«السلفية المدخلية».. تيار ثالث يتمدد ويتوسع في الداخل الليبي

السبت 13/يناير/2018 - 09:51 م
طباعة «السلفية المدخلية»..
 
لفتت دعوة أطلقها السياسي والدبلوماسي الليبي السابق إبراهيم قرادة، بالاعتراف بالسلفية كمذهب إسلامي ثالث في ليبيا، مشيرًا إلى المذهب الحنبلي نسبية إلى الامام أحمد بن حنبل، وفق مدرسة «ابن تيمية»، وحسب منهج الوهابية، نسبة إلى الشيخ محمد عبد الوهاب، وبنسخة مدخلية (الشيخ أبو ربيع المدخلي)، أو كما يطلق عليه اصطلاحا «السلفية»، كمذهب له شيوخه وأتباعه ومريديه، ومساجدهم ومنشوراتهم وجمعياتهم في ليبيا. 
دعوة قرادة الذي كان سفيرًا ليبيا لدى العديد من الدول الأوربية، اعتبرها البعض إعترافًا و إقرارًا بواقع قائم ليس فرضيًا أو خياليًا، واعتباره أحد المدارس الفقهية في ليبيا، ليس المذهب الوحيد في ليبيا، مما يستدعي بحسب رأي قرادة الإعتراف بوجوده رسميًا، كجزء من الجماعة الوطنية لا كل جماعة الصواب لوحدهم كما يدّعي بعضهم، بشرط التكيف مع تنوعات المجتمع وقبول الأخر من المذاهب (الصوفية والاباضية والليبرالية)، ونبذ المتصف بالتشدد والذي يرفض الآخر ويلاحق المختلف لدرجة التكفير والتضليل والتبديل، وان يبعدوا أنفسهم ويبتعدوا عن مهاجمة الآثار والأضرحة والمقابر ونبشها، وحرق الكتب وفرض المناهج.
للمزيد عن المداخلة وعلاقتهم بتنظيم «الإخوان»اضغط هنا
«السلفية المدخلية»..
وفي نفس الوقت يعتقد السياسي الليبي، أن هذا قد يكون مرفوضًا من عدة أطراف، من طرف بحجة أن «الإسلام الليبي» التاريخي هو «المالكية» المحتضنة تعايشا وتناغما «الاباضية»، أو من طرف آخر بان «السلفية الحنبلية» ليست مذهب من المذاهب بل هي الإسلام الصحيح الذي يجب استعادته وفرضه، بما يعني نهاية أن ثمة مذهب ثالث يتشكل في الدول المغاربية وليس مجرد حركة سلفية آيديولوجية.
حديث قرداة، تزامن مع قضية نبش ضريح زعيم الحركة السنوسية المهدي بن محمد بن علي السنوسي، والد الملك السابق محمد إدريس السنوسي ونقل رفاته إلى مكان مجهول، وهو ما أثار موجة استنكار كبيرة في البلاد، فيما وصف فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الحادثة بأنها «عمل همجي»، داعيا إلى فتح تحقيق أمني وقضائي لكشف الجناة وتقديمهم للعدالة.
 وهو ما أعاد الحديث من جديد حول تجذر السلفية المدخلية في أطراف الصراع، حتى تحولت، من ذراع دعوية ودينية يستخدمها النظام السابق، إلى عنصر فاعل في ساحة القتال بالشرق والغرب على حد سواء، بواسطة تغيرات في صلب الحركة الهادئة سياسياً قديماً، لكنها ظلت متمسكة ببراغماتيتها التي سمحت لها بالقتال بجوار طرفي الحكم في الشرق والغرب في وقت واحد.
تعد الفتاوى الشاذة للسلفيين رأسمال المتطرفين الذين ارتكبوا انتهاكات وحاولوا تغيير النهج الوسطي للإسلام في المجتمع الليبي، وحتى اتهمت تقارير عدة أنصار التيار السلفي المدخلي بالوقوف وراء حادثة نبش ضريح زعيم الحركة السنوسية، وهو ما خلف حالة احتقان واسعة. وفيما نفت عدة أطراف مسؤوليتها عن الحادث، فإن السلفية المدخلية التزمت الصمت تجاه الواقعة، وهو ما يزكي الاتهامات التي أُسندت إليهم بارتكاب الحادث.
السَّلفية المدخلية وتكفير المجتمع.. اضغط هنا 
«السلفية المدخلية»..
بالعودة إلى بداية الظهور، يرجع وجود السلفية المدخلية في ليبيا إلى العقد الأخير من حكم القذافي، الذي سمح لهم بالتواجد في ليبيا؛ لأنهم يحرمون الانتخابات والديمقراطية، ويدعون إلى الطاعة المطلقة للحكم، واستخدمهم القذافي لمواجهة جماعة «الإخوان» والمجموعات الجهادية، معتمداً على اعتقادهم بالطاعة الكاملة دون جدال للسلطة، ومعارضة الديمقراطية والانتخابات الحرة.
لكن مع بداية ثورة 11 فبراير رفضت السلفية المدخلية الانتخابات، بعدما أصدر المدخلي توجيهاً ناشد فيه أنصاره بالامتناع عن دعمها، وحافظ عدد كبير منهم على ولائهم للنظام أو وقفوا على الحياد، لكن بصورة براغماتية شارك أعضاؤها فيها في نهاية المطاف.
لدى تلك المرحلة شهدت السلفية المدخلية تغييرات لكنها كانت تعديلاً في الشكل أكثر منه انحساراً أو اضمحلالاً لتأثير السلفيين، عبر الانتقال من مرحلة الوجه الديني الخطابي إلى العسكري الميداني والانخراط في تحالفات مناطقية وعسكرية لم تذهب فيها المصالح بعيداً، ولا يمكن لمتابع أن يستبعد الطموح السياسي أو على أقل تقدير السيطرة الدينية في أنحاء البلاد.
ما سبق، يجعلنا نذهب إلى مساحة الاختلاف بين «السلفية الهادئة» كما يسميها البعض من جهة، و«السلفية الجهادية» المؤمنة بأن إقامة دولة الإسلام تبدأ بالسيطرة على السلطة من الجهة الثانية، بدت خلال الفترة الأخيرة أقل بكثير من بدايات الظهور والتمدد، فبعدما انتشرت السلفية الهادئة، نسبة إلى رجل الدين السعودي ربيع بن هادي المدخلي المروِّج لعقيدة طاعة ولي الأمر، دفعت التطورات العسكرية الأخيرة إلى تساؤلات بشأن مرحلة ما بعد الحضور المتنامي في المدن والمناطق شرقاً وغرباً، ما يبعث بمخاوف لدى الليبيين بشأن التواجد الجهادي بطرفيه، ومستقبل المدخلية بعد انتهاء المعارك ضد الجهادية.
وتنقسم السلفية المدخلية في ليبا إلى ثلاث مجموعات رئيسية، فبتشريح التواجد الميداني للسلفية المدخلية التي وجدت نفسها عقب ثورة فبراير مشتتة في أنحاء البلاد بين أطراف جلها يدعي امتلاكه شرعية الحكم، فإن نفوذها بدا واضحاً في ثلاثة تجمعات، هي «كتائب التوحيد» في بنغازي، وقوات «الردع» في طرابلس، وكتيبة «604 مشاة» في مصراتة.
فيتبقى أخيرًا، قراءة مستقبل التمدد المدخلي وفق خريطة انتشار الأطراف الثلاثة السابقة، فإن الروابط الأيديولوجية بين تلك المجموعات، تبدو أطغى من الاختلاف الشكلي الذي يبدو للأطراف المتحالفها معها، يدعم ذلك الأمر الذي أصدره الشيخ المدخلي في العام 2011 لأتباعه بعدم الانضمام للثورة، حيث ظل كثير من الأتباع في صف القذافي، وآخرون تجنبوا القتال لصالح أي من الطرفين، ما يُشير إلى أن الروابط التي تجمع الأطراف الثلاثة تبدو أقرب من المسافات المتباعدة.

شارك