منع التطرف من منظور اقتصادي...في دراسة للباحثين بالبنك الدولي

الأربعاء 02/نوفمبر/2016 - 05:30 م
طباعة منع التطرف من منظور
 
منع التطرف من منظور
تبدو أهمية الدراسة الصادرة عن مجموعة البنك الدولي بتاريخ أكتوبر 2016، والمعنونة بـ "الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لمنع التطرف في الشرق الأوسط"، أنها تفكك مجموعة من التصورات المغلوطة في وسائل الإعلام حول أن مقاتلي داعش نتاجا للأمية وغياب التعليم في شرائح سكانية في المنطقةوقامت بعرض الدراسة الدكتورة مروة صبحي منتصر، مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

 وقد اعتمدت الدراسة، على بيانات مسربة لمقاتلي داعش لتحديد خصائصهم وسماتهم الشخصية، ركزت على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بظاهرة التطرف بعد أن تناولتها العديد من الدراسات من وجهة نظر أمنية. 

وتتكون الدراسة من جزأين هما: الخلفية الاقتصادية للتطرف العنيف في الشرق الأوسط، ومنع التطرف من منظور اقتصادي.

الأوضاع الاقتصادية للشرق الأوسط:

تنطلق الدراسة من فرضية أساسية، وهي: "أنه من بين أهم العوامل التي تقود الأفراد إلى مغادرة بلدانهم والانضمام إلى الجماعات الإرهابية هو عدم إدماجهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا في بلدانهم الأصلية". 

وللتأكد من صحة هذه الفرضية، قامت الدراسة بتقييم الأوضاع الاقتصادية لدول المنطقة، وتوصل إلى أن هناك حالة من التدهور الاقتصادي تشهدها دول المنطقة، ويُمكن إيضاح أبرز ملامحها فيما يلي:

1- انخفاض الناتج المحلي الإجمالي: من المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي GDP إلى أدنى مستوى له في الشرق الأوسط لعام 2016، وهو المستوى الأقل منذ عام 2013 الذي وصل فيه إلى 2.3%.

وبصفة عامة، يرجع النمو الضعيف في دول الشرق الأوسط إلى اتخاذ الحكومات تدابير تقشفية، بما في ذلك خفض الإنفاق العام والرأسمالي لمواجهة الإيرادات المالية بعد تراجع أسعار النفط. يأتي ذلك في الوقت الذي تجتاح فيه الصراعات والحروب سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، وبطبيعة الحال يضغط تدفق اللاجئين القادمين من دول الصراعات على ميزانيات الدول المجاورة.

2- انخفاض معدلات النمو الاقتصادي: من المتوقع أن يظل النمو في الدول المصدرة للنفط ثابتًا عند مستوى 2.3% في عام 2016، وقد تتحسن معدلات النمو قليلا نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي تتبعها بعض الدول، مثل: رفع دعم الطاقة، وتقليل نسب الملتحقين بوظائف القطاع العام، وتخفيض الأجور، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتنويع الإيرادات المالية بعيدًا عن النفط من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ولكنها تظل ضعيفةً مقارنةً بالسنوات التي سبقت 2011.

من جانبٍ آخر، تضررت الدول المستوردة للنفط في المنطقة من الهجمات الإرهابية، والآثار غير المباشرة للصراعات في المنطقة، وانخفاض التدفقات المالية القادمة من الخارج، ومن المتوقع أن يظل العجز المالي والخارجي مرتفعًا في تلك الدول؛ حيث تواجه مصر وتونس عوائد سياحة وتحويلات وتدفقات مالية منخفضة مع تشديد السياسة المالية والنقدية التي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض معدلات النمو وارتفاع التضخم في نهاية هذا العام.

كذلك شهد الاقتصاد المغربي الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على القطاع الزراعي ضعفًا في النمو في 2016 بنسبة 1.5% مقارنة بـ4.5% العام الماضي بسبب الجفاف، وسيبقى النمو في الأردن ولبنان ضعيفًا بسبب تداعيات الحرب في سوريا والعراق، وتراجع تحويلات العاملين من الخارج.

3- تحسن الأوضاع الاقتصادية الإيرانية: على النقيض من الأوضاع الاقتصادية في باقي دول المنطقة، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي في إيران إلى 4,3% في 2016، أي ما يزيد عن 4 أضعاف ما شهدته من نمو في العام الماضي، مستفيدة في ذلك من زيادة إنتاج النفط بها ليصل إلى ما يعادل 3,7 ملايين برميل.

فيما تُعاني باقي دول المنطقة من الحروب، حيث دمرت الحرب الاقتصاد السوري، وتقلص الإنتاج ما بين 50 - 60%، وخسرت الليرة 80% من قيمتها، كما انخفض عدد السكان بنسبة 23% منهم، فما يقارب 12.4 مليون اضطروا للنزوح القسري داخليًّا وخارجيًّا. 

التحليل الاقتصادي لظاهرة التطرف:

تربط الدراسة بين الأسباب الاقتصادية وظهور التطرف العنيف؛ حيث استخدمت قاعدة بيانات داعشية تم تسريبها عن 3803 مجندين أجانب، وتحتوي هذه القاعدة على معلومات شخصية، مثل: العمر، والتعليم، والمهارات، ودرجة معرفة التعاليم الدينية، وبلد الإقامة، ويرى مركز مكافحة الإرهاب CTC 2016 أن البيانات تغطي الفترة من أوائل 2013 إلى أواخر 2014.

كما اعتمدت الدراسة على بعض البيانات الأخرى، مثل: تحليل مؤشرات الاقتصاد الكلي كالناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، ومؤشر التنمية البشرية، ومعدلات البطالة، وحجم السكان، والحقوق السياسية، بالإضافة إلى استطلاعات الرأي على غرار الباروميتر العربي، واستطلاعات جالوب، والمسح العالمي للقيم.

وقد تم تحليل هذه البيانات، وتم التوصل إلى أن العوامل الأكثر ارتباطًا بانضمام الأفراد الأجانب إلى داعش هو عدم إدماجهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا في بلادهم الأصلية، وبالتالي فإن تعزيز مستوى الإدماج لا يخفض فحسب مستوى التطرف العنيف ولكنه يحسن الأداء الاقتصادي في المنطقة.

ووفقًا لهذا فإن المدخل الأنسب لتحليل ظاهرة التطرف العنيف هو المدخل الاقتصادي الذي يفترض أن هناك عرضًا وطلبًا على المتطرفين العنيفين، ويقرر الفرد أن ينضم إلى الجماعة الإرهابية بعد أن يقوم بالموازنة بين التكلفة والعائد، وعادةً لا تكون التكلفة ماليةً فحسب بل قد تشمل تحمل تكلفة من الناحية الأسرية.

وكذلك الأمر بالنسبة لحسابات العائد التي لا تشترط أن يركز فيها الفرد على الجانب المادي فقط، فقد يركز على تحقيق المنافع غير النقدية، مثل: الشعور بالمسئولية، أو برسالة التنظيم الإرهابي، وهو بديل عن التعويض المالي، وهو أمر حاسم بالنسبة للمنظمات التي تُعاني ضائقة مالية، فقد كان مجندو القاعدة يقومون بدفع مقابل التدريبات التي يتلقونها. 

خصائص مقاتلي داعش:

استخلصت الدراسة بعد تحليل البيانات السابق ذكرها أن تونس والمغرب وتركيا ومصر من أكثر الدول التي تُصدِّر المجندين الأجانب إلى داعش في سوريا والعراق، ومن بين الدول الأولى ذات الأغلبية غير المسلمة تأتي روسيا وفرنسا وألمانيا، كما توصل إلى مجموعة من الخصائص التي تربط بين المقاتلين الأجانب:

1- انخفاض الفئة العمرية: نجد أن متوسط عمر الفرد المجند هو 27.4، وأصغر مجند من ليبيا عمره 23.7، بينما أكبرهم سنًّا من إندونيسيا 33.5، وهو ما يتضح منه أن داعش يركز على استقطاب الأصغر سنًّا.

2- ارتفاع المستوى التعليمي: وفيما يتعلق بمستوى التعليم الرسمي للمجندين، يتضح أن 43.3% من المجندين تلقوا تعليمًا ثانويًّا، فيما تلقى 25.4% فقط تعليمًا جامعيًّا، وترك ما يعادل 15% منهم التعليم قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية، فيما لم يتلقَّ 2% من العينة أي تعليم.

هذا مع ملاحظة أن مستوى التحصيل الدراسي للمقاتلين الأجانب الداعشيين القادمين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق آسيا أعلى من المستوى التعليمي لنظرائهم ممن نشئوا في أوطانهم، وذلك على خلاف المجندين الأجانب القادمين من الدول الغربية الذين يقل مستواهم التعليمي عن أبناء وطنهم كثيرًا.

3- الاختيارات المهنية: تبين أن 1.9% من المجندين الأجانب من العينة يفضلون العمل في وظائف إدارية، ويفضل 17.2% منهم العمل كمقاتلين، فيما يفضل 11.7% الانخراط في العمليات الانتحارية.

وبالنسبة للعلاقة بين نوعية الأعمال التي يتولونها ومنطقة المنشأ، فإن النسبة الأكبر من إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا يفضلون الأعمال الإدارية، بينما تنتج منطقة إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وآسيا الوسطى أكبر نسبة من الانتحاريين، وتوضح الدراسة أن المجندين الذين كانوا بلا عمل في بلدانهم الأصلية أو الذين كانوا في جيوش بلدانهم هم الأكثر عرضةً لاختيار مهنة الانتحاريين.

وإجمالا قد يكون العامل الاقتصادي محفزًا للانضمام إلى داعش، فإنه قد يعمل بطريقة عكسية أيضًا، حيث قد يتراجع الفرد عن الذهاب إلى هناك في ظل انخفاض ضعف مستواه الاقتصادي وارتفاع تكلفة السفر إلى هناك.

شارك