الحوار المتمدن.. الإسلام الوهابي وخطورته على المسارات الوطنية

الثلاثاء 21/مارس/2017 - 05:51 م
طباعة الحوار المتمدن..
 
في حواره المفتوح مع القراء حول ما أطلق عليه "تيارات الإسلام الوهابي السياسية وخطورتها على المسارات الوطنية والديمقراطية والتقدم" طرح الاستاذ حمدي عبد العزيز - القيادي اليساري وعضو السكرتارية المركزية للحزب الاشتراكي المصري مجموعة من التساؤلات جول الموضوع الذي اثاره للمناقشة وقد قدم للحوار بقوله "بقراءة متأنية للأحداث الراهنة في مصر والمنطقة وبالاطلاع على أجزاء مهمة لتاريخنا الوطني الحديث منذ بدايات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ، ومن يقرأ حقيقة ما يحدث في سيناء المصرية من قتل للجنود والضباط وأفراد الدوريات أو ما حدث مؤخرا في الكنيسة البطرسية من تفجير وقتل لأرواح بريئة لا ذنب لها سوى أنها تؤدى شعائرها الدينية ثم ما حدث مؤخرا في العريش من حالات القتل والذبح والحرق على الهوية الدينية والتي طالت مواطنين مصريين من اصحاب الديانة المسيحية وما تقوم به هذه الجماعات من عمل واضح على إخلاء سيناء من المكون المسيحي في السبيكة الوطنية المصرية بعد أن قامت بقتل وذبح وحرق مواطنين مدنيين مصريين مسيحيين عزل مسالمين وقيامهم بتهديد الأسر المسيحية وإجبارها على الهجرة من سيناء
بعد ذلك فإنه يمكن أن تتضح لنا بجلاء حقيقة أن قوي الفاشية الدينية الوهابية المتمثلة في الإخوان المسلمين والسلفيين الوهابيين أو الجهاديين وكل تيارات الفاشية الدينية المتأسلمة الشاربة من معين واحد هو الحاكمية بما تحفل به من أوهام استعادة نماذج الخلافة أو الإمارة أو السلطنة أو ما شابه ذلك من أشكال وتجليات نظام الحاكمية الدينية المرتكز على مفهوم الحاكم بأمر الله هذا المعين الذى تم تأسيسه على يد محمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز آل سعود في نجد عام 1912 بتخطيط ودعم مالي وعسكري من المخابرات البريطانية والذى حمل روح التعصب والاستعلاء الديني وتكفير الآخر وانشأت من خلاله أول ميليشيات فاشية في الشرق الأوسط
هذا المعين الذى شربت منه جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها حسن البنا تلميذ رشيد رضا السلفي الوهابي وتفرعت منه كل أفرع شجرة الفاشية المتأسلمة التي تشترك جميعها في أنها لم تكن يوما ذات تراث يقبل بالديمقراطية ولا للحياة المدنية التى يمكن أن ترتكز عيها الحياة السياسية والمجتمع المدني ولا بالوطنية كرابط يربط كل أبناء الوطن بغض النظر عن الدين والمذهب والعقيدة
ولهذا فمواقفهم من الوطنية - في ظل مطالعة تاريخهم وادبياتهم ومواقفهم العملية - يجعل المواقف المنادية بإعادة دمجهم في الحياة السياسية غير صحيحة وغير منصفة
بل أنه يجعل من الموقف المطالب بضرورة إقصاء تلك التيارات عن الحياة السياسية والرافض للمصالحة السياسية معهم موقفا صحيحا
وإذا ما نظرنا للأسس التي قامت عليها حركات وتيارات ومنظمات تيارات التأسلم السياسي سواء المسلح منها أو الغير مسلح سنجد أنها جميعا تتفق على الآتي بشكل أم بآخر وتجتمع عليها كعمود خيمة لبنيانهم التاريخي
1- الهجرة المادية أو الهجرة الفكرية الشاملة من المجتمعات التي لا تتحقق فيها أوهام الخلافة والحاكمية
2 - الايمان المطلق بوهم الخلافة أو الإمارة الإسلامية إلى غير ذلك من أنماط الحاكمية الإسلامية ووجوب هذا المطلق كعقيدة لا تتجزآ عندهم من الإيمان الديني
3- اختزال الدين في مبدأ الحاكمية السياسية واعتبار كل من هو خارج القناعة بتلك الحاكمية هو خارج سياق الدين ومن ثم يمكن تكفيره وممارسة أفعال التكفير ضده
4- تبنى عقيدة العنف والإرهاب عملا بالآية المجتزأة من القرآن الكريم (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين ) كجزء من عقيدة وجوب الجهاد من أجل تحقيق غاية الحاكمية الإسلامية بكافة اشكال الجهاد بدأ من التبليغ المصاحب للإرهاب الفكري وانتهاء بالجهاد المسلح والتدرجات هنا حسب اختلاف ظروف المجتمعات
5 - الموقف المعادي لكل ما هو مدنى وحضاري
6- تقديس المظاهر الشكلية الدينية وجعلها جوهر مشروعهم الثقافي للمجتمعات التي يعملون على تغيير هويتها
7 - التمسك بذهنية الاستدعاء الكربوني لنسخة ما سمى بمجتمع السلف الصالح رغم اختلاف الظروف ومرور القرون على ذلك تعبيرا عن العقل النقلى الذى يرون به المجتمعات ويفسرون به ظواهرها
8 - الطائفية المنبثقة عن التطرف والتعصب والاستعلاء الديني
وتلك هي الأسس التي نقلها رشيد رضا الذى انشق على شيخه محمد عبده وأعتنق المذهبية السلفية الوهابية إلى مصر بدعم مالي من السعوديين الذين كانت لهم عداوتهم للدولة المصرية التي لم تعترف بهم حتى عام 1936
وهى نفس الأسس التي لقنها لتلميذه الأنجب حسن البنا والذى أسس بناء على نفس البنيان جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 كفكرة سلفية كما وصفها البنا المؤسس الجديد للوهابية السلفية لم يغير في أسسها إلا فيما يتعلق بالتكوين والبناء التنظيمي الملائم للحالة المصرية وهى نفس الأسس التي تشترك فيها كافة التنوعات السلفية الإسلامية وكافة العصابات الجهادية المسلحة
وهذا بدوره يطرح أسئلة مهمة
1- هل يمكن أن تفلح دعوات البعض المنطلقة حول ضرورة مد الأيدي إلى الأقسام الغير مسلحة من ذلك التيار وجعله مكونا من مكونات الحياة السياسية ؟
2- هل هناك فارق جوهري بين من يحملون السلاح في هذا التيار وبين من لا يحمل السلاح ضد المجتمع والدولة المدنية ؟
3- منذ متى كانت بعض اقسام هذا التيار ثورية ويمكن التعامل معها كجزء من المشروع الثوري العربي على اعتبار مواقفها من القضية الفلسطينية ؟
4 - هل يمكن اعتبار مواقف هذه التيارات من القضية الفلسطينية موقفا وطنيا وثوريا ؟
5 – ما هي حقيقة العداء الظاهري لهذه التيارات للاستعمار وما تفسير أوجه الالتباس التاريخي بين ما هو ظاهر وما هو باطن في مواقف هذا التيار من الاستعمار والاستبداد ؟
6 - هل لهذا التيار مستقبل ثوري ؟ ولماذا لا يمكن أن تشهد منطقتنا لاهوتا آخر للتحرير كما شهدت أمريكا اللاتينية اللاهوت الأول ؟
الموضوع يطرح الكثير من الأسئلة التي تثير النقاشات والحوارات وبالتالي يطرح مهاما على قوى التقدم والاستنارة أن تكون جاهزة للقيام بها وأن تضعها في مكان مناسب على جدول أعمالها"
الحوار المتمدن..
وفي أول تعليق من القراء على هذه المقدمة قالت الاستاذة بيداء حامد "هناك نقطة أساسية قبل الدخول في تفاصيل النقاط التي اوردتها حضرتك، وهي اننا نتكلم عن تيارات اسلامية واسعة على ارض الواقع وهي تكاد تكون القوى الوحيدة المنظمة القادرة على تحشيد اتباعها بشكل كبير ومؤثر في الشارع العربي، فهل هذا يتيح لنا التحدث عن عملية اقصائها من الحياة السياسية كشيء متاح فعلا؟
الامر الثاني الذي ارجو ان يؤخذ بنظر الاعتبار، هو العامل الخارجي، فأصول هذا الفكر تعود الى عدة مئات من السنين وبقي كامنا ومحصورا في السعودية الى ان تم تحفيزه وتوجيهه من المخابرات الغربية وقد تم انتاج نسخ ارهابية دموية بشكل غير مسبوق بالسنوات الاخيرة بقرار منهم وتحت اشرافهم وقد وصل الامر احيانا الى التدريب المباشر كما حدث في سجن بوكا في العراق على مدى سنوات عديدة. خلق هذه الوحوش البشرية يمكن ان يكون مخططا بالبداية لكن ابقاؤها تحت السيطرة شيء مستحيل.
السؤال الذي يتبادر الى ذهني، الى اي حد يمكن تعميم هذا الخراب الفكري للمنتمين لهذا الفكر، هل هم جميعا خلايا نائمة ستتحول في لحظة ما الى كائن ارهابي، لا استطيع تخيل ان هناك ملايين من الوحوش تعيش بيننا ونحن لا نشعر بها. لا بد ان يكون هناك خلل ما في هذا التعميم." 

الحوار المتمدن..
وقال الاستاذ احمد نجيب الرشدان: " الجانب الذي ارغب بتناوله هو سبب سيطرة هذه التيارات على المشهد العربي وفي بلدان العالم النامية في اسيا وافريقيا وهذا يعود بالدرجة الاولى الى سياسة اميركا ايام الحرب الباردة التي شجعت ودعمت تيارات الاسلام السياسي في مواجهة المد الشيوعي هذه السياسية التي كانت تعتمد على دعم تيارات سياسية سيطرت على مناحي ومؤسسات التعليم في المدارس والجامعات في الوقت الذي تمت فيه محاربة كل اصحاب الفكر التقدمي والمتنور في هذه المؤسسات مما نتج عنه جيل احادي الفكر ظلامي التوجه
ثم انتقلت مع الحرب الافغانية الى جماعات وتنظيمات مسلحة تتمثل في القاعدة وحماس في فلسطين والان داعش في سوريا والعراق
العامل الثاني هو الثروة المفاجئة والضخمة التي تحصلت عليها السعودية وباقي دول الخليج التي سمحت لهم بالتأثير على المجتمعات في هذه الدول عبر سلسلة منظمات تعمل في التعليم والعمل الخيري والدعوي
محاربة هذه التنظيمات وهذا الفكر تبدا بتجريدهم من هذه المواقع واعادة تنشيط حرية الفكر والتنوير في المدارس والجامعات ووقف التحريض الذي يتم من خلال المنابر في الجوامع وغيرها من المؤسسات التي يستعملونها لنشر الفكر الوهابي"
فيما جاء رد الاستاذ حمدي عبد العزيز قائلا: " أود أن أضيف مجموعة نقاط أهمها:
أولا : أنه بالفعل كان لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط دورا كبيرا في تصدر هذه التيارات للمشهد العربي وهذا ملف كانت قد ورثته عن المخابرات البريطانية ومخابرات ألمانيا النازية لكن هناك عامل هام أرتبط بذلك هو إخفاق مشروع القومية العربية في تحقيق آمال العالم العربي في إتمام عملية التحرر الوطني بتحقيق الجانب الجوهري فيها وهى عملية التنمية والتخلص من التبعية وهذا الإخفاق قد أفضى إلى مسألتين هامتين تسببا في إحباط الشعوب العربية وإنزال الهزيمة بالإنسان العربي الذى عول كثيرا على نخبته التي رفعت شعارات النهوض والتحرر أولهما كانت هزيمة 67 وثانيهما أن مشروع القوميين العرب قد أفضى إلى التأسيس إلى أنظمة استبدادية وهنا تلقف الإنسان العربي المهزوم حضاريا أمام هزيمة المشروع القومي وإخفاق عمليتي التنمية والفكاك من التبعية من جهة ومن جهة أخرى إحساسه بعمق واتساع الهوة الحضارية بين عالمه والعالم الأوربي والأمريكي وعجز المجتمع العربي عن استيعاب التطور المادي في العالم فتلقف أفكار الوهابية التي هي أشمل من مفهوم الإسلام السياسي من حيث أنها تحمل فضاء إيديولوجيا وثقافيا بديلا لفكرة القومية العربية المهزومة
ثانيا : تمادت الشرائح العليا من البرجوازيات العربية في مظاهر النقل المشوه للثقافة الاستهلاكية الأوربية والأمريكية وهى تمارس كافة أشكال البذخ وتصاعدت حدة مظاهر ارتباطها بالمركز الاستعماري الدولي في صدام مروع مع باقي طبقات المجتمع وخاصة الشرائح الدنيا مما عمق أزمات الهوية والانتماء عند أبناء غالب أبناء الريف وأطرافه المتماسة مع المدن وفقراء المدن ومتوسطي الحال وخصوصا في المدن التي تقع على أطراف الريف والأطراف الحدودية فكان من السهل على الوهابيون العمل بهمة فى تلك الأجواء المواتية وتقديم الفكر الوهابي باعتباره هوية الأمة العاصمة لها من الضياع والتيه واستبدال المذهب الديني كهوية بديلة للهوية الوطنية
ثالثا : انبثاق ثقافة العشوائيات من حالة الإفقار الاقتصادي التي تعاظمت نتيجة إخفاق التنمية في مصر وبعض البلاد العربية الأخرى مقابل ازدهار البترودولار الوهابي في الجزيرة العربية والخليج العربي ونزوح الآلاف من أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة إلى الخليج العربي ومن ثم العودة في النصف الأخير من ثمانينيات القرن الماضي وأوائل تسعينياته محملين بالثقافات البدوية الوهابية كأنماط ثقافية للحياة سرعان ما انتشرت في أطراف المدن والريف وزحفت إلى الأقاليم والأطراف الحدودية مع الوضع في الاعتبار نشوء الحرب الأفغانية والدور المصري السعودي الأمريكي الباكستاني في تأسيس ما يعرف بمجاهدي أفغانستان من المتطوعين العرب الذين عادوا من أفغانستان بعد ذلك بالتشدد والعنف الوهابي وكانوا وبالا على المجتمعات التي عادوا إليها أو تلك التي دخلوها كأفرع لتنظيم القاعدة
رابعا : طبيعة الثقافة التراثية الإسلامية راكمت التي حفلت عبر قرون بركام من الأفكار التي تؤسس للطائفية ومعاداة المدنية وللعنف تجاه الآخر الذى لا ينصاع إلى أفكار الفقيه الديني مع إقفال باب الاجتهادات العلمية في دراسة وتأويل النصوص التراثية
خامسا : دور التمويل الخليجي والدعم الدولي لجماعات الإرهاب الوهابية وعصاباتها المسلحة وتنظيماتها السياسية المظهر الفاشية الجوهر.

شارك