تحركات الإخوان المشبوهة ترسم مستقبل غامض للجزائر

الخميس 14/مارس/2019 - 01:42 م
طباعة تحركات الإخوان المشبوهة أميرة الشريف
 
في ظل الأحداث الجارية الأن في الجزائر والانتفاضة الشعبية التي قام بها الشعب الجزائري، اعتراضا علي تولي عبد العزيز بوتفليقة فترة ولاية خامسة، وفي الوقت الذي أعلن بوتفليقة عدم ترشحة لفترة أخري وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلي أجل غير مسمي، الأمر الذي يطرح تساؤل حول سيناريوهات المستقبل الجزائري، وسط مخاوف من تحول المشهد حال استغلال التيار الإسلامي المتطرف الفرصة لبث أفكاره، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر وتركيا، وتحول الجزائر لليبيا وسوريا أو اليمن.
ويتوقع مراقبون أن السيناريو القادم سيتحكم فيه جماعة الإخوان المسلمين، وبالأخص عقب تعليق الأخيرة علي قرار بوتفليقة بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، واعتبر المكتب التنفيذي الوطني لحركة مجتمع السلم  "حمس"، أن الإجراءات التي أعلنها بوتفليقة، لاترقى إلى طموحات الشعب الجزائري الذي خرج بالملايين يطالب بتغيير فعلي.
وقال المكتب الوطني ، إن الإجراءات المتخذة من طرف الرئيس بوتفليقة، المتعلقة بتأجيل الانتخابات والعدول عن الترشح لعهدة خامسة،هي التفاف على إرادة الجزائريين يقصد بها تفويت الفرصة التاريخية للانتقال بالجزائر نحو تجسيد الإرادة الشعبية والتخلص نهائيا من النظرة الأحادية الفوقية.
كما أكّدت حمس، أن إجراءات التأجيل التي أُعلِن عنها لا تتوافق مع مبادرة حركة مجتمع السلم التي عرضتها على الرئاسة والمعارضة بكل شفافية ووضوح.
وقد أعلنت الحركة،: بأن مبادرتها كان يمكن أن تكون حلا سلميا للأزمة لو طبقت في وقتها قبل الحراك الشعبي، مؤكدة أنها  لاتزال الحركة متمسكة بروح مبادرة التوافق الوطني وتأجيل الانتخابات بغرض تسهيل التوافق وفق الأسس المذكورة أعلاه، أو في إطار ما اتفقت عليه المعارضة مجتمعة في لقائها الأخير.
وفي الوقت نفسه، قدم الإخوان أنفسهم للسلطات الجزائرية كبديل إسلامي معتدل، ينبذ العنف وسياسات الجبهة الإسلامية للإنقاذ ويدعم الدولة في حربها مع هذه التيارات، وقابل بفكرة الالتزام بتعليمات السلطات الجزائرية، مقابل الحصول على الشرعية السياسية من جانبها وإشراكها في التنافس السياسي، وساهمت الظروف السياسية والزمنية في تهيئة المساحة لفصيل كالإخوان من أجل المناورة بهذا المطلب، والترويج لنفسه بوصفه تيارا إسلاميا معتدلا.
ووفق تقارير إعلامية، ساهم تظاهر تيار الإخوان بدعم السلطات الجزائرية لحربها ضد هذه الجماعات، في تعزيز قبضة السلطات على هذه التيارات ودرء تهمة الحرب على الإسلام بالاستشهاد بدفاع الإخوان عنهم، خاصة بعدما دعم تنظيم الإخوان، جملة من قرارات السلطات الجزائرية في حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الذي ظل قائما حتى بعد خيار المصالحة الوطنية الذي عرفته البلاد منذ عام 1999.
وتم منح جماعة الإخوان المسلمين الشرعية السياسية، كما تم ترشيح أعضاء حركة مجتمع السلم أو (حمس) لمناصب وزارية ضمن تشكيل الحكومة، كما سمح لهم بالمشاركة في تأسيس المجلس الوطني الانتقالي بخمسة أعضاء في 1994، فضلا عن السماح لمرشح الحركة بخوض الانتخابات الرئاسية في 1995، ليحل في المركز الثاني بعد الرئيس "اليمين زروال" الذي حصد 61% من الأصوات.
إلي ذلك، أفرجت السلطات الجزائرية عن عشرات من قادة الإخوان المحتجزيين، وعلى رأسهم القيادي محفوظ نحناح، الذي صدر بحقه عفوا رئاسيا شاملا، بعد صدور حكم ضده بالحبس لمدة 15 عاما، وذلك قبل أن تحاول الجماعة الدفع به أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في انتخابات 1999، إذ شكل عدم مشاركته في حرب التحرير الجزائرية -كشرط قانوني للترشح لمنصب الرئيس وقتها- عائقا قانونيا حال دون خوضه للمعركة الانتخابية.
وفي الوقت الذي التزمت فيه السلطة بتعهداتها تجاه الإخوان، بدأت الأخيرة تخوض اللعب منفردة، متجاوزة بنود هذا الاتفاق في مواقف كثيرة، كان أبرزها السعي للفوز بمنصب الرئيس عبر ترشيح ممثل لها أكثر من مرة، دون الأخذ في الاعتبار تحذيرات السلطات الجزائرية، من وراء مخالفتها لبنود الاتفاق الذي جرى إبان العشرية السوداء.
وظل إخوان الجزائر بعد سنوات، من العشرية السوداء، موالين للرئيس بوتفليقة، لطالما كان ميزان القوة ليس في صالحهم، كما فعلوا بعد سقوط تجارب الأخوان في الدول العربية كمصر وتونس، ليعودوا من جديد في التودد له، والتظاهر بدعمه سياسيا ضد أي خصوم محتملين لاستمراره على رأس السلطة.
ولعل التدقيق في موقف إخوان الجزائر من بوتفليقة قبل وقوع التظاهرات حيال ترشحه من حيث دعم استمراره، فضلا عن عقد لقاءات سرية مع شقيقه لبحث السبل الممكنة لتأييده، وبين الانقلاب على ذلك بعد خروج التظاهرات الرافضة لترشحه على نطاق واسع، مؤشر كاف على سياسة الحركة الدائمة في القفز على مكتسبات الشعب لصالحها، والبحث عن مصالحها الذاتية في أوقات الأزمات.
ورغم قرار الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، تراجعه عن الترشح لعهدة خامسة، فقد واصل الطلبة والتلاميذ، الثلاثاء، احتجاجاتهم الرافضة لتمديد العهدة الرابعة، والداعية لتغيير النظام واحترام الدستور.
وبدأ تكليف نور الدين بدوي وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة لتشكيل حكومة جديدة مكان أحمد أويحيى المستقيل، وتعيين رمطان لعمامرة وزير الخارجية الأسبق نائبا للوزير الأول.
أما الندوة الوطنية المستقلة التي ستشرف على هذه المرحلة الانتقالية للمستقبل السياسي للبلاد، فسيرأسها الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي، حسب ما نقلته وكالة رويترز.
لكن تعيين الثلاثي بدوي ولعمامرة والإبراهيمي في هذه المناصب يثير هواجس شباب الحراك الطامحين إلى التغيير الجذري للنظام ورموزه، لكون الثلاثة ترعرعوا في كنف النظام القائم بحكم كثرة المناصب الإدارية والسياسة التي شغلوها.
ويشترك الثلاثي في عدم ارتباط أسمائهم بملفات فساد، ولا يتمتعون بأي انتماء سياسي، وهم محسوبون على الموظفين التكنوقراط في الدولة الجزائرية.
ويعتبر مراقبون أن تعيين لعمامرة والإبراهيمي هدفه تسويق النظام لمرحلة الانتقال الديمقراطي في أفريقيا والعالم بحكم سمعتهما وشبكة علاقاتهما القوية، خاصة مع الولايات المتحدة، حيث شغلا مناصب حساسة في هيئات دولية كبيرة.
في حين يأتي تعيين بدوي لمحاولة امتصاص الغضب الشعبي لعدم تورطه في ملفات فساد، ومعرفته الجيدة بخبايا الإدارة وتشعباتها، وتحقيقه نوعا من التوافق داخل أجنحة النظام، كما يوصف بأنه تكنوقراطي.
وقال لعمامرة، إن بلاده لن ترتكب نفس أخطاء سوريا وليبيا، مضيفا أنه لا يوجد ما يدعو للقلق، لكن "ينبغي التحلي بروح المسؤولية"، حسب وكالة الأنباء الجزائرية.
وحول السيناريوهات التي قد تحدث وإذا كانت مماثلة لما وقع في سوريا وليبيا، أكد لعمامرة أن "لا ينبغي القلق، لكن يحبذ التحلي بروح المسؤولية، لدينا تاريخنا وقد مررنا بمحن خرجنا منها ناضجين، موضحًا، أن الجزائر لن ترتكب أخطاء سوريا وليبيا".
وبالرغم من التأكيد الحكومي، إلا أن كل الاحتمالات واردة في ضوء تصاعد الاحتجاجات المناهضة لـ"بوتفليقة"، ولكن أغلبية المحللين يرون أن الجزائر ليست مقبلة على ربيع عربي كالذي حصل في سوريا وليبيا واليمن، لأن وضعها مختلف لأن دول المغرب العربي كلها ما زالت تحت الأعين الفرنسية.
من جانبها حذرت صحيفة تايمز البريطانية من أن رفض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التنازل عن السلطة وغموض الحكومة بخصوص الجداول الزمنية للانتخابات، وكذا الدستور الجديد، كلها عوامل أثارت المخاوف من أنها تعني التأجيل ولا شيء سواه.
وترى الصحيفة أن الجزائر وهي أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة مع تعداد سكان يناهز 45 مليون نسمة- تواجه أحد خيارين: إما الشروع في الإصلاح، وإما المجازفة باندلاع حرب أهلية.
وتوضح في افتتاحيتها أن الأزمة الجزائرية تبدو للوهلة الأولى بسيطة، لكن البلاد ربما دخلت في حالة خطيرة من عدم اليقين مع انعدام أي بيان من جانب الحكومة يحدد مسار المستقبل، في إشارة إلى تراجع بوتفليقة عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة وإلغاء الانتخابات.
وأعادت الافتتاحية إلى الأذهان ما وصفتها بالحرب الأهلية التي نشبت في البلاد عقب انتخابات عام 1992 عندما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على مشارف تحقيق نصر مفاجئ قبل أن تُحرم منه بعد تدخل الجيش الذي ألغى نتائجها. 
وتتابع الصحيفة قائلة إن أصدقاء الجزائر لا يريدون أن تتكرر الأحداث التي وقعت مطلع تسعينيات القرن الماضي.
 وتقول إن المجموعة المحيطة ببوتفليقة تسعى للعثور على "رئيس صوري جديد" يضمن لها البقاء المستمر في السلطة.
وتضيف أن الجواب على الأحداث التي تعصف بالجزائر يقع على عاتق المقربين من الرئيس والجيش، الذين ينبغي أن يكون واضحا لديهم أن المحاباة والمحسوبية وانخفاض معدلات النمو والعجز عن استحداث وظائف، كلها ممارسات لن يطيقها الشباب الجزائريون.
ولفتت تايمز إلى أن الأمور ستكون "كارثية" إذا اضطر المتظاهرون إلى اللجوء إلى العنف انطلاقا من إحساس قد يتولّد لديهم بأن لا شيء سيتغير رغم احتجاجاتهم. 
ومن الممكن في الوقت الراهن التفطن إلى أن قطاعا عريضا من الحركة الإصلاحية تحدوهم الرغبة في الانخراط في حوار مع حكومة تشعر أنها تتفهم حقا الحاجة إلى إحداث تغيير في البلاد.
ولكن إذا تبين أن مثل هذه الرغبة لا تعدو أن تكون مجرد "وهم" –بحسب الصحيفة- فعندئذ قد تحظى القوى المتشددة في البلاد بمزيد من التأييد.
 وإذا ما حدث ذلك، فإن التاريخ الحديث لكل من الجزائر والمنطقة يتوفر على أحداث سابقة "مرعبة" تشي بما قد يحدث مستقبلا.
وانطلقت في العديد من الولايات الجزائرية، 12 مارس الجاري وقفات ومسيرات شارك فيها أساتذة وطلبة وتلاميذ، رفعوا خلالها شعارات تؤكد على مواصلة النضال من أجل جزائر حرة ديمقراطية، وأخرى تطالب باحترام المؤسسات ودستور وقوانين الجمهورية.
وتظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص من كل طبقات المجتمع على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ضد الفساد والبطالة وطبقة حاكمة يهيمن عليها الجيش وقدامى المحاربين في حرب الاستقلال عن فرنسا التي دارت رحاها بين عامي 1954 و1962.
جدير بالذكر أن بوتفليقة صاحب الـ82 عاما يدين له الجزائريون بالفضل في إنهاء أطول حرب أهلية بالبلاد، من خلال عرض العفو عن مقاتلين إسلاميين سابقين، إذ بلغ عدد الإسلاميين المسلحين الذين تخلوا عن العمل المسلح منذ 1999 في الجزائر 15 ألفًا.

شارك