الإخوان والجيش...كتاب يكشف غدر وأكاذيب جماعة ضد الوطن

الإثنين 04/نوفمبر/2019 - 10:26 ص
طباعة الإخوان والجيش...كتاب روبير الفارس
 
قراءة التاريخ بشكل متواصل في ضوء الوثائق بتدقيق ووعي وطرح الاسئلة بمهارة كان هو منهج الكاتب الكبير حلمي النمنم في كتابه الجديد " الاخوان والجيش " والصادر حديثا – اكتوبر 2019 – عن سلسلة كتاب الهلال 
وفي مقدمة الكتاب الثري المكون من 11 فصلا 
قال النمنم بدأت الفكرة هكذا...

الإخوان والجيش...كتاب
في مطلع مارس 2018 تلقيت اتصالاً من الصديق د. أيمن فؤاد السيد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية التي أشرف بعضويتها، يدعوني للمشاركة في مؤتمر علمي، كانت الجمعية بصدد الإعداد له؛ يعقد يوم 30 أبريل عن الزعيم جمال عبد الناصر بمناسبة الاحتفال بالعام المئوي لميلاده؛ وبعد نقاش بيننا اقترحت أن أعد ورقة حول دور جماعة الإخوان ليلة 23 يوليو 1952، وما تلاها من أيام، حتى 26 يوليو 1952؛ حين غادر الملك فاروق مصر نهائياً، بعد أن تنازل عن العرش لنجله الأمير أحمد فؤاد (الثاني). بعد المؤتمر وعلى ضوء النقاش والجدل الذي جرى حول ما طرحته، كان لابد أن أعيد كتابة الورقة؛ وهكذا كانت بداية هذا الكتاب، تم كان على أن أكمل ذلك الملف؛ عن علاقة الجماعة بالضباط الأحرار مع التركيز على الأيام الأولى لثورة يوليو؛ خاصة أن ما قيل وكتب في هذا الصدد كثير، كثير؛ تحديداً من طرف الجماعة؛ ومع كثرة التكرار والإلحاح وعدم الرد في حالات كثيرة، وغياب وجهات النظر الأخرى، تحول ما قيل إلى ما يشبه الحقائق والبديهيات، التي لا تقبل النقاش والاختبار العلمي والفكري؛ ناهيك عن إنكارها ونفيها؛ مثل أن شباب الإخوان وقفوا بالعصى والبنادق يوم 23 يوليو 1952 عند مدخل القاهرة من ناحية السويس لمنع الدبابات البريطانية من دخول القاهرة لإنقاذ الملك عبد الناصر تحديداً وعدداً من زملائه            – الضباط الأحرار -  كانوا يترددون على منزل سيد قطب في حلوان ويجلسون أمامه مجلس التلاميذ المتأدبين يعلمهم ويثقفهم بأفكاره ويحقنهم بتوجهاته  وكلهم آذان صاغية ومتلهفة لما يمليه عليهم وأنهم كانوا يعرضون عليه خططهم وتصوراتهم؛ التي يصوبها لهم؛ ويعطيهم توجيهاته وموافقته؛ وأنهم عرضوا عليه خطة التحرك ليلة 23 يوليو وأقرها هو؛ وأنه كلف بعض الإخوان، من بورسعيد، بالقدوم إلى القاهرة والوقوف عند مدخل القاهرة تصدياً للإنجليز، رغم أن قطب حتى نهاية عام 1952 لم يكن عضواً بالجماعة ورغم أن بعض الضباط الأحرار لم يعلموا بساعة الصفر إلا ليلة 23 ذاتها مثل محمد أنور السادات، نظراً لسرية الخطة وأنه لم يكن قبلها بالقاهرة؛ وهكذا كثير من القضايا والأمور بحاجة إلى الاختبار والنقاش العلمي؛ لفصل ما هو دعائي وأيديولوجي عما وقع وجرى بالفعل، فالتاريخ يستند إلى الوقائع في المقام الأول. ويستطرد النمنم قائلا 
والحق أن السكوت والصمت على مثل هذه "الشائعات" التي انتقلت إلى التاريخ يسيء إلى التاريخ المصري ذاته ويقوم بتشويهه؛ الأمر هنا لا يتعلق بجماعة تريد تزوير التاريخ، واختلاق تاريخ مواز للتاريخ المصري؛ ولكنه يمثل خطراً على الذاكرة التاريخية والوعي بالتاريخ؛ ونحن نترك بعض الحقب والفترات التاريخية تبدو بلا صاحب – إن صحت التسمية- فيتدخل فيها من يريد بالاختلاق حيناً والتزوير حيناً والتدليس حيناً آخر؛ مثل فترة حكم الملك فاروق؛ بقى للأحزاب أنصارها يدافعون عنها؛ وبقى هناك من يثبت للزعامات حقها؛ مثل مصطفى النحاس ومكرم عبيد وحسين هيكل وفؤاد سراج الدين ومحمود فهمي النقراشي وغيرهم؛ صحيح أنه كان هناك من ينتقد هذا أو ذاك؛ ومن يأخذ على النحاس – مثلاً – بعض المواقف؛ وكذلك الحال بالنسبة لمكرم عبيد أو فؤاد سراج الدين، حتى أمين عثمان وجد من يحاول الدفاع عنه؛ أما ما يتعلق بشخص الملك تحديداً؛ فقد تركت للهواة ولللأيديولوجيين وللمزورين كل يضيف من عنده ما يريده؛ ويختلق ما يشاء من الأحداث، الملك خرج من مصر؛ والكل أجمع على إدانته، وهكذا راح البعض يزعمون لأنفسهم بطولة على جثة هذا الرجل الذي استسلم بسهولة وخرج؛ تاركاً كل شيء خلفه، بما فيه سيرته الخاصة والشخصية فهذا يدعي أنه قاومه؛ وذلك يزعم أنه لعب دوراً كبيراً في إسقاطه في عملية استباحة تاريخية واسعة، وكان لابد للجماعة أن تقدم نفسها باعتبارها جماعة "ثورية"، وأنهم شاركوا في الإطاحة به، والحق أنهم كانوا الأكثر إشادة به في صحفهم ومجلاتهم؛ حسن البنا (المرشد المؤسس للجماعة)؛ قدم من المديح للملك ما لم يقدمه غيره؛ وعلى نهجه سار المرشد الثاني حسن الهضيبي؛ لكنهم ابتلعوا ذلك ونسوه بالمرة؛ بعد خروج الملك من المشهد؛ ولم يكونوا وحدهم في ذلك، لكنهم انفردوا بالكثير من الإدعاءات عن دور كبير لهم في إخراجه من مصر. 
هناك كذلك فترة الشهور الأولى لقيام ثورة يوليو 1952؛ يمر الباحثون مرور الكرام على يوم 23 يوليو بكلمات محفوظة ومكررة ثم يفرون منها إلى أحداث مارس 1954 وهكذا؛ أما ما بينهما؛ فهو متروك للمجتهدين وللمخترعين؛ ولا أحد يريد أن يذهب إلى تلك اللحظة نفسها وإلى مصادرها الأولى. 
بالتأكيد أن تنفيد إدعاءات واختلاقات جماعة الإخوان عمل مهم وضروري؛ ليس دفاعاً عن شخص بعينه أو زعماء مصر؛ ولا رغبة في دخول سجال أو مبارزة حول أفضلية هذا على ذاك، المسألة هنا أكبر من الأشخاص، لكن الهدف الحقيقي إنقاذ الذاكرة التاريخية والوعي بالتاريخ عموماً، من التصورات والوقائع المغلوطة والكاذبة وما أكثرها في تاريخنا الحديث والمعاصر.. 
والجماعة ليست مجرد تنظيم مناوئ للدولة المصرية منذ العهد الملكي وحتى يومنا هذا؛ ولكنها أيضاً أربكت حركة المجتمع المصري بمحاولة جره إلى الوراء؛ لإقامة الدولة الدينية؛ ثم إنهم لا يأخذون من الدين سوى قشوره وشكلياته؛ ولا مانع عندهم من أن يضربوا قيم الدين وروحه؛ وهكذا ناصبوا المرأة المصرية العداء؛ واتجهوا إلى تغليب الطائفية في التعامل بين الممواطنين وقسمة المجتمع ما بين مسلم وقبطي ناهيك عن السخرية من معنى الوطن ومفاهيم الوطنية حتى وجدنا المرشد العام مهدي عاكف يقول بملء الفم في حديث صحفي مع الزميل الأستاذ سعيد شعيب "طظ في مصر"، وقال أيضاً إنه لا يجد أي غضاضة في أن يحكمه إندونيسي أو ماليزي؛ وذلك أن المعيار للحاكم لديه أن يكون مسلماً وليس أن يكون مصرياً؛ وقد حاول كثيرون من جماعة الإخوان والمتعاطفين معهم الدفاع عن عاكف تأسيساً على أنها كانت زلة لسان؛ وأن الزميل الصحفي ضغط عليه واستفزه كثيراً؛ ولو أن الأمر كذلك لكان أمام الرجل فرصة للتراجع عن التصريح أو الاعتذار عنه أو تقديم إيضاحات حول ملابسات ذلك القول، لكنه لم يفعل؛ وهذا يعني أنها لم تكن زلة لسان، بل تعبيراً عن موقف حقيقي لديه، وطبقاً لمنهج فرويد فإن لحظات الانفعال تخرج حقيقة ما بداخل الإنساان وما يكنه عقله الباطن. 
ما جاء على لسان المرشد مهدي عاكف لا يختلف كثيراً عن مقولة سيد قطب إن الوطن حفنة من تراب عفن؛ وكان ذلك في تعليقه على كفاح الفدائيين المصريين الذين يدافعون عن التراب المصري في القناة سنة 1950؛ وهو نفسه الذي قال سنة 1964 لنجيب محفوظ حين زاره يهنئه بالإفراج عنه؛ إنه يسعده أن يقاتل دفاعاً عن باكستان، لكنه لا يمكن أن يقاتل دفاعاً عن سيناء؛ وقد عشنا اليوم لنرى تلاميذ سيد قطب ومهدي عاكف يقاتلون في سيناء لانتزاعها من المصريين وقتل الجنود المصريين لتأسيس ولاية خاصة بهم هناك. وهكذا نحن لسنا بإزاء جماعة دخلت ذمة التاريخ؛ ندرسها على مهل وفي بحبوحة من الهموم؛ هي جماعة تعيش بيننا إلى اليوم؛ صحيح أن القضاء المصري اعتبرها جماعة إرهابية؛ لكن خلاياها النائمة ماتزال بيننا؛ وقياداتها بالخارج يحاولون التآمر على البلاد وتنظيمها الدولي يمارس ضغوطاً على الدولة، لهذا كله فإننا حين ندرس علاقات الجماعة بثورة يوليو 1952 في أيامها الأولى؛ لا نبتعد كثيراً عن واقعنا وقضايانا اليومية، لو أننا كنا على وعي تام بألاعيب تلك الجماعة؛ لما أمكن لهم القفز على أحداث 25 يناير 2011 والانحراف بها من ثورة شعبية تسعى إلى تحقيق العدل والكرامة للإنسان كي تصبح حركة للفوضى وتدمير مؤسسات الدولة ومنشآتها. 
ولو أننا أدركنا من تجربة حسن البنا وحسن الهضيبي؛ كيف تنظر الجماعة إلى الجيش المصري، وماذا تريد له وتريد منه؛ لما أخذتنا المفاجأة من عدائهم الشديد لهذا الجيش الوطني العظيم وما يقومون به من عمليات إرهابية في سيناء تجاه أفراد هذا الجيش البواسل. 
والحق أن الكثير من القضايا المعلقة بين الجماعة وثورة يوليو 1952 ماتزال مثارة وفاعلة بيننا إلى اليوم؛ الجماعة تردد وهناك من يردد معها من خارجها أن عبد الناصر كان عنيفاً وقاسياً معهم؛ ولو أنهم وجدوا حضناً دافئاً ما اتجهوا إلى العنف؛ ومن حسن الحظ أن سيرة الملك فاروق كانت مختلفة معهم.. فماذا كان موقفهم منه..؟ والسادات كان على النقيض التام من عبد الناصر معهم؛ فكيف تعاملوا معه؛ أما حسني مبارك فقد قدم لهم ما لم يتوقعوه، إذ فتح لهم البرلمان على مصراعيه وكذلك معظم مؤسسات الدولة؛ ومسيرتهم معه معروفة إلى يومنا هذا.. 
هذا الكتاب محاولة لقراءة بعض اللحظات التاريخية التي مرت بنا كمصريين، وتناقضت فيها الجماعة مع أحلام وتطلعات المصريين البسطاء، قبل أن تتناقض مع مسيرة الدولة المصرية ذاتها؛ نحو مزيد من الديمقراطية والمدنية الحديثة والوطنية أيضاً. 



عصر مبارك والإخوان


قدم النمنم بعين مؤرخ مدقق في عدة فصول كيفية تعامل حكام مصر مع الاخوان من الملك فاروق وحتى عصر مبارك  الذى شرح الكاتب علاقته مع التنظيم تفصيلا فقال 
تولي مبارك السلطة في 14 أكتوبر 1981، وكان المناخ العام خانقاً، ومن أهم ملامحه أن جماعة الإخوان وجدت حضناً دافئاً من أحزاب المعارضة آنذاك أو التيارات المعارضة عموماً، بدعوى أن الجميع كانوا يواجهون عدواً واحداً هو السادات وسياساته، تحديداً خطوته في كامب ديفيد وتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل سنة 1979، وراح بعض المعارضين ينظرون بإكبار إلى الجماعة باعتبار أن أشبالها هم الذين وصلوا إلى السادات، وأجهزوا عليه. بينما وقفوا هم عند حدود الكلام، وزادت الجماعة خطوة على تلك الأحزاب بأن لها بعض الدفء لدى جناح أو أكثر داخل النظام الحاكم وقتها. 
بدأت محاكمة قتلة السادات، وكان بين المتهمين د. عمر عبد الرحمن ود. أيمن الظواهري وهما من كوادر الإخوان، وجرى الإفراج عنهما، فيما بعد سنعرف أنه كان هناك اتفاق بين المتهمين على عدم الزج بالاثنين في أي اعترافات، حتى يمكن لهما الخروج ومواصلة الطريق، وبالفعل خرجا، وترك للدكتور عمر الحرية التامة في الحركة والتنقل والخطابة والتحريض من الفيوم إلى أسيوط والمنيا، ولما بدأت أجهزة الدولة تضج منه تم تسهيل خروجه من مصر، خروجاً هادئاً وناعماً، أيضاً آمناً، إلى حيث نعرف جميعاً، فقد توجه إلى السودان واستقر به المطاف في الولايات المتحدة وكذلك خرج د. أيمن حيث توجه إلى إيران ومنها إلى أفغانستان على النحو المعروف. 
وهناك تصور لدى بعض الباحثين يؤخذ على مبارك في طريقة تعامله مع الإخوان فور توليه الحكم، وهو أن الرأي العام العالمي كان معبأ ضد الإسلاميين عموماً بسبب اغتيال السادات وأنه – أي مبارك – لو اتخذ أي إجراءات بحقهم مهما كانت قاسية، فإن الرأي العام المحلي والدولي كان سيتقبلها، ولكنه لم يفعل، ولأنه لم يفعل راح البعض يتصور أن مبارك في أعماقه كان سعيداً بالخلاص من السادات لأن ذلك أتاح له أن يتولى الرئاسة ويتخلص من كابوس أن يقدم السادات على تعيين نائب آخر بديلاً عنه، وذهب البعض خطوة أبعد حيث اتهموا مبارك بالضلوع في عملية الاغتيال تردد ذلك وقتها وتم تردديه مرة أخرى عقب تخلي مبارك عن الحكم، وهي أقوال مرسلة لا يوجد ما يدل عليها من الوقائع، في المقابل يمكن القول إن مبارك أراد في بداية حكمه تهدئة الأوضاع في مصر، وإنهاء التوتر والوصول إلى حالة من الهدوء وربما التراضي بين الجميع، وما قام به مبارك أنه التزم بكل سياسات السادات، لم يغير فيها شيئاً، فقط اختفى عنصر توتر السادات شخصياً، والطريق أن الذين عارضوا سياسات السادات، ما لبثوا أن أقروها هي نفسها في ظل مبارك، في سنواته الأولى بالحكم على الأقل. 
ويعد عام 1984 كاشفاً لتصور الرئيس مبارك لجماعة الإخوان وتعامله معهم، في ذلك العام جرت أولى انتخابات برلمانية في عهد مبارك، وبدأت تقارير الرأي العام تتحدث عن إمكانية تقدم حزب الوفد في الانتخابات وفوزه على الحزب الوطني الحاكم، ففي تلك الأيام تردد أن الفنانة فاتن حمامة على وشك الالتحاق بالوفد، وجعلت مجلة الصياد اللبنانية فاتن حمامة غلافاً لأحد أعدادها، ومع الصورة مانشيت من كلمتين فقط هما "فاتنة الوفد" ثم تردد د. يوسف إدريس على الوفد، وطلب الانضمام إليه – تراجع بعد ذلك – كان د. فؤاد محيي الدين أمين عام الحزب الوطني آنذاك، وذهب إلى مبارك يشكو ويعبر عن قلقه، وكان الحل لدى مبارك، هو السماح للإخوان بخوض انتخابات المجلس، وتحالفوا مع الوفد، وهكذا دخلوا البرلمان "رسمياً" لأول مرة في تاريخهم، وهنا وضح أن مبارك يريد أن يشق المعارضة، وأن يضرب الوفد بالإخوان والعكس، ترتب على تلك الخطوة أن انشق د. فرج فودة عن الوفد، واهتز تاريخ الحزب العرين بهذه الخطوة. 
كان مبارك مستوعباً درس أيام السادات الأخيرة، بألا يسمح لكل فصائل وتيارات المعارضة أن تلتقي معاً في سلة واحدة، ولهذا كان هناك حرص على تشتيت المعارضة وأحياناً "دق أسافين" بينها، والغريب أن مبارك – نفسه – في سنوات حكمه الأخيرة نسى هذا الدرس، واتخذ العديد من الإجراءات، خاصة في انتخابات سنة 2010 لمجلس الشعب، ممات جعل كل فصائل المعارضة تلتقي معاً في سلة واحدة ضده هو وضد حكمه. 
لم يكن الأمر كذلك فقط، بل تبين أن مبارك يريد أن يضرب ما تسمى جماعات العنف المتأسلمة بالإخوان، وتلك لم تكن نظريته، كانت نظرية أمريكية، ترى أن الإخوان يمثلون الإسلام المعتدل وبهم يكمن ضرب الإسلام العنيف ممثلاً في جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وقد أخذ مبارك بتلك النظرية، رغم أنه سوف يصرح لمجلة أمريكية سنة 1994 بأنه لا فرق بين الاثنين ولام الإدارة الأمريكية أنها لا ترى هذا الفارق!! 
ويبدو أن مبارك تصور أنه سوف يبقى ماسكاً لزمام الأمور بالنسبة للإخوان، فهو جعلهم شركاء في النظام، لكن لم يمنحهم شرعية الوجود وترك وجودهم "عرفياً" أو باسم الجماعة المحظورة، لكن عملياً وعلى الأرض كانوا موجودين تماماً وفي وضح النهار. 
لم ينقطع وجودهم عن البرلمان، وفي سنة 2005 جرت الانتخابات البرلمانية وحصد الإخوان 88 مقعداً في البرلمان، وصاروا جزءاً فاعلاً داخل النظام، كانت حملتهم الانتخابية وفق شعار "مشاركة لا مغالبة" وفي حديثه لمجلة المصور – حينها – قال د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إنه هو الذي اقترح عليهم ذلك الشعار ونصحهم به، وتركت الجماعة الدوائر التي يخوض فيها رموز الحزب الوطني د. سرور ود. زكريا عزمي، وكمال الشاذلي، وأعلنوا أنهم كان بودهم عدم ترشح منافس لابن التنظيم بالحزب الوطني أحمد عز، لكنه لم يترك لهم الفرصة للتعاون وراح يهاجمهم قبل تلك الانتخابات مباشرة صرح مرشد الجماعة مهدي عاكف لمجلة آخر ساعة أن أمنيته أن يلتقيه الرئيس مبارك ويصافحه بيده، كي يسمع منه ويتحدث إليه، وقال إن صوته للرئيس، ولما بدا أن نجل الرئيس يمكن أن يخوض الانتخابات الرئاسية، فيما عرف باسم "التوريث" أبدو ترحيبهم بذلك، وهناك تصريح شهير للدكتور عصام العريان على قناة الجزيرة بهذا المعنى سنة 2005، وكان المروجون للوريث يرددون أنه وحده القادر على إدماج الإخوان في النظام السياسي والعملية السياسية برمتها. 
كانت العلاقات السياسية تقوم على استخدام النظام للإخوان في أمور أخرى، حين جرى اغتيال مؤسس حركة حماس أحمدح ياسين، وكانت إسرائيل نفذت العملية بصاروخ بينما كان يتحرك على كرسيه أمام باب المسجد، وبدا أن الرجل تم تسليمه من قبل أحد المحيطين به، وكانت العملية فيها قدر كبير من الفجور في التنفيذ، وهاج الرأي العام في المنطقة. 
ونظم الإخوان مظاهرات تندد بالعملية، في منطقة رابعة العدوية، وبعدها ذكر مهدي عاكف أن المظاهرات تحركت بعد اتصال من السيد كمال الشاذلي الوزير وزعيم الأغلبية البرلمانية بهم، وأنه كان هناك حرج لدى الجهات الرسمية من علاقتنا بإسرائيل مع استياء رسمي شديد من العملية، فطلب للإخوان أن يقوموا ويتحركوا هم. 
وفي عام 1995 كان يمكن لهذه العلاقة أن تهتز بين نظام مبارك والجماعة، فقد كشفت أجهزة الأمن ما بات يعرف باسم قضية "سلسبيل" وعثر ضمن أوراقها على وثيقة باسم "فتح مصر" تقع في حوالي 12 صفحة تتحدث عن هدف الجماعة في السيطرة نهائياً على مفاصل الدولة وانتهى الأمر عند حد إلقاء القبض على بعض أعضاء الجماعة وتحويلهم إلى محاكمة عسكرية، واستمرت العلاقة كما هي وبين حين وآخر يصدر عن الجماعة تصريح مطمئن لمبارك ومن حوله، مثلاً، حين دخل مبارك سنة 2009 المستشفى في ألمانيا للعلاج، خرج مرشد الجماعة مهدي عاكف في برنامج العاشرة مساءً، متمنياً الشفاء للرئيس، وهذا أمر جيد، الدعاء بالشفاء للمريض أياً كان أمر محمود، ولكنه قال إن الذي ينام في المستشفى ليس رئيس الحزب الوطني وليس رئيس مصر فقط، لكنه "أب كل المصريين" وكان التعبير غريباً ولم يستعمله من قبل حتى أشد أنصار مبارك غلواً في التأييد. 
وجود الإخوان في البرلمان أتاح لأعضائها الدفع بعدد من أنصارهم وكوادرهم للتعيين في المؤسسات الحكومية، وهؤلاء صاروا فيما بعد "الخلايا النائمة" داخل الجهاز الإداري والذين أمسكوا ببعض المفاصل والمواقع، وظهرت خطورة بعضهم سنة 2013 عقب الإطاحة الشعبية بجماعة الإخوان، إلى جوار البرلمان فتحت النقابات أمامهم على مصراعيها. 
وكانت القاعدة أن يكون مجلس النقابة إخوانياً والنقيب حكومياً، على أن يسايرهم في كل ما يريدون، نقابة الأطباء نموذجاً، وفي بعض الحالات والمواقف كانت تحدث مزايدة بين المجلس والنقيب، فيبدو عن النقيب الحكومي ميولاً أكثر إخوانية من الإخوان أنفسهم. 
ولما كانت الدولة تتجه إلى الخصخصة وما صاحبها من فساد، فإن الإخوان خاضوا هذا المجال وكونوا إمبراطورية مالية ضخمة، قرى سياحية في الساحل الشمالي، شركات مباني ومقاولات، دور نشر بالعشرات، في سنة 2014 تبين أن لدى جماعة الإخوان أكثر من ثمانين دار نشر، بينما الدولة ذاتها ليس لديها سوى الهيئة العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة، وهكذا، صارت إمبراطوريتهم الاقتصادية دولة داخل الدولة، وعلى سبيل المثال فإن مشروع بيع السلع المعمرة بالتقسيط في بعض النقابات كان يسيطر عليه الإخوان كلياً، إمبراطورية سعودي وحسن مالك وغيرها تكونت وتضخمت في تلك الحقبة. 
وحين كانت مصالح البيزنس "الإخواني" تتعارض مع سياسات الدولة كان البيزنس ينتصر، اكتشف وزير التعليم د. حسين كامل بهاء الدين تحكم الإخوان في المدارس الخاصة والسيطرة على المعلمين، ولما حاول أن يتصدى لهم ومشروعهم في مجال التعليم، تم اختلاق بعض الأزمات أمامه وجرى إخراجه هو من الوزارة وليس التصدي لهم، وسيطروا على بيزنس الدروس الخصوصية وغيرها. 
وفي السنوات الأخيرة من حكم مبارك بدا أن الدولة تستقيل من بعض أدوارها لصالح بعض الأطراف، مثلاً ترك الملف القبطي يتضخم بأزماته ومشاكله غير المبررة، وترك الأمر، برمته للبابا شنوده وبعض المهتمين بالشأن القبطي من الشخصيات العامة. 
وسلمت المناطق العشوائية لجماعة الإخوان ومن معها يمنون على أهلها بالزيت والسمن وبعض الصدقات، التي كانت مناسبة لغسيل الأموال حيناً ولجمع التبرعات والزكاة من المواطنين البسطاء حيناً آخر، والمقابل شراء أصواتهم في انتخابات البرلمان. 
ولما آلت السلطة للإخوان سنة 2012 – المطعون في نزاهتها – تبين أن عدداً كبيراً من المحيطين بكبار المسئولين زمن مبارك كانوا من قيادات الجماعة، مثل د. هشام قنديل، د. عمرو دراج، د. طارق وفيق وغيرهم وغيرهم. 
هذا ما قدمه مبارك لهم، فماذا كان المقابل؟!!
المقابل يوم 28 يناير 2011، حين سحبوا المظاهرات الشبابية إلى دائرة العنف والقتل، فاقتحموا السجون وأخرجوا مساجينهم، وتعاونوا في ذلك مع عناصر أجنبية جاءت عبر أنفاق سيناء، في عملية لا نجد وصفاً أدق لها من "الخيانة الوطنية"، وامتدت أيديهم إلى تدمير مؤسسات الدولة، أحرقوا 300 سيارة شرطة، وهذه السيارات جاءت من المال العام وأحرقوا تماماً متحف الزعيم مصطفى كامل ومبنى الحزب الوطني، الذي لم يكن يشغل الحزب منه سوى عدة أدوار، لكن كان به مقر المجلس الأعلى للصحافة، بأرشيف ومكتبة صحفية ضخمة، لا مثيل لها، أحرقت بالكامل، وكان به مقر المجالس القومية المتخصصة بكل الدراسات التي جرت به، أحرقت أيضاً بالكامل، وغير ذلك كثير، وحاولوا اقتحام المتحف المصري بالتحرير وجرى سرقة عدة قطع أثرية منه، المتحف ملاصق لمبنى الحزب، ويبدو أن إحراق المبنى كان تمهيداً لاجتياح المتحف المصري بأكمله. 
ولما تنحى مبارك عن السلطة كانوا أول من طالب "بشنقه" وعلقوا المشانق في ميدان التحرير. 

شارك