الفقر وأثره في صناعة التطرف

الأحد 07/يوليو/2019 - 01:43 م
طباعة الفقر وأثره في صناعة
 
يدور التقرير الأخير لمرصد الأزهر حول عَلاقة الفقر المباشرة وغير المباشرة بالتطرف والإرهاب، وكذلك أثر الفقر في صناعة الشخصية المتطرفة وكيف يمكن للفقر أن يكون من العوامل التي تحبط الأفراد، وتجعلهم فريسة سهلة في يد الجماعات المتطرفة التي تبشرهم بحياة أفضل؟
ويبدأ التقرير بتعريف الفقر وكيف تصدى الإسلام للفقر بشكل عام، ومن اللافت للنظر استخدام مرصد الأزهر لتعريف المنظمات الدولية للفقر حيث أنه: «الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وكل ما يُعَدُّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة».
واتَّسع هذا المفهوم وأصبح أكثر شمولًا، خصوصًا بعد قمة «كوبنهاجن» عام 2006م، التي أكدت على أهمية حصول الفرد على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتأمين بيئة صحية، وفرص المشاركة الديمقراطية في اتخاذ القرارات في جوانب الحياة المدنية.
وإذا كان الإنسانُ نِتاجًا لواقعه وسماته الشخصية والسلوكية، نِتاجًا لظروف معيشته، وإذا كانت المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تؤثر في الأفراد وفي حياتهم الشخصية؛ فإن الإنسان الفقير في المجتمع الغني قد يشعر بالحرمان والاغتراب في مجتمعه، وقد يقوده هذا الشعور إلى اتخاذ مواقف تختلف إيجابًا وسلبًا، وَفقًا لثقافة الشخص ذاته، ومقدار ما يقدمه له المجتمع الذي يعيش فيه من احتواء أو إهمال.
ويؤكد تقرير الأزهر أنه من خلال هذا التعريف ندرك أن الفقر قد يمثل بذاته سببًا مباشرًا من أسباب التطرف، وقد يكون عاملًا مساعدًا يقود الشخص إلى التطرف، وقد لا يكون هذا أو ذاك، وَفقًا للشخص الفقير ذاته، ووَفقًا لحالة المجتمع الذي يعيشُ فيه.
والفقر ظاهرة شديدة الخطورة، لها آثار سلبية على شتى مناحي الحياة، وتربطها علاقات وثيقة الصلة بالجهل والأمية؛ إذ إنها تضرُّ بالتعليم، وتزيد من الجهل والأمية في المجتمعات، ويترتب على ذلك إضرار بالصحة؛ حيث إنه، وَفقًا لبعض التقارير الدولية، مَن حُرموا من التعليم يصعب عليهم حماية أنفسهم من الأمراض والفيروسات، التي يمكن أن توديَ بحياتهم.
وحول العلاقة بين الفقر والتطرف يقول التقرير أن الفقرَ يُعدُّ حالة مثالية تُسهِّلُ على الجماعات المتطرفة استقطاب أفراد جُدُد إلى صفوفها، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على جميع الحالات التي اتخذت من العنف منهجًا لها، وانضمت إلى الجماعات الإرهابية؛ إذ إنه تم استقطاب أعداد غير قليلة من الشباب الذين ينتمون للطبقات المتوسطة في المجتمعات المختلفة، شباب مستقرون اجتماعيًّا، ويشغلون وظائف مرموقة، ويحصلون على رواتب جيدة، ومع ذلك انضموا للجماعات المتطرفة.
ونرد على ذلك بأن أسباب التطرف بصفةٍ عامةٍ تمثل مشكلة معقدة ومتعددة الجوانب، تتداخل فيها أبعاد شخصية ودينية واجتماعية واقتصادية وسياسية وإعلامية، وربما هذا النوع من الشباب لم يتم تجنيده بسبب الفقر أو البطالة أو العوز، ربما لسببٍ آخر من الأسباب الأخرى التي تجعل الشخص ينتهج العنف، والتي يمكن تناولها في مقالات أخرى، أو ربما هؤلاء الشباب من الفئة التي تُسمى «المنجزين المستائين» – وهم الشباب المتعلمين والطموحين الذين يفتقرون للفرص الحقيقية للتقدم إلى الأمام، ويزداد استياؤهم عندما يقارنون أوضاعهم بأوضاع النُّخَب الثرية التي تعيش بجانبهم، أو عندما يقارنون احتمالية إحرازهم للتقدم بالمقارنة مع النمو والتطور في العالم المتقدم، هذا الأمر ينطبق بشكل خاص في الحالات التي يؤدي فيها الفساد الحكومي لتقويض النمو الاقتصادي والحكم الرشيد.
كما أن الفقر قد يكون سببًا غير مباشر للتطرف؛ ففي دراسة تحمل عنوان «رحلة إلى التطرف في أفريقيا.. العوامل والحوافز ونقطة التحول للتجنيد».. أعدَّها «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»؛ لقراءة الأسباب الاجتماعية والسيكولوجية والتعليمية التي تدفع الشخص للانضمام إلى تنظيم متطرف، توصل الباحثون من خلال مقابلات مباشرة مع «متطرفين» أفارقة، سبق لهم الانخراط في تنظيمات إرهابية، إلى عدة نتائج؛ من أهمها  أن الفقر والحياة على هامش المجتمع يدفعان إلى الولوج في دروب التطرف والعنف والتمرد، وأن التهميش والحرمان من الحقوق الاجتماعية، وعدم فهم النصوص الدينية فهمًا صحيحًا، وتدنِّي المستوى التعليمي، وسوء الأحوال الاقتصادية، وفقدان أحد الوالدين أو كليهما، كلها من أهم العوامل التي تلعب عليها التنظيمات الإرهابية لاستقطاب مجندين جُدُد.
واستهلَّ الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» هذه الدراسة بعبارة قال فيها: «إن خلق مجتمعات تعددية شاملة مفتوحة منصفة، تقوم على أساس الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وتضمن العدالة الاقتصادية للجميع، يمثِّل بديلًا ملموسًا وهادفًا؛ لحماية الشخص من السير في طريق التطرف العنيف». فالشاهد في عبارة «جوتيريش» هو أن ضمان العدالة الاقتصادية - التي بدورها تعيق الفقر - يمثل أحد الضمانات للوقاية من التطرف.
كما أكدت الدراسة أيضًا على أن «الطفولة التعيسة» قد تكون سببًا يقود الشباب إلى انتهاج العنف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية، ولا شك أن الفقر والعوز من أهم أسباب الطفولة التعيسة التي قد تسبب نقمة الطفل على مجتمعه، ومن هنا كان الفقر سببًا غير مباشر لانضمام الأفراد إلى الجماعات المتطرفة.
وفي النهاية يتوصل التقرير إلى مجموعة من النتائج، على النحو الآتي:
- لا يمكن محاربة التطرف بالقوة الأمنية والعسكرية فقط، بل لابد من تجفيف منابعه، والتي يعتبر الفقر واحدًا منها.
- الثقافة الدينية مهمَّة للغاية في معالجة الفقر، ووقاية الشباب من استقطاب الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولذلك يقع على عاتق علماء الدين دورًا مهمًّا في إبراز الطرق والوسائل الشرعية، التي حددها الدين لمعالجة الفقر وعدم الاستسلام له.
- يجب تعظيم ثقافة العمل التطوعي والخيري، وتشجيع جميع فئات الشعب على ممارستها، وخصوصًا الأطفال والشباب، ونحن بذلك نقدم مساعدات للمحتاجين، وفي الوقت ذاته نقوي النزعة الإنسانية لدى الشباب، ونغرس فيهم ثقافة «الأخوة الإنسانية» الكفيلة بحمايتهم من الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة. 
- محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية، ومعاقبة من يُهدرون المال العام من الأمور المهمة التي تعطي الشباب الأملَ في غدٍ أفضل.
- يمكن للإعلام أن يلعب دورًا في مكافحة الفقر، عن طريق إبراز نماذج ناجحة من مُختلِفِ فئاتِ المجتمع، ممَّن كانوا فقراء ولم يُعِقهُم فقرُهم عن النجاح والتفوق، وما أكثرَهم في مجتمعاتنا العربية.

شارك