آليات وتدابير جديدة تتخذها فرنسا لمكافحة الإرهاب

الجمعة 08/نوفمبر/2019 - 11:29 ص
طباعة آليات وتدابير جديدة حسام الحداد
 
يمثل الإرهاب الدولي أحد أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين. ونظرًا إلى أن هذا التهديد لم يكن في السابق بهذه الخطورة، أخذت فرنسا تحشد جهودها على مختلف الأصعدة بالتعاون مع شركائها الدوليين بغية محاربة الشبكات الإرهابية على أراضيها وفي الخارج، لذا عملت الحكومة الفرنسية على اتخاذ تدابير وآليات جديدة في هذه الحرب التي من المحتمل ان تستمر لفترة طويلة.
من بين هذه التدابير ان قامت الحكومة الفرنسية في منتصف يونيو 2018، بعرض خطة جديدة لمكافحة الإرهاب تركز بصورة خاصة على التصدي لمخاطر جهادية "متحركة" باتت "داخلية" بمعظمها. وأعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب الخطة مركزا على أن مصدر الإرهاب لم يعد من خلايا موجودة في سوريا، إنما بات يأخذ وجه أشخاص كأحداث أو أشخاص ذوي حالات نفسية ضعيفة أو انقادوا إلى التطرف. لذلك تقتضي الخطة مراقبة المعتقلين الخارجين من السجن.
وأكد رئيس الوزراء الفرنسي حينها  أنه سيتم نشر 110 آلاف عنصر من الشرطة والدرك في نهاية الأسبوع في فرنسا. وصرح وزير الداخلية جيرار كولومب خلال مؤتمر صحافي الجمعة "كل شيء يطبق لكي يتمكن الفرنسيون من عيش لحظات الاحتفال وهم يشعرون تماما بالأمان رغم إطار التهديد الذي لا يزال على مستوى عال".
وفي مواجهة خطر "مبهم ومتحرك"، أكد رئيس الوزراء على دور المديرية العامة للأمن الداخلي في "قيادة" مكافحة الإرهاب موضحا أنها ستتولى من الآن فصاعدا "تنسيق عمليات" الاستخبارات والتحقيقات القضائية في فرنسا.
ومن أهم التدابير الـ32 التي تنص عليها الخطة إنشاء "خلية محددة المهمة" لمتابعة المعتقلين الإرهابيين أو المتطرفين الخارجين من السجن، وهو ما يطرح أحد أكبر تحديات مكافحة الإرهاب في وقت يتوقع الإفراج عن حوالى 450 معتقلا إرهابيا أو متطرفا بحلول نهاية 2019.
كما أعلن رئيس الوزراء عن إنشاء نيابة عامة وطنية لمكافحة الإرهاب، وفق إجراء أعلنت عنه وزيرة العدل نيكول بيلوبيه في ديسمبر 2017 غير أنه لم يدرج في مشروع إصلاح القضاء الذي عرض في الربيع.
وقال فيليب "نعتبر جميعا أنه بات من الضروري السماح لمدع عام بتكريس وقته بالكامل لمكافحة الإرهاب" واعدا بأن هذه النيابة العامة "سيخصص لها فريق معزز من القضاء والموظفين".
وواجه المشروع انتقادات حادة من النائبة العامة لباريس كاترين شامبرونو ونقابات القضاة الرئيسية، باعتبار أن التدابير المطبقة حاليا تسمح بتعبئة قوات ضخمة في أعقاب اعتداء والحفاظ على رؤية شاملة للمسار الكامل الممتد من الجرائم الصغيرة إلى الإرهاب.
وكانت لجنة تحقيق في مجلس الشيوخ قد رأت في التقرير أن السلطات الفرنسية عززت مكافحة المخاطر الإرهابية، لكنها أبدت مخاوفها من "نقاط قصور فعلية".
وقدم التقرير توصيات من بينها تشديد مكافحة "التطرف الإسلامي" والسلفية باعتبار أنهما يشكلان "خطرا" والسماح لرؤساء البلديات بالاطلاع على "سجل المدرجين أمنيا للوقاية والتطرف ذي الطابع الإرهابي"، وهو سجل يضم حوالى عشرين ألف اسم.
وحول هذا الموضوع الحساس، أعلن فيليب أنه سيكون من الممكن تبادل "معلومات طي السرية" مع رؤساء البلديات في إطار مكافحة الإرهاب. لكنه أكد أنه لن يسمح لهؤلاء المسؤولين "بالوصول بحرية إلى الملفات" مضيفا أنه "من غير الوارد بالتالي أن نقول لرؤساء بلديات فرنسا أنهم سيصبحون عملاء في المديرية العامة للأمن الداخلي".
وفي 5 يناير 2019، أكد وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير، أن بلاده ستشدد الإجراءات الأمنية في موانئها الشمالية وستزيد الاستطلاع على الشواطئ لمواجهة الزيادة في عدد المهاجرين الذين يحاولون عبور القنال الإنجليزي للوصول إلى بريطانيا.
ووفقا لوكالة "رويترز"، أظهرت بيانات وزارة الداخلية الفرنسية أن أكثر من 500 مهاجر، معظمهم من الإيرانيين، حاولوا عبور الممر المائي الضيق خلال عام 2018. ويعتبر القنال الإنجليزي أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم.
ووصل نحو 276 مهاجرا إلى المياه البريطانية بينما أحبطت السلطات الفرنسية محاولات 228 مهاجرا آخر، وكانت أكثر من 80 بالمئة من المحاولات في شهر ديسمبر/كانون الأول.
وقال كاستانير في بيان "خطة العمل هذه ينبغي أن تمكننا من وضع حد لعمليات عبور القنال وهو أمر ليس فقط غير مشروع بل وخطير أيضا".
وأضاف "من مصلحتنا، وكذلك من المصلحة البريطانية أن نفعل كل ما هو ممكن لمنع تطوير دروب تهريب جديدة قد تجذب المهاجرين بطريقة غير مشروعة إلى ساحلنا مرة أخرى".
وفي أواخر أكتوبر 2016، هدمت فرنسا مخيما كبيرا للمهاجرين قرب ميناء كاليه في شمال البلاد كان بمثابة منصة انطلاق للمهاجرين الذين يسعون إلى دخول بريطانيا مختبئين في شاحنات وقطارات وعبارات.
وازداد كثيرا عدد الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى بريطانيا العام الماضي مقارنة مع عام 2017 لكنهم ما زالوا يمثلون نسبة لا تذكر من أولئك الذين يحاولون بانتظام الوصول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي عن طريق عبور البحر المتوسط من شمال أفريقيا وتركيا.
وفي منتصف مايو 2019، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنه يجري درس "آلية قانونية" دولية لمحاكمة الجهاديين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية المعتقلين في المناطق الكردية في سوريا.
وقال لصحيفة "لو باريزيان"، "ندرس إمكانية إنشاء آلية قانونية محددة".
وأضاف "قد تستوحى هذه الآلية من أمثلة أخرى في النظام القضائي الدولي كما حصل بالنسبة لكوسوفو أو القارة الأفريقية" بدون مزيد من التفاصيل.
وفي 2015 تـم إنشاء محكمة خاصة مقرها لاهاي تحقق في ادعاءات بارتكاب المتمردين الانفصاليين الألبان في كوسوفو جرائم حرب ضد الصرب والمعارضين السياسيين الكوسوفيين في 1998 و1999.
في إفريقيا، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا التي تم إنشاؤها بقرار من الأمم المتحدة في 1994 ومقرها أروشا (تنزانيا) عشرات الإدانات حتى إغلاقها في 2015. وكلفت آلية متابعة للمحاكم الجنائية الأممية إتمام أعمالها.
وأنشئت المحكمة الجنائية الخاصة في 2015 للنظر في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في إفريقيا الوسطى منذ 2003.
لكن الوضع معقد من الناحية القانونية لان المنطقة الكردية حيث يعتقل الجهاديون غير معترف بها دوليا. وفي العراق يحاكم القضاء العراقي الجهاديين الأجانب.
واكد لودريان أن الحكومة الفرنسية "مستعدة" لإعادة يتامى جهاديين فرنسيين بعد إعادة خمسة إلى فرنسا في مارس 2019، وتعارض فرنسا عودة الرجال والنساء الذين سيحاكمون "حيثما ارتكبوا جرائمهم" بحسب الوزير الذي قال إنه مستعد فقط لدرس ملفات الأطفال المسجونين مع أمهاتهم في المخيمات وفق "كل حالة على حدة".
وفي أواخر يوليو 2019، قال «فرانك ريستر»، وزير الثقافة الفرَنسي: إن حكومة بلاده عازمة على محاربة خطاب الكراهية في الأوساط الفرَنسية، وإيجاد حلول عاجلة للرد على خطر ذلك الخطاب الذي يهدد المجتمع، مضيفًا أنه لابد من مجابهة تلك الخطابات المسئية التى تحرض على العنف والتطرف، عبر شبكات التواصل الاجتماعى.
وأشار «ريستر» في مقابلة تليفزيونية إلى أن هناك حلًّا ثلاثيَّ الأبعاد لمجابهة هذا الخطر، يتمثل في: معاقبة المسئول عن المحتوى الذي يحض على الكراهية، وتمكين المنصَّات من سحب ذلك المحتوى سريعًا، والمكافحة من خلال التعليم والتوعية عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، موضحًا أن هذا الحل لا يتعارض على الإطلاق مع حرية التعبير والحقوق المكفولة للمواطنين.
وفي الأسبوع الأول من يوليو 2019، صوتت الجمعية الوطنية في فرنسا بغالبية كبيرة على مشروع قانون يهدف لمكافحة الكراهية على الإنترنت. ويستهدف النص محاربة التحريض على الكراهية والعنف والإهانات العنصرية أو الطائفية أو الدينية. ومن المقرر أن يطرح مشروع القانون في نهاية الصيف على مجلس الشيوخ لتبنيه بصفة نهائية.
ووفقا لنص مشروع القانون، ستكون المواقع ومحركات البحث ملزمة بسحب أي مضمون غير مشروع خلال 24 ساعة تحت طائلة التعرض لغرامة مالية قد تصل إلى 1.25 مليون يورو، وذلك على غرار النموذج الألماني.
ويطال النص التحريض على الكراهية والعنف والإهانات العنصرية أو الطائفية أو الدينية.
كما يضع مشروع القانون قيودا جديدة على المواقع ومحركات البحث يلزمها بالتعاون الفعال مع العدالة، وذلك تحت إشراف المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا.
فيس بوك تعهدت من جهتها بالعمل عن كثب مع المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا والجهات الأخرى المعنية بتنفيذ مشروع القانون. ولكن الشركة انتقدت ضمنا إلزامها بسحب المحتوى المخالف خلال 24 ساعة، من حيث كونها ستكون مضطرة أن تحدد بمفردها عدم مشروعية هذا المحتوى.

شارك