البشير وبن لادن والذاكرة السياسية للأمير تركي الفيصل

الأحد 09/يونيو/2019 - 01:03 م
طباعة البشير وبن لادن والذاكرة حسام الحداد
 
"إن أجندتنا ومشروعنا أكبر من التجارة، لسنا هنا لنقوم بتجارة، بل نحتاج إلى أن نقدّم دعماً للحكومة التي ستساعد جماعتنا، هذا هو هدفنا".. هكذا وصف زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إلى مساعديه الهدف من وجوده في السودان، عند سؤاله عن تدني العائد المادي من تجارته مع هذا البلد.
في العام 1990، انتقل بن لادن للعيش في السودان واستمر هناك حتى 1996م، واستطاع خلال تلك الفترة تأسيس فرع للتنظيم، ضم العديد من مقاتلي وقيادات القاعدة الذين استقروا هناك.
تمكن بن لادن من شراء العديد من الأراضي الزراعية، وانشاء شركات عدة في العاصمة الخرطوم، قربته كثيرًا من حكومة عمر البشير، المنتمي للحركة الإسلامية، التي كان لها علاقات واضحة مع القاعدة.
لم تبخل حكومة البشير، التي جاءت بعد انقلاب 1989 بقيادة حسن الترابي، مؤسس الجبهة القومية، وهي ذراع الإخوان المسلمين في السودان، على مساعدة تنظيم القاعدة في تأسيس فرعه الجديد بالخرطوم، فقدمت له شتى أنواع الدعم الاستراتيجي واللوجيستي، بالدرجة التي جعلت الجيش السوداني يشتري أسلحة وأجهزة اتصالات ليمد بها القاعدة.
ومؤخرا كشف رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل؛ أن اشتراط الرئيس السوداني السابق عمر البشير؛ عدم محاكمة أسامة بن لادن كان سبب رفض السعودية شرط السودان تسليمه مؤسّس وزعيم تنظيم القاعدة السابق.
تفصيلاً، قال "الفيصل"؛ في حديثه لبرنامج "الذاكرة السياسية" على قناة "العربية": "الرئيس عمر البشير؛ أتى لزيارة المملكة في نهاية عام 1995م، أو بداية عام 1996م للحج أو للعمرة، والتقى أيامها ولي العهد حينها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وعرض البشير؛ عليه استعدادهم تسليم ابن لادن؛ وفي حينها استبشر ولي العهد، وقال: أهلاً وسهلاً يرجع لبلده، والتفت إليه البشير؛ وقال على شرط أنكم لا تحاكموه".
الشريعة على الجميع
وأضاف: "لكن الأمير عبدالله؛ في وقتها مباشرةً ردّ عليه، وقال له: ليس عندنا أحدٌ فوق القانون، الشريعة تطبّق على الجميع حتى على الملك، كما تطبّق على المواطن العادي، فليأت وليضمن حكماً عادلاً من الشرع، فلم يعد يذكرون ذلك السودانيون".
الملف الأفغاني
وأوضح الأمير تركي الفيصل؛ الذي كان مكلفاً بالملف الأفغاني، أن السماح بذهاب الشباب السعودي لأفغانستان من أجل تقديم الدعم للشعب الأفغاني، مؤكداً في هذا الصدد أن "كل الشباب السعودي الذين ذهبوا في ذلك الحين مع -استثناءات قليلة جداً- بقوا في مخيمات اللاجئين في بيشاور لتقديم المساعدات الإنسانية من خلال المستشفيات والمدارس ودور الرعاية، وقليل جداً هم الذين سمح لهم الأفغان بمشاركتهم في القتال".
وأشار إلى أنه كان هناك حرصٌ على متابعة الشباب العائدين من أفغانستان من قِبل وزارة الداخلية، لافتاً إلى أن العملية التنموية والنشاطات التعليمية والإنشائية في السعودية في تلك السنوات لم تتأثر وكانت قائمة على قدم وساق، وشدد على أن المملكة أوقفت كل أشكال الدعم لأفغانستان المجاهدين الأفغان منذ أن نشبت الحرب الأهلية بينهم، وذلك بعد الانسحاب السوفياتي من الأراضي الأفغانية عام 1990.
لا دعم سعودياً
وأكّد "الفيصل"؛ أنه منذ أن قامت حكومة "طالبان" لم يكن هناك أي دعم سعودي ذهب للحكومة، مشيراً إلى أن القصف الأمريكي الذي قام به الرئيس كلينتون؛ ضد أفغانستان نتيجة الهجوم على سفارتَي نيروبي ودار السلام الأمريكيتين هو الذي أثّر في المُلا عمر؛ زعيم "طالبان" في تغيير موقفه وتسليم ابن لادن؛ بعد أن منحه اللجوء في عام 1996.
وأوضح انه التقى المُلا عمر؛ زعيم "طالبان" مرتين؛ لافتاً إلى أنه كان لا يحب التصوير ويتوارى عن الإعلام، معتبراً أن تمسكه بابن لادن؛ كان خطأً إستراتيجياً ولم يقدر العواقب.
الجثة والبحر!
وعن تحليله لعدم اعتقال أسامة بن لادن؛ من قِبل القوات الأمريكية، قال: "حسب كلامهم، أنهم عندما دخلوا غرفته وكان يحمل سلاحاً، وأنه قُتل بعد مقاومته لهم".
وأردف بشأن رمي الأمريكان جثة "ابن لادن" في البحر بدلاً من دفتها في الأرض: "بحسب كلامهم، أنه لكيلا يكون لهم مشهد ومزار يجلب الناس إليه، فلو دُفن في أرض معينة فستصبح مقصداً لزيارتها!".
نزول الملائكة!
وعن دور أسامة بن لادن؛ في أفغانستان، قال "الفيصل": "أسامة بن لادن؛ في أول وآخر معركة اشترك فيها بأفغانستان لم يكن هناك للقتال؛ وإنما -بحسب كلامه- أنه ذهب لمنطقة اسمها جاجي قريبة من جلال أباد على الحدود بين أفغانستان وباكستان وذهب بمعدات هندسية، ووقع هجوم سوفياتي في ذلك الحين على ذلك الموقع بوجود ابن لادن؛ حيث يقول بنفسه: "عندما بدأ القصف السوفياتي بالطائرات وكان فصيل دبابات يتجه إلى ذلك المكان في جاجي أُغمى عليّ وبقيت مغمى عليّ إلى أن أفقت من نومي ووجدت أن الدبابات السوفياتية قد تدمّرت، وأن طائرات الهليوكبتر قد سقطت، والجنود السوفيات فرّوا من المكان، وعزا ذلك على أساس أن هناك ملائكة نزلوا هم الذين قاتلوا السوفيات ودحروهم!".
اختيار المنفّذين
وأشار إلى أن زعيم تنظيم القاعدة ابن لادن؛ اتضح أنه هو الذي اختار وجود 15 سعودياً على متن الطائرتيْن اللتين نفّذتا هجمات نيويورك عام 2001، وأضاف "الفيصل"؛ أنه "بحسب اعترافات المتهم الذي خطط لعملية استهداف البرجين في أمريكا ذكر أنه عندما خططوا للعملية قُدِّمت أسماء لأناس من منتسبي (القاعدة) لابن لادن؛ على أساس القيام بالعملية، وأن ابن لادن هو الذي استبعد هؤلاء واختار الـ 15 سعودياً، إضافة إلى 3 أو 4 أشخاص آخرين شاركوا في الهجوم: واحد من الإمارات، وآخر من مصر، وثالث من لبنان".

شارك