باحث مغربي: التطرف نتاج الجفاء مع التصوف

السبت 16/يونيو/2018 - 09:40 ص
طباعة حوار: عبدالهادي ربيع وحور سامح
 
تشهد الأوساط الإسلامية عامة، والمغربية خاصة، حالة من اللغط والجدل بشأن التراث الإسلامي، ووجهة النظر تجاهه، بين من يرى أخذه على عِلَّاته من باب التقديس المطلق، ومَنْ يرى رفضه كليًّا بما فيه من خير، باعتبار «تاريخانية» هذه النصوص الدينية، فلا تناسب -عنده- العصر الحديث.

وقد شهد المغرب في الفترة الأخيرة جدلًا دينيًّا وعلميًّا بعد إصدار الكاتب الصحفي والباحث في الشؤون الإسلامية «رشيد إيلال»، كتابًا معنونًا بـ«صحيح البخاري.. نهاية أسطورة»، والذي ناقش فيه ما يعتقده «رشيد»، خرافات تحيط بصحيح البخاري ومؤلفه.

ويشار إلى أن «التاريخانية» هي مصطلح يدل على تبني تاريخية النص الديني، أي أن النصوص نزلت وفقًا لأحداث تاريخية، وحُكْمها لا يتعدى هذه الأحداث، معتمدين على 3 مبادئ؛ هي: «أسباب النزول، وتصنيف السور كمكية ومدنية، والتوسع في دوائر الناسخ والمنسوخ في القرآن».

وفي هذا الصدد، حاور «المرجع» الباحث المغربي الدكتور عبدالصمد بوذياب، ‏المحاضر بكلية أصول الدين بتطوان، الذى أكد التالى:

باحث مغربي: التطرف
يقول «بوذياب»: إن التراث الإسلامي لابد أن يُعامل كمصدر اعتزاز للمسلمين؛ انطلاقًا من عدة أمور، أولها: أنَّ مَنْ لا تاريخ له لا مستقبل لديه، متسائلًا: «كيف تصدر الحملات التي تسيء للتراث الإسلامي بين المجتمعات المسلمة، في حين تحاول العديد من الشعوب التي لا تاريخ لها أن تلصق أشياء ثقافية بها، مستخدمة في ذلك تزوير التاريخ؟!».

ويضيف: إن التراث كمثله من العلوم لا يُنزَّه عن النقد والتمحيص، والعديد من الأحكام مرتبطة بالزمان والمكان، ويجب أن يُنظر لها بهذه الطريقة؛ لكنَّ الذين لهم حق النظرة في هذه الأمور هم الراسخون في العلم، والباحثون الجادون، حتى لا تلعب بهم الأهواء ولا تخدعهم الحَمِّية للنقد والتمحيص وإعادة تجديد وتنقيح التراث.

ويشير الباحث المغربي، إلى دور دولة المغرب في هذا الصدد؛ إذ يمتلك المغرب مؤسستين علميتين كبيرتين؛ وهما «المؤسسة المحمدية للعلماء، والمجلس العلمي الأعلى»، ويندرج تحتهما لجنة مختصة للعمل على ملف التراث، فتُصنف الكتب التراثية وتُعيد تجديدها، وتطبع هذه الكتب في حُلَّة جديدة وبجهود عالية، مؤكدًا أن هذا التصنيف جعل الكثيرين يُقبلون على التراث ويدرسونه، خاصة الشباب.

ولفت إلى دور المؤسسات الدينية في المغرب من دار الإفتاء ووزارة الأوقاف اللتين لا تسمحان لغيرهما بإصدار فتوى أو تناول التراث من غير تخصص، وتبذلان في سبيل ذلك العديد من المراجعات التراثية، اعتمادًا على المذهب المتصوف السُّنِّي المُنزَّه عن الشطحات والخرافات، وفق تعبيره.

وعن الباحثين والكتاب والصحفيين المغاربة الذين يُطلقون حملات على التراث الإسلامي، قال: «غالبية هؤلاء مثل «رشيد إيلال»، يُثير ضجة ليس أكثر، إذ لا ينطلقون من قاعدة علمية في علم الحديث مثلًا أو في العقيدة»، مضيفًا: «ناقد التراث والأحاديث لابد أن يكون على علم بالحديث وأصوله وضوابطه، ورشيد إيلال كمثال ليس إلا صحفيًّا، حصل على عدد من المعلومات من خلال الإنترنت، وليس على دراية بعلم الحديث، والحديث عن التراث ونقده أصبح مجالًا للشهرة دون دراية وعلم وتخصص في هذا المجال».

وأوضح «بوذياب»، أن المستشرقين أحسن حالًا من الباحثين العلمانيين العرب، ولا يجب إنكار فضل بعضهم على التراث لما شاركوا به في إخراج أبحاث علمية هائلة بعد امتلاكهم من العلم ما يُؤهلهم لذلك، وإن كان هناك بعض المستشرقين المتطرفين ينقدون التراث بعين حاقدة، ويبحثون عن الإسرائيليات، وينسبونها للتراث الإسلامي، مثل الذين يقرؤون قول الله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ»، ولا يكملون الآية لنهايتها.

وقال: إن «علم العقيدة على غير العلوم الإسلامية الأخرى لها قواعد ثابتة للكتابة فيه؛ إذ ليس هناك مؤَلَّف شامل لقواعد العقيدة»، موضحًا: «رغم وجود مؤلفات تحمل مسمى القواعد؛ لكنها لا تعدو أن تكون مثل كتاب الإمام الغزالي «قواعد العقائد»، فهي ناقصة في بابها»، معربًا عن سعادته بتوصله إلى عدد من هذه القواعد التي ضَمَّنَهَا في بحثه.

واختتم الباحث المغربي حواره بقوله: إن الجماعات المتطرفة نشأت نتيجة الجفاء بينها وبين التراث الإسلامي الصحيح؛ إذ تُناصب هذه الجماعات العداء لمنهج التصوف والمناهج الإسلامية الوسطية المختلفة، مؤكدًا أن دولة المغرب لا يُوجد بها أي من الجماعات المتطرفة؛ انطلاقًا من تمسك المغرب منذ زمن بعيد بالمنهج الصوفي الوسطي، موضحًا أن الذين ينتمون لتنظيم «داعش» وأصلهم مغربي محال أن يكونوا قد تلقوا تعليمهم الديني في المدارس القرآنية المغربية، أو عاشوا في المغرب فترة كافية، وإنما تلقوا تلك الأفكار المتطرفة خلال إقامتهم في الخارج.

شارك