الأمير حامل شعلة التغيير (2) .. «بن سلمان» والكنيسة

الأربعاء 28/نوفمبر/2018 - 04:44 م
طباعة الأمير حامل شعلة
 
ملف خاص اعده: حسام الحداد - هند الضوي - فاطمة عبد الغني
لم يكن يتخيل أى من متابعى الشأن السياسى والاقتصادى فى المملكة العربية السعودية، أن ينجح ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، فى تحقيق ما يصبو إليه فى خطته التى أعلنها بعنوان رؤية المملكة 2030.
فالأمير الشاب، رفع راية التحدي، ليس فى الخارج فقط، لكن داخل المملكة أيضا، وحمل شعار التطوير فى مواجهة الرجعية، وخاض معارك ليحل الفن فى مواجهة هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والاستثمار محل الاقتصاد الرجعى القائم على بيع النفط، معلنا بوضوح أعداءه فى الداخل من قوى التطرف والرجعية، وفى الخارج من تنظيمات إرهابية ونظام ملالى يسعى لفرض سيطرته على المنطقة. لكن الواقع الذى حققه ولى العهد منذ إطلاق «رؤية 2030»، تخطى كل ما هو واقعى وإن قلنا قد اقترب من الخيال على الأقل بالنسبة لمخيلة المقيمين داخل السعودية والمرتبطين بها وجدانيا وثقافيًا فى كل بقاع الأرض. وحدد الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى مثلث الشر الذى يواجه المملكة والمنطقة والعالم بأسره بقوله: «نجد فى المثلث أولا النظام الإيرانى الذى يريد نشر أيديولوجيته الشيعية المتطرفة، جماعة الإخوان المسلمين، وهى تنظيم آخر متطرف؛ وهم يريدون استخدام النظام الديمقراطى لحكم الدول وبناء خلافات ظل فى كل مكان، وبعد ذلك يحولونها إلى إمبراطورية إسلامية حقيقية». أما عن الضلع الثالث، فيقول ولى العهد: «الإرهابيون- القاعدة وداعش- الذين يريدون أن يفعلوا أى شىء بالقوة». واقتصاديا، قرر الأمير الشاب ألا يسير فى نهج من سبقوه بالاعتماد على الاقتصاد الريعى القائم على بيع النفط، بل قرر فتح بلاده لكافة أنواع الاستثمار، فأعلن مشروع نيوم وغيره من المشروعات التى يسعى بن سلمان لأن تحمل اقتصاد بلاده خلال المرحلة المقبلة.
تغييرات المملكة الفكرية والاجتماعية.. وراء التزام السلفية المصرية الصمت 
بدأت مواقف ولى العهد السعودى تجاه التغيير تتضح، منذ بداية زيارته للقاهرة فى الرابع من مارس الماضى ٢٠١٨، والتى كانت لها دلالات مهمة، فقد قام ولى العهد السعودى بزيارة الأزهر، باعتباره يمثل الإسلام السنى المعتدل فى المنطقة، وشيخه الدكتور أحمد الطيب رئيس مجلس حكماء المسلمين، مما يعطى دلالة على أهمية المؤسسة الدينية الأولى فى مصر والعالم الإسلامى وتأكيدا لدور الأزهر فى مواجهة الإرهاب.
ومن بين الفعاليات التى قام بها ولى العهد السعودى زيارته للكنيسة المصرية، وبهذا يكون أول مسئول سعودى يزور الكنيسة المصرية، وما تحمله هذه الزيارة من دلالات أولها وأهمها قبول الآخر ومواجهة الوهابية.
ووصف الأنبا مرقس، أسقف شبرا الخيمة ورئيس اللجنة الإعلامية بالمجمع المقدس للكنيسة القبطية، الزيارة بـ «التطور غير المسبوق»، مذكرًا بذلك اللقاء الذى جمع الملك سلمان بن عبدالعزيز بالبابا تواضروس العام قبل الماضي، إبان زيارة الأخير للقاهرة حين التقاه البابا بمقر إقامته بأحد فنادق العاصمة.
ويصف الأنبا مرقص العلاقة بين مصر والسعودية بالتاريخية، فالدولتان تتشاركان الكثير من التاريخ والعلاقات الأخوية بينهما، حتى إنه زار المملكة العربية السعودية من قبل بدعوة من الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتقى هناك الجاليات القبطية المقيمة فى المملكة العربية السعودية. وعبر الأسقف عن شكره لولى العهد السعودي، الذى يسعى وفقًا لتصريحاته إلى مد أفق التواصل والعلاقات الأخوية بين البلدين.
تلك الزيارة التى تعد فى الأخير مواجهة قوية لتلك الفتاوى الوهابية والسلفية التى لم تكن تسمح بموالاة الإخوة المسيحيين أو التعامل معهم وتصفهم بـ«النجس»، مما أحدث هزة عنيفة للفصيل السلفى فى مصر، وبعض شيوخ الوهابية فى المملكة.
هذه اللقاءات ستصب لصالح طريق الانفتاح والاعتدال والتسامح الذى تمضى فيه المملكة بجهد ملحوظ وعزيمة صادقة، هذا فضلًا عما توفره من فرص لتبادل الآراء والخبرات، وتعزيز روح التعايش والتفاهم المشترك.
ولا يفوت بن سلمان أن يزور دار الأوبرا المصرية رمز الفنون والثقافة والتنوير، ويشاهد عرضا مسرحيا مما يؤكد شخصية قيادية منفتحة، تدرك بوعى ومسئولية أهمية وضرورة دخول عصر العلم والتنوير وتعزيز قيم التسامح والاختلاف وقبول الآخر، ودعم الثقافة والفنون، إدراكا لدورها الفاعل فى التعبير عن هموم وطموحات الناس وقضاياهم، وكذلك فى مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب.
لم يظهر حتى الآن موقف واضح للفصيل السلفى المصرى تجاه التغييرات والتصريحات التى يدلى بها ولى العهد السعودى وإدانته للوهابية، نتيجة توتر الموقف السلفي، فهو بين نارين، انقطاع التمويل السعودى عنه ومعاداة الدولة المصرية، إذا وقفوا فى وجه هذه التصريحات، لذا فالفصيل السلفى التزم الصمت حتى الآن ولم يدل بأى تصريحات صحفية أو إعلامية تعقيبا على ما يجرى من تغيرات فكرية واجتماعية فى المملكة. 
تيار الإسلام السياسى يرفض السياسة السعودية الجديدة
أثارت تصريحات ولى العهد السعودى ردود أفعال من الحركات المنتمية لتيار الإسلام السياسي، رافضة التغيير فى السياسة السعودية، والإجراءات الحاسمة لمواجهة التطرف والإرهاب، التى شرعت فيها السعودية، وأكدها ولى العهد. وتأتى التصريحات والتعليقات الرافضة والمهاجمة لها، ولولى العهد من معسكر صناع التطرف والإرهاب، سواء كدول مثل إيران وقطر، أو كجماعات وتيارات إرهابية مثل الإخوان والحوثيين والقاعدة وداعش، وهو الأمر المتوقع والطبيعى، بعد الضربات القاسية التى طالتهم.
واعتبر حسين العزي، مسئول العلاقات الخارجية فى المجلس السياسى لجماعة أنصار الله الشيعية «الحوثيون»، أن تقييم إيران كعدو بدلا من إسرائيل، هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذى تروج له الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية. وقال العزي، فى حديث لوكالة «سبوتنيك»: «الحديث عن إيران ووضع العلاقة مع إيران موضع الشبهة وموضع التهمة، فكرة صهيونية أكثر مما هى فكرة سعودية، هذه الفكرة ارتبطت بمشروع الشرق الأوسط الجديد، هذا المشروع الأمريكى الإسرائيلى الذى يهدف لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إعادة تقديم إيران كعدو بديل عن العدو الإسرائيلي». وأوضح القيادى الحوثى أن «العلاقة مع إيران ليست جريمة، وقال نؤكد وأكدنا مرارا وتكرارا أنه لا يوجد أى تأثير إيرانى على قرارنا».
ومن جانبه، شن المكتب العام لجماعة الإخوان هجوما حادا على ولى العهد السعودي، متهما إياه بالسعى لتولى العرش «برعاية صهيوأمريكية وبتنازلات مهينة». وأصدر المكتب العام لجماعة الإخوان، فى ٦ أبريل الماضى، بيانا رد فيه على تصريحات بن سلمان، التى وصف فيها حركة الإخوان بأنها الأخطر بين التنظيمات المتطرفة الأخرى، وجاء فى البيان: «إن ما يفعله ولى العهد السعودى محمد.
«الداخلية السعودية»: 5345 موقوفًا فى قضايا الإرهاب.. منهم 4439 سعوديًا
تكشف بيانات وزارة الداخلية السعودية عن أن عدد اليمنيين الموقوفين على ذمة قضايا أمنية فى سجون المباحث العامة بالسعدية ارتفع إلى ٣٢٦ موقوفا على مدار الأعوام الماضية، من بين ٥٣٤٥ موقوفا يمثلون إجمالى المتورطين فى قضايا إرهابية، أغلبهم سعوديون، إذ يبلغ عددهم ٤٤٣٩ مواطنا، إضافة إلى ٨ مجهولى الجنسية.
وكانت جريدة «عكاظ» رصدت أخطر الموقوفين الأجانب، إذ برز فى قائمة اليمنيين المتهم عبدالرحمن فارس عامر المري، الذى تورط فى تشكيل ٣ خلايا إرهابية فى ٤ مدن بالداخل، إضافة إلى الموقوفين أسامة أحمد محمد الراجحي، وشريكه محمد أحمد محمد الراجحي، والمتورطين فى جريمة إطلاق النار على ضابط برتبة عميد متقاعد بمحافظة أبو عريش بمنطقة جازان جنوبى السعودية منتصف فبراير الماضي.
ومن ضمن الموقوفين اليمنيين الخطرين أحمد ياسر الكلدى وعمار على محمد، اللذين تم القبض عليهما فى عملية نوعية أحبطت عملا إرهابيا لتنظيم «داعش» كان يستهدف مقرين تابعين لوزارة الدفاع فى الرياض بعملية انتحارية باستخدام أحزمة ناسفة، وجرى القبض عليهما قبل بلوغهما المقر المستهدف، فيما تم إيقاف ٥٩ متهما يمنيا خلال ١٣٧ يوما الماضية. وبلغ عدد الموقوفين من الجنسية المصرية ٦٤ موقوفا، أبرزهم الانتحارى الثانى طلحة هشام محمد عبده، تم إيقافه أثناء محاولته الدخول إلى مسجد الرضا بحى المحاسن بمحافظة الأحساء، مع شريك آخر بنية التفجير لإسقاط الأبرياء، غير أنه عند اعتراضهما أثناء محاولتهما بادر شريكه بتفجير نفسه، وتمت إصابة طلحة وخضع للعلاج وإيقافه، ليتضح أنه حضر للمملكة برفقة ذويه بتأشيرة زيارة عائلية لوالده المقيم والموقوف عمر عبده عبدالحميد الزغبي، الذى أعلن عن تورطه ضمن ٣ خلايا تواجدت فى ٤ مدن.
ضربات استباقية ناجحة ضد التنظيمات المتطرفة
شاركت ٤ جهات فى المملكة العربية السعودية فى مواجهة للإرهاب، وهى وزارات: الدفاع والداخلية والحرس الوطنى ورئاسة الاستخبارات العامة، وتعتبر الفترة الممتدة من ٢٠٠٣ إلى ٢٠٠٦ هى الأعنف والأكثر دموية فى الصراع بين المملكة والإرهابيين. وتمكنت المملكة من توجيه العديد من الضربات الاستباقية للجماعات والحركات الإرهابية، سواء كانت على المستوى الأمنى أو الفكرى أو الإعلامي، ارتفعت مؤشرات العمليات الأمنية الاستباقية من ٥٠٪ فى النصف الأول من عام ٢٠١٧ إلى ٥٣٪ فى النصف الثانى من عام ٢٠١٧، وهو الأعلى منذ النصف الأول من عام ٢٠١٦، بحسب حساب وزارة الداخلية السعودية.
وتمكنت الضربات الاستباقية من إحباط ٨ عمليات من إجمالى ١٥ عملية للنصف الثانى من ٢٠١٧، وبلغت العمليات الاستباقية ضد داعش ٥ عمليات، و١٠ عمليات ضد خلية العوامية/ القطيف، فيما سجلت عدد العمليات الاستباقية لذات الفترة من عام ٢٠١٦ سبع عمليات من إجمالى ٢٠ عملية، ووصلت النسبة إلى ٣٥ ٪، مقارنة بعدد عمليات استباقية واحدة خلال النصف الأول من عام ٢٠١٦، من إجمالى ١٤ عملية إرهابية.
ومن أهم هذه العمليات الاستباقية القبض على أحد مختطفى وقاتلى الشهيد الشيخ محمد الجيراني، قاضى المواريث، وهو الإرهابى زكى محمد سلمان الفرج. 
واستمرت السلطات الأمنية بتفوقها بمنع داعش من تنفيذ أى عملية ناجحة خلال النصف الثانى من ٢٠١٧، فيما نجحت خلية القطيف/ العوامية فى تنفيذ ٥ عمليات إرهابية من إجمالى ٦ عمليات، فيما لم تعلن السلطات الأمنية من يقف خلف العملية الإرهابية التى ارتكبت فى جدة للحراسات الأمنية لقصر السلام، وسجل مؤشر العمليات الإرهابية الناجحة لفترة النصف الثانى من ٢٠١٧ نسبة ٤٠٪ من إجمالى العمليات، فيما سجل عدد العمليات الإرهابية الناجحة لعام ٢٠١٦ للفترة ذاتها ٨ عمليات من ٢٠ عملية، وسجلت ذات النسبة ٤٠٪ من إجمالى العمليات، وكان نصيب خلية العوامية- القطيف ٦ عمليات ناجحة.
وسجلت العمليات الإرهابية الناجحة للنصف الأول من عام ٢٠١٦ ست عمليات من ١٤ عملية بنسبة ٤٣٪، فيما سجلت للفترة ذاتها من عام ٢٠١٧ ست عمليات من ٢٢ عملية بما يعادل ٢٧٪ وجميعها نفذتها خلية العوامية/ القطيف.
وأسفرت نتائج العمليات الإرهابية عن استشهاد ٧ من رجال الأمن خلال النصف الثانى من عام ٢٠١٧، وتوضح نتائج العمليات الإرهابية خطورة خلية العوامية/ القطيف؛ حيث استشهد من هذه العمليات ٥ من رجال الأمن خلال النصف الثانى من ٢٠١٧، إضافة إلى ٨ شهداء للنصف الأول من ٢٠١٧، من ضمنهم ٦ من رجال الأمن ومقيم باكستانى وطفل عمره عامان.
أما رجلا الأمن اللذان استشهدا وهما يؤديان مهمتهما فى نقطة حراسة خارجية تابعة لقصر السلام بجدة فى النصف الثانى من عام ٢٠١٧، فلم يعلن من يقف خلف قتلهما هل هو «داعش» أم لا؟ وتشير المؤشرات إلى أن الجانب الأمنى والميدانى أنهى العمليات الإرهابية على الأرض، وتواجه المملكة الآن الإرهاب والتطرف على المستوى الفكرى والإلكتروني.

شارك