مجلة الفيصل تفتح ملف التغيرات الثقافية في المجتمع السعودي

الإثنين 12/نوفمبر/2018 - 11:09 ص
طباعة مجلة الفيصل تفتح روبير الفارس
 
قدمت مجلة الفيصل السعودية في عددها الجديد ملفا مهما حول الثقافة في السعودية عبرت من خلاله عن مرحلة التجديد التى تمر بها المملكة كما تعرضت بالنقد لعدد من القضايا الثقافية وتحدثت بجراءة عن اهمية دور المراة في الانفتاح الثقافي  وتحت عنوان "في التحول الثقافي: من مشهد عابر إلى فضاء اجتماعي" كتب الباحث - أحمد بوقري - هل نحن في حاجة إلى مانفيستو ثقافي؟ أو إلى عقدٍ ثقافي جديد يؤسس لمرحلة تنويرية ملحّة؟ من جانبي لا أشك في ذلك، بل أطالب به لأنه سيكون المقدمة النظرية الضرورية ودليل عمل لحراك ثقافي جديد وصحي يخرج حياتنا الثقافية ومشهدنا برمته من حالة التصحر والجمود والمراوحة بين الفقر المعرفي والجفاف العملي. حراك ثقافي جديد يكون رافدًا وداعمًا للحراك الاجتماعي المتسارع الذي تقوده الدولة بكل همة مؤسساتها وهياكلها المدنية. وهذا ما يقودنا إلى أننا في حاجة ملحّة إلى سياسات ثقافية إستراتيجية وعملية وبالتوازي في حاجة إلى سياسات تعليمية وتربوية جذرية ومغايرة لما ساد في السنوات الماضية. إذًا ما دور المثقف بكلّيته المفهومية (مبدعًا ومفكرًا وفنانًا وباحثًا ومتأملًا) في الخروج من هذا المشهد الثقافي العابر وانفتاحه على فضاء اجتماعي أكثر حيويةً وتنوعًا وتفاعلًا؟ في يقيني: بعد الانزياحات الشكلية التي حصلت في واقعنا الاجتماعي أخيرًا وعلى الأقل منها بين الخطاب الديني المتشدد والتصورات المغلقة والمعادية للثقافة وبين الخطاب المدني -ناهضًا من جديد- وتصوراته العصرية المنفتحة على العالم الثقافي الكوني يبدو لي أن صار لزامًا على المثقف السعودي النظر إلى مستقبل الثقافة بشكلٍ آخر.

المشهد بعد الآن لا يُحتَمل أن يبقى عابرًا ومتقطعًا أو غائبًا ومتصحرًا كما كان قبل رؤية ٢٠٣٠، بل في ظني سيتسع المشهد إلى ما هو أكثر بانورامية يتسع له فضاء جمعي أكثر غنًى وتنوعًا وتفاعلًا وجذبًا.

الخروج من زمن المناخات المسممة للحياة الثقافية وتلك الأيدي الخفية التي كانت تضع العصا في عجلة الحركة الثقافية والحداثة الإبداعية يدفعنا بالفعل إلى مشروعية التفكير في مستقبل واعد للثقافة في السنوات المقبلة، ويضع على كاهل المثقف وهو يرسم طريق المستقبل، وعي الضرورة في التقارب المجتمعي وانفتاح الدائرة المغلقة وكسر الثوابت المفتعلة في العلاقة بين المثقف والمجتمع من خلال خلق بيئة حاضنة وسليمة تحقق التمتع الكلي بالمنتج الفكري والإبداعي والفني في فضاء جمعي أكثر اتساعًا (مسرح، وسينما، وندوات، وأمسيات، ومهرجانات موسيقية) بما يحقق ضرورات الانفتاح على الثقافات الأخرى، مع ضرورة الإبقاء على عناصر الخصوصية والهوية الإيجابية غير مرتمية خلف جدار العزلة والرفض للتنوع الثقافي الإنساني وغير متمسكة بالمعاني المتهافتة للمقاومة السلبية إزاء المنتج الثقافي الكوني، بدعوى الخوف من «التغريب» التي صمّت بها آذاننا طيلة عقودٍ عجاف من الزمان؛ لأننا في المحصلة الأخيرة لن نجنيَ غير الخروج من سياق العصر وأفق التاريخ برمته.

ومن هنا نؤكد على وجوب وضع حد للتيار المعادي للثقافة، والمتشدد في خطاباته وتصوراته العقدية كي لا يكون قيدًا على الإبداع الثقافي والفكري، وبالموازاة تحجيم دوره في الرقابة على كل الحياة الاجتماعية والحراك الثقافي، فكفى أن تجمدت وتكلست هذه الحياة في بعديها طيلة العقود الثلاثة الماضية، وقد أحدثت ما أحدثت من الخراب العقلي والانفصام الفكري بيننا وبين الآخر المتحضر بداعٍ متهافت وزائف هو حراستنا من «التغريب» وحراسة هويتنا وخصوصيتنا من الانكشاف والتفتيت، في اللحظة التي سعت وسائل الميديا الجديدة المنفلتة من عقالها إلى اكتساح الخصوصيات والهويات وكسر دوائرها المغلقة..! لقد هيأ الشرط الاجتماعي الجديد وانفتاح أفق رؤية ٢٠٣٠ في تهيئة الكيفيات والظروف الملائمة لتغيير ثقافي حقيقي يجذب المثقف إلى التفكير الجدي في المشاركة والوعي بضرورة إحداث نقلة نوعية في الحياة الثقافية والفنية.

فما فضاءات هذا التفكير الجديد للثقافة؟ وما حاضناته وبيئاته الرئيسة؟

سلطة المثقف
وقال الباحث المثقف غالبًا ما يكون منتجًا للمعرفة والموقف معًا. والمعرفة هي في تنوع أجناسها الإبداعية، والموقف يتأتى من المعنى الأخلاقي وضميره المجتمعي وتحولاته، متواريًا في سلطة رمزية.

ودور المثقف لا يشبع لا يؤسس إلا حين يتلقى إنتاجه الإبداعي والفكري في فضاء مجتمعي مفتوح وحر. هو كما تقول خالدة سعيد: «عارف يرتبط بموقفٍ نابع من الضمير الفردي من حيث هو معرفة ووعي في علاقته بالتاريخي والفضاء الجمعي ومن ثمّ سجاله الجمعي». وللمثقف أن يدافع عن سلطته الرمزية أمام السلطة المباشرة للسياسي وإلا فقد دوره وشرعيته في فضاء تلقيه الجمعي، فهو وحده المعنيّ بمستقبل الثقافة ومستقبل التحول والتغيير الاجتماعي يقع تحت وعيه النقدي لأنه مهموم بالنقد لا الانتقاد ومهموم بمفاهيم التجديد والتحول وإعادة تقييمها من وقتٍ لآخر.

وكنت طرحت في مكانٍ آخر سؤالًا: هل على المثقف أن يكون متماهيًا ومنسجمًا ومتصالحًا حتى يرضى عنه المجتمع والسلطة السياسية؟ وضربت مثلًا بسُلطة ذلك المثقف الخائف من المجتمع الذي كان على رأس مؤسس أدبية ويأمر بإيقاف عرض فِلْم لاحتوائه على موسيقا تصويرية، ففي نظره هناك ما يوجب على مؤسسته ألا تبدأ بما يختلف حوله المجتمع! ومثلًا بالمثقف الجسور المحبّ لمجتمعه وغير المتماهي معه، الذي يطلق المبادرات الجريئة فيدخل السينما في مؤسسته ويسمح للمرأة بالجلوس في قاعة واحدة مع الرجال، بل الصعود إلى منصة الكلام أمام جمعٍ من الجنسين معًا. (هذا ما حدث قبل رؤية ٢٠٣٠). تلك سلطة ثقافية غير منتجة ومتماهية وهذه سلطة فاعلة مجابهة ومنتجة للموقف الإبداعي والأخلاقي في آنٍ.

فهل من واجب وجود المثقف أن ينزل بأفكاره وموقفه إلى مجتمعه متماهيًا مع وعيه السائد ولغته المتخشبة فيتبنى هذا الوعي ويتماثل معه ويفقد نقديته؟ أم واجب وجود المثقف أن يرتقي بوعي مجتمعه الساكن إلى مستوى ما يفكر فيه ويمنحه لغته المتخيلة الخلاقة ويكشف له عن جماليات الحياة وإبداعاتها وجديدها وينظر إلى تحولات الوعي المجتمعي المتناقضة برؤية مستقلة عن شرطها السياسي، فيدفع بها إلى نقلات نوعية في البنية الذهنية والرؤية العقلية تتواءم مع الزمن مع واقعها الحضاري المعولم وتندرج في سياقه التاريخي بدلًا من الخروج منه؟

بالطبع لست متبنِّيًا هنا لمفهوم المثقف العضوي بحرفيته الذي سكه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي واستهلكه التاريخ، كما أنني أرفض موقف المثقف المسطرة في وجهيه العقدي والأيديولوجي (المثقف السلفي) الذي وصفه بدقة المفكر الفلسطيني أحمد برقاوي: «بأنه يحمل بيده خطوطه الحمراء والأسس والقواعد القديمة المتوارثة» غير المبدعة. بل أقول بضرورة وجود المثقف النقدي المبدع الذي ينأى عن الأيديولوجي إلى المعرفي والإنساني والحضاري، المثقف الذي لا يمضي مطمئنًا ضمن مقولة: «إيثار السلامة وتجنب الندامة» في علاقاته مع السلطة السياسية والاجتماعية فيعمل بدلًا من ذلك على إيجاد قواسم مشتركة بين السلطتين الثقافية والسياسية مع إبقاء المسافة بينهما بما يحقق الاستقلالية النسبية للمثقف، وعلاقة طه حسين وثروت عكاشة وإياد مدني -على سبيل المثال- بالسلطة السياسية مثالية في دلالتها على ما تحقق في عهدهم من استقلالية نسبية للعمل الثقافي المنتج. هذا المثقف النوعي هو ما يسوّغ الظروف لوضع سياسات ثقافية خلاقة ومنفتحة على فضائِها الاجتماعي بالمشاركة البناءة مع المؤسسة السياسية والاجتماعية.


من فعاليات الأيام الثقافية بأبها
قبل عقدٍ من الزمان بالتقريب وضعت وزارة الثقافة والإعلام في السعودية إستراتيجية ثقافية طموحة لم تكتمل ولم تنفذ وجرى إشراك الأندية الأدبية ومثقفيها في مناقشاتها وصياغتها النهائية. وكنت أشرت في دراسة لي إلى معوقات جوهرية ذهنية وموضوعية أشارت إلى بعضها الإستراتيجية نفسها ولم يجرِ تخطيها لأن الشرط السياسي والاجتماعي الانفتاحي لم يكن مواتيًا كما هو الآن في ظل (رؤية ٢٠٣٠). هذه المعوقات الجذرية لو جرى تجاوزها في تلك السياسات الثقافية لانكسرت الدائرة المغلقة التي قبع المثقف تحت حصارها ردحًا من الزمن ولَكان منكشفًا أمام دورٍ طليعي لمثقف حقيقي في فضائه المجتمعي.

كان يمكن لحلّ العائق الأول متمثلًا في الرؤية الأحادية لقضايا الحياة والدين والمجتمع والمرأة تلك التي «نبذت ثقافة الحوار الداخلي والخارجي والتسامح وقبول الآخر وتعميق الحرية المسؤولة».. كما وردت في الإستراتيجية، كان يمكن أن يضيف لحراكنا الثقافي قيمة حضارية وإنسانية حيث في مملكة الحرية ينتفي تجريم الخيال والمجاز ومحاكتهما.. كما أن حل العائق الثاني في التخلص من (السلطة الأبوية الثقافية) كان يمكن أن يخلصنا أيضًا من ممارسات الوصايا والاستعلاء والإقصاء والفصل بين الجنسين في المجتمع، وهذا ما تحقق في ظل رؤية ٢٠٣٠ مثمنًا إيجابياتها طامحًا إلى تكريس دائرة الانفتاح وتوسيعها لخلق بيئة خلاقة ليؤدي المثقف دوره الحضاري والاجتماعي بكل سلاسة. أما حل العائق الثالث بتجاوز إشكالات الرقابة التي مارستها بعض المؤسسات الثقافية والأهلية بأطيافها المتعددة على نفسها وعلى غيرها أو تلك الرقابات التي يمارسها المجتمع ضد نفسه، أو الرقابة الذاتية القاتلة التي يمارسها المبدع ضد إبداعه وفكره فإنه كان سيدفع بحراكنا الثقافي تمامًا إلى وضع أسس جديدة ومغايرة لسياسات ثقافية منتجة وذات بعد حضاري تشارك فيها السلطتان معًا السياسية والثقافية.

التخلص من هذه العوائق وغيرها كثير وغير منظور في يقيني سيمهد لعلمنة حقيقية للفعل الثقافي، ويمهد لحاضنة خصبة لدورٍ جديد لمثقفٍ جديد في بيئته المجتمعية وفضائه الثقافي، بل يصنع مسارًا للحراك الثقافي ليتحرك في خطٍّ أفقي تفاعلي بدلًا من الدوران الدائري حول نفسه والانغلاق على ذاتية الإبداع والتفكير.

مناهج تعليمية مغايرة ومتقدمة
لن يكتمل الدور التاريخي للمثقف إنتاجًا وفكرًا وتأثيرًا وموقفًا إلا حين يعاد النظر في المناهج التعليمية والتربوية، تلك البيئة الخصبة التي انتبه إليها طه حسين في كتابه المشار إليه، محددًا الإقلاع الثقافي الحقيقي من حقولها وفضاءاتها، من خلال عمليات إصلاح جذرية للمنهج واللغة العقلية والأدبية والنفسية بل امتد الإصلاح إلى المعلمين والتلامذة. فما الذي ننظر إليه ثقافيًّا في مناهجنا التعليمية الحالية، وما الذي نسعى إلى تغييره ليحقق دورًا أكبر للمثقف والثقافة بحيث يلعبان تأثيرًا واعيًا في المجتمع ونقله نظريًّا ورمزيًّا، وتربية وعيه وخلقه الإنساني إلى حالة أرقى من التقدم والانفتاح على التنوع الثقافي الكوني.

السؤال الذي يطرح نفسه أمامي هنا: ما كمية ونوعية الجرعة الثقافية التي يقدمها منهاجنا التعليمي في مدارسنا وجامعاتنا؟ إشكالية كهذه لا بد من طرحها ومعالجتها في أي إستراتيجية ثقافية جديدة تدفع بتغيير واقع ازدراء الثقافة الجديدة والمعاصرة وتهميش دورها الفاعل المكرس في المنهج الأدبي التعليمي، لكي لا يبقى عقل تلاميذنا أسير ثقافة السائد ورؤية التقليد لا التجديد. على هذا الواقع التعليمي أن يتجاوز بؤس المادة الثقافية والأدبية المقدمة لعقول شبابنا بوعي نقدي ومغاير، فيلتفت إلى المنير والجذري والتقدمي في تراثنا العربي الإسلامي؛ إذ يجري بشكل واضح تغييب الإنتاج الفكري والفلسفي والإبداعي القديم لمفكرين ومبدعين كابن رشد وابن سينا والفارابي وشعراء كأبي نواس وبشار بن برد والحلاج بحجج عقدية وبعقلية إقصائية تسلطية.

كما على مناهجنا الجديدة أن تلتفت إلى الجديد والمدهش والنقدي والإنساني في نصوص الحركة الأدبية المعاصرة، فلا يمكن أن نركن في دروس اللغة والأدب إلى نصوص الحركة الأدبية حتى منتصف القرن الماضي وحدها كأن الأدب واللغة والخلق الإبداعي توقف هناك ولم يتطور..!

كما لا يمكن بقاء هذا الواقع بائسًا في معطياته الثقافية وطرق تدريسه للغة والأدب والفكر لأن بقاءه بعد (رؤية ٢٠٣٠) فيه إجهاض لروح الرؤية وغاياتها في جودة الحياة فكرًا وواقعًا، ولا يخدم دور الثقافة والمثقف في التأثير الحقيقي والجذري في المجتمع والإنسان.
المرأة السعودية والثقافة
وحول موضوع المراة السعودية والثقافة كتبت ميساء الخواجا -إن المتابع للمشهد الثقافي المحلي داخل السعودية يستطيع أن يلمح حراكًا واضحًا وقفزات متسارعة تستفيد من الرؤية وتستند إليها، كما يمكنه أن يلاحظ زيادة الأنشطة الثقافية والترفيهية، وقد أسهمت الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون بدور بارز في ذلك. وقد كان للمرأة السعودية المثقفة مشاركات واضحة في ذلك الحراك. بل إن المشهد يتجه أكثر وأكثر صوب تفعيل دور المرأة. ولا يخفى أن المثقفة والكاتبة السعودية قد عاشت سنوات من المعاناة والتهميش والغياب، وقد كان حضور بعضهن حضورًا فرديًّا متبوعًا بتضحيات ومعاناة كثيرة. ويحفظ لنا التاريخ أسماء كاتبات رائدات حفرن في الصخر ليصل صوتهن وتصل كلماتهن كما فعلت خيرية السقاف وفوزية أبو خالد وصفية بنت زقر وغيرهن، بل إن بعضهن اضطر إلى الكتابة باسم مستعار هربًا من مواجهة المجتمع ومن الثقافة التي ترى عيبًا في ظهور المرأة وظهور اسمها، وتعتبر الكتابة جرمًا ينبغي العقاب عليه. ويحفظ التاريخ الأدبي والثقافي المعارك الأدبية والهجوم الذي تعرضت له مجموعة من المثقفات والكاتبات وأدى إلى صمت بعضهن وتوقفهن عن الكتابة. إضافة إلى ذلك يحفظ التاريخ الثقافي – حتى وقت قريب – غياب المرأة عن مراكز القيادة وغيابها بالتالي عن موضع القرار، وعن دعم القرارات التي يمكنها أن تسند حضور المرأة وتدعمه على الأصعدة كافة.

تفعيل أكبر لمشاركة المرأة
مع تنامي حضور المرأة على المستويات الإبداعية كافة، وزيادة عدد الكاتبات الروائيات والقاصات والشاعرات وكاتبات المقالة، ومع تنامي عدد المثقفات والفنانات وزيادة وعيهن وحرصهن على إثبات وجودهن، كان لا بد من وقفة لتفعيل مشاركة المرأة بشكل أكبر. وقد لوحظ هذا التنامي في تفعيل دور المرأة ولا سيما حين صدر القرار السامي بمشاركة المرأة في عضوية مجالس إدارة الأندية الأدبية، ورأينا كيف أصبحت المرأة شريكة في بعض المراكز القيادية في الأنشطة الثقافية، فهي عضو في مجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون، وهي عضو في جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية واللجان المختلفة. هي حاضرة إعلاميًّا، وكاتبة مقالة ثابتة في الصحف اليومية، وهي أيضًا مقدمة ومعِدة برامج تليفزيونية وإذاعية، ومشاركة في معارض تشكيلية، وهي ناقدة وسينمائية ومسرحية. إن ذلك كله يسير صوب تمكين المرأة والاعتراف بأهليتها بأنها شريك فاعل للرجل في مختلف المجالات وهو ما نصت عليه الرؤية كما سبقت الإشارة.

إن الواقع السابق الذي أُشيرَ إليه يبشر بتطور مستمر وبمزيد من الفاعلية للمرأة، لكن النظرة العميقة تشي بأن ما هو متحقق لا يرقى إلى مستوى الطموح. لقد شاركت المرأة في عضوية مجالس إدارات الأندية الأدبية، لكنها لم تكن صانعة قرار، فلم نرَ رئيسة لنادٍ أدبي أو نائبة رئيس أو أمينة صندوق على سبيل المثال. لقد وضعت في مجالات عمل أخرى واكتفى القائمون على الأندية بجعلها رئيسة لبعض اللجان الفرعية. شاركت المرأة أيضًا في تعديل لوائح الأندية الأدبية لكن مشاركتها اقتصرت على العضوية فقط. أي أن مشاركتها في الأغلب كانت تنحصر في العضوية أو الإشراف على بعض اللجان الفرعية. ويحفظ لفرع جمعية الثقافة والفنون في الرياض تعيين رئيسة له وهي الجوهرة بنت فيصل آل سعود، وهو الأمر الذي يعتبر خطوة رائدة في مؤسساتنا الثقافية.

لا يمكن إنكار التغيرات الحقيقية التي يمر بها المشهد الثقافي في المملكة، فقد صعدت المرأة لأول مرة على المسرح لكن حضورها ما زال باهتًا وضعيفًا، وما زال النقاش مستمرًّا بين مؤيد ومنكر لهذا الأمر. وغني عن القول أن المسرح لا يمكنه أن يستمر في تغييب دور المرأة، والتاريخ يحفظ أن المسرح العالمي في بداياته كان يُقصي المرأة لكنه بتطور الوعي تجاوز ذلك وأصبحت المرأة ركنًا أساسيًّا وفاعلًا فيه. والمسرح السعودي يحتفظ برائدات وناقدات وكاتبات مسرح، لكنها جهود فردية وقليلة قياسًا إلى المسرحي الرجل. الأمر نفسه يمكن أن يقال عن السينما، والسينما شيء مهم في أي مجتمع من المجتمعات ودورها ترفيهي ثقافي معروف. إن صناعة السينما السعودية تحتاج إلى مزيد من الدعم فمعظم ما يقوم به السينمائيون السعوديون هو جهود فردية كما هو الأمر في مهرجان السينما الذي بادرت إليه جمعية الثقافة والفنون في الدمام بجهد رئيسي من رئيسها آنذاك الشاعر أحمد الملا. وإذا كنا نتحدث عن غياب الدعم والتنظيم المؤسسي لصناعة السينما السعودية فإن الأمر يغدو مضاعفًا عند الحديث عن السينمائيات السعوديات رغم أن بعضهن قد فزن بجوائز عالمية ولهن حضور دولي كما هو الأمر مع هيفاء المنصور وريم البيات، فما زالت المخرجات السعوديات يقمن بجهد فردي غير مدعوم من مؤسسة ما، ولعل مشاركة المرأة في عضوية الهيئة العليا للترفيه يمكن أن تحقق المزيد من الدعم لهن.

شارك