«نقض الفريضة الغائبة».. شيخ الأزهر يُفند أفكار الإرهابيين

الخميس 25/أكتوبر/2018 - 04:33 م
طباعة «نقض الفريضة الغائبة»..
 

يُعدُّ كتاب «الفريضة الغائبة»، لمؤلفه محمد عبدالسلام فرج (أُعدِمَ عام 1982 في قضية اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات) المرجع الأول، والتأصيل الأقدم لفكرة الجهاد ضد الحكومات، وأَحْدَثَ الْكِتَابَ -الذي صدر في العام 1982- صدى واسعًا في الأوساط الجهادية، وسارع الجهاديون إلى تبادله من خلال عمليات التصوير والنسخ اليدوي.

ورغم إعدام مؤلف الكتاب محمد عبدالسلام فرج؛ فإنه لايزال مؤثرًا على تيار الجهاد حتى يومنا هذا، وهو منتشر على المواقع الجهادية بشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).

يحتوي كتاب «الفريضة الغائبة» على تأويلات خاطئة لآيات القرآن الكريم، إضافةً إلى العديد من الفتاوى التي اجتزأها المؤلف من كتب الفقه، مثل فتاوى ابن تيمية عن التتار الذين احتلوا أجزاء واسعة من العالم الإسلامي، وتفسير سيد قطب «آيات الحكم والسياسة»، مثل تفسيره لقوله تعالى في سورة يوسف: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ».

نقض الكتاب
ولأن الكتاب تضمَّن العديد من الأخطاء؛ فقد آثر عدد من العلماء الرد على ما جاء فيه، وإبراز عملية اجتزاء النصوص التي قام بها «فرج»، والفهم الخاطئ للتفسير، وتوسيع أحكام وقتية في تيار بعينه على عامة المسلمين، ومن أبرز الذين ردّوا على هذا الكتاب الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، من خلال كتابه «نقض الفريضة الغائبة».

جاء مُؤَلَّف شيخ الأزهر الأسبق، «نقض الفريضة الغائبة» في 116 صفحة، وأُعيد طبعه ووُزِّع هديةً مع مجلة الأزهر الشريف في عددها الصادر بـ«محرم 1414 هجرية»، وقدم له الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر آنذاك.

ذكر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، في مقدمة كتابه المبادئ التي يقوم عليها مؤلفه، وبلغت 21 مبدأً، ومن أبرزها:

أن من كفَّر مُسلمًا أو وصفه بـ«الفسوق»، ارتد عليه ذلك، إن لم يكن صاحبه على ما وصف، وأن الجهاد في الإسلام نوعان؛ جهاد في الحرب ويكون بالقتال واليد والمال واللسان والقلب وَفق شروط معينة، وجهاد في السلم بدفع النفس والشيطان (وهو الجهاد الأكبر، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأحاديث)، وأن الجهاد بمعناه، سواء أكان جهادًا أصغر أم أكبر، ماضٍ إلى قيام الساعة (ما يتنافى مع عنوان الكتاب القائل بغياب هذه الفريضة؛ فريضة الجهاد).

وأكد شيخ الأزهر الراحل، أن تكفير الحاكم لمجرد تركه بعض أحكام وحدود الله، قول لا سند شرعي له، مشيرًا إلى أن ما ذكره محمد عبدالسلام فرج، في كتابه من أن أحكام الكفر تعلو البلاد الإسلامية، وإن كان أهلها مسلمين، مناقض للواقع.

وأوضح الشيخ جاد الحق، في مؤلَّفه، أن الشورى هي أساس الحكم في الإسلام، وأن الخليفة مجرد وكيل للأمة، ويخضع لسلطانها، مؤكدًا أن تسمية الخليفة أمر تحكمه عوامل سياسية، ولا تتعطل بسببها مصالح الناس، وأن انتخاب الحاكم يقوم مقام البيعة بالخلافة التي كانت في صدر الدولة الإسلاميَّة.

تفنيد الأفكار
وبعد أن انتهى شيخ الأزهر الراحل، من ذكر المبادئ الـ21 التي يقوم عليها مؤلفه، انتقل إلى ما يُشبه التقرير العلمي الذي قدم فيه ملخصًا للأفكار التي ذكرها «فرج» في كتابه، ثم أخذ يفند هذه الأفكار، معتمدًا في الرد على المعاني اللغوية، باعتبار القرآن الكريم والنصوص الدينية نزلت بلسان عربي مبين، ليمرَّ على تعريفات الإسلام والإيمان والكفر، ومتى يكون الإنسان مسلمًا وكافرًا؟ وما كتبه الشيخ جاد الحق يتنافى تمامًا مع ما ذهب إليه «فرج» من تكفير عامة المسلمين، إضافة إلى الحكام على وجه الخصوص.

وانتقل الشيخ جاد الحق، بعد ذلك إلى النقطة الشائكة والمتمثلة في السؤال الأبرز الذي شغل الأذهان عقب إصدار «فرج» لمؤلفه: مَنْ يملك حق الحكم بتكفير أو تفسيق الناس؟ ويجيب شيخ الأزهر الأسبق عن هذا السؤال بقول الله تعالى في سورة النساء: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ».

ويمضي شيخ الأزهر الأسبق، في استعراض أفكار «فرج» والردّ عليها، ونذكر من هذه الردود:

أولًا: الجهاد
يرى الشيخ جاد الحق، أن الجهاد (سواء كان جهادًا أصغر أو أكبر) ماضٍ وباقٍ إلى يوم القيامة؛ فالجهاد بالقتال كان فرضًا في العهد النبوي على كل مَن سمع دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- للخروج لقتال المشركين؛ دفاعًا عن دولة الإسلام، ثم أصبح الجهاد فرض كفاية، إذا دعت إلى ذلك الحاجة، مشيرًا إلى أن الجهاد يكون فرض عين على كل مسلم، إذا احتُلَّت بلاد المسلمين، أما جهاد النفس فهو فرض عين على كل مسلم في كل وقت.

ثانيًا: بُعِثْت بالسيف
ويفند شيخ الأزهر الأسبق، المعنى الخاطئ الذي ذهب إليه «فرج» في تفسيره حديث «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ»، قائلًا: «إن نص الحديث صحيح، ولكن مدلوله مختلف عن ظاهره، وإن تفسير محمد عبدالسلام فرج يتحد مع أقوال المستشرقين بأن الإسلام انتشر بالسيف»، مؤكدًا أن الإسلام دعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة، انطلاقًا من قول الله تعالى في سورة البقرة: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..».

ثالثًا: الحكم بما أنزل الله
وتعرض الشيخ جاد الحق، في حديثه عن قضية الحكم بما أنزل الله، إلى تفسير قول الله تعالى في سورة يوسف: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ..»، إضافةً إلى قوله في سورة المائدة: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ..»، مؤكدًا أن الحكم بالكفر يكون على من ترك الحكم بجميع ما أنزل الله وهجره نهائيًّا، فمن فعل ذلك يكون كافرًا وظالمًا وفاسقًا، أما من ترك بعض الأوامر مع التصديق بصحتها، أو فعل المحرمات، فهو آثم وفاسق ولا يكون بذلك كافرًا.

رابعًا: دار الإسلام
ويتابع شيخ الأزهر الراحل، تفنيده لأفكار «الفريضة الغائبة» الخاطئة، خاصة ما ذكره «فرج» في الصفحة 7 من مؤلفه، التي يقول فيها: «إن أحكام الكفر تعلو بلادنا، وإن كان أكثر أهلها مسلمين»؛ حيث يجيب الشيخ جاد الحق، مؤكدًا أن هناك الكثير من الأمور الظاهرية التي تؤكد إسلامية الدولة، ومنها على سبيل المثال ارتفاع الأذان، وفتح المساجد للصلاة، وإخراج الزكاة، والذهاب إلى الحج، وغيرها، مشيرًا إلى أن حكم الإسلام في الدولة ماضٍ، إلا في بعض الأمور التي اشتملت عليها القوانين الوضعية، التي تَوَافَقَ الناسُ عليها، وهذه يسهل تغييرها وفق القواعد القانونية المحددة.

خامسًا: تطبيق أحكام الله
يؤكد الشيخ جاد الحق، أن الإسلام لا يُبيح الخروج على الحاكم أو قتله، مادام يعمل بأحكام الإسلام ولو في الظاهر، موضحًا أن الإسلام يأمر بالنصيحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن هذه النصيحة لا تكون للحاكم فقط، بل للعامة أيضًا.

سادسًا: آية السيف
صبَّ مؤلف «الفريضة الغائبة» جُلّ تركيزه على قول الله تعالى في سورة التوبة: «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ..»، مدعيًا أن هذه الآية نسخت 114 آية أخرى، ويفند الشيخ جاد الحق هذا الادعاء، مؤكدًا أن هذه الآية نزلت في مشركي العرب، وأن الآية التي جاءت بعدها في السورة نفسها، التي يقول الله تعالى فيها: «أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، فسرت لماذا أمر الله النبي بقتال المشركين، مشيرًا أنه لا ناسخ في هذه الآيات، بل كل آية تعمل في موضعها.

سابعًا: السلاجقة والتتار
ويرفض شيخ الأزهر الأسبق، ما ذهب إليه «فرج» من أن المجازر والفظائع التي ارتكبها التتار في حق المسلمين، تعادل ما فعله المسلمون الأوائل في حق غير المسلمين آنذاك، قائلًا: «إن أول من ذهب إلى هذه المقارنة هم المنحرفون من المستشرقين، الذين ادعوا أن الإسلام انتشر بالسيف».

ثامنًا: فتاوى ابن تيمية
يدافع الشيخ جاد الحق، بعد ذلك عن «ابن تيمية»، مؤكدًا أنه بريء من الأفكار المنحرفة، التي نسبها إليه «فرج»، خاصة أن فتاواه كانت مرتبطة بزمن معين، وأحداث استثنائية، كما أن مؤلف «الفريضة الغائبة» اجتزأ هذه الفتاوى، وحَرَّفها عن سياقها.

أفكار سياسية
ويؤكد شيخ الأزهر الأسبق، أن ما كتبه محمد عبدالسلام فرج، لا يمت إلى الإسلام بصلة، وأن الأفكار الواردة في مؤلفه هي أفكار سياسية لا علاقة لها بالدين، قائلًا: «هذا الكتاب لا ينتسب إلى الإسلام، وكل الأفكار التي وردت فيه أفكار سياسية»، ثم يمضي الإمام الأكبر في طريق تفنيد أفكار «الخلافة» و«البيعة على القتال» وغيرها، مؤكدًا أن الشورى هي أساس الحكم في الإسلام، وأن «الخلافة» و«الإمارة» و«الدولة» و«الرئاسة» هي مجرد أسماء ترتبط بالزمن الذي تظهر فيه، والإسلام وضع إطارًا شرعيًّا عامًّا يجب التمسك به، وعدم الخروج عليه وهو «الشورى»، وأن انتخاب الحاكم يكون بأي طريقة توافق العصر.

ويؤكد الإمام الأكبر الراحل، أن مؤلف كتاب «الفريضة الغائبة» كان لديه قصور في فهم معنى الجهاد، وهذا القصور أدى به إلى الادعاء بأنه فريضة غائبة، مشيرًا إلى أن الجهاد في الإسلام له معانٍ واسعة وكبيرة، منها جهاد المقاتلة، وهو جهاد الدفع والحماية في الغالب، وهو «الجهاد الأصغر» وهو ماضٍ إلى يوم القيامة، وجهاد النفس والشيطان ومقاومة المحرمات والصبر على الطاعة، وذلك هو «الجهاد الأكبر»، كما أن على كل مسلم أن يُجاهدَ نفسه في مجاله، وطلب العلم كذلك هو من أعظم الجهاد.

شارك