التغير المناخي وأثره على تنامي الإرهاب في غرب أفريقيا

الأربعاء 28/نوفمبر/2018 - 08:29 م
طباعة التغير المناخي وأثره محمد الدابولي
 
انشغلت معظم الأطروحات والدراسات الخاصة بالإرهاب خلال السنوات الخمس الماضية بمحاولة تفسير الظاهرة الإرهابية، والوقوف على أبعادها الحقيقية والعوامل المغذية لها، وأرجعت نشوء الظاهرة الإرهابية إلى عوامل عدّة، مثل جمود الخطاب الديني، وانغلاق التعليم الديني في الدول العربية والإسلامية، فضلًا عن الظروف الاجتماعية، مثل الفقر والتهميش الاجتماعي، وأخيرًا الاضطهاد السياسي الذي يعاني منه المسلمون في بعض المناطق.



التغير المناخي وأثره
وأخيرًا، ظهرت دراسات بينية عديدة تحاول تفسير الظاهرة الإرهابية، من خلال ربط نشوء الظاهرة بأبعاد أخرى غير الدارجة في حقل دراسات الإسلام السياسي، مثل التغير المناخي، وانعدام الأمن الغذائي، والإجهاد المائي، خاصة في مناطق أفريقيا والشرق الأوسط.



في هذا الإطار ذهب مركز Adelphi (ألماني الجنسية)([1]) المتخصص في دراسات تغيير المناخ والبيئة والتنمية في تقرير أعده بالاشتراك مع وزارة الخارجية الألمانية تحت عنوان: «التمرد والإرهاب والجريمة المنظمة والاحتباس الحراري: تحليل العلاقة بين التغيرات المناخية والجماعات المسلحة» (Insurgency, Terrorism and Organised Crime in a Warming Climate : Analysing the Links Between Climate Change and Non-State Armed Groups)([2]) إلى إثبات أن عوامل مثل التغير المناخي كانت سببًا في تنامي الإرهاب في العديد من المناطق والبؤر الساخنة في العالم، مثل الشرق الأوسط وأفغانستان وشمال وغرب أفريقيا.



تتميز الظاهرة الإرهابية بتعقيد وتشابك العوامل المسببة لها، إلا أن بعض العوامل تحتل مرتبة رئيسية كسبب في ظهورها، فمثلًا العامل القبلي وكذلك الاحتلال السوفييتي لأفغانستان كانا من الأسباب الرئيسية في بروز حركة طالبان وتنظيم القاعدة.



وفي الشرق الأوسط لعبت عوامل مثل الاضطهاد الطائفي دورًا كبيرًا في بروز تنظيم «داعش» الذي انطلق من العراق، أما في منطقتي الساحل والصحراء وغرب أفريقيا فكانت عوامل مثل الفقر وانعدام الأمن الغذائي هي السبب الرئيسي في نشوء تنظيمات متطرفة في مالي والنيجر ونيجيريا، مثل بوكوحرام؛ لذا ستدور الدراسة حول مدى تأثر الجماعات المتطرفة في غرب وشمال أفريقيا بالتغير المناخي، وهو ما ستتناوله الدراسة في النقاط التالية:

التغير المناخي وأثره
الأبعاد البيئية والاجتماعية للتغير المناخي

خلال العقدين الماضيين بدأت ترتفع الأصوات المنادية بضرورة إدراك الأخطار المتزايدة لظاهرة التغير المناخي، واحترار كوكب الأرض؛ نتيجة الاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية والاستخدام الشره من قبل الدول الصناعية للوقود الأحفوري المسبب للتلوث البيئي.



وفي هذا الإطار انبرى معظم الأصوات ليحذر من أزمات غذائية وجفاف شديد وفيضانات مدمرة قد تصيب البشرية، إلا أنه بعد تعاظم الخطر الإرهابي بعد 2014 (ظهور تنظيم داعش الإرهابي) برزت أصوات أخرى تنادي بخطر التغير المناخي، كمسبب للظاهرة الإرهابية، وظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة؛ انطلاقًا من الآثار البيئية والاجتماعية للتغير المناخي التي توفر مناخًا ملائمًا للجماعات الإرهابية في الظهور والانتشار.



وللوقوف على أهمية الأبعاد البيئية والاجتماعية للتغير المناخي، أوضحت «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» INTERGOVERNMENTAL PANEL ON CLIMATE CHANGE بأن درجة حرارة الأرض تشهد ارتفاعًا تدريجيًّا خلال العقد الحالي بمعدل درجتين مئويتين([3])، ومن المحتمل أن تتواصل درجة حرارة الأرض في الارتفاع خلال العقدين القادمين.([4])



ومن المفترض مع ارتفاع درجة حرارة الأرض وانتشار الجفاف في العديد من بقاع الأرض، أن يتسبب ذلك في نضوب المراعي الخصبة، وهلاك قطعان الماشية، وهجرتها إلى مناطق أخرى؛ من أجل البقاء؛ وهو ما يعرض مهنة الرعي التي يمتهنها العديد من الجماعات الإثنية في أفريقيا وآسيا للخطر الشديد؛ نظرًا للاعتماد المعيشي لتلك الجماعات على مهنة الرعي.



إضافة إلى تضرر مهنة الرعي والمراعي من أثر التغيرات المناخي ستتأثر أيضًاً مهنة الزراعة (المورد الأول للأمن الغذائي) بالتغيرات المناخية؛ بسبب اضطراب مواسم الأمطار؛ حيث حالات الجفاف الشديد والفيضانات الكبرى المدمرة.([5])



سيترتب على الآثار السلبية للتغير المناخي على قطاعي الرعي والزراعة تأثيرات سلبية على الأوضاع الاجتماعية، ستكون باعثة للعنف والإرهاب في العديد من المناطق؛ حيث ستعمل موجات الجفاف والإجهاد المائي والتصحر على نزوح ملايين البشر من المناطق المتأثرة بالتغير المناخي إلى مناطق أكثر وفرة بالموارد الطبيعية، ويعاني حاليًّا 1.6 مليار شخص من ندرة المياه، ومن المتوقع أن يزداد العدد ليصل إلى 2.8 مليار شخص بحلول عام 2025.([6])

للمزيد تابع : تغير المناخ ..الاحتباس الحراري يهدد أوروبا الباردة

التغير المناخي وأثره
أفريقيا في مرمى التغير المناخي

في أفريقيا تشير توقعات التغيرات المناخية إلى احتمالية تعرض أفريقيا لأضرار جسيمة ستؤثر على نمط العيش والتعايش في القارة السمراء، فوفقًا لتقديرات IPCC من المحتمل تعرض ما يقارب من 75 : 250 مليون شخص في أفريقيا من حالة الإجهاد المائي الناشئ عن التغير المناخي، ومن المتوقع أيضًا انخفاض إنتاج أفريقيا من المحاصيل الزراعية بنحو 50% خلال السنوات القليلة المقبلة؛ نتيجة زيادة المناطق القاحلة في أفريقيا؛ بسبب الجفاف والتصحر.([7])



الإرهاب والمناخ

قد يستغرب البعض من طرح الارتباط بين التغيرات المناخية ونشوء الجماعات الإرهابية، وادعاء عدم وجود فرضية في العلاقة بين المتغيرين السابقين، إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا، فالجماعات الإرهابية -وعلى رأسها القاعدة وحركة شباب المجاهدين بالصومال- ادعوا في فترات سابقة ضرورة الحفاظ على البيئة، ومواجهة التغيرات المناخية التي تصيب الكون.



ففي يناير 2010، صدر إصدار صوتي منسوب لزعيم القاعدة «أسامة بن لادن» طالب فيه بتحمل الدول الصناعية مسؤوليتها حول مسألة التغير المناخي الذي لم يعد الاهتمام به ترفًا؛ نظرًا لحالة الاحتباس الحراري التي باتت تصيب الكون في الفترة الأخيرة، وانتقد «بن لادن» أيضًا الولايات المتحدة؛ لعدم توقيعها على اتفاق «كيوتو» للمناخ، وفي 2016 أصدر مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية مجموعة من الوثائق ادعى العثور عليها في مخبأ بن لادن الأخير، يوضح فيها العواقب الوخيمة للتغير المناخي، وفي يوليو 2018 منعت حركة شباب المجاهدين استخدام الأكياس البلاستيكية في المناطق التي تسيطر عليها؛ نظرًا لخطورتها على البيئة والمناخ.([8])

للمزيد تابع : دلالات استغلال الجماعات الإرهابية قضايا البيئة والمناخ

التغير المناخي وأثره
تشابك مخيف في بحيرة تشاد

تتشابك العلاقة بين متغيري الإرهاب والتغير المناخي في منطقة بحيرة تشاد بشكل مخيف، فكلاهما عامل مسبب للآخر، فالتنظيمات الإرهابية في محيط بحيرة تشاد (بوكوحرام على سبيل المثال) نشأت نتيجة حالة الإفقار المتفشية الناجمة عن التغيرات المناخية التي أدت لجفاف معظم البحيرة التي كان يقتات منها ملايين البشر في دول عدة مثل نيجيريا وتشاد والكاميرون، فحالة الفقر الشديد في منطقة بحيرة تشاد دفعت إلى تنامي نشاط بوكوحرام التي حلت محل الدولة الرسمية في توفير احتياجات المواطنين من الغذاء وفرص العمل وترتيب الزيجات للمواطنين غير القادرين.[9]



أي أن «بوكوحرام» كان من أبرز المستفيدين من ظاهرة التغير المناخي في غرب أفريقيا؛ حيث أدت العوامل المترتبة على تلك الظاهرة، مثل انعدام الأمن الغذائي والإجهاد المائي، إلى تنامي حظوظ تنظيم متطرف مثل بوكوحرام في الصعود منذ عام 2009 وإلى اليوم.



وللتوضيح بشكل أكثر تفصيلًا حول كيفية استفادة «بوكوحرام» من التغيرات المناخية، ما ستتناوله النقاط التالية من دور مخاطر التغير المناخي في تعزيز العنف والإرهاب في منطقة «بحيرة تشاد»:

· شح الموارد: أدت حالة الإجهاد المائي وانخفاض الأمطار في منطقة بحيرة تشاد إلى انخفاض كبير في موارد المنطقة من محاصيل زراعية والمخزون السمكي (من 140 ألف طنّ من الأسماك عام 1970 إلى 80 ألف طن عام 2006) فضلًا عن نضوب المراعي الطبيعية، وأدت ندرة تلك الموارد إلى زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي في دول المنطقة؛ حيث يعاني نحو 5 ملايين مواطن من دول تشاد والكاميرون ونيجيريا من حالة انعدام أمن غذائي، ومعظم هؤلاء يقعون في المناطق التي تنشط فيها بوكو حرام.[10]



وفي هذا الإطار ذهبت نائب الأمين العام للأمم المتحدة «أمينة محمد» خلال مشاركتها في الجلسة العامة الافتتاحية لأسبوع المياه العالمي 2018 الذي عقد في مدينة ستوكهولم تحت عنوان: «المياه والنظم البيئية والتنمية البشرية في قلب الأجندة العالمية»، إلى أن بحيرة تشاد تقلصت مساحتها بنحو 90% من مساحتها الأصلية، ومن المتوقع أن تختفي تمامًا من على الخريطة الإنسانية؛ نتيجة عوامل الجفاف والتصحر الناجم عن التغير المناخي؛ الأمر الذي يعرض حياة 30 مليون شخص للخطر الشديد، وتعرضهم لحالة الإجهاد المائي، وانعدام الأمن الغذائي؛ نتيجة تدمير الحياة الاقتصادية بتلك المنطقة.[11]



وأضافت «أمينة» أن سوء إدارة المياه في بحيرة تشاد -الجزء المتبقي من البحيرة بعد تعرضها للجفاف بسبب التغير المناخي- من أبرز عوامل ظهور تنظيم بوكوحرام في المنطقة، وأن أي منطقة بها مشكلة في التغير المناخي ينبغي أولًا تطهيرها من التطرف والإرهاب.



· تأزيم الوضع الاقتصادي: أسهم تضافر عاملي التغير المناخي والإرهاب في تأزم الوضع الاقتصادي في المنطقة؛ حيث أوقفت تقريبًا معظم النشاطات الاقتصادية كالزراعة الصيد، فضلًا عن استخدام الأحراش المحيطة بالبحيرة كمأوى آمن لعناصر التنظيم.



· هجرات وصراعات: أدت الظروف الناجمة عن التغير المناخي إلى دفع المواطنين في محيط بحيرة تشاد إلى الهجرة لمناطق أكثر خصوبة ووفرة بالموارد الاقتصادية؛ ما أدى إلى اصطدامهم بالجماعات الأخرى القاطنة في تلك المناطق، خاصة بين الرعاة والمزارعين في نيجيريا.



· استجابة خاطئة: أدّت استجابة الحكومات في تلك المنطقة -خاصة الحكومة النيجيرية والكاميرونية لتداعيات التغير المناخي والصراعات الناجمة عن هجرة الجماعات من المناطق القاحلة إلى مناطق أخرى أكثر وفرة بالموارد- إلى تعزيز الشعور بالغبن الاجتماعي لدى الفئات المهمشة في مناطق شمال نيجيريا؛ الأمر الذي خلق ظروفًا مواتيةً لنشأة وتمدد بوكوحرام في تلك المنطقة.



· إحباط اجتماعي متزايد: دفعت عوامل التغير المناخي في منطقة بحيرة تشاد إلى ارتفاع نسبة الفقر بنسبة تتعدى 71%، وارتفاع معدلات سوء التغذية بنسبة 50%، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة بنسبة تفوق 60% في نيجيريا، كل هذه المؤشرات السابقة دفعت لتعاظم موجات الإحباط الاجتماعي والاقتصادي في تلك المنطقة؛ الأمر الذي خلق بيئةً مناسبةً لتمدد الجماعات المتطرفة التي روّجت لنفسها على أنها المخلص من الفقر والتهميش الإجتماعي والسياسي.



· أمل كاذب: لعل أبرز تكتيك تتبعه الجماعات المتطرفة هو اللجوء إلى زرع الأمل في نفوس الجماعات المحبطة اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، فتلك الجماعات تلجأ لزرع الأمل في نفوس الشباب والجماعات حول إمكانية إقامة الدولة الإسلامية التي يسودها العدل والرخاء والحضارة؛ الأمر الذي يعزز من فرص انضمام الشباب للجماعات المتطرفة.

للمزيد تابع: الأزمات الإنسانية .. سلاح «بوكوحرام» الجديد للتمدد في غرب أفريقيا

التغير المناخي وأثره
تأثيرات مضاعفة

إضافة إلى استفادة «بوكوحرام» من التغيرات المناخية التي وفرت الحاضنة البيئية لانتشاره وتمدده، عزز هو الآخر من التأثيرات السلبية للتغير المناخي؛ حيث تسبب توطنُ التنظيم في محيط البحيرة في الحيلولة دون اتخاذ إجراءات حكومية ودولية، من شأنها الحد من التغيرات المناخية التي تصيب المنطقة، كما لجأ إلى تسميم مصادر المياه مثل الآبار والجداول، أي أن مصادر المياه المتبقية في المنطقة أصبحت عرضةً لهجمات بيولوجية من قبل التنظيم الإرهابي.

وأخيرًا يمكن استنتاج أن التغيرات المناخية أسهمت في تغذية الصراعات الدموية في دول أفريقيا؛ نظرًا لدورها في تفاقم أزمة سوء التغذية في غرب أفريقيا؛ الأمر الذي عملت الجماعات المتطرفة على صبغه بصبغة دينية، وتصوير الصراعات والخلافات الإثنية حول الموارد على أنها جهاد في سبيل الله.


[1] About Adelphi: https://www.adelphi.de/en/profile/about-us



[2] - Climate Diplomacy, Insurgency, Terrorism and Organised Crime in a Warming Climate : Analysing the Links Between Climate Change and Non-State Armed Groups (Berlin : Federal Foreign Office, Adelphi, Report, 2016).


[3] . الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التغير المناخي المتوقع وآثاره، متاح على الرابط التالي:https://www.ipcc.ch/publications_and_data/ar4/syr/ar/spmsspm-3.html



[4] . إيمان الشيخ، التأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ، متاح على الرابط التالي:http://www.envirocitiesmag.com/articles/climate_change_effects_and_solutions/environmental_economical_and_social_Impacts_of_climate_change.php



[5] . المرجع السابق

[6] . المرجع السابق

[7] . المرجع السابق

[8] . محمد الدابولي، دلالات استغلال الجماعات الإرهابية قضايا البيئة والمناخ، موقع المرجع، 8 يوليو 2018، متاح على الرابط التالي:

http://www.almarjie-paris.com/2334



[9] . Climate Diplomacy,OP.CIt.,

[10] . Ibid

[11] SIWI, WORLD WATER WEEK OPENS IN STOCKHOLM WITH A CALL FOR MORE NATURE-BASED SOLUTIONS, world Water week, 29/8/2018. At : http://www.worldwaterweek.org/world-water-week-opens-in-stockholm-with-a-call-for-more-nature-based-solutions/

شارك