«التيار البديل».. قلمٌ منشق عن «الإخوان» يهدم ثوابت الجماعة

الجمعة 21/سبتمبر/2018 - 08:34 ص
طباعة «التيار البديل».. دعاء إمام
 
في صيف 2005، طرح أحد أعضاء جماعة الإخوان، يدعى علي عبدالحفيظ رؤية لما سماه المشروع الدستوري لدول العالم الإسلامي، من خلال عقد مقارنة بين النظام الدستوري للدولة في كل من الإسلام والحضارة الغربية الحديثة، مجيبًا عن ما إذا كان بالإمكان خلق مجتمعات عربية_إسلامية حديثة تنسجم مع النظام العلماني الحديث للدولة القومية عبر بث مفاهيم جديدة لدور الدين في الحياة العامّة؟

سنوات من الجدال والمدارسات بين «علي عبدالحفيظ»، أحد قيادات الصف الثاني، ومجموعة من أساتذة الجامعات المنتمين إلى الإخوان، وبين أعضاء بمكتب الإرشاد حول ضرورة إصلاح الجماعة من الداخل، انتهت إلى عدم قبول تلك الرؤية دون إبداء أسباب منطقية؛ ما أدى إلى خروج عبدالحفيظ من الإخوان عام 2007 ومعه مجموعة المتمردين على الفكر الجامد للجماعة.

التيار البديل

في مطلع 2008، تبنى مشروع «تيار بديل»، لتطوير فكر الجماعة التى واجهته بالرفض، ما دفعه للإعلان عن جمعية أهلية تحمل أفكاره، وأصدر كتابًا يحمل العنوان ذاته، انتقد فيه الجماعة، كاشفًا بعض أسرارها التنظيمية. والكتاب عبارة عن الوثيقة التي لم يقبلها الإخوان؛ نظرًا لكوّن من يسيطرون على الجماعة آنذاك، تربية النظام الخاص (نظام سري عسكري تأسس بين عامي 1940-1941).

بدأ نِقاش «عبدالحفيظ» مع قيادات الجماعة، منذ كان طالبًا بكلية الآداب جامعة سوهاج (صعيد مصر) في تسعينيات القرن الماضي. إذ وجّه إليهم عدة تساؤلات حول ما بعد سياسات الإخوان التي اهتمت بحجاب الفتيات، قائلًا: «بدأنا نطلع على أشياء جديدة لم نكن نعرفها من قبل، منها أن المطلوب الوصول بمصر إلى مكان جيد، ووجدنا أنه لا دخل بكون المسلم يصلى وملتزم فى تدهور الوضع بعكس ما تعلمناه في الجماعة، فالبابا وشيخ الأزهر ومرشد الإخوان ليس لهم علاقة بكيف ننهض؟

وبحسب  كتاب «التيار البديل» الصادر عام 2007 ويحوي ثلاثة فصول، فإن إرادة التأسيس العربي انطلقت من بواعث النهوض الغربي، وهو الثورة والإصلاح الديني، بالطريقة العمرية لا بطريقة عصور الانحطاط، وتفسير الدين من منظور حقوق الإنسان لا حقوق الله، حيث تُقرأ التكليفات الشرعية على قاعدة الإرشاد لا قاعدة الجبر والإلزام، وأن أعمال الإنسان ليست في خدمة الله وحسب، بل في خدمة مدنية الإنسانية.

فزاعة الدين

وفي مبحث آخر من الكتاب، يُعرف عبدالحفيظ، الجماعات والتيارات الإسلامية على تنوعها أنها جماعة من المحافظين من ذوي التوجس من كل شأن يؤثر على استقرار الدين داخل الجماعة المسلمة. ولفت إلى أن إشكالية الخوف على العامة وقع فيها بعض علماء السلف، وهو الخطاب السائد في جماعة الإخوان.

وقال :«يومًا ما كتبت إلى نائب مرشد الإخوان راجيًا أن يتحلى خطاب الإخوان مع جماعتهم الواسعة (المصريين) بما هو واجب، فليس من المقبول ولا من السائغ أن يصرح المرشد بأن مهمته وجماعته هي تربية الشعب! فلولا أنهم عدلوا عن ذلك إلى القول: إن مهمتنا هي تربية أنفسنا وإصلاح سرائرنا، واعتبار ذلك دعاية خير إذا نجح، لكان أزكى لهم وأقوم».

وتطرق إلى الحروب التي نشأت بين بعض التيارات الإسلامية لتجييش واحتشاد العوام عن طريق إثارة الخوف والقلق على الدين، باستخدام مقولة  (الإسلام في خطر)، معتبرًا أن هذا المنطق لا يراعي الحفظية المتواترة بالنصوص، واستحالة اجتماع الأمة على الضلال، ومن ثم انصبت جهود الحركات الدعوية على مخاطبة الوجدان بعد أن فسد العقل، مما حول حياة المسلمين إلى قلق دائم غمر حياتهم، وشوشر على أنماط تفكيرهم.

كما لفت إلى أن التفاف الناس حول الحركات الدينية، قضى على أي حوارات أو تساؤلات كالتي حدثت بين الصحابة والرسول (صلى الله عليه وسلم)، في صلح الحديبية (طرفاه المسلمون وقبيلة قريش في العام السادس الهجري). إذ بيّن  القرآن والنبي أسباب الموافقة على الصلح، دون توجيه أي لوم للمتذمرين المعترضين. وعن الشباب المصري، يرى الكاتب أنهم ممزقون بين إسلاميين بلا عقل، ونخبة بلا حياء.


تقديس البنّا

أما أفكار عبدالحفيظ التي قابلتها الجماعة بالسخرية، فهي تمثلت في عدة مطالب، أولها: توقف الجماعة عن فكرة تمثيل الهوية، فالهوية هي حس جامع لا ينبغي أن يصادر من قبل فريق دون آخر، وعليه فلا يجوز أن يتأسس إصلاح سياسي على قاعدة أن فريقًا من المصريين إسلاميون، وغيرهم ليسوا إسلاميين، وأن يعاد النظر في التنظير السياسي والعقيدة السياسية لكل التيارات التراثية.

كما طالب بالكف عن القول بأن حسن البنا (مؤسس الجماعة ومرشدها الأول)  يمثل المرجعية الكبرى للعمل السياسي المؤسس على احترام الهوية، إذ إن هذا العمل هو سمة لمصر والمصريين من قبله، رافضًا تسويق أفضلية البنا لمجرد أنه أنشأ تنظيمًا أو حزبًا، إذ إن فكرة التحزيب لجماعة معينة في قبالة الجماعة الكبرى هي فكرة يشوبها الخطأ من جميع جوانبها الشرعية قبل السياسية.

وقال :«إذا أرادت جهة ما أن تنشغل بوظيفة التوجيه العام، فعليها أن تفرق بين أخذ الموقف وطلب المقعد.. على المجموعات المهتمة بالسياسة من الإخوان، أن تتقدم باستقالتها وتذهب إلى العمل في حزب أو مع أحزاب أخرى».

للمزيد: كيف دشَّن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين لقدسية عودة نظام «الخلافة»؟

الخلافة «مرض تاريخي»!

وعن إشكالية الخلافة، يرى صاحب «التيار البديل» أن الدولة المدنية هي الحل، مؤكدًا أن الدولة الإسلامية كانت دولة مدنية قائمة على الشورى وتوسيد السيادة فيها للناس. ووصف الخلافة بأنها «مرض تاريخي» وأن القول برجعتها تجارة بالدين وإفساد للعقول، مشيرًا إلى أنها نشأت في ظرف خاص ونادر، ورفع شعار عودة الخلافة ما هو إلا مرض تاريخي.

وفي الفصل الثالث من الكتاب، اقترح عبدالحفيظ تفعيل بعض مكونات النظم السياسية المعاصرة، مثل البرلمان، ومجلس الشيوخ، والهيئة القضائية، ووضع تعريف للأمن السياسي والعسكري للدولة. مطالبًا بأن يكون عقد الزواج مدنيًّا تنظمه الدولة، وأن يلغى دور رجال الدين فيه، وألا يعترف بزواج خارج الدولة.

كما اقترح إنشاء جامعة للشريعة تدرس فيها العلوم العربية والإسلامية، وأصول الشريعة الرومانية والأنجلو سكسونية، وأصول القضاء المسلم وغير المسلم، ويسمح لكل من أراد الدراسة بهذه الجامعة أن يدرس فيها دون النظر لديانته وتكون بديلًا للأزهر (أكبر مؤسسة دينية في العالم).


«الخلافة» في ميزان الأزهر.. نمط حكم يخضع للظروف

يشار إلى أن عبدالحفيظ قائد المجموعة، كان ينتمي لجماعة الإخوان في أسيوط، واعتُقل لمدة تقترب من عام مع الدكتور محمد حبيب، النائب الأول للمرشد آنذاك، ثم اختلف معه هو ومجموعته، فانشقوا عن الإخوان واتجهوا إلى إشهار جمعية «التيار البديل» في القاهرة، بدلاً من أسيوط حتي تتوافر لها فرصة التعاون مع الأحزاب والقوي السياسية الموجودة، وتقديم نفسها لأجهزة الإعلام كتيار بديل للجماعة.

 للمزيد: أساليب العقاب الأسود لـ«متمردي الإخوان».. تجويع وتشويه واغتيال

شارك