تركيا وتمويل الإرهاب من سوريا إلى الصومال

الأربعاء 17/أبريل/2019 - 03:58 م
طباعة تركيا وتمويل الإرهاب حسام الحداد
 
بداية لا بد من الاعتراف بأن دول العالم لم تتفق على معنى واضح للإرهاب حتى يومنا هذا، فحلفاء أوروبا في مواجهة داعش أصبحوا إرهابيين كونهم معارضين لاحتلال أردوغان، وإسرائيل لا تتورع عن وصف مقاوم الاحتلال الصهيوني من الفلسطينيين بالإرهاب، وتصف أوروبا "طالبان" أفغانستان بالإرهاب وتجلس معهم على موائد المفاوضات القطرية، ويهدد أردوغان دول أوروبا بالإرهاب والإغراق باللاجئين وتنفيذ العمليات الإرهابية ويمارس انتهاكات لا إنسانية ضد مواطني تركيا باختلاف انتماءاتهم، بينما تعامله أوروبا على أنه حاكم دولة.
هذا وغيره يثبت أن إرهاب الدولة يشكل أخطر أنواع الإرهاب، وهو الأكثر تناقضاً مع مبادئ ومعايير القانون الدولى، وأسوأ ما فى هذا النوع من الإرهاب أن يقوم به المنوط به حماية الناس، بأموال الضرائب التركية وبمعدات الناتو ينتظر شرق الفرات السورى أكبر جريمة حرب.
فمنذ بدايات ما أطلق عليه الربيع العربي وحتى قبله بسنوات من العمل الخفي، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لخلق ثغرات تمكنه من النفاذ إلى الداخل السوري، مرة عبر عصابات داعش، وأخرى عبر ما أسموه بالمعارضة المسلحة، والتي ما لبثت أن تحولت إلى جماعات من المرتزقة تعمل لحساب تركيا في الداخل السوري،  وعلى الجانب الآخر كان التحرك سياسيًا في اتفاقات آستانا وسوتشى، فقد مهدت المعارضة المسلحة من أن يكون لأردوغان كلمة في الملف السوري، إذ استخدم كارت المعارضة المسلحة التي كان يحركها على رقعة الشطرنج السورية، ومن خلالها نفذ إلى الاتفاقات السياسية السلمية، وكان هدفه الأساسي أن تتحول سوريا إلى ساحة حرب أهلية تضعف حكومة البلد وتمكنه من اختراق حدودها للاستفادة بثروات شرق الفرات، والقضاء على الأكراد الذين يراهم خصومه السياسيين وينعتهم بالإرهاب في محاولة للتخلص منهم بغطاء دولي.  
فقد استخدم أردوغان تصريحه بأن "تركيا لن تسمح بتكرار مجازر حماة عام 1982"، ليتوغل بشكل مباشر في الصراع السوري، ويتحول به لخدمة مشاريعه الاستعمارية وتحقيق أطماعه في المنطقة، ووقتها لم يكن المتظاهرين السوريين عام 2011 وما بعدها قادرين على رؤية حقيقة الحكومة التركية التي كانت أكبر داعم للانتفاضة السورية، فقد غذى التظاهرات لتتحول إلى حرب أهلية، سواء إعلاميًا أو ماديًا بالسلاح، وفى الوقت ذاته كان أردوغان وحكومته يمارسون سياسة "الإمساك بالعصا من منتصفها"، فهو من جانب يدعم الحرب الأهلية ومن جانب أخر يعقد صفقات مع النظام السوري ويسلمه ضباط منشقين عن الجيش.
ولكن تتابع الأحداث أثبت أن الرئيس التركي كان يسعى لإبادة السوريين، وليس تكرار مجازر حماة فقط، وهو ما أثبتته التقارير الرسمية للمنظمات الحكومية مثل المرصد السوري لحقوق الإنسان، فحتى صيف 2018، هناك 382 سوريًا على الأقل لقوا مصرعهم بالنيران التركية أثناء فرارهم من الحرب السورية إلى الحدود التركية، والمؤسف أن معظمهم كان من النساء والأطفال، بل وسجل جنود الأتراك أرقامًا قياسية في سحل جثث السوريين بعد قتلهم.
منبج وفضح أردوغان
شاهدنا جميعا المسرحية الهزلية بسيناريوهاتها المحكمة في منبج، عندما تمت عملية "تبديل الملابس العسكرية"، فقد خلع الدواعش ملابسهم وأبدلوها بملابس الجيش التركي، وذلك بالتزامن مع دخول الجيش التركي إلى شمال سوريا بعد تحرير المنطقة من داعش بأيدي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية، إلا أن موالى أردوغان من المسلحين المدعومين من تركيا بدأوا إطلاق شعارات تهلل لأردوغان، على أساس أنه سيحتل الشمال السوري على حساب داعش، ولم تكن المسألة أكثر من تبديل ملابس عسكرية.
وكان الأكراد وقواتهم المحاربة لداعش عقبة في وجه سلطان الدم التركي "أردوغان" لتحقيق مآربه في احتلال الشمال السوري، فبدأ عندها يلجأ للمسرحيات السياسية، وفى العاصمة الكازاخية "آستانا" عقد أردوغان اجتماعات مع إيران وروسيا، باعتبارهما أصحاب النفوذ على الأراضي السورية، وبدأت مساومة سياسية يتعهد فيها أردوغان بإخراج المعارضة المسلحة ـ التي كان يدعمها لأكثر من 7 سنوات من عمر الصراع ـ من كافة المناطق السورية ماعدا الشمال السوري أو ما يعرف بمنطقة شرق الفرات، ليكتفي أردوغان باحتلال الشمال السوري والسيطرة عليه، بينما يستعيد النظام السوري ـ بمعاونة روسيا ـ السيطرة على بقية مناطق سوريا، وبالمقابل تم السماح لأردوغان بقصف الشمال السوري الذى يقطنه الأكراد وقواتهم، وكانت حرب إبادة لم يراعى فيها سلطان الدم التركي حركة لحياة المدنيين، حتى النساء والأطفال والشيوخ!

وبصحبة آلاف من مرتزقة ما سمى بالمعارضة السورية المسلحة، دخل الجيش التركي إلى مناطق الشمال السوري بدءًا من حلب إلى عفرين ومنبج، لتبدأ سلسلة جديدة من الانتهاكات الإنسانية وجرائم الحرب على أيدى القوات التركية ومواليهم من المرتزقة بحق سكان المنطقة، ومعظمهم من الأكراد "أعداء أردوغان التاريخيين"، فمن النهب والسلب للممتلكات إلى الاغتيالات السياسية لقادة الأكراد إلى قصف المدنيين والمصليين أيام الجمعة، إلى التهجير القصرى، إلى عمليات الاعتقالات والتعذيب واغتصابات النساء، لم يترك جنود سلطان الدم "أردوغان" واستخباراته جريمة إلا ونفذوها بحق أهالي الشمال السوري.
وما تكاد سوريا تخرج من كبوة حتى تأتى سيناريوهات أردوغان لتعكر الأجواء، فما كادت المنطقة المنكوبة منذ 7 سنوات تعلن تحررها من داعش في المراحل الأخيرة لانتهاء التنظيم الإرهابي، حتى يخرج أردوغان بمساومات تحت المظلة الدولية ليعلن استلامه دفة قيادة الإرهاب العالمي من أيدى دواعشه المنهارين على صخرة قوات سوريا الديمقراطية، ليحل محل داعش في قتال الأكراد السوريين!
وبهذا يمارس أردوغان إرهابه بغطاء الشرعية الدولية، ويوظف مصطلح الإرهاب بشكل خبيث ليلصقه بأعدائه السياسيين، في محاولة لتبرير حربه على الأكراد السوريين، ويصفهم بأنهم امتداد لحزب "العمال الكردستانى"، والذى يصنفه كجماعة إرهابية.
حركة الشباب وأردوغان
في أدلة جديدة تشير إلى علاقة تركيا بالتنظيمات المتطرفة، كشفت معلومات مستقاة من وثائق قضائية أن وكالة الاستخبارات التركية أرسلت مئات الآلاف من الدولارات إلى حركة الشباب الصومالية، عبر عميل كان سجينا سابقا في معتقل "غوانتانامو".
وتترافق هذه المعلومات التي كشفها مركز أبحاث في السويد، مع تقارير أمنية أميركية سابقة، أشارت إلى تمويل من قطر، حليفة تركيا الأولى في المنطقة، للمنظمات المتطرفة، ليكتمل المشهد الإرهابي في الصومال، البلد الأفريقي الغارق في الفوضى بسبب ممارسات أنقرة والدوحة المتحالفتين أيضا مع النظام الإيراني، في دعم المتطرفين.
وذكر مؤخرا موقع "نورديك مونيتور"، التابع لشبكة الشمال للأبحاث والرصد المتخصصة في تتبع الحركات المتطرفة، أن الحكومة الأميركية اكتشفت عملية تحويل الأموال من الاستخبارات التركية إلى "الشباب"، وأبلغت أنقرة بالأمر، وطالبتها بتحقيق لكشف الشبكة الإرهابية التي تعمل على تمويل الحركة المتطرفة.
لكن حكومة أردوغان أوقفت التحقيقات التي انطلقت بعد الإخطار الذي أرسله مكتب مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوهين، في ذلك الوقت.
وبحسب معلومات جاءت في ملف التحقيق في قضية اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف في 19 ديسمبر عام 2016، على يد الضابط التركي المرتبط بالقاعدة مولود مارت ألطناش، زعمت الحكومة التركية عدم وجود دليل على أي تحويل مالي.
وجاء في لائحة الاتهام المقدمة إلى المحكمة في 23 نوفمبر 2018 ، أن مكتب كوهين قد نقل معلومات تظهر أن المواطن التركي إبراهيم سين البالغ من العمر 37 عاما، كان متورطا في نقل مبلغ 600 ألف دولار إلى حركة "الشباب" في سبتمبر وديسمبر عام 2012.
وقالت الحكومة التركية إن مجلس التحقيق في الجرائم المالية، وهو عبارة عن وكالة حكومية تعمل تحت وزارة المالية والخزانة، التي يقودها صهر أردوغان بيرات ألبيرق، لم تجد أي دليل يدعم هذا النقل.
وقال تقرير "نورديك مونيتور" إنه كان من الواضح سعي الحكومة التركية إلى إغلاق التحقيق في قضية سين، الذي عمل لصالح المخابرات التركية في نقل المقاتلين من وإلى سوريا، بحسب ملف التحقيقات الذي رفعت عنه السرية في يناير عام 2014.
وكان سين قد اعتقل في باكستان لصلته بتنظيم القاعدة واحتجز في سجن "غوانتانامو" الأميركي حتى عام 2005، قبل أن يقرر مسؤولون أميركيون تسليمه إلى تركيا، وبحسب ملف التحقيقات، فقد عمل سين مع وكالة الاستخبارات التركية منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
وبدا أن سين يتمتع بغطاء سياسي من الحكومة التركية وجهاز المخابرات، وهو ما ظهر من خلال خروجه أكثر من مرة من مشكلات قانونية، فقد جرى اعتقاله في يناير عام 2014، ووجهت له اتهامات في أكتوبر، لكن المحكمة أطلقت سراحه في الجلسة الأولى، قبل أن يجري اعتقاله مرة أخرى في عام 2018.
وقد أسقطت الحكومة التركية التحقيق الذي أجري عام 2014، وسرحت قادة الشرطة والمدعين العامين والقضاة الذين شاركوا في التحقيقات ومحاكمة سين وزملائه.
وكشفت سجلات التنصت على المكالمات الهاتفية التي حصل عليها المدعون العامون بموجب أمر من المحكمة، صلات سين مع وكالة الاستخبارات التركية.  
ويعتقد المحققون أن سين استخدم العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمة الإغاثة الإنسانية التركية (آي أتش أتش)، لإخفاء الشحنات غير القانونية إلى المتطرفين في سوريا.  
وتعرفت الشرطة التركية على 3 أشخاص كشركاء لـ"سين" في تهريب الشحنات إلى سوريا، وهم عمر فاروق أكسيبزي الذي يعمل في فرع هيئة الإغاثة في قيصري، وريد جامدلي عضو في هيئة الإغاثة في ذات الفرع، وإبراهيم خليل إجلي الذي يعمل في فرع آخر للهيئة بمدينة كيليس.
وأظهرت سجلات التنصت على المكالمات الهاتفية بين سين وشركائه، كيف خططوا لاستخدام سيارات الإسعاف لنقل الإمدادات إلى المسلحين المتطرفين، للتحايل على منع الشاحنات الصغيرة من العبور إلى سوريا.
كما جرى إدراج عبد القادر شقيق سين، كمشتبه به لصلاته بالقاعدة، قبل أن يطلق سراحه أيضا، رغم أنه يعد واحدا من المنظرين الذين دفعت كتبهم العديد من الشباب في تركيا إلى التطرف.
وتشير لائحة الاتهام في قضية السفير الروسي إلى أن عبد القادر التقى شخصيا بالقاتل الذي كان يشتري كتبه، إلا أن المدعي التركي آدم أكينجي رفض اتهامات المتعلقة بصلة عبد القادر بتنظيم القاعدة في تركيا واستبعد أدلة مهمة من ملف القضية تشير إلى مساعدة عناصر من القاعدة لقاتل السفير التركي من أجل الانتقام من تكثيف الحملة الجوية الروسية ضد الجماعات المتطرفة في سوريا آنذاك.
وكشف ملف الاتهام أيضا أن المسؤولين الأمنيين الذين عملوا في السفارتين البريطانية والفرنسية في تركيا قد طلبوا من نظرائهم الأتراك في عام 2014 تبادل المعلومات حول الأخوين سين، قائلين إن حكوماتهم ستطلب تطبيق قرار لجنة عقوبات الأمم المتحدة رقم 1267 بناء على معلومات استخبارية تفيد بأن مقاتلين أوروبيين متورطين مع الأخوين قد يعودون إلى بلدانهم الأصلية.
هذه التقارير وغيرها انما تثبت تورط أردوغان وحكومته في رعاية وتمويل الإرهاب الدولي من سوريا إلى الصومال عبر أجهزتها الاستخباراتية من ناحية ومن ناحية أخرى عبر المؤتمرات والاتفاقات الدولية باستخدام أموال قطرية وغطاءات سياسية دولية مختلفة، ولم تتوقف تركيا أردوغان عن دعم وتمويل الإرهاب في سوريا والصومال بل يصل إلى ليبيا واليمن ومصر والسودان ودول أوروبا هذا ما تناولته بوابة الحركات الإسلامية في أكثر من تقرير سابق.




شارك