فرج فودة.. الذي قال لا في وجه من قالوا نعم

الثلاثاء 18/يونيو/2019 - 04:26 م
طباعة
 
"إلى زملاء ولدي الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقا لمقولة أبائهم عني .. إليهم حين يكبرون، ويقرأون، ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم، وأن ما فعلوه كان أقسى عليّ من رصاص جيل أبائهم".
بتلك الجُمل القصار قدم المفكر الدكتور فرج فودة لأحد كتاباته ليعبر عن مأساته الإنسانية بل ومأساتنا الثقافية والاجتماعية التي توارثنها ونتوارثها، لكنها كانت المرة الأولى التى يُظهر فيها المصريون الفرح لموت إنسان، وينشرون ذلك في كتاب، أو هكذا كان تعليق الكاتب الساخر "علي سالم" في حفل التأبين الذي أقامته الجمعية المصرية لحقوق الإنسان في نقابة الصحفين لوداع فرج فودة.
في اليوم الثامن من شهر يونيو 1992، كان فرج فودة يغادر مقر الجمعية المصرية للتنوير الذي أسسها قبل هذا التاريخ في شارع "أسماء فهمي" بمصر الجديدة، فأُطلق عليه الرصاص قبل أن يصعد سيارته فسقط قتيل .
بعدها نُشر كتاب بعنوان "مَن قتل فرج فودة..؟" لكاتبة عبد الغفار عزيز رئيس قسم الدعوة بجامعة الأزهر، وفي غرابة عرَّض فيه أن فرج فودة هو قاتل فرج فودة، وأن من ساعده على الانتحار هم مشرفو جريدة الأحرار الذين عملوا على نشر أفكاره، ثم نشرت جريدة الأخبار مقال لـ"مأمون الهضيبي" المرشد العام لجماعة الإخوان يبرر فيها أسباب مقتل فرج فودة.
تم إلقاء القبض على القتلة وبدأت تحقيقات النيابة في الحادث، وفي موقف مثيرًا للغرابة جاء محمد الغزالي إلى النيابة ودون استدعاء لتقديم شهادته، ويبدو أنه بمنطق الوصاية الدينية، صرح..
"إنهم قتلوا شخصًا مباح الدم ومرتدًّا، وهو مستحق للقتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعي عن كاهل الأمة، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم ـ أي دون الرجوع لأمر الحاكم، وأنه لا توجد عقوبة فى الإسلام للافتئات على الحاكم، وإن بقاء المرتد ـأى فرج فودةـ فى المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس". 
كانت شهادته بمثابة فتوة منه بجواز "أن يقوم أحد الأفراد بإقامة الحدود عند تعطيلها من قبل الدولة وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة. ولم يكتفي الأزهري محمد الغزالي والعضو السابق فى جماعة الإخوان بذلك، بل قام بنشر بيانًا مساندًا لـ "محمود المزروعى" نائب رئيس جبهة علماء الأزهر الذى دعا من قبل ذلك إلى قتل فرج فودة، ثم هرب إلى السعودية بعد عملية الاغتيال بشهرين. 
ووقّع على بيان الدعم والتأييد هذا، إلى جانب محمد الغزالى، الشيخ الآزهري متولى الشعراوي، ومحمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وكثيرون من أعضاء جماعة الإخوان، وأعضاء الجماعة الإسلامية، ومن جبهة علماء الأزهر. هكذا كانت الخطوات الأخيرة في عملية التخلص من أثر فرج فودة.
أما الخطوات الأولى للتخلص من فرج فودة وأفكاره الداعية للدولة المدنية فقد جاءت قُبيل ذلك بعدة أشهر في المُناظرة التى نُظمت ضمن فعاليات معرض الكتاب تحت عنوان "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، وفي تلك المُناظرة تم شحن الرأي العام ضدّ فودة وأفكاره، بل وضد حياته، من مُمثلي الدولة الدينية الأزهري محمد الغزالى والإخواني مأمون الهضيبى والجهادي محمد عمارة.
هكذا شّكلت أفكار فرج فودة التي بدأت تتسلل لرجل الشارع خطورة حقيقة على الجميع سواء دعاة الدولة الدينية من الأزهريين والإخوان، وكذلك المُفكرين المدنيين أنفسهم، فكان فرج فودة يعلن دائما "إن المثقف الذي يمتلك المعلومة ولا يتحدث بها هو عالة على الثقافة والمجتمع"، وأصبح وجوده يمثل أزمة حقيقية بالنسبة للسلطة الدينية بل والسياسية أيضا، فاجتمع الجميع وحيكت الموائمات لقتل رجلا دائما ما كان يردد: "أنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، أخاطب أنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، قاصدي الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة لا محبي الحكم".


شارك