قراءة بحثية: استهداف مسجد الروضة جزء من الأطروحات الدموية للتنظيمات الإرهابية

الخميس 04/يناير/2018 - 03:35 م
طباعة قراءة بحثية: استهداف
 
قالت قراءة بحثية جديدة، إن استهداف مسجد الروضة بشمال سيناء ليس بغريب على الأطروحات الدموية للتنظيمات التكفيرية، والتي ترى في دار الكفر والحرب ومساجد الضرار وقاعدة التترس، مبررات شرعية كافية تصوغ لها استحلال دماء المسلمين في أي مكان وفوق أية بقعة جغرافية يمكن أن تصل إليها أيادي الإرهاب والغدر والاغتيال. 
وجاءت القراءة تحت عنوان "عندما يستهدف الإرهاب بيوت الله باسم الله"  ونشرت يوم 3  يناير 2018 م بقسم  الدين وقضايا المجتمع الراهنة بمؤسسة مؤمنون بلاحدود للدراسات والابحاث والتى اكدت على ، أن  مصر عند هذا التنظيمات الإرهابية وعلى راسها داعش  بلاد كفر ودار حرب يجب استهدافها واستباحتها على مجموع ترابها الوطني متى توفرت الشروط الذاتية والموضوعية لذلك.

قراءة بحثية: استهداف
وقال عبد الحق الصنايبي وهو باحث مغربي مهتم بالتكفير والحركات الجهادية، يحضر أطروحة الدكتوراه في الحركات الجهادية واستراتيجيات الأمن القومي.
 له مجموعة من الكتابات والمقالات المنشورة في بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية، كما له مساهمات علمية مع المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ومع المركز الديمقراطي العربي، وصاحب كتاب "التاريخ الدموي لجماعة الإخوان المسلمين" ومعد القراءة   استيقظت مصر يومه الجمعة 24 نوفمبرعلى فاجعة الاستهداف الإرهابي الذي ضرب مسجد الروضة بمركز بئر العبد، غربي مدينة العريش شمالي سيناء وأسفر، في حصيلة مؤقتة، عن استشهاد 305 مصليّا وإصابة المئات في استهداف إرهابي جبان وقبيح الوجه، لكنه ليس غريبا ولا بعيدا عن البناءات الفقهية والتأصيلات العقدية الدموية للتنظيمات التكفيرية.
في هذا السياق، وإذا كان هول الصدمة وبشاعة الصور التي وردتنا من موقع الحادث، تجعلنا نستنكر هذا الفعل الإرهابي الخبيث، فإن الخبير في ظاهرة الجماعات الدينية المتطرفة لن تفاجئه حتما مثل هكذا عمليات إجرامية، بل ويعتبرها من صميم البنية العقدية للتنظيمات التي تدعي أنها "سلفية"، واستمرار لنفس النهج الدموي الذي تبناه أتباع هذا الفكر منذ تبلور الفكر الخارجي على أعقاب الفتنة الكبرى التي ضربت الأمة الإسلامية في مقتل منتصف العقد الرابع الهجري.
وارتباطا بالتحليلات "الساخنة" التي أعقبت الحادث الإرهابي، فإننا نرفض رفضا باتا ما ذهب إليه البعض من اعتبار الهجوم على مسجد الروضة يدخل في إطار الصراع العقدي الكلاسيكي بين التيار السلفي والتيار الصوفي، ويتناسى أصحاب هذا الطرح أن التنظيمات التكفيرية ترى في مصر أنها داخلة في نطاق ما يصطلح عليه بـ"الفئة الممتنعة"، رغم الموقف المعلن والمعروف من التيار السلفي الجهادي في تكفيره للطرق الصوفية بالجملة.
وحتى نلتزم بالتعاطي الأكاديمي والفكري مع النازلة، بعيدا عن الانفعالات العاطفية العابرة، فإن استهداف مسجد العريش لا يعتبر سابقة في استهداف أماكن العبادات سواء كانت مساجد أو حسينيات أو مراقد أو كنائس، وإنما هي مرتبطة بطبيعة التصنيف العقدي الذي تصبغه هذه التنظيمات على الدولة أو الكيان الجغرافي المراد استهدافه وكذا الموقف الفقهي من أماكن العبادات وأيضا موقفهم من المسلمين بشكل عام والذين لا يدخلون في خانة الإسلام حسب ما تفتقت عليه البناءات الفقهية عند التنظيمات الإرهابية.

مصر دار كفر وحرب:

على هذا المستوى، يقول منظر التنظيمات الإرهابية أبو عبدالله المهاجر في كتابه "مسائل من فقه الجهاد": "فظهر مما سبق من تحديد العلماء لكل من "دار الإسلام" ودار الكفر والحرب": أن مناط الحكم هنا هو نوع الأحكام الجارية في الدار؛ فمتى كانت هي أحكام الإسلام: "فالدار دار إسلام، وإن كان أغلب سكانها من الكفار، ومتى كانت أحكام الكفر - أي كل أحكام غير أحكام المسلمين - فالدار دار كفر وحرب، وإن كان أغلب سكانها من المسلمين". 
ويضيف المهاجر بمنطق تكفيري أكثر وضوحا، فيقول: "قد أخطـأ البعـض في هذا المـقـام فظـنـوا أن إقامة كثير من المسلمين ببعض البلدان مع أمنهم وقدرتهم على إظهار شعائر دينهم كالأذان والصلاة والصوم وغيرها كافٍ في اعتبار البلد دار إسلام، حتى قال البعض: كيف تقولون إن البلد الفلاني دار كفر وفي عاصمته ما يزيد عن ألف مسجد؟ وهذا كله لا اعتبار له وقد بيّنا أن مناط الحكم على الدار هو اليد الغالبة عليه والأحكام الجارية فيه، وماعدا ذلك من الأوصاف فلا اعتبار له في الحكم على الدار". 

مسجد الروضة من المساجد الضرار:

أما بخصوص استهداف المساجد واستغراب المتابع العربي العادي من هذا التصرف المتطرف، فإن التنظيمات الإرهابية ترى في جميع المساجد التي تقوم ببنائها أو تشرف عليها أو تراقبها الدولة "الطاغوتية"، حسب قناعاتهم الفقهية، بمثابة مساجد ضرار تحرم الصلاة فيها ولا يقبل الصلاة خلف إمامها ويجب هدمها وتسويتها الأرض مع القدرة عليها، إذا لم تتمكن "الجماعة المسلمة" من إخضاعها لسلطان "دار الإسلام".
وكمرتكز عقدي وتبرير شرعي، تقوم التنظيمات الإرهابية باللجوء إلى بعض الآيات من القرآن الكريم لتبرير هكذا تصنيفات، حيث يسردون قوله تعالى في سورة التوبة: "والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون 107 لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (108). وبناء على التوجيه الفقهي لهذه الآية تستند التنظيمات التكفيرية على "استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فما صلى ولا قام فيه لحظة واحدة (يقصد أحد المساجد التي بناها المنافقون بتوصية من أبي عامر الراهب "الكافر") بل عمد إلى هدمه وحرقه وجعلَهُ محلاً للكناسة والزبالة". (أبو محمد المقدسي: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار والصلاة خلف أولياء الطاغوت ونوابه.

استهداف المدنيين في دار الحرب:

بعد سردنا للتكييف الفقهي والترابي لدار الإسلام ودار الحرب وكذا موقف هذه التنظيمات التكفيرية من أماكن العبادات على اعتبارها مساجد ضرار لا إشكال ديني في استهدافها واستباحتها، نصل إلى المصوغ الشرعي عند هذه المخلفات البشرية في استهدافها لمسلمين مسالمين يؤدون الصلاة في أعظم أيام الأسبوع وعيد للمؤمنين.
في هذا السياق، هناك موقفين فقهيين عند التنظيمات التكفيرية حسب انتماءاتها التنظيمية:
التنظيمات "السوبر" تكفيرية (تعبير مجازي)، ترى بأن كل من يقيم بين أظهر المشركين ولم يحارب الدولة "الطاغوت الأكبر" ولم يهاجر إلى دار الإسلام؛ فهو مرتد حلال الدم والعرض والمال واستباحته مشروعة بكل حال. هذا التيار لا يختلف عنده المدني والعسكري كونها تقسيمات لا يؤمن بها في الأصل، رغم أنها تقسيمات متعارف عليها في القوانين الدولية وخاصة القانون الدولي الإنساني الذي يفرق بين المدنيين والعسكريين. وهنا نجد أن التنظيمات الإرهابية لا تؤمن أصلا بهذه التفرقة وتجعل كل من يوالي الأنظمة الحاكمة كافرا حلال الدم ولو كان مُسَالما غير محارب. وهنا يصرح شيخ الإرهاب ومفتي الدماء أبو عبد الله المهاجر في نفس الكتاب (مسائل من فقه الجهاد) في الصفحات 139/140/141 بالقول: "يُروج اليوم وينتشر مصطلح "المدنيين"، ويراد به: غير العسكريين، أي: الأفراد غير المنتسبين للأجهزة الأمنية الحديثة، فهؤلاء عند صُنّاع هذا المصطلح ومروجيه ومستخدميه والمدافعين عنه: أهداف غير مشروعة، لا يجوز استهدافهم بالقتل أو التعرض لهم بحال من الأحوال. وهذا المصطلح بما رتب عليه من أحكام: باطل منقطع النسبة والنسب بشرع الله ودينه لفظاً، ومعنى إذ الإسلام: لا يفرق بين مدني وعسكري، وإنما يفرق بين مسلم وكافر، فالمسلم: معصوم الدم أيّاً كان عمله ومحله، والكافر: مباح الدم أيّاً كان عمله ومحله".
وبخصوص استهداف "المشركين" في أماكن العبادات أو في المشاعر المحرمة، فيورد أبو عبد الله المهاجر قولا للطبري جاء فيه: "إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين: قتلهم أمّوا البيت الحرام أو البيت المقدس في أشهر الحرم وغيرها. ص 46 (تفسير القرطبي ج6 ص 61/62). وهنا نستنتج أن من استباح دماء المسلمين، التي يحكم بشركها وكفرها وردتها، في المشاعر المحرمة، كيف لا يستبيحها في مسجد يرى فيه أنه بني على غير هدى من الله ومُحرّمة الصلاة فيه أو خلف إمامه.
التيار التكفيري الآخر والذي يعتبر نسبيّاً أقل "دموية" من التيار الأول الذي تمثله داعش وقبلها الجماعة الإسلامية المسلّحة في الجزائر وقبلهم جميعا تنظيم التكفير والهجرة الذي أسسه شكري مصطفى، فتتبناه "القاعدة" ومن يدور في فلكها. هذا التنظيمات تفرق عادة بين المشرك المحارب والغير المحارب وأيضا بين أعوان "الطواغيت" وعامة المسلمين الذين لا تنفي عنهم هذه التنظيمات صفة الإسلام، وكأنها تمتلك صكوك الغفران ولديها مفاتيح الجنة والنار لتحكم في رقاب العباد قبل رب العباد.
هذه التنظيمات تلجأ، في الغالب، إلى قاعدة "التترس" لاستهداف تجمعات "مختلطة" بين "مسلمين" و"مشركين" كما هو حال جميع الأنظمة العربية والإسلامية والتي تحكم بكفرهم وردتهم جميعا، حيث يورد لنا سيد إمام الشريف في كتابه المرجعي "الجامع في طلب العلم الشريف" ما نصه: "فالمسلم معصوم بإسلامه أينما وجد في دار الإسلام أو دار الحرب (المغني مع الشرح الكبير) 9/ 335، ولا يجوز قتله أثناء قتال الكفار ــ إذا كان مختلطاً بهم ويمكن تمييزه ــ إلا لضرورة، وهذه هي (مسألة تترس الكفار بالمسلمين). وإذا كان مختلطاً بهم ولا يمكن تمييزه عنهم بعلامة فلا مؤاخذة في قصده بالقتل والحال هذه، وهذه الصورة ذكرها ابن تيمية في (مجموع الفتاوي) 28/536 (ص 637). ويضيف في موقع آخر من نفس الكتاب "بل لو كان فيهم قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضا، فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا، فإنه يجوز أن نرميهم ونقصد الكفار. ولو لم نخف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضا في أحد قولي العلماء". (ص 701)
وتبقى قاعدة التترس من القواعد المتفق عليها بين التنظيمات التكفيرية بشقيها "الدموي" و"الأكثر دموية"، حيث يُعرفها أبرز منظري الإرهاب، أبو عبدالله المهاجر بالقول: "وهو ما يعرف بـ"مسألة التترس"، والمراد بالتترس هنا: أن يتخذ العدو طائفة من المسلمين بمثابة الترس - وهو الدرع - ليدفع بهم عن نفسه استهداف المجاهدين له بالقتل. وقد ذهب جماهير أهل العلم من الفقهاء والأئمة إلى مشروعية رمي الكفار المحاربين في هذه الحالة وإن ترتب على ذلك قتل المتترس بهم من المسلمين يقيناً لضرورة دفع عادية الكفار عن المسلمين، وعدم إمكان التوصل إلى قتل الكفار المحاربين إلا بذلك ص 196. ويستمر مفتي داعش بالقول: "إن مسألة العمليات الاستشهادية بصورتها المعاصرة تتشابه من بعض الوجوه مع مسألة أخرى من مسائل فقه الجهاد، وهي مسألة قتل المسلمين الذين يتترس بهم العدو ليدفع عن نفسه القتل، وهي مما أجازه أهل العلم وقرروه". (أبو عبدالله المهاجر: نفس الكتاب ص 114). ويسترسل في موقع آخر بالقول: "ومع التسليم بأن قتل عدد من المسلمين معصومي الدم: مفسدة كبيرة بلا شك، إلا أن الوقوع في هذه المفسدة الكبيرة جائز بل متعين دفعاً لمفسدة أعظم بما لا مزيد، وهي مفسدة تعطل الجهاد". (أبو عبد الله المهاجر ص 189)
إجمالا يمكن القول، إن استهداف مسجد الروضة بشمال سيناء ليس بغريب على الأطروحات الدموية للتنظيمات التكفيرية، والتي ترى في دار الكفر والحرب ومساجد الضرار وقاعدة التترس، مبررات شرعية كافية تصوغ لها استحلال دماء المسلمين في أي مكان وفوق أية بقعة جغرافية يمكن أن تصل إليها أيادي الإرهاب والغدر والاغتيال.

شارك