الانتحاري والانغماسي والذئاب المنفردة ... آليات الإرهاب الحديث

السبت 13/مايو/2017 - 02:13 م
طباعة الانتحاري والانغماسي
 
من فترة لأخرى يتفنن تنظيم داعش الإرهابي في استخدام مصطلح جديد في أخباره التي ينشرها عبر مواقعه أو صفحاته المنتشرة عبر الانترنت، كان آخرها مصطلح "الانغماسي" وهو نوع من المقاتلين المتخصص في تنفيذ العمليات الانتحارية، وعلى الرغم من أن الموضوع ليس بجديد، ولكن الجديد هنا هو احتفال التنظيم بتخريج دفعة جديدة من الانغماسيين مكونة من 125 إرهابيا، والذي نشرت جزء من شكل تدريبه ومهامه في العدد الأخير رقم 79 لمجلة "النبأ" التابعة للتنظيم.
ينقسم مقاتلوا تنظيم داعش إلى ثلاثة فئات هم الانتحاري والانغماسي والذئب المنفرد، ولكل نوع من هولاء المقاتلين تدريب يختلف من فئة لأخرى، وتوصيف وظيفي يختلف باختلاف فئة عن أخرى، ويتناول التقرير الفرق بين الفئات الثلاثة وكيفية تجنيدهم  واختيارهم للعمليات، إلى جانب الاستراتيجية الجهادية لكل فئة.

أولا التعريف العام:

أ‌- الانغماسي: يعرف تنظيم القاعدة الانغماسي بأنه "من يغمس نفسه في صفوف العدو أثناء المعركة"، وهو مصطلح ظهر مع دخول تنظيم "القاعدة" الى العراق وسورية، واستخدمته معظم التنظيمات السلفية الجهادية في كل من العراق وسورية واليمن. هو كناية عن عنصر مدرّب تدريباً عسكرياً عالياً على المهام الخاصة والاقتحامات، وهو مقاتل ذو كفاءة عالية، يرتدي حزام ناسف، ومزود بأسلحة خفيفة، يقاتل حتى تنفذ ذخيرته ثم يفجر نفسه إذا لزم الأمر، الانغماسي هو إستشهادي.

ب‌- الانتحاري: وهو مجاهد مزود فقط بحزام ناسف أو يقود سيارة أو آلية مفخخة يقتحم وكر العدو و يفجر نفسه دون الاشتباك معهم، أما الإنغماسي ، وكلاهما تربطهم بالتنظيم رابط العضوية المباشرة سواء بالانتماء لرأس التنظيم أو ينتمي لأحد خلاياه.
الانتحاري والانغماسي
ت‌- الذئاب المنفردة: التعريف البسيط للذئاب المنفردة أنهم أشخاص متعاطفون مع أفكار التنظيم ولا ينتمون إليه بشكل مباشر، فهم أشخاص يجلسون على الطرف الآخر من أجهزة الحاسوب يتعاملون مع حسابات التنظيم وأفكارهم، فقرروا أن يقوموا بعملية على غرار عمليات التنظيم.
في حقيقة الأمر فإن نشأة الذئاب المنفردة تعود إلى تنظيم القاعدة، حيث جاء ظهور هذه الكتائب بعد مقتل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، والذي أدي موته في 2 مايو 2011 إلى تغيير قواعد اللعبة الجهادية في المنطقة، مما دفع عدد ممن ينتمون للقاعدة إلي العودة إلي أوطانهم، وخاصة مع تغير الوضع فى أفغانستان وتشتت الحركة، مما دفع أعضاء التنظيم للهروب إلي دولهم مرة أخري وتكوين خلايا نائمة وتنفيذ عمليات إرهابية بصورة منفردة.
كان أول ظهور لما يعرف اليوم بـ"الذئاب المنفردة" على يد أبو مصعب السوري، فهو صاحب فكرة تكوينها، مستغلا المنطقة الواقعة بين باكستان وأفغانستان - والتي ظلت لفترة كبيرة ساحة لتدريب وتأهيل العديد من العناصر للقيام بعمليات مسلحة وتفجيرية في مناطق شتي من العالم – خاصة وأنها تتميز بجغرافية صعبة التضاريس وكانت تخضع لسيطرة حركة طالبان سواء بفرعها الأفغانى أو الباكستاني، كما إنها تتميز بجغرافية صعبة التضاريس، ومن ثم كانت كتائب "الذئاب المنفردة" إحدي هذه الكيانات التي تدربت فى هذه المنطقة قبل أن تعلن عن وجودها في العالم .
وعلي الرغم مما هو متعارف عليه من أن الذئاب الحقيقية تعيش في جماعات، إلا أن اطلاق لفظ "الذئاب المنفردة" علي هذه الكيانات لم يات من فراغ، حيث أن هذه الكتائب أخذت من الذئاب شراستها وقوتها القتالية وسرعة حركتهاإلا أنها تعمل بشكل فردي دون أن يشعر بها أحد، وتتخلى عن العمل بشكل جماعى.
ولكن يتبقى السؤال ما هو الفرق بين الفئات الثلاثة، وما هي السمات الشخصية والفردية التي على أساسها يتم اختيار مقاتل تنظيم داعش للانضمام إلى فئة بعينها دون أخرى

ثانيا السمات الشخصية وكيفية الاختيار:

1- الانغماسي
وفقا لما ورد في العدد 79 لمجلة النبأ التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، فإن الانغماسي شخص يتمتع بتدريبات عسكرية قتالية عالية شاقة غاية في الصعوبة تشبه تدريبات الكوماندوز، حيث يتلقى الانغماسي عدد من المهارات منها: 
- تدريبات متنوعة على الأسلحة الأساسية الخفيفة والمتوسطة كالكلاشنكوف، وال PKC ، والRPG .
- استخدام القنابل اليدوية، والصواريخ المحمولة على الكتف.
- القدرة على التكتيك العسكري، ومعرفة بالتخفي والتمويه.
- القدرة على التغلغل داخل أراضي العدو لمسافات طويلة.
- المقدرة على التفخيخ والتشريك، إلى جانب الإلمام بعلم الطبوغرافيا.
- القدرة على التعايش مع قلة الماء والغذاء لفترات طويلة.
- أن يكون متعلما تعليما رفيعا.
- قوي البنية والجسد حتى يستطيع القتال والوصول إلى قلب الهدف المراد تفجيره.
- تتراوح أعمارهم بين 21 سنة حتى 29 سنة.

2- الانتحاري :
يرى هاني ياسين، الصحفي والباحث المتخصص في الجماعات الجهادية والتكفيرية أن عملية اختيار من يقوم بالعملية الإنتحارية، ليس بالأمر الهين، حيث يمر اختيار الشخص بطريقين الأول أن ترشح الجماعة الشخص للقيام بالمهمة ووقتها يعلم أن الجماعة وثقت فيه وتعلم أنه رجل من السهل أن يضحي بعمره في سبيل قضيته، أما الطريق الاخر فهو أن يعرض شخص نفسه للقيام بعمليه انتحارية وهنا يخضع الأمر للبحث والدراسة من قبل التنظيم.

صفات الانتحاري في الحالة الاولي والتي تختار فيها القيادة الشخص لتنفيذ العملية:
- أن يكون محل ثقه في التنظيم - يتمتع بلياقة بدنية عالية. 
- لديه الرغبة القوية في إهلاك نفسه في سبيل ما يعتقد.
- يفضل ألا يكون من ذوي الأدوار القيادية في التنظيم حتي لا يخسر التنظيم قائداً.
- لديه الاستعداد الشخصي ويتم اصطياد ممن تتراوح أعمارهم بين سن 17 حتى 24، أي يكونوا تجاوزوا مرحلة المراهقة ولكنهم لم يبلغوا مرحلة النضج بعد وبالتالي سهل اقتيادهم وملء أفكارهم بالموت من أجل غاية نبيلة.
- من عائلات مفككة ويفضل ألا يكون وحيداً لوالديه، وغالبا ما يفضل الأعزب عن المتزوج أو من يعول لا سيما أن الشباب يمني نفسه بالحور العين بعد أن يقضي نحبه في العملية .
بعد أن يقع الاختيارعلي شخص ما، يتم إبلاغه من قبل المسؤل أو نائبه و يكون الأمر بمثابة مكافأة ودلالة على أن العضو الذي تم اختياره يحظى بثقة من قبل القيادة، وأنه أهل لأن ينال الشهادة في سبيل الله – بحسب معتقدهم- ومن ثم يفرح ويبتهج ويبدأ مراسم التجهيز للمهمة من القيام بتسجيل فيديو يتحدث فيه عن دوافعه للعملية والهدف منها ومسوغاته الشرعية التي جعلته يقدم على تنفيذ المهمة .
- صفات الانتحاري في الحالة الثانية والتي يعرض فيها الشخص نفسه لكي ينفذ مهمة يختارها بنفسه أو يترك أمر اختيار العملية للقيادة، فتبدأ القيادة بحث الحالة وجدوى أهميتها وعدم تأثر التنظيم بموت العضو، فان لم يكن هناك مانع يتم الموافقة على طلب العضو، ويبدأ تجهيزه للمهمة الإنتحارية التي سيقوم بها.

3- الذئب المنفرد:
تعتمد الذئاب المنفردة على الشباب الذي نشأ فى البلدان الأوروبية وتربى على ثقافتها، ولكن فى الوقت نفسه يستلهم هذا الجيل الأفكار التى يطلق عليها "الفكر الجهادي"، وهناك سمات عامة نستطيع أن نستشفها عن الذئب المنفرد وصفاته وهي:
- التحرك بشكل منفرد لتنفيذ عملياته دون تدخل أو اتصال مع القاعدة أو حتى الجماعات المرتبطة بها فكريا.
- المقدرة الذاتية علي اختيار الهدف والإعداد له وتنفيذه.
- يتحرك في ضوء توجيهات عامة وليست شخصية لذاته، وغالباً ما تكون الأحداث المحلية أو الدولية هي المحرك الأساسي له.

ثالثا استراتيجية عمل كل فئة:

ثالثا استراتيجية
أ‌- الانغماسي: مهمة الانغماسيين هي الانغماس بين عناصر الخصم وقتاله في عمق منطقته بهدف إرباكه والتأثير على معنوياته، وتسهيل مهمة الفصيل الذي ينتمون إليه في الاقتحام والسيطرة. وعادة ما يأتي دور الانغماسيين بعد الانتحاريين، الذين يفتحون ثغرة في الخطوط الأمامية للخصم من خلال تفجير أو عدّة تفجيرات انتحارية، يدخل بعدها الانغماسيون لإكمال مهمة خلخلة الصفوف الأمامية للخصم، تمهيداً لهجوم باقي عناصر الفصيل، ووفقا لما ورد في العدد الأخير لمجلة النبأ التابعة لتنظيم داعش والصادرة في مايو 2017، في شرحها لطبيعة العمليات الانغماسية فهي مباغتة العدو بهجمات نوعية مفاجئة خلف خطوطه أو في عمق مناطقه، والاشتباك المباشر مع عناصره، بأسلحة خفيفة ومتوسطة وقنابل يدوية، واستخدام الأحزمة والسترات الناسفة عند الحاجة لذلك أو حسب الخطة. وتهدف عمليات الانغماسيين إلى ضرب مواقع السيطرة والقيادة وغرف العمليات، وخطوط الإمداد، والمطارات وقواعد إمداد الطيران، ووحدات المدفعية والتوجيه المدفعي، ومخازن السلاح والذخيرة، ووسائل الاتصالات كأبراج الاتصال وعربات التشويش الإلكتروني لشلّ اتصالات الهدف، وتكبيد الدولة المستهدفة أكبر خسائر بشرية ومادية ممكنة مقابل عدد قليل من المهاجمين، إلى جانب زعزعة أمن المجتمع  وإحداث الفوضى في الدول، لإجبارهم على الاستنفار بشكل مستمر تحسبا لهجوم مباغت من جنود الخلافة.
يرتدي الانغماسيون ملابس مماثلة لملابس العدو، ويحاولون التطابق معهم في المظهر، فيحلقون اللحى والشعر إذا لزم الأمر، ثم يتسللون للمواقع المهاجمة، بالتزامن مع الاقتحام، ويستغلون الفوضى التي يحدثها لعمل الخدعة، وفي النهاية إما الهرب أو تفجير أنفسهم، كما  يكون الانغماسي مخيرا في تنفيذ العملية الانتحارية من استخدام الأسلحة والمتفجرات، حسب مقتضيات ساحة المعركة، وفي تفجير نفسه من عدمه، بشرط عدم العودة دون تحقيق الهدف المطلوب.

ب‌- الذئاب المنفردة:
الذئاب المنفردة يعتمد فى عمله على استراتيجية الجماعات صغيرة العدد أو أفراد يعتنقون الأفكار الجهادية ويرتبطون ايديولوجيا بتنظيمات متشددة مثل القاعدة وداعش، ويقومون بالتخطيط لعمليات إرهابية بصورة مستقلة عن التنظيم الأم ووفقًا لمقتضيات الواقع والبيئة التي يعملون بها.
تعمل "الذئاب" من خلال إمكانيات بسيطة وذلك لإحداث ضجة كبيرة من أجل تحقيق أهداف تخدم التنظيم بصورة أكبر، وهي بذلك تسعي إلي إثبات وجودها وإثارة أزمة مستمرة للتأكيد علي قوتها.

شارك