«أوقفوا الإسلاموفوبيا».. هل تمزق علامات التطرّف المجتمع الفرنسي؟

الأحد 10/نوفمبر/2019 - 07:02 م
طباعة «أوقفوا الإسلاموفوبيا».. محمود محمدي
 
في محاولة منهم للرد على ظاهرة الإسلاموفوبيا المتصاعدة في فرنسا، دعا مئات الفرنسيين من المسلمين وغير المسلمين للتظاهر يوم الأحد 10 نوفمبر الحالي، في باريس تحت شعار «أوقفوا الإسلاموفوبيا»؛ للتنديد بالاستهداف المتكرر للمسلمين من قبل بعض السياسيين والإعلاميين، معبرين عن غضبهم حيال الربط المتكرر بين المسلمين والإرهاب والتطرف.
وأفادت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، أن معسكر اليسار الفرنسي أظهر أن هناك اختلافات في النظر حول المظاهرات التي ستنظم في باريس، موضحة أن العديد من الشخصيات السياسية وقعت بالفعل عريضة تدعو إلى مظاهرة في باريس للتنديد بما تصفه بالتمييز الممارس ضد الفرنسيين من الديانة المسلمة؛ حيث تأتي هذه المظاهرة خاصة بعد الهجوم الذي تعرض له مسجد «بايون» أواخر أكتوبر 2019 والذي نفذه مرشح سابق في حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.
وأكدت الجريدة الفرنسية، أن الاختلاف في اليسار الفرنسي هو حول مصطلح «إسلاموفوبيا»؛ حيث يفضل المدافعون عن العلمانية في فرنسا والغالبية العظمى من التشكيلات السياسية التفريق  بين «العنصرية المعادية للمسلمين» ومصطلح «الإسلاموفوبيا»، فهم يعتقدون أنه من الممكن انتقاد الديانات باعتبارها عقائد لكن من دون استهداف المؤمنين بها.

علامات التطرّف
على صعيد متصل، قال مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف: إن فرنسا تشهد حربًا ضروسًا ضد التطرّف الذي قد تسبب في حوادث أسقطت العديد من الضحايا الأبرياء، ومن بين هذه الحوادث يأتي الحادث الإرهابي الذي نفذه «ميكائيل آربون»، في الثالث من أكتوبر الماضي؛ حيث أقدم على طعن عدد من زملائه بسكين، ما أدى إلى سقوط خمسة قتلى من رجال الشرطة، من بينهم المهاجم نفسه الذي كان يعمل موظفًا إداريًّا بمقر قيادة الشرطة الفرنسية بباريس.
وأشار المرصد إلى أن هذا الحدث الإرهابي أثار الجدل في الأوساط الفرنسية، بشأن الوقوف على ماهية ظاهرة التطرّف، واستنباط علاماتها وأسبابها؛ لتفادي خطر تكرار هذه الهجمات الإرهابية الناتجة عن تلك الظاهرة، والتي عَقِب كل هجوم إرهابي منها، يُوضع «الإسلام» في قفص الاتهام وحيدًا من قِبَلِ الساسة الفرنسيين؛ لذا فقد دعا الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» الأمة الفرنسية خلال حفل تأبين ضحايا الهجوم الإرهابي إلى ضرورة التكاتف والتعبئة؛ من أجل التصدي لظاهرة ما أسماه بـ«التطرّف الإسلامي»، متعهدًا بشنِّ معركة بلا هوادة على هذا النوع من الإرهاب، مضيفًا: «لقد سقط زملاؤكم ضحايا لطعنات إسلام مُشوَّه ومُميت، يجب علينا استئصاله».

استراتيجية «كاستانير»
من جانبه، اعترف وزير الداخلية الفرنسي «كريستوف كاستانير» بوجود ثغرات في تتبع منفذ الهجوم، مُعربًا عن استيائه من التصريحات المهينة لبعض السياسيين بخصوص هذا الحادث؛ حيث وصفه البعض  بـ«الأمر المخزي للدولة»، متعهدًا بإحكام السيطرة على زمام الأمور، حتى لا يتسنى لأيّ معتنق للفكر المتطرّف من بين ضباط الشرطة، القيام بعمل إرهابي أو إجرامي دون أن يتم الإبلاغ عنه مباشرة.
وخلال جلسة استماع -بعد مرور خمسة أيام على الحادث- عقدتها «لجنة القوانين» بمجلس النواب الفرنسي، اقترح «كاستانير» قائمة تضم مجموعة من العلامات التي يُمكن أن تُنذِرَ بالتطرّف الديني لمن تبدو عليه، معبرًا عن رغبته في أن يكون توافر إحدى هذه العلامات في شخصٍ ما سببًا كافيًا في اتهامه وتقديم  بلاغ  ضده مباشرة.
ويرى «كاستانير» أنه من علامات التطرّف التي يجب الانتباه لها هي «المداومة على ممارسة الشعائر الدينية خصوصًا خلال شهر رمضان، ثم بدأ في سرد قائمة العلامات المختلفة التي تُنذِرُ بالتطرف الديني، وخص منها: «إطلاق اللحية، الإقلاع عن العادات الفرنسية كالتقبيل بين الرجل والمرأة عند التلاقي، تغير السلوك مع المحيطين، ممارسة الصلاة بانتظام وبشكل ملفت، وعدم قبول المشاركة في فريق مختلط مع السيدات».
ووفقًا لمعلومات نشرتها جريدة «BFM TV» الفرنسية، فإنه  قد تم نزع سلاح ضابطي شرطة كانا يعملان في منطقة باريس، بعد تقديم بلاغات ضدهم من قبل زملائهم تفيد بتغيير في سلوكهم، حيث إن أحد الضابطين كان يعمل  بمنطقة «فيلنو فلاجرين» ولوحظ تغيير في سلوكه من خلال حرصه على مداومة الصلاة في العمل، ورفضه مصافحة النساء، كما أنه كان يقوم ببعض الأعمال الدعوية.

سخطٌ برلماني
في السياق ذاته، كشفت صحيفة «هافينتون بوست» الأمريكية، عن سخط بعض النواب التابعين لأحزاب «الجمهوريون»، و«الجمهورية إلى الأمام»، و«الحزب الاشتراكي»؛ إذ قال النائب «فرانسوا جوليفيه» في بيانٍ له: «أريد أن أُعَبِّر عن استيائي وبالغ غضبي تجاه هذا الخبر غير اللائق الذي يتجاوز حدود الواقع، إن توظيف مثل هذا الهجوم واستخدامه لأغراض طائفية وانتخابية، هو أمر لا يليق بالجمهورية الفرنسية».
وفي إطار عدم اقتناع العديد من النواب بـ«علامات التطرف» التي ذكرها «كاستانير»، قال النائب اليساري «مجيد الغراب» ممثل المنطقة التاسعة للفرنسيين في الخارج: «أين؟ وعمَّن سيتم الإبلاغ؟ وبأي درجة؟ ومن سيقوم بتقييم هذه البلاغات؟»، مضيفًا: «خلال شهر رمضان تكون ممارسة الشعائر بشكل أكثر كثافة لأن جميع المسلمين الملتزمين بقدر ولو ضئيل يذهبون إلى المساجد في المساء لأداء صلاة التراويح، وبناءً على ذلك فإن ممارسة الشعائر الدينية تزداد خلال شهر رمضان».
وتابع النائب موجهًا كلامه لوزير الداخلية: «ألاحظ أنك تُطلق لحيتك أنت أيضًا، لو كنتَ مسلمًا، أرجو ألا يتم الإبلاغ  عنك».
من جانبه أوضح «آلان رودييه»، المسؤول عن دراسة الإرهاب في مركز أبحاث الاستخبارات الفرنسي «CF2R»، خلال حوار له على قناة «إف إم تي في»: «إذا بدأنا التحقيق مع جميع المسلمين الذين يطلقون لحاهم، فلن ننته، ومعيار اللحية غير مجدي حقًا اليوم، لأن الإرهابيين يتقنون التخفي وسط الجماهير حتى لا يلاحظهم أحد».
فيما طالبت «نادين مورانو»، النائبة المنتمية لحزب «الجمهوريين» اليميني الفرنسي، خلال مقابلة لها على قناة «بي إف إم» الإخبارية الفرنسية، باستقالة وزير الداخلية الفرنسي، معربة عن صدمتها حيال هذا الحادث المؤسف، موضحة أن الخلط بين الإسلام والعنف والإرهاب بات أمرًا واضحًا بالنسبة لمنتقدينا.
كما ندد نحو مائة نائب محلِّي -على اختلاف انتماءاتهم السياسية- عبر بيان تم نشره على الموقع الإلكتروني لجريدة «جورنال دو ديمانش»، بما يتعرض له المسلمون من وصم في فرنسا، وحذَّروا من الطرق المحفوفة بالمخاطر التي تنجرف إليها فرنسا، مشددين على أنَّ اتهام طائفة من المسلمين واعتبارهم خطرًا محتملًا لمجرد إطلاق اللحية أو ارتداء الحجاب، يُغرِق المجتمع في حالة من الشَّك عوضًا عن اليقين.
وتابع النواب المحليون: إن متابعة استخدام هذه المفردات قد يُصبح سببًا في خلق حالة من الإحباط لدى أغلبية المسلمين، الذين يشعرون بالتمييز، ومحاولة الإقصاء من المجتمع الفرنسي، ولن يقتصر الأمر حينها على مجرد صدع في بنية المجتمع، وإنما سيتحول إلى تمزُّق في نسيج الوطن.
بدوره، دعا «جيب أزيرجي» مؤسس ورئيس «اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين» (UDMF)- في رسالة وَجَّهَها إلى «ماكرون»- إلى عدم الاستسلام للرغبة المُدَمِّرة في وصم المواطنين المسلمين ظُلمًا، كما دعاه إلى إيثار التلاحم الوطني مهما كَلَّف الأمر.
وفي ختام تقريره، أوضح مرصد الأزهر أن الأمر ليس بغريب، فالإسلام موضوعٌ وحده في قفص الاتهام، وبالطبع يُعَزى هذا إلى أفعال مشينة ومسيئة قامت بها شرذمةٌ قليلة من الجماعات المتطرفة التي عاثت فسادًا في الأرض، فكان نتاجُها ضياع أجيالٍ اعتنقت فكرها المنحرف، واتَّخذت من العنفِ والإرهابِ دربًا لن تكون عاقبته إلا إلى هاويةٍ وخسران.

شارك