هل انتهت دولة الخلافة "داعش".. أو أن هناك مواجهات أخرى؟!

الأحد 24/مارس/2019 - 01:32 م
طباعة هل انتهت دولة الخلافة حسام الحداد
 
أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، أمس السبت 23  مارس 2019، إن تنظيم "داعش" الإرهابي مني بالهزيمة النهائية في جيب في الباغوز بشرق سوريا، بما ينهي دولة "الخلافة" التي أعلنها التنظيم، وامتدت في وقت من الأوقات على مساحة تصل إلى ثلث العراق وسوريا.
هذا الخبر وغيره من الاخبار التي تتناول هزيمة "داعش" قد تناولتها الصحف والمواقع الاخبارية بكثافة كبيرة خلال الساعات القليلة الماضية مما يلفت انتباهنا إلى السؤال الأهم، هل انتهى تنظيم "داعش" فعلا بخسارته آخر جيوبه على الاراضي السورية؟ أم أن التنظيم يتمدد بشكل نوعي مختلف وله جيوب وخلايا نائمة وذئاب منفردة هنا وهناك؟ والسؤال الجوهري الذي لابد للعاملين في هذا الحقل الإجابة عليه هل انتهى التنظيم على المستوى الفكري؟
تلك الاسئلة التي تعد أسئلة كاشفة هي التي بالإجابة عليها سوف تنير لنا الطريق وتخبرنا بمألات التنظيم الكثر توحشا في التاريخ.
وحين التفكير ومحاولة الاجابة عن السؤالين الأول والثاني نجد ان الأخبار المتداولة في الصحف العربية والعالمية تؤكد على انتهاء التنظيم عمليا على الأرض رغم ما تؤكده قوات "قسد" أن داعش لم ينته بل هناك خلايا نائمة، قائلا: لا نستطيع أن نتحمل عبء فلول داعش وحدنا.
وأشارت إلى أن هناك عددا هائلا من أطفال ونساء داعش قد يكونون مشروعا إرهابيا في المستقبل، مضيفًا: أنه إذا لم تستقر سوريا سياسيا وإداريا فإن داعش قد يظهر مجددا، وعلى الرغم من أن هزيمة التنظيم في الباغوز تنهي سيطرته على الأراضي الشاسعة التي سيطر عليها في 2014، وقت إعلان دولة "الخلافة"، إلا أن التنظيم المتشدد لا يزال يشكل تهديدا.
وهناك بعض مسلحي التنظيم الذين يتحصنون في مناطق نائية في الصحراء السورية، كما تواروا عن الأنظار في مدن عراقية حيث يشنون هجمات بإطلاق النار أو عمليات اختطاف، في انتظار فرصة للخروج من جديد.
من جهتها قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، إن وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان، أطلع ترامب أثناء توجهه الى فلوريدا على متن طائرة "اير فورس وان"، أن "داعش" لم يعد يمتلك أي قطعة أرض خاضعة لسيطرته في سوريا.
وما زال في سوريا، مقاتلين في جيب قليل السكان غربي نهر الفرات في منطقة تسيطر عليها الحكومة السورية، وأصدرت لجنة مراقبة داخلية في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تقريرا، في فبراير الماضي، قالت فيه إن الدولة الإسلامية ما زالت جماعة مسلحة نشطة وتستعيد قدراتها ووظائفها في العراق على نحو أسرع من سوريا، مضيفا: ”في ظل غياب الضغط المستمر (المتعلق بمكافحة الإرهاب) فسيعاود داعش على الأرجح النهوض في سوريا خلال من 6 أشهر إلى 12 شهرا ويستعيد أراضي محدودة.
وفي سياق متصل، لا يزال مصير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لغزا غامضا، وقالت مصادر أمريكية، في الآونة الأخيرة، إن كبار خبراء الحكومة الأمريكية يعتقدون أنه لا يزال على قيد الحياة، وربما يكون مختبئا في العراق. 
وسقطت قيادات أخرى من التنظيم قتلى في غارات جوية، كما قُتل ألوف من مقاتليه وأتباعه المدنيين ووقع ألوف غيرهم في الأسر، ولا يزال عدد غير معروف منهم طلقاء في سوريا والعراق
وفي الأخير فإن سقوط داعش في سوريا والعراق لن يشكل على ما يبدو نهاية لهذا التنظيم المتطرف، إذ كشفت وثائق عثر عليها مراسل صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية شرقي سوريا أن التنظيم الذي مني بهزيمة كبيرة مؤخرًا وضع خططًا مستقبلية في أوروبا، كما كشفت عن تحضيرات لتسليح وتمويل متطرفين وخلايا نائمة في أوروبا،  ووصفت الصحيفة ما جاء في الوثائق من خطط بأنها "تقشعر لها الأبدان"، وتضمنت أسماء المئات من مسلحي التنظيم وميزانياتهم، بالإضافة إلى مراسلاتهم التي عكست وجود نظام بيروقراطي داخل التنظيم.

أما السؤال الاهم: هل انتهى التنظيم على المستوى الفكري؟
فلأسف الشديد لم يتم حتى الان مواجهة فكرية منظمة وممنهجة  لتنظيم الدولة "داعش"، الا على استحياء من بعض الأقلام العربية والأوروبية، إلا ان المؤسسات الدينية الكبرى لم تستطع حتى الان تقديم استراتيجية كاملة لمواجهة التنظيم الاكثر توحشا على مر التاريخ مواجهة فكرية لان هزيمة الدواعش عسكريًّا في سوريا وفي غيرها تستوجب هزيمتهم فكريًّا لضمان عدم عودة التنظيم مجدًدا. 
وحول هذه النقطة قال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية القضاء على داعش بشكل كامل في سوريا يضعنا أمام تحدٍّ أكثر صعوبة وأطول أمدًا وهو المواجهة الفكرية والأيديولوجية للتنظيم الإرهابي الأعنف في العصر الحديث، خاصة أن استرداد كافة الأراضي التي سيطر عليها يومًا ما لا يعني بالضرورة عدم وجود عناصر كامنة للتنظيم في الداخل السوري، أو على أقل تقدير وجود متعاطفين معه ومناصرين له.
وقد قدم المرصد خارطة طريق لمواجهة تنظيم الدولة "داعش" على المستوى الفكري والايديولوجي ودحض أفكار التنظيم ومنهجه الإرهابي على نطاقات واسعة وفي كافة الربوع التي وصل إليها التنظيم، حيث تتناول تلك المواجهة الفكرية الأبعاد التالية:
- تفكيك أفكاره وشعاراته الكبرى التي شكلت مسوغ وجوده وانتشاره.
- فضح ممارساته الإجرامية عن طريق عرضها على ميزان الشرع الشريف.
- تحصين المجتمعات من دعايته السوداء ومداخله الخبيثة.
- إكساب المجتمعات القيم المناهضة للعنف والتطرف وقبول الاختلاف والتعددية والتنوع.
- الاعتقاد بأن حب الأوطان والحفاظ عليها من أعلى مراتب الإيمان.
ولفت المرصد إلى وجود الكثير من الشواهد والمؤشرات على بقاء فكر الدواعش في المناطق المحررة وخارجها، وقد رصد المرصد العديد من الأصوات الداعشية الداعية إلى إعداد العدة من جديد والعودة مرة أخرى للقتال، حيث ورد في أحد إصدارات التنظيم تحت عنوان "باغوز الثبات" تصريح لأحد عناصر التنظيم التي خرجت من الباغوز بأنها إنما خرجت كي "تربي جيلًا جديدًا يقود المجاهدين"، على حد وصفها، الأمر الذي يؤكد أن هزيمة داعش العسكرية لا تعني هزيمته الفكرية، وإنما تعني أننا أمام مسار خطير وشاق لتجفيف منابع التشدد والتطرف في مناطق عدة دخلها فكر التنظيم الخبيث.
وشدد المرصد على أن المواجهة الفكرية لا بد أن تشمل خطابات معدَّة وموجَّهة لفئات بعينها، أهمها:
- البيئات الحاضنة للفكر الداعشي والمساندة له.
- الأفراد والجماعات التي شهدت سيطرة التنظيم على قراهم ومدنهم، وعمل بعضهم لدى التنظيم في الأعمال الإدارية والتنظيمية البعيدة عن القتال والعنف.
- زوجات العناصر الداعشية وأبناؤهم.
- الأطفال الذين عايشوا مشاهد عنف وقتل وسفك للدماء أثناء فترة سيطرة التنظيم.
وأكد المرصد على أن المواجهة الفكرية لا تقل بحال عن المواجهة العسكرية، بل إنها – أي المواجهة الفكرية – تتطلب جهدًا أكبر واستراتيجيات طويلة المدى تطبق على الكثير من الفئات المستهدفة لضمان القضاء على كافة مبررات الظهور الداعشي مرة أخرى، وإيجاد حاضنة بديلة دافعة نحو العمران والسلام والحضارة، ورافضة لكل أفكار العنف والقتل واستباحة الأموال والأعراض والأنفس.

شارك