يتورع من استغلال موقعه في الاستفادة من شراء أراضي الدولة بأسعار وطرق تفضيلية غير متاحة لكافة المواطنين.
وواصل الخطاب تقييم الوضع الداخلي بالاشارة إلى النموذج التنموي المبدع الذي قطع المغاربة أشواطا في بنائه من غير نفط ولا بترول، وهو القائم على  "التكامل والتوازن، بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية".
ثم استغرق الخطاب في مقاربة الوضع الأمني داخليا وخارجيا بشكل مندمج نظرا لعلاقتها الجدلية، فلم تفته الاشارة داخليا إلى "تزايد التحديات الأمنية، والمؤامرات ا لتي تحاك ضد بلاد نا"، ثم دعا إلى "مواصلة التعبئة واليقظة".
كما أشار إلى تحول المغرب إلى فاعل عالمي من خلال تعاونه الأمني مع الدول الشقيقة(الخليج) والصديقة (أوروبا)، تعاون كلل بـ"إ فشال العديد من العمليات الإرهابية، و تجنيب هذه ا لدول مآسي إنسانية كبيرة." الشيء الذي يجعل منه بلدا مستهدفا ولذلك أكد من جديد على "مواجهة المؤامرات الدنيئة التي تحاك ضد البلاد" .
وإذا كان المغرب فاعلا عالميا، فهو الأجدر بتسلم زمام المبادرة في القارة الافريقية وشرط ذلك أن يكون منخرطا بالضرورة في كل مؤسساتها ومنها الاتحاد الافريقي.
 كما ربط الخطاب بين ملف الصحراء والتحولات التي تعرفها العلاقات الدولية، إذ قال: "لن نرضخ لأي ضغط ، أو محاولة ابتزاز، في قضية مقدسة لدى جميع ا لمغاربة"، ليمر إلى الحديث عن تنويع الشركاء قائلا:" إن الأمر لا يتعلق بتحرك ظرفي، أو برد فعل طارئ، من أ جل حسابات أو مصالح عابرة،  وإ نما هو خيار استراتيجي، يستجيب لتطور المغرب، ويأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها العالم".
ولأربط أول الخطاب بآخره، استجلاء للخلاصات السياسية الكبرى، فإن المغرب ملتزم بالخيار الديمقراطي في انتقال السلطة وتدبير الحياة السياسية. اما بخصوص احترام إرادة الشعب وتمكينه من آليات المراقبة والمحاسبة فصار بالنسبة إليه توجها لا رجعة فيه. كما أن المغرب الراهن مؤمن بحلول عالم متعدد الأقطاب، وذلك يلزمه بتوظيف تناقضاته لصالحه مع تحري الدقة في ضبط المعادلات الأمنية داخل البلد وخارجه. 




شارك