الأمير حامل شعلة التغيير «2030».. رؤية «بن سلمان» لمواجهة التطرف وقوى الشر (ملف خاص 1-4)

الثلاثاء 27/نوفمبر/2018 - 09:07 م
طباعة الأمير حامل شعلة
 
ملف خاص اعده: حسام الحداد - هند الضوي - فاطمة عبد الغني
لمناسبة زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة (الاثنين 26 نوفمبر 2018) نتناول في ملف خاص (4 حلقات) التطورات الحادثة في المملكة، وفقًا لتصورات الأمير محمد بن سلمان وحركة الانفتاح الفكري والثقافي وتجديد الخطاب الديني التي يقودها ومواقفه من الأفكار الوهابية التي تحكمت في المجتمع السعودي فترات طويلة.

لم يكن يتخيل أى من متابعى الشأن السياسى والاقتصادى فى المملكة العربية السعودية، أن ينجح ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، فى تحقيق ما يصبو إليه فى خطته التى أعلنها بعنوان رؤية المملكة 2030.
الأمير حامل شعلة
فالأمير الشاب، رفع راية التحدي، ليس فى الخارج فقط، لكن داخل المملكة أيضا، وحمل شعار التطوير فى مواجهة الرجعية، وخاض معارك ليحل الفن فى مواجهة هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والاستثمار محل الاقتصاد الرجعى القائم على بيع النفط، معلنا بوضوح أعداءه فى الداخل من قوى التطرف والرجعية، وفى الخارج من تنظيمات إرهابية ونظام ملالى يسعى لفرض سيطرته على المنطقة. لكن الواقع الذى حققه ولى العهد منذ إطلاق «رؤية 2030»، تخطى كل ما هو واقعى وإن قلنا قد اقترب من الخيال على الأقل بالنسبة لمخيلة المقيمين داخل السعودية والمرتبطين بها وجدانيا وثقافيًا فى كل بقاع الأرض. وحدد الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى مثلث الشر الذى يواجه المملكة والمنطقة والعالم بأسره بقوله: «نجد فى المثلث أولا النظام الإيرانى الذى يريد نشر أيديولوجيته الشيعية المتطرفة، جماعة الإخوان المسلمين، وهى تنظيم آخر متطرف؛ وهم يريدون استخدام النظام الديمقراطى لحكم الدول وبناء خلافات ظل فى كل مكان، وبعد ذلك يحولونها إلى إمبراطورية إسلامية حقيقية». أما عن الضلع الثالث، فيقول ولى العهد: «الإرهابيون- القاعدة وداعش- الذين يريدون أن يفعلوا أى شىء بالقوة». واقتصاديا، قرر الأمير الشاب ألا يسير فى نهج من سبقوه بالاعتماد على الاقتصاد الريعى القائم على بيع النفط، بل قرر فتح بلاده لكافة أنواع الاستثمار، فأعلن مشروع نيوم وغيره من المشروعات التى يسعى بن سلمان لأن تحمل اقتصاد بلاده خلال المرحلة المقبلة.
تستقبل عاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، أسبوع الموضة العربي، لأول مرة، خلال الفترة من ١٠ إلى ١٥ إبريل الجاري.
وبالتزامن مع ذلك خرجت فتوى للداعية عبد الله المطلق، من كبار رجال الدين وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة، تتعلق بزى النساء، أفتى فيها بأن ارتداء «العباءة» ليس فرضا على المرأة.
وتلخص الفتوى، وفاعلية أسبوع الموضة، الكثير من أبعاد المشهد السعودى الراهن، بكل ما لحقه من تطورات سياسية وثقافية واجتماعية، وفوق كل ذلك الاقتصادية، والتى بدأت معالمه مع عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وهى المرحلة التى وصفها البعض بــ«الثورية».
ولم يكن يتوقع الكثير من السعوديين رؤية هذه التطورات، ولكن الواقع الذى حققه ولى العهد منذ إطلاق «رؤية ٢٠٣٠»، تخطى كل ما هو واقعي، ليقترب من الخيال، على الأقل بالنسبة لمخيلة المقيمين داخل السعودية، والمرتبطين بها وجدانيا وثقافيًا.
وفى ظل موجة الإصلاحات التى اتُّخذت أخيرًا كجزء من العلاج بـ«الصدمة»، كما وصفها الأمير «بن سلمان»، لم يكن هناك أبلغ من الإشارة إلى استضافة العاصمة السعودية لأسبوع الموضة العربي، ليبين كيف انتقل المجتمع السعودى هذه النقلة النوعية والمفصلية فى تاريخه الحديث. 

تنظيم «أسبوع الموضة» بالتزامن مع إطلاق حرية المرأة

الأميرة نورا بنت
الأميرة نورا بنت فيصل
ويأتى استقبال الرياض لفعالية «أسبوع الموضة العربي» للمرة الأولى، بتنظيم من مجلس الموضة العربي، الذى يعتبر أكبر هيئة أزياء فى العالم، وترعاه وتدعمه الهيئة العامة للترفيه، وبالتعاون بين مجلسى الأزياء العربي، والأزياء البريطاني، لتقديم الأزياء الراقية الجاهزة المعروفة بالـReady Couture.
وقال مجلس الموضة العربى على موقعه الإلكتروني: «إن أول أسبوع موضة عربى يقام فى الرياض، لن يكون فقط مجرد حدث عالمي، لكنه سوف يكون محركا لقطاع الموضة لأنه يقود قطاعات اقتصادية أخرى مثل السياحة، والضيافة، والسفر، والتجارة نحو مزيد من التقدم»، وهو ما يشير بقوة إلى أنها مبادرة ضمن خطة تغيير شاملة كاملة تجرى فى عروق وأوصال السعودية الجديدة فى كل شيء.
وافتتح المجلس مكتبا إقليميا بالسعودية فى ديسمبر الماضي، برئاسة الأميرة نورا بنت فيصل، الراعية للمبادرة، والتى تشهد عروضا لأحدث مجموعات نفذتها المصممات السعوديات إلى جانب باقة من الأسماء العالمية فى مجال الموضة، ويأتى هذا الحدث كخطوة جديدة فى ظل المبادرات التى بدأها ولى العهد، بعد إقامة حفلات موسيقية عامة والإعلان عن تشغيل دور عرض السينما فى السعودية، وهى الدور التى تقوم بالإشراف عليه الهيئة العامة للترفيه، التى تأسست بتاريخ ٧ مايو ٢٠١٦.

هيئة الترفيه بدلًا من هيئة الأمر بالمعروف

أعضاء هيئة الأمر
أعضاء هيئة الأمر بالمعروف
وبحسب ما ذكر فى تعريف الهيئة على موقعها الإلكتروني، فإن تأسيسها جاء تماشيًا مع رؤية المملكة ٢٠٣٠، لتقوم على تنظيم وتنمية قطاع الترفيه، وتوفير الخيارات والفرص الترفيهية لكافة شرائح المجتمع، لإثراء الحياة ورسم البهجة والسعادة على وجوه السعوديين، وتحفيز دور القطاع الخاص فى بناء وتنمية نشاطات الترفيه.
وذكر الدكتور عادل الطريفى وزير الثقافة والإعلام السعودى وقتها، تعليقًا على قرار تأسيس هيئتى الترفيه والثقافة، بأن «رؤية السعودية ٢٠٣٠» التى وافق عليها مجلس الوزراء لم تغفل الجانب الثقافى، وتتجه إلى صناعة واقع ثقافى يتميز بجودة عالية وتنوع يتسق مع مكانة المملكة عالميا، ويحقق تطلعات المواطن والمقيم ويوائم مكانة المملكة ووضعها الاقتصادى المزدهر، ولذلك اعتمدت الرؤية على عدة آليات منها: دعم جهود إقامة المهرجانات والفعاليات المختلفة، ودعم الموهوبين من الكتاب والمؤلفين والمخرجين، وإيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تناسب الأذواق والفئات المختلفة.
واستحداث السعودية، وفقًا لرؤية ٢٠٣٠ التى أطلقها «بن سلمان»، عدة قرارات تتعلق بإقامة مهرجانات وحفلات غنائية، وإنشاء دار الأوبرا وقاعات للسينما، وفعاليات الموضة، وفوق ذلك قرار الملك سلمان بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، بعد رحلة طويلة بذلت فيها الناشطات السعوديات مجهودًا خرافيُا طيلة السنوات الماضية للسماح لهن بذلك، علاوة على ذلك حضور النساء مباريات كرة القدم فى الملاعب السعودية.
ومن المتوقع بقوة أن المملكة ستدخل عهدًا اقتصاديًا جديدًا ومختلفًا، عهدا لا تعتمد فيه على النفط فقط، كما اعتادت منذ عشرات السنين، فقد وضع الأمير محمد، بذور ثورة اقتصادية، تقوم على كل ما هو خارج عن المألوف والمتاح، فمقوماتها التكنولوجيا والطاقة المتجددة النووية والشمسية، لاسيما الاستثمار فى القطاع السياحى بطرق وقيم استثمارية هائلة.
وقطاع الترفيه ليس إلا واجهة أولية لأمرين، الأول: فتح الاقتصاد السعودي، والثاني: مواجهة الفكر المتطرف، فبعد زمن طويل اقتصرت فيه مواقع الترفيه على المطاعم والأسواق فقط، وصل الحال اليوم- بحسب تصريحات لرئيس هيئة الترفيه، أحمد الخطيب- لإنشاء ٦ خيارات ترفيهية عامة فى كل نهاية عطلة أسبوع من أجل السعوديين، بهدف «نشر السعادة»، ردًا على من يقول، إن السعودية دولة «كئيبة» فى بعض الأحيان، يضاف إلى ذلك أهمية الدور الثقافى والترفيهى فى نأى الناس عن العنف بكل أنماطه، إذ بالفن، والترفيه، يسهل تأسيس أساليب ومفاهيم أخرى ويخلق عوالم مختلفة وثقافات متنوعة.

التخلص من العنف بالاستمتاع بالحياة

جانب من مهرجان موسيقي
جانب من مهرجان موسيقي الجاز
ولولى العهد السعودى تصريح شهير يقول فيه: «أنا شاب، وسبعون فى المائة من مواطنينا هم من الشباب، نحن لا نريد أن نُضيع حياتنا فى هذه الدوامة التى كنا فيها طوال ٣٠ سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتى سببت التطرف والإرهاب، نحن نريد أن ننهى هذه الحقبة الآن، نحن نريد - كما يريد الشعب السعودى- الاستمتاع بالأيام المقبلة، والتركيز على تطوير مجتمعنا وتطوير أنفسنا كأفراد وأُسر، وفى نفس الوقت الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لن نستمر فى العيش فى حقبة ما بعد عام ١٩٧٩... لقد ولى زمان تلك الحقبة».
وهناك نقاط أخرى ذات أهمية بالغة، تتعلق بالخصوصية الدينية والفكرية والثقافية للمجتمع السعودي، حيث الفكر الوهابى السلفي، والتيارات التكفيرية والإخوانية و«الصحوية»- المستمدة من أفكار السلفية المتشددة، التى لازمت هذا البلد لعقود طويلة، وتسببت فى كثير من الأحيان فى بزوغ الفكر المتطرف والإرهابى فى كل أنحاء العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، حيث نشأ التيار الوهابى مع التأسيس الأول للسعودية، على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بسلفه وخلفه.
وكشفت كل التصريحات التى أطلقها «بن سلمان» فى كل لقاءاته، عن أن المملكة باتت على مقربة من التخلص تمامًا من الأيديولوجيا التى تحكمت فى كل تحركات عموم المجتمع السعودي، والتى تمثلت فى عقيدته السلفية وتحديدًا الوهابية الحنبلية، والتى كانت تسيطر على مناهج التعليم العامة، وبرامج الدعوة العامة من العلماء والدعاة داخل المؤسسات الدينية وخارجها.
وبحكم هذا المنهج الحاكم للمجتمع السعودي، الذى يعد مجتمعًا محافظًا يصعب توجيهه أو تغيير قناعاته الثقافية إلا من خلال الدين والعلماء وفتاواهم، فالتغيير من خلال العلماء بتشريعات الإسلام موضع ثقة واطمئنان، وهذا ما حدث فى كل القرارات الكبيرة التى حدثت فى المملكة، مثل موضوع (الهجر والتوطين) كأبرز مشروع فى عملية التغيير الاجتماعى والثقافى زمن الملك عبدالعزيز، وكمشروعات الإذاعة والتليفزيون، والأدهى من ذلك حينما قرر الملك عبدالعزيز الاستعانة بشركات أجنبية للتنقيب عن البترول، حيث لاقى معارضة شديدة من التيار الوهابى وقتها، ووصل الأمر إلى نشوب معركة دامية.

بداية مرحلة تعليم البنات

بداية مرحلة تعليم
بداية مرحلة تعليم البنات
ولفهم طبيعة المجتمع السعودى أكثر، نعود إلى تلك الأجواء التى فرض فيها مشروع تعليم البنات، فى عهد الملك سعود بن عبد العزيز عام ١٩٥٩، وما حملته من حملات رفض وممانعة واجهته وقتها، كخير دليل ومثال، لاستكشاف واستيضاح ما يجرى داخل أروقة المملكة، فقد كان تعليم البنات فى المجتمع السعودي، حينذاك حدثا اجتماعيًا، لأنه أعاد صياغة المنزل والتفكير العائلي، وكان تحولا فى ذهنية المجتمع كله، فعلى الرغم من كونه للجانب التعليمى أو الثقافى أقرب، ولكنه تحول إلى ظاهرة اجتماعية قولًا وفعلا وبجدارة، وعلى إثره تأسس كيان إدارى يعرف بـ«الرئاسة العامة لتعليم البنات» مستقل عن البنين إشرافا وإدارة، وهو ما كان نتيجة بديهية لطبيعة المجتمع المحافظ، وتعبيرًا عن حجم الممانعة التى صحبت نشوء الفكرة.
وكى تتجاوز السلطات وقتها هذه الممانعة، فلم تكتف الفئات المتخوفة من نتائج المشروع بفتاوى العلماء فى مسألة تعليم البنات لإقراره، بل لزم الأمر حد وضع العلماء أنفسهم وتلاميذهم على رأس الهرم الإدارى والإشرافى للمشروع ككل، وبذلك تحول الرفض إلى قبول وقناعة به واطمئنان إليه.
وكانت هذه اللبنة الأولى لتعليم البنات فى السعودية، والتى انتهت اليوم باقتحام المرأة السعودية لكافة المجالات، حتى عضويات المجالس المحلية والنيابية، والوظائف الحكومية، بل واخترقت المجال الفنى والثقافى أيضًا.
ورغم ذلك، فقد يعتبر أمر التغيير فى الوقت الراهن، أمرًا يسيرًا عما سبق لعدد من الأسباب، أغلبها يتعلق فى كون الأغلبية السكانية من الشباب المتأثر بطبيعة الحال بالثورة التكنولوجية الهائلة وما فرضته العولمة على كل البشر، وكى تتمكن القيادة الحالية من مواصلة جهودها فى التطوير والتقدم واستكمال رؤية نهضتها، استلزم الأمر تطويق التيار «الصحوى «والمتأثر بالفكر الإخوانى والسلفى الوهابي، وهو ما يطال فئة لا بأس بها من المجتمع، وهو ما أعلن ولى العهد فى أكثر من مناسبة، عن عزمه وإصراره على القضاء عليهم تمامًا، وبالفعل اتخذت العديد من الإجراءات وطبقت الكثير من القرارات فى هذا الاتجاه، شاهدها العالم أجمع، وقبل كل هؤلاء كان من المهم بالنسبة للرؤية النهضوية للسعودية، تحجيم وضعية هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمن المعلوم كيف كان تأثيرها الدينى والثقافى، وقبضتها الثقيلة على تفاصيل الحياة اليومية لسكان المملكة، وصياغة نمط محدد ومتشدد لسلوك المواطنين فى السعودية.

الخروج من عباءة «المطاوعة «الى رؤى «سلمان»

الخروج من عباءة «المطاوعة
ولكى تخرج السعودية من القوقعة النفطية، بالانفتاح على كافة المجالات، وفقًا لرؤية ٢٠٣٠ التى تركز على قطاعى السياحة والترفيه، وعلى تفعيل دور المرأة فى الاقتصاد، فكان من الصعب للغاية بقاء هيئة الأمر بالمعروف أو ما يعرف بـ«المطاوعة» فى وضعها السابق، وهى التى مثلت طيلة ما يزيد عن ٨٠ عامًا صورة نمطية عن السعودية، بواسطة وجوه متجهمة تجوب الميادين والشوارع والأسواق بحثًا عن مخالفين وضالين لا يقيمون الصلاة فى حينها، أو فتيات يضعن طلاء أظافر ولا يرتدين النقاب على وجوههن، وكان هذا قليل من كثير يتم بشكل رسمى وقانوني، وهو ما أنهته القيادة الحالية للمملكة باقتصار كل أعمال الضبط والقبض على المخالفين للشرطة، ومن ثم بات لا وجود فعلى لتلك الهيئة، ويناقش مجلس الشورى السعودى حاليًا مقترحا بإلغائها نهائيًا.
ونجح العاهل السعودى وولى العهد، فى التخلص من أكبر معوقات النهضة السعودية الجديدة، وهى تلك الهيئة التى كانت تمثل بشكل رئيسى التيار الوهابى المتشدد ضد الحداثة والتطور، الذى يمتلك تاريخا حافلا منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، باتهامه بمخالفة الدين عند استخدامه السيارة والطائرة والتلغراف، بل وتمردوا عليه حتى اضطر إلى سحقهم عام ١٩٢٩، وفيما بعد اعترض هذا التيار على دخول التليفزيون والإذاعة والتليفونات المحمولة، والإنترنت والكاميرات، ولذا كان إقصاؤهم أمرًا لابد منه، ومن المفترض فى خضم هذا التغيير أن تشهد كافة المؤسسات الدينية إعادة تنظيم من جديد وعلى رأسها هيئة كبار العلماء، تماشيًا مع خطة الإصلاحات المتبعة والتى ستطول كل ما هو قديم وبال.

تيار «الممانعة» فى مواجهة «الانفتاح»

وإن كان لا يجوز لنا أن نختصر التيار الدينى المتشدد ولا المذهب الوهابي، فى الهيئة فهى ليست سوى مؤسسة رسمية، جسدت مع غيرها العقد الاجتماعى الذى قام منذ مرحلة التأسيس، بعد أن أسسها الملك عبدالعزيز للوهابيين، حيث كان يخشى من قوتهم فأنشأ لهم الهيئة، حيث نشطت فى تبليغ الدعوة الوهابية بأكثر من عشرة آلاف مركز ومئات آلاف الموظفين.
ونتج عن تنامى مظاهر التطرف بالمجتمع السعودي، اقتحام جهيمان العتيبي، الذى كان عضوًا سابقًا فى الحرس السعودي، المسجد الحرام مع أتباعه محاولا السيطرة عليه، وفقًا للرواية السعودية الرسمية، لكنه استسلم بعد مقتل بعض أتباعه وأعدم بعد ذلك، ويعتبر البعض أن حركة التطرف فى السعودية بدأت بعد حركة جهيمان. وكذلك ما نشأ عن الثورة الخمينية ١٩٧٩ فى إيران، من تشدد سنى مضاد للحلم الشيعى والفارسي، إضافة إلى ما نتج عن قدوم القوات الأمريكية لتحرير الكويت عام ١٩٩٠، من إعادة تشكيل التيار السلفى فى السعودية بسبب السخط على قدوم «قوات احتلال» غير مسلمة لبلد مسلم، فانضم آلاف السعوديين للجماعات الإسلامية وتأثروا بها، وساهم السعوديون الذين كانوا يقاتلون فى أفغانستان بتكوين نواة للجهاد السلفى فى السعودية وفى المنطقة.
ولا تكمن الخطورة، فقط فى العاملين رسميًا بتلك الهيئة، والذى من السهل ندبهم إلى أى هيئة رسمية أخرى، بل فيمن تربوا فى أحضان الهيئة بشكل تطوعى وغير رسمي، إيمانًا بأن واجبهم يقتضى تطبيق «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».
وتلك الفئة التى لاتزال متأثرة بالفكر الوهابي، لا تعجبهم جملة التغيّرات الواقعة اليوم، ولكن يقف فى وجهها فئات اجتماعية أكبر عددًا وتأثيرًا، لم تعد قادرة على احتمال إبقائها فى زمرة الماضى المتشدد، وبالتالى فإن مسألة إقصاء الرؤية السلفية المتشددة تتوافق مع رغبات غالبية المجتمع السعودي، وبالتالى تعتبر حملة ولى العهد ضد كل ما هو متشدد ومضاد للتطور والحداثة، ستأتى بالسلب على التيارات السلفية والإسلاموية فى كل العالم العربى والاسلامي، وبالإيجاب لكل المجتمعات التى توجد بها هذه التيارات، بعد أن انتهى زمن الدعم السعودى المادى والمعنوى لها.
"يتبع"

شارك