المرأة وآباء الكنيسة في العدد الجديد من ميريت الثقافية

الجمعة 08/نوفمبر/2019 - 10:00 ص
طباعة المرأة وآباء الكنيسة روبير الفارس
 
صدر العدد الحادي عشر- نوفمبر 2019، من مجلة ميريت الثقافية (273 صفحة)، التي تصدر عن دار ميريت للنشر، ويرأس تحريرها الشاعر سمير درويش، ويدور محوره الرئيسي حول موضوع "وضع المرأة في المجتمعات العربية"، بداية من افتتاحية رئيس التحرير، بعنوان "وضع المرأة العربية: وراء كل امرأة مقموعة.. شيخ ورجل وامرأة راضية!" وجاء فيها: "إن قمع المرأة وإجبارها على القعود في البيت لتكون مجرد تابع للرجل، تلبي حاجاته وتوفر له سبل الحياة المريحة بصرف النظر عن راحتها هي ومتطلباتها ورغباتها، يحرم المجتمع من نصف طاقته الإنتاجية، كما أنه يجعل الرجال يدورون طوال الوقت للحصول على ما يكفي البيت".

باب "تجديد الخطاب" ضم ثلاثة مقالات: مناصرو المرأة (النسويون) قراءة في كتابات آباء الكنيسة الأولى بقلم هانيللي وود ترجمة د.جرجس كامل يوسف، حقًّا.. لم تكن قِسْمَةٌ ضِيزَى لمحمد جمال المغربي، وشهادة المرأة لماجد صقر (من فلسطين).

وضم باب "حول العالم" ثلاثة ترجمات: أسئلة إلى تشارلز سيميك.. ترجمة د.عادل ضرغام، أخي الميت يدخن سيجارة بجانبي للشاعر الإسباني ليوبولدو ماريّا بانيرو.. ترجمة وتقديم: أحمد يماني، والفصل الأول بعنوان "ماري" من رواية "مدار العنف" التي تصدر قريبًا للكاتبة الموريشيوسية هندية الأصل نتاشا أباناه.. ترجمة: أسماء مصطفى كمال.

"الملف الثقافي" بعنوان (وضع المرأة في المجتمعات العربية) تضمن عشرة مقالات: النساء خارج الفضاء الخاص.. من خلال كتاب "بلاغات النساء" للشاعر صلاح الدين الحمادي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين، مكانة المرأة القبطية في المجتمع المصري للدكتور ماجد عزت إسرائيل، الصورة الاجتماعية للمرأة في المثل الشعبي للدكتور أبو زيد بيومي، النسوية والسرد النسائي.. تأصيل المفاهيم للدكتور محمد حسن غانم، "نقاب الوردة".. حضور الألوهة الأنثوية في الشعر الصوفي لعصام الزهيري، المرأة بين مطرقة الهوية وسندان الجندر للدكتورة وسن المذخوري (من العراق)، الدور الحقيقي للمرأة المصرية في الحياة الفنية للدكتورة هالة محجوب، إبداع المرأة في المجتمعات العربية.. قراءة تفكيكية للدكتورة فاطمة الحصي، كليوباترا.. الأنثى الخالدة لكريم عرفان، والحركات النسائية في مواجهة الجنسي.. تقارير حقوقية صادرة عن الأمم المتحدة ترجمها طارق فراج.
عن المرأة وقراءة في كتابات آباء الكنيسة الأولى

قدم د. جرجس كامل  ترجمة  ثرية ومتميزة  لمقال : مناصرو المرأة (النسويون) قراءة في كتابات آباء الكنيسة الأولى بقلم هانيللي وود
ومما جاء في المقال 
 
تعرضت النساء للاضطهاد والتهميش والهيمنة في عالم محوره الرجال. وفي مجتمع بطريركي ذكوري أبوي، يُنظر إلى الرجال على أنهم متفوقون، وأقوى وأكثر عقلانية من النساء، وأن الله خلق الرجال للسيطرة. وفي نفس المجتمع الأبوي، يُنظر إلى المرأة على أنها منحرفة وغير مكتملة، مشوهة جسديا، معتمدة عاطفيا على الرجل، غير مستقرة ، أضعف بشكل طبيعي، غير ذكية وأقل عقلانية. باختصار، النظام الأبوي هو نظام تتعرض فيه المرأة للتمييز، والتبعية والعنف البدني والعقلي والروحي، وكذلك الإساءة والاضطهاد (وود Wood 2013: 155).
لا يمكننا أن ننكر أو نتجاهل وجود النظام الأبوي، ومن وجهة نظر نِسوية، فإن النظام الأبوي الموجود هو نظامٌ شرير في جوهره. وقد تأثر بعضُ آباء الكنيسة وتأثرت آراؤهم حول النساء إلى حدٍ كبير وبشكل بالغ من خلال الأصوات الفلسفية، مثل أرسطو وأفلاطون، من بين آخرين. لذلك، سيتم بناءً على ذلك التطرقُ إلى سرد موجز لأفكار أرسطو وأفلاطون عن النساء. وسوف يستكشف المقال أيضًا الأصواتِ النسوية ، فيما يتعلق بتفكير آباء الكنيسة حول النساء، وكيف ساهمت هذه الآراء في تبعية المرأة وهيمنتها. وسيتم إيلاءُ اهتمام خاص لآباء الكنيسة اللاتينية، مثل ترتليان (حوالي 155-255) ، وكبريانوس (حوالي 200-258 م) ، وجيروم (حوالي 347-419) ، وأمبروز (حوالي 339 - 397) وأوغسطينس (354-430) ، وآباء الكنيسة اليونانية، مثل كليمنضس السكندري (حوالي 150-215) ، وأوريجينس (حوالي 185-254) و يوحنا ذهبي الفم (حوالي 347 - 407).
 وأؤكد أيضًا أن الإدانة غير الحسنة والمبكرة جدًا لآباء الكنيسة الأوائل في شكل كراهياتهم للنساء غالباً ما تحدث في تاريخ المرأة، ويتم ذلك دون مراعاة السياق الاجتماعي لآباء الكنيسة والآراء التي شكلت وجهات نظرهم بشأن النساء. إحدى النظريات التي ساعدت في تشكيل وجهات نظر آباء الكنيسة، في أواخر العصور القديمة  عن النساء هي النظرية الطبية الكلاسيكية (باركر 2014: 6). وقد أثرت النظرية الطبية الكلاسيكية على تصورات آباء الكنيسة عن النساء، وبالتالي تستحق مناقشة وجيزة. هناك مسألة مهمة أخرى يجب على المرء أن يأخذها في الحسبان هي تصورات آباء الكنيسة عن العالم الجسداني (الجنسية) والعالم الروحي الذي شكل وجهات نظرهم حول النساء (سالزبوري 1991).
  لغرض هذه المقالة، من المهم أن نلاحظ أن المصادر الثانوية جزءٌ لا يتجزأ من هذه المقالة والتي تصور في الغالب آراء المفاهيم النسوية، سواء كان كذلك وضعها في سياق الموجة الأولى، أو الموجة الثانية أو الموجة النسوية الثالثة.
أفلاطون وأرسطو
قدم الإغريقُ القدماء رأيًا متدنيا جدًا عن النساء بطريقة كانت تصورهن شخوصا منزلية سلبية واعتبرت أساسا مسؤولة عن إنجاب وتربية الأطفال (Du Bois 2007: 1). وتعتقد المفاهميم البيولوجية اليونانية أن النساء أقل شأنا من الرجال وتصفهن أساسا بحاملات الأطفال و مدبرات المنزل. ويعكسُ الفلاسفة الإغريق مثل أفلاطون وأرسطو ويعززون الخطاب حول وضع المرأة في جميع مراحل التاريخ، وتؤثر آراؤهم حول النساء أيضا على وجهات النظر وأفكار آباء الكنيسة عن النساء في لاهوت المسيحية. وتقول الباحثة روتر  Ruether  (1985) إن الثنائية المسيحية التقليدية نشأت جزئيا في اليونان القديمة من النظريات الميتافيزيقية لأفلاطون وأرسطو. وهي تقول ما يلي:
إن تأثير ... البيولوجيا الأرسطية على اللاهوت المسيحي ... لا يمكن الاستهانة به. فقد أعطت بيولوجيا أرسطو ‘تعبيرا علميا"  "للافتراض الأبوي الأساسي بأن الذكر هو التعبيرُ المعياري والتمثيلي للجنس الإنساني وليست الأنثى كائنا ثانويا فقط ومساعدة للذكر لكنها تفتقر إلى الوضع الإنساني الكامل في القوة البدنية، والتحكم الذاتي الأخلاقي، والقدرة العقلية. إن "الطبيعة" الأقل تؤكد هكذا إخضاع الأنثى للذكر كمكانها "الطبيعي" في الكون. (ص 65)
تقول جونزاليس (2007: 21) إن أفلاطون (428–347 قبل الميلاد) كان هو الفيلسوف الأول لتطوير فهم كبير لهوَّية الذكور والإناث؛ كما ذكرت أن آراء أفلاطون ترتكز في ازدواجية العقل والجسد حيث الروح أو العقل لم ينعكس بالضرورة في الجسد، ولكنه بعيد عنه بشكل كبير.
في نظرية أفلاطون حول خلق البشرية، كان يعتقد أن النفوس أصلا كانت منزرعة في أجسام ذكور وقد أُعطيت إرادة، واحساسا وعاطفة. وبالتالي، فإن هذا قد مهّد الطريق لعدم المساواة بين الجنسين. وقالت النظرية أيضا إنه على الرغم من أفلاطون كان يرى أن النسوة كن قادرات على أداء نفس الواجبات مثل الرجال، فإنه حافظ على زعمه أن النساء أضعف من الرجال وأنه لكي تصبح النساء حاكمات كن مطالبات بتطليق أنفسهن من دورهن الخاص والبيولوجي بصفتهن أمهات (ين 22: 1-22).

وضع أرسطو النساء في نفس فئة العبيد وغير اليونانيين. كان ينظر إليهن جميعًا على أنهن ذليلات بشكل طبيعي وقد خلقن لمجرد الإنجاب. مرة أخرى، كان يعتقد أن على المرء أن ينظر إلى الحالة الأنثوية باعتبارها حالة تحتاج إلى الإصلاح (ستراكان وستراكان  Strachan & Strachan 1985: 2).
ينص أرسطو أن النساء كائناتٌ ضعيفة مشوهة، يفتقرن إلى الإرادة العقلية، والقدرات البدنية ومن ثم لم يكن قادرات على ممارسة العلاقات العامة في الكنيسة والمجتمع، (Ruether 2011:65).  . كانت نصوص ارسطو تفهم بشكل طبيعي أنها كارهة للنساء كما كانت وجهات نظره الثابتة حول النساء أنهم كن بطبيعتهن أدنى من الرجال. للاستشهاد بفهرس فريلاند:
يقول أرسطو إن شجاعة الرجل تكمن في القيادة، وتكمن شجاعة المرأة في الطاعة؛ وإن المادة (التي هي طبيعة المرأة) تتوق إلى الشكل (التي هي طبيعة الرجل الكامل)، كما تشتاق الأنثى إلى الذكر والقبيح إلى الجميل'؛ وإن للنساء أسنانا أقل من الرجال؛ وإن الأنثى هي ذكر ناقص غير مكتمل أو "إن جاز التعبير، هي ذكر مشوه": وإن النساء يساهمن فقط في المادة وليس الشكل لتوليد الذرية؛ وإن المرأة بشكل عام ربما كانت كائنًا أقل شأنا: حتى أن الشخصيات النسائية في أية دراما تكون غير مناسبة إذا أظهرهن الكاتبُ الدرامي شجاعاتٍ جدًا أو ذكياتٍ جدًا. (فريلاند Freeland 1994: 145-146)

تصورات آباء الكنيسة عن النساء
تعكس كتاباتُ آباء الكنيسة اللاتينية واليونانية الأوقات والظروف التي عاشوا فيها. وقد وجدت التعبير في نظرتهم الثنائية للروح والجسد: الله والطبيعة ، الذكر والأنثى. وخلال الفترة من السنة الأولى الميلادية إلى 590 ميلادي، أصبحت المسيحية متجذرة بقوة في الثقافة الرومانية اليونانية وهذه الفترة تضافرت الجهود لتقييد دور المرأة في الكنيسة والمجتمع. وينعكس هذا في المناقشة أعلاه عن أفلاطون وأرسطو. كان يُسمح للنساء بممارسة الأعمال الخيرية، ولكنهن ممنوعات من القيام بالتعليم الديني أو إدارة الأسرار الكنسية، أي لا يحل لهن أن يكُن قسيسات. فالنساء لا يعتبرن متساويات مع الرجال (Isherwood & McEwan 2001: 57-58).
إن وجهات نظر آباء الكنيسة، مثل آباء الكنيسة اللاتينية – ترتليان، وجيروم وأوغسطينس – وآباء الكنيسة اليونانية – مثل كليمنضس السكندري، واوريجينس وذهبي الفم - لم تكن مبنية فقط على انثروبولوجيا أفلاطون (428 / 427- 348/347 قبل الميلاد) وأرسطو (384–322 قبل الميلاد) ولكن أيضا على الكتاب المقدس وخاصة بولس. وكثيرا ما استشهد بنصوص الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 34- واستخدامها كمبرر لعدم المساواة بين الجنسين. واستندوا في وجهات نظرهم عن النساء على نصوص مثل سفر التكوين 1:27 ، و2: 20-23 ، و3: 1-24 في العهد القديم. وفي العهد الجديد، لاح عدم المساواة بين الجنسين وشملت النصوص الداعمة 1 تيموثاوس 2: 8-15 ، 1 كورنثوس 11: 7-9 ، 1 كورنثوس 14: 33-35 وأفسس 5: 22-23. ويشير ليرنر إلى أن هذه النصوص فسرت بطرق مختلفة، إما حرفيا أو استعاريا. فقد أشارت حرفيا، إلى النقص الفطري للمرأة ومجازيا ، إلى العقل البشري حيث ينتمي الفكر الأعلى إلى الرجال والعقل السفلي إلى النساء (ليرنر 1993: 141). ويشير ليرنر (1993: 140-143) إلى أنه وفقا لآباء الكنيسة، كانت المرأة مسؤولة عن الخطيئة بصفتها جذر كل الشر. ويؤكد نايت (1974: 117) أن قصة الخلق تعني تبعية المرأة وتساهم قصة الميلاد العذري إلى أن ممارسة الجنس ينظر إليها على أنها غير طاهرة ولا ترضي الله.
جاء اندماج جميع النساء مع حواء تحت العقوبة الرسولية، وأصبحت حواء كبش فداء للحد من أنشطة النساء وسلطتهن ولتبرير خضوع النساء عمومًا للرجال (كلارك 1994: 168). ويقدم سوير (1996: 149) ثلاث حجج جعلت آباء الكنيسة يماهون النساء مع حواء. أولاً ، كانت المرأة تعتبر الجنس الثاني. ينص سفر التكوين 2 على أن حواء خلقت بعد آدم، وأصبح سفر التكوين 2 : 18 النص الثابت للحفاظ على التسلسل الهرمي الجنسي في المسيحية. وطُبقت رسائل بولس لتحديد وضع المرأة في الأسرة وكذلك في الكنيسة. أصبحت حواء الجنس الثاني لسببين: خُلقت بعد آدم، ولأنها كانت من بدأ المعصية، فهي لا تمثل صورة الله (سوير 1996: 149). الحجة الثانية هي لوم حواء لإدخال الخطيئة في العالم. أصبحت مقاطع مثل 2 كورنثوس 11: 3 و 1 تيموثاوس 2: 14 حجة تبعية النساء ووضعهن الأدنى داخل الكنيسة (سوير 1996: 153). وبصفتها الخاطئ الأول ، كانت حواء تجسيدًا لجميع النساء، وبالتالي سقطت النساء خارج قوة المسيح الخلاصية والفدائية (سوير 1996: 154). لا يمكن تعويض النساء إلا من خلال الإنجاب وكان وجودهن فقط من أجل الإنجاب. الحجة الثالثة التي قدمها سوير هي أن المسيحية أنتجت نوعين من النساء: حواء ومريم. 
و... فوق ذلك، فقد خففت عقدة عصيان حواء من خلال طاعة مريم. لأن ما صنعته حواء البكر من خلال عدم الإيمان، هذا حلته ورفعته مريم العذراء بالإيمان. (ص 156)
في كتابه عبادة النساء De Culta Feminarum ، الذي استشهدت به روثر (Ruether (1974: 157)، يزعم ترتليان، وهو عالم لاهوتي مونتاني من شمال إفريقيا، أن حواء كانت منشأ الخطيئة وبالتالي حملت كل النساء لعنة حواء:
. إذا كان هناك إيمان كبير قد حل على الأرض بصفته مجازاة الإيمان المتوقع في السماء، فإن ليس واحدة منكن على الإطلاق، يا أفضل الأخوات الحبيبات، منذ أن عرفت الرب لأول مرة، وتعلمت (الحق) الخاص بحالتها (أي بالنساء)، كانت تريد لنفسها منتهى السعادة (ولا نقول أيضا أن تكون متباهية) بنمط من اللباس. حتى لا تتجول في ملابس متواضعة، فتبدو وقد ظهرت عليها إمارات الحرمان وانحدار المستوى، وهي تمشي بالحري تنوح طلبا للتوبة مثل حواء، حتى أنها وفي كل مرة ترتدي لباس الندم والتوبة، يتنامي فيها ذلك الأمر كاملا وهو ما تستمده من حواء، أي العار، أعني، الخطيئة الأولى، والكراهية odium (والمتعلقة بها كعلة) للهلاك البشري. وفي الآلام والقلق، هل تحملين (أطفالا)، أيتها المرأة؛ ونحو زوجك (يكون) ميلك، وهو يسود عليك. ألا تعرفن أن كل واحدة منكن هي حواء؟ وأن حكم الله على جنسكن يدوم في هذا العصر: ومن ثم يستمر الذنب بالضرورة أيضا. أنتِ بوابة الشيطان: أنت من فض أختام تلك الشجرة (المحظورة): أنتِ أول من يهجر الناموس الإلهي: أنتِ التي أغوى ذاك الذي لم يكن للشيطان أن يسقطه، بل لم يكن ليجرؤ أن يهاجمه. لقد دمرتِ بسهولة صورة الله، أي الانسان. بسبب الهجر والترك - وهو الموت – كان على ابن الله حتى أن يموت. (ترتليان في ليرنر 1993: 141)
شارك جيروم ، وهو مدافعٌ مسيحي، آراءَ معاصريه حول النساء. كان رحم النساء هو التربة التي استلمت البذرة من الذكور ومن أجل أن يصبح يسوع المسيح بشراً. كان عليه أن يتحمل الظروف المقلقة للرحم. ويزعم جيروم أنه لكي تصبح النساء رجالًا ، سيتعين عليهن الامتناع عن ممارسة الجنس، رغم أنه من خلال الإنجاب، يمكن للمرأة أن تفلت من العقاب الذي تتعرض له بسبب خطية حواء (نايت، Knight 1974: 120). وحسب جيروم حواء، ومن ثم، كل امرأة مسؤولة عن كل هرطقة. وادعى أن الرجال مثل نيكولاس أسقف أنطاكية ، المغري لكل نجاسة، تبعته حشود من النساء. أسس سمعان ماجنوس طائفته بمساعدة هيلين العاهرة. واستخدم مارقيون النساء لإعداد عقول الرجال للانضمام إلى طائفته (كين  Keane  1987: 3). نظر جيروم إلى النساء على أنهن أصل كل الشرور 
وفقا لفيليبس (1931: 203) ، يعتقد أوغسطينس أنها كانت حقيقة اجتماعية ودينية لا جدال فيها أن النساء كن تابعات للرجال. كان يرى أنه وفقًا للنظام الطبيعي أن يحكم الرجال النساء وأن تخدم النساء ويخضعن لأزواجهن. بالنسبة لأوغسطينس، لم يكن هناك شيء أسوأ من منزل تتولى فيه المرأة الأوامر ويطيع الرجل؛ لذلك، يجب أن يحكم الزوج دائمًا زوجته.
وصف ذهبي الفم النساء على أنهن ضعيفات وطائشات، وهو خطأ في طبيعتهن، وشر، بصفتهن مغريات، ومؤذيات (نايت  Knight 1974: 121). ويعتقد يوحنا ذهبي الفم أن الله هو الذي حافظ على ترتيب كل جنس. فأعطى الله الرجال تفوقهم بوصفهم قادة أعمال الدولة، وتجارة السوق، وإقامة العدل، والحكومة والجيش (لامب Lampe 1981: 124). من ناحية أخرى، كلفت النساء برئاسة الأسرة وما يسمى بالمسائل الأدنى (كين Keane 1987: 5). كتب ذهبي الفم:
"من بين جميع الوحوش الضارية، لم يعثر على من هم أكثر ضررا مثل المرأة. ... إن جسدها كله ليس أقل من البلغم والدم والصفراء وإفرازات وسائل الطعام المهضوم. ... إذا كنت تفكر فيما يخزن خلف تلك العيون الجميلة وزاوية الأنف والفم والخدين، فإنك توافق على أن هذا الجسد المتناسق جيدًا هو مجرد قبر مبيض." (تم الاستشهاد به في كوبر وايت Cooper-White  2012: 72)
قال ذهبي الفم، في تفسيره رسالة بولس الرسول إلى أفسس، إن الجنس الأنثوي ضعيف ومتقلب، وفي عظته في 1 تيموثاوس 2: 11-15 قال:
إلى هذه الدرجة يجب أن تصمت النساء، بحيث لا يُسمح لهن بالتحدث ليس فقط عن الأمور الدنيوية، بل حتى عن الأشياء الروحية في الكنيسة. هذا هو النظام والترتيب، وهذا هو الحياء، وهذه هي زينتها أكثر من أي ملابس. وبهذا الملبس، ستكون قادرة على تقديم صلواتها بالطريقة التي تصبح فيها أكثر جاذبية. ( ذهبي الفم في كين Keane 1987: 5)
النظرية الطبية الكلاسيكية وتأثيرها على آراء آباء الكنيسة حول النساء
تعتبر تصورات آباء الكنيسة عن النساء أساسية في هذا المقال. تقدم مجموعة ابقراط، هيبوكراتيس Hippocrates Corpus نظرة ثاقبة حول كيفية النظر إلى النساء بحسب النظرية الطبية الكلاسيكية ويمكن أن يرتبط ارتباطًا مباشرًا بكيفية نظر آباء الكنيسة إلى النساء على أنهن الذكور الأضعف والأدنى وغير المكتملات. كانت مجموعة أبقراط ومؤلفيها من أصل يوناني. توضح النظرية الطبية الكلاسيكية وفقًا لجليسون Gleason (1995: 352) الدونية التي يتمتع بها الجسد الأنثوي مقارنة بالجسم الذكوري، حيث إن أجسام الرجال كانت أكثر صلابة وقوة بسبب العملية الجنينية، وأن أجساد النساء كانت غير مكتملة بسبب افتقارها إلى الحرارة وأن المرأة كانت تعتبر ذكرا غير مكتمل.
بينما يمكن للأطباء فحص الرجال جسديًا، لم يُسمح لهم بمشاهدة التشريح الأنثوي. تلقى أتباع أبقراط علمهم الطبي من الممارسات التقليدية لدراسات الجسد كله (Nutton 2004: 57). كانوا يعتقدون أن دراسة جميع الأعراض النفسية والجسدية والخرافات، تعدهم لتشخيص وعلاج المشاكل. عالج الأطباء النساء دون معرفة كيف يبدو التشريح الداخلي والخارجي للمرأة أو كيف يعمل (Nutton 2004: 57). وقد أجبرهم ذلك على الاعتماد على الأوصاف اللفظية التي قدمتها ملاحظات الرجال والأفكار النظرية المتعلقة بتشريح النساء باعتبارهن من الذكور غير القادرين (Martin 1995: 32). كان يُعتقد أن النساء أكثر عاطفية من الرجال وأكثر عرضة للجنون. كان الجنون لدى المرأة بسبب وريد سميك في ثدييها، مما يدل على أن نسبة كبيرة من ذكاء المرأة تقتصر على صدورهن أو أثدائهن. إن علامة امرأة على وشك أن تصاب بالجنون هي الدم المفرط الذي يتجمع في ثدييها (مجموعة ابقراط، Epidemics II. ، السادس 19 و 32).
فيما يلي بعض الأمثلة للأفكار المتعلقة بدونية أجساد النساء في مجموعة أبقراط.. 
وخلص المقال  الذى ترجمه الدكتور جرجس كامل 
تكمن أهمية السياق التاريخي لشخصيات مؤثرة مثل أفلاطون وأرسطو، والنظرية الطبية الكلاسيكية، والتصورات عن الحالة الجسدية (الجنسية) والروحية، في التأثير الذي كان لديهم في تشكيل وجهات نظر آباء الكنيسة على النساء. يعلمنا التاريخ ما فعله الناس من قبل وماذا كانت نواياهم وأين فشلوا أو أخطأوا. وما لا يمكن إنكاره وواضح من هذه المناقشات هو أن صورة قاتمة ومقبضة تظهر من منظور النسوية في الدراسات التاريخية للمرأة. فإذا كانت وجهات النظر التاريخية هذه حول المرأة تعكس تبعية المرأة وقمعها، فإنها تجبر النساء على اكتشاف جذورهن وماضيهن. مع هذا يأتي الحق في إعادة تحديد الحق في حريتهن، والبت في أمرها والتحرر من القهر، وخلق هذا التحرر من ربقة هذه الصورة القاتمة عنهن في نهاية المطاف.
على الرغم من أننا نرى من خلال تجربتنا ومعتقداتنا وتقاليدنا الخاصة، أنه لا يجوز فصل أي تفسير عن سياقه الاجتماعي. وفي تحليلنا لثقافات ومجتمعات معينة، يجب أن نكون دائمًا على وعي بتحيزاتنا وخصوصياتنا الشخصية.
نحتاج أن نفهم أن آباء الكنيسة ورثوا تقليدًا طويلًا من المناقشات والمعتقدات والحجج المتعلقة بقدرات المرأة الأخلاقية والفكرية والطبيعية. يجب أن ندرك أن النظرة المعممة والمبسطة وغير المتعاطفة مع الفلاسفة القدامى وآباء الكنيسة ، أن النساء كليًا وفي كل جانب من جوانب حياتهن وشخصياتهن هن أدنى من الرجال، تؤدي إلى فهم غير فعال لهؤلاء الرجال والسياق المحدد لزمنهم.
أختتم بحثي بملاحظة من إليزابيث كلارك Elizabeth Clark (1994: 76) التي ذكرت ذات مرة أن "الكلمة الأكثر ملاءمة لوصف مواقف آباء الكنيسة الذين أدلوا بدلوهم في مسألة المرأة هي التناقض والازدواجية". لكنها ذكرت أيضًا أن النساء لم يُنظر إليهن على أنهن "مريضات غبيات" أو بوصفهن ديدان شريطية بشعة فحسب، بل بصفتهن ناصحات موجهات ونماذج يحتذى بها، يُكرمن على فضائلهن المسيحية وكونهن " أمثلة على التفاني والتكريس المسيحي".
يجب علينا نحن النساء والرجال أن نتعلم من التاريخ حتى نتمكن من التطلع نحو المستقبل بإحساس أفضل بما هو لائق ومناسب نحو بعضنا البعض.

شارك