تجارة «داعش» الحرام.. «الكبتاجون» وسيلة جديدة لتمويل العمليات الإرهابية

الإثنين 18/نوفمبر/2019 - 01:35 م
طباعة تجارة «داعش» الحرام.. أحمد سلطان
 
خلال أواخر شهر أكتوبر المنصرم، تحرك رتل مكون من 5 مركبات مصفحة على متنها عدد من مقاتلي جيش مغاوير الثورة، للقيام بمهمة على الحدود السورية العراقية قرب معبر التنف.
لم تكن تلك المهمة الأولى، لجيش المغاوير منذ إعادة إحيائه على أيدي القوات الأمريكية المشاركة في عملية العزم الصلب لدحر مقاتلي داعش في صيف 2019، إلا أنها كانت مهمة استثنائية.
كُلف عناصر «المغاوير» بمداهمة مقرات يشتبه في تبعيتها لتنظيم «داعش»، وعندما وصلوا إلى وجهتهم وجدوا الصيد الثمين.
أثناء إجراء عملية التفتيش الروتينية، وجد مقاتلوا جيش مغاوير الثورة 850 ألف قرص من مخدر الكبتاجون، كانت معدة للتهريب إلى عدة مناطق ودول.
عقب انتهاء المهمة، كشفت قيادة عمليات العزم الصلب «التحالف الدولي لحرب تنظيم داعش والمكون من أكثر من 80 دولة على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية» تفاصيلًا عن استخدام «الكبتاجون» في تمويل داعش.
وقالت قيادة العزم الصلب، في تصريح نشرته عبر الحساب الرسمي الناطق باللغة الإنجليزية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» في 16 نوفمبر 2019، إن حبوب الكبتاجون التي ضبطها عناصر جيش مغاوير الثورة في جنوبي سوريا تبلغ قيمتها 3.5 مليون دولار أمريكي، مضيفةً أن هذه الأموال كانت تستخدم في تمويل العمليات الإرهابية لتنظيم داعش.
على مدار سنوات عدة، نشرت المنصات الإعلامية التابعة لتنظيم داعش عددًا من الإصدارات المرئية التي توثق قيام مقاتلي التنظيم الإرهابي بحرق كميات من السجائر والمخدرات داخلمناطق سيطرة «داعش» السابقة في سوريا والعراق، بالإضافة لصور أخرى لعمليات ضبط وإحراق المخدرات في أفغانستان وغيرها من مناطق نشاط التنظيم.
وذكرت صحيفة «النبأ» الأسبوعية الداعشية أن مقاتلي داعش في ما يُعرف بـ«ولاية خراسان» أحرقوا كميات من المواد المخدرة، التي كانت تستخدمها حركة طالبان الأفغانية في تمويل عملياتها داخل البلاد.
لكن على الرغم من الصورة التي حاول التنظيم الإرهابي رسمها لنفسه في أوساط مناصريه والمتعاطفين معه، واصل مقاتلو «داعش» الاتجار في المواد المخدرة، مستخدمين عائد هذه التجارة في تمويل العمليات الإرهابية.
ووفقًا لمصادر استخبارية عدة من بينها قيادة عمليات العزم الصلب، فإن تنظيم داعش لديه شبكات إتجار في المخدرات، تعمل في عدة دول.
وبحسب بيان سابق لمجلس عشائر الأنبار «تجمع للعشائر العراقية المحاربة لداعش في المحافظة» فإن تنظيم داعش استغل مناطق عراقية لزراعة المخدرات.
وكشف «البيان» أن التنظيم الإرهابي استغل المخدرات في تجنيد المقاتلين الجدد، بالإضافة لتمويل عملياته الإرهابية.
وأوضح هشام الهاشمي الخبير في شؤون الحركات الإرهابية، والمستشار الأمني للحكومة العراقية أن تنظيم داعش يعتمد على زراعة «القنب الهندي» في مناطق مختلفة من العراق مثل مناطق البوركيبة شمال بغداد، والشاخات في اللطيفية جنوب بغداد، والعويسات الواقعة بين محافظتي الأنبار وبابل، وقضاء تلعفر.
وأشار «الهاشمي»، في تصريحات سابقة ومنشورات بثها عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، أن التنظيم الإرهابي يستغل قرية الصكّار في البعاج بمحافظة نينوى، ومناطق أخرى في شمال شرقي محافظة ديالي، وفي منطقة حوض حمرين، ومنطقة بزايز بمدينة بهرز في محافظة ديالي لزراعة المواد المخدرة.
تعتمد التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها «داعش» على فتاوى أصدرها المنظرون الشرعيون التابعون لها حول مسألة الاتجار في المواد المخدرة أو ما يعرف في أوساط التنظيمات بـ«بيع السم للكافر».
ويستند منظرو التنظيمات الإرهابية على فتوى، أصدرها أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المعروف بشيخ الإسلام والذي عاش في الفترة الممتدة ما بين «661 هـ: 728 هـ»، حول حكم بيع الخمر للتتار المحاربين.
ونصت فتوى ابن تيمية على جواز بيع الخمور والمسكرات لجيش التتار المحارب للمسلمين لأن زوال عقل الكافر خير له وللمسلمين؛ لأنه يصده عن الكفر والفسق، ويوقع بين الكفار العداوة والبغضاء؛ وهو مفيد في حالة الحرب.
واعتمد ابن تيمية على قاعدة أصولية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، وأن هذا من باب ارتكاب مفسدة أقل لدفع شر أكبر.
وبحسب وثيقة نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA»، ومركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية فإن عطية الله الليبي (جمال المصراتي) المشرف على أفرع تنظيم القاعدة الخارجية، والرجل الثالث في التنظيم سابقًا، أجاز لعناصر «جيش الإسلام» في غزة استخدام الأموال المكتسبة من تجارة المخدرات في تمويل العمليات الإرهابية.
ونصت الوثيقة المضبوطة ضمن وثائق آبوت آباد، والمعنونة بـ«الأخ عبد الحميد، أسئلة الإخوة في جيش الإسلام (غزة) وإجابات الشيخ محمود (عطية الله الليبي)» على جواز أخذ أموال تجار المخدرات لاستخدامها في تمويل العمليات الإرهابية، والاستفادة منها في الأنشطة التي تقوم بها التنظيمات.
بينما، اعتبر أبو إدريس اليمني عضو اللجنة الشرعية في منبر التوحيد والجهاد - يشرف عليه الأردني عاصم البرقاوي «أبومحمد المقدسي» المنظر المعروف في أوساط الجماعات الإرهابية- أنه يجوز بيع المخدرات والإتجار فيها لـ«الكفار المحاربين»، موضحًا أنه لا مانع من أن لا يكترث عناصر التنظيمات بذهاب عقول الكفار.
واذكر «اليمني» في إجابته على سؤال حول حكم بيع المخدرات للكفار والاستفادة من أموال تلك التجارة أن مسألة بيع المخدرات يرجع الحكم فيها لأمير التنظيم أو الجماعة الإرهابية ضمن ما سماه بـ«قاعدة الضرورة أو الضرر»، مضيفًا أن بيع المخدرات لهم قد يؤدي إلى إزالة شرهم.
اعتمد التنظيم الإرهابي على خطين لنقل وتهريب المواد المخدرة والأموال المتدفقة من تلك التجارة، أولهما  ينطلق من أفغانستان وباكستان مرورا بإيران والعراق ثم سوريا، وتصب بضاعته في بعض دول المنطقة.
أما الخط الثاني فيسير من العراق إلى سوريا ثم إلى تركيا وأوروبا، ويوجد طريق احتياطي ينطلق من الرمادي  العراقية باتجاه منطقة القائم، ومن القائم تسير السيارات التي تحمل شحنات المتفجرات عبر طرق ترابية وصحراوية تعبر صحراء الأنبار لتصل إلى قضاء النخيب في كربلاء، فتتم عملية التدوير والانطلاق هناك، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن مصدر استخباري رفيع المستوى مطلع على عمليات تنظيم داعش.
ويعتمد التنظيم الإرهابي على منطقتين في التوزيع، أولهما منطقة النخيب ومنطقة أخرى عند النقطة 35 غرب الرمادي، ثم تتم عملية التفريغ ومداورة الحمولة، وذلك يجري تحت غطاء بيع الماشية والأغنام.
من جانبه قال هشام النجار، الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، إن التنظيمات الإرهابية بوجه عام ومن ضمنها تنظيم داعش تعتمد على «التجارة الممنوعة» في السلاح والمخدرات في تمويل عملياتها الإرهابية، مضيفًا أن تلك التجارة منتشرة بصورة أكبر في أفريقيا وشرق آسيا.
وأشار «النجار» في تصريح خاص لـ«المرجع» إلى أن تجارة المخدرات واستخدامها في تمويل عمليات التنظيمات الإرهابية أكثر انتشار في الدول التي تسيطر فيها التنظيمات على مناطق حدودية مثل دول غرب ووسط أفريقيا.
واعتبر الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي أن هناك دولًا تقوم على رعاية «الاقتصاد الموازي» الذي يعتمد على تجارة المخدرات وغيرها من الممنوعات، موضحًا أن دور التنظيمات هو الجزء الطافي على السطح فقط من هذا الاقتصاد.
وذكر «النجار» أن الدول الراعية للتنظيمات مثل تركيا وقطر وإيران تستثمر في أنشطة التنظيمات الإرهابية عبر نشاطات الاقتصاد الموازي التي تشمل غسيل الأموال، وتجارة المخدرات، وتهريب البشر، وبيع السلاح.
وأكد «النجار» أن الدول الراعية للتنظيمات الإرهابية تستفيد وتربح من العائد الذي توفره «التجارة الممنوعة»، كما تستفيد التنظيمات الإرهابية من العلاقة مع هذه الدول التي تسهل نشاطات أفراد تلك التنظيمات.

شارك