«بنك خلق».. «عصا موسى» الأمريكية تشجّ «رأس الأفعى»

السبت 19/أكتوبر/2019 - 11:28 ص
طباعة «بنك خلق».. «عصا نورا بنداري
 
أعادت «واشنطن» فتح قضية «بنك خلق» التركي مرة أخرى إلى الواجهة، إذ وجهت السلطات الأمريكية عدة تهم للبنك، من بينها تهم تتعلق بالتهرب من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. 



وجاء في بيان صحفي لوزارة العدل الأمريكية في 15 أكتوبر الجاري؛ توجيه لائحة اتهام إلى البنك التركي تتعلق بالاحتيال وغسيل الأموال، وأنشطة للتهرب من العقوبات المفروضة على إيران في صفقات بمليارات الدولارات.



اتهامات عدة

وتشير لائحة الادعاء إلى أن البنك مارس خلال الأعوام من (2011 – 2015) نشاطات تتيح لإيران الوصول إلى أموال بمليارات الدولار ضمن خطة للتحايل على العقوبات التي فرضتها واشنطن عليها، وأشارت اللائحة إلى استنادها إلى الحقائق التي تكشفت خلال محاكمة مساعد المدير التنفيذي للبنك «محمد هاكان أتيلا» في 2018، وكان له دور في تخطيط عمليات التحايل.

إلا أن البنك شارك في تسهيل حركة الأموال لعوائد النفط الإيراني، بدعم وتسهيل من قبل مسؤولين رسميين أتراك رفيعي المستوى والذين حصل البعض منهم على رشاوى بملايين الدولارات، وهذا ما أوضحه مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي «وليام سويني جونيور»، الذي أشار أيضًا إلى أن «بنك خلق» هو مؤسسة مالية تركية وغالبية ملكيتها تعود إلى الحكومة، ويشارك في أنشطة للتحايل على العقوبات الأمريكية على إيران، مؤكدًا أن البنك سهل عمليات تحويل غير مشروعة لمليارات الدولارات لصالح إيران، وقد استطاع التحايل على الأنظمة الأمريكية، والتي كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي عنها.

واستخدم البنك وفقًا لـ«جونيور» في تقديم خدمات لشركات ولمؤسسات مالية أخرى في إيران وتركيا بشكل مباشر وغير مباشر؛ للتحايل في عمليات مالية لصالح إيران والمتعلقة بعوائد مبيعات النفط والغاز لما قيمته نحو 20 مليار دولار.

وجاء قرار الإدانة الأمريكي للبنك التركي، بسبب شهادة أدلى بها رجل الأعمال التركي الإيراني «رضا صراف»، أثناء محاكمة المدير التنفيذي للبنك «محمد هاكان أتيلا» في 2018، وأشار فيها إلى تورط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزراء من حكومته في قضية الالتفاف على العقوبات، كما أقر «صراف» بتورطه شخصيًّا كوسيط أساسي لتجارة إقليمية معقدة لكن مربحة، كانت تسمح لإيران عبر «بنك خلق» بضخ مليارات اليورو من عائدات المحروقات في النظام المصرفي الدولي مقابل الذهب.

رد تركي

وتعليقًا على الاتهامات الأمريكية؛ قال مسؤول في السفارة التركية بواشنطن لوكالة «رويترز» في 15 أكتوبر الجاري؛ إن اتهام «بنك خلق» التركي بالاشتراك في مخطط بمليارات الدولارات لتفادي العقوبات الأمريكية على إيران، تمثل خطوة لا تسهم بشكل إيجابي في تحسن العلاقات الأمريكية التركية، إذا أن «بنك خلق» يعود تأسيسه إلى عام 1933 ليصبح خامس أكبر بنك في البلاد من حيث الأصول. 

ولهذا فإن السبب جراء مخاوف أنقرة من فرض عقوبات على البنك التركي، يكمن في تداعيات هذه القضية التي قد تؤدي لفرض غرامات مالية باهظة على البنك، التي من المحتمل أن تصل إلى مليارات الدولارات، بحسب المسئول التركي.

فضلًا عن تقويض سمعة البنك والنظام المصرفي التركي دوليًّا، إضافة إلى أن الخطوة الأمريكية قد تسهم في إثارة مخاوف المستثمرين الأجانب من ضخ رؤوس أموالهم بالسوق التركية، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على قيمة العملة والاقتصاد التركي خلال الفترة المقبلة.

ليست المرة الأولى

وجدير بالذكر، أنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها «بنك خلق» اتهامات وأحكام من قبل واشنطن، ففي مارس 2018، حكمت محكمة أمريكية على مساعد المدير العام السابق لـلبنك «هاكان أتيلا» بالسجن 32 شهرًا لإدانته بالاحتيال المصرفي والتآمر لانتهاك العقوبات الأمريكية على إيران، وفي يوليو الماضي، استأنف المصرفي السابق الحكم واحتجت أنقرة بشدة على إدانته، وبعدها أفرجت السلطات الأمريكية عنه ورحلته إلى تركيا.

وجاء الإفراج الأمريكي عن «هاكان»، بعدما أطلقت السلطات التركية في أكتوبر 2018، سراح القس الأمريكي «أندور برونسون»، الذي كانت تحتجزه تركيا لمدة زادت على عامين، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في 15 يوليو 2016، بعد حكم قضائي مع وقف التنفيذ. 

وسبق وأن قدمت أنقرة عرضًا بالإفراج عن القس الأمريكي في مقابل رفع الغرامات عن "بنك خلق" إلا أن واشنطن رفضت وقتها؛ ولذا جاء القرار التركي بعد وقوع أزمة دبلوماسية بين الجانبين نتجت عنها عقوبات أمريكية اقتصادية على بعض الصادرات التركية، ما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة التركية.

ولذلك اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إطلاق سراح «برونسون» يعد خطوة مهمة لتحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة، وبعدما أطلق سراح المصرفي التركي، ربط محللون في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ذلك بقضية «هاكان»، موضحين أن «أردوغان» أطلق سراح القس مقابل المصرفي التركي، وأيضًا بسبب عدم تحمل أنقرة للعقوبات الأمريكية.

وبعدها سئل «أردوغان» في مقابلة مع وكالة «رويترز» منتصف سبتمبر الماضي، عما إذا كان سيطلب من «ترامب» منع وزارة الخزانة الأمريكية من فرض غرامة ضخمة على «بنك خلق» لانتهاكه العقوبات المفروضة على إيران، رد «أردوغان» بأنه واثق من إمكانية تجنب مثل هذا الخطأ، مشيرا إلى وجود نوع مختلف من الثقة بين الزعيمين.
سيناريوهات مستقبلية

وفي تصريح لـه، أوضح «أحمد قبال» الباحث المختص في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تركيا تمثل إحدى الجهات الداعمة لإيران فيما يخص الالتفاف على العقوبات الأمريكية والاتهامات الأمريكية لبنك خلق التركي، تمثل مقدمة لخطوات للضغط على تركيا ومن ورائها إيران، وكلتا الدولتين يجمعهما تقارب منذ فترة على خلفية توافق بشأن العديد من القضايا الإقليمية.

وقال الباحث في الشأن الإيراني إن تركيا ربما تضطر إلى السير في فلك السياسات الأمريكية وتضحي بإيران التي سعت مؤخرًا للوساطة مع الأكراد والنظام السوري، وربما تظل العلاقات "التركية ــ الأمريكية" على المحك نتيجة مواقف «ترامب» المتهورة أحيانًا، التي أدت إلى إلغاء صفقة صواريخ باتريوت التي استبدلتها أنقرة بصفقة صواريخ S400، ومن ثم مزيد من التقارب التركي مع إيران وروسيا على حساب الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

شارك