مآلات الصراع بين واشنطن وطهران.. قراءة تفكيكية لحرب الأيديولوجيا السياسية

السبت 07/ديسمبر/2019 - 02:52 م
طباعة مآلات الصراع بين محمد شعت
 
تزداد مآلات الصراع الأمريكي الإيراني غموضًا في ظل التطورات الأخيرة والمتلاحقة، والأوراق التي يملكها كل طرف في مواجهة الآخر، فعلى الرغم من سخونة هذا الصراع، والاستعدادات العسكرية التي تشير إلى الانجرار للحرب في أي وقت، واستراتيجية التضييق والحصار التي تنفذها الولايات المتحدة الامريكية ضد إيران، وردود طهران بتهديد الملاحة الدولية وإسقاط طائرة أمريكية، إلا أن الطرفين مازالا حريصان على عدم المواجهة العسكرية حتى الآن، والتمسك بإطالة المرحلة الضبابية التي لا سلم ولا حرب فيها.



فهم المرتكزات التي يعتمد عليها كل طرف قد تسهم في تفكيك المشهد، وتقود لقراءة تطورات هذه الصراع مستقبلًا، والهدف من إطالة فترة اللاسلم واللاحرب، وكيف يستفيد كل طرف منها، ومن الرابح خلال هذه الفترة، والأهم من كل ذلك هو تحديد الطرف الذي يخرج من هذه المرحلة منهكًا يسهل الانقضاض عليه في أي وقت، والقضاء عليه بأقل الخسائر الممكنة.

الأيديولوجيا تحكم السياسة


قراءة الدستور الإيراني تساعد في فهم العقلية التي تدير هذا النظام، وبالتالي تفسر المعتقدات التي يتحرك على أساسها، خاصة أن كانت هذه المعتقدات هي الركيزة الأولى التي استطاع من خلالها صناعة الأتباع والموالين، وخوفه من فقدانهم حال التراجع عنها، ولذلك فليس أمامه إلا التمسك بهذه السياسة؛ حتى يحافظ على أتباعه ومواليه.



مقدمة الدستور الإيراني كاشفة لعقيدة النظام وأدواته التي تتمثل في الجيش والحرس الثوري والميليشيات الخارجية التي تدين بالولاء لهذا الدستور أيضًا؛ حيث اعتبر الدستور الإيراني أنه في مجال بناء وتجهيز القوات المسلّحة للبلاد، يتركّز الاهتمام على جعل الإيمان والعقيدة أساسًا لذلك، ولا تلتزم القوات المسلّحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم (وَأَعِدُّوا لَهُمَّ مَا اسْتَطَعْتُم مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُّوَ اللَّهِ وَعَدُّوَكُم وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِم).



«مواجهة القوى الاستكبارية»، ركيزة مهمة اعتمد عليها النظام الإيراني في صناعة الولاء لمشروعه، وذلك من خلال الشعارات التي يرددها رموز النظام في الداخل، وقادة الميليشيات في الخارج، وهو ما فرض على النظام طبيعة التعامل مع أي صدام مع القوى العالمية سواء «الولايات المتحدة» أو غيرها، لذلك سيظل النظام الإيراني مجبرًا على إظهار الندية خلال إدارته لهذا الصراع، بل والقيام ببعض «التحرشات» لإحراج القوى العالمية، والحفاظ على صورة إيران باعتبارها خصمًا قويًّا.



الجانب الآخر من الأيديولوجيا الإيرانية التي تحاول من خلاله صناعة الولاءات الخارجية والأذرع، هو تصدير فكرة «نصرة المستضعفين»، وهو ما ورد في المادة الثالثة من الدستور الإيراني، فتنص على أن تنظيم السياسة الخارجية للبلاد، يقوم على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي الأرض، وهو  المرتكز الذي استطاعت من خلاله تقديم الدعم  لجماعات تدين بالولاء لها حتى على حساب الدول الموجودة فيها، وعلى الرغم من الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه إيران فإنها تحاول استمرار الدعم لهذه الجماعات؛ لضمان استمرار ولائها، وبالطبع أي تراجع عن هذه السياسة يفقدها مصداقيتها أمام هذه الجماعات التي أقنعتها بنصرتهم لأنهم «مستضعفون»، ثم وظفتهم لخدمة المشروع الإيراني.

شل الأطراف وتفكيك الداخل



يتساءل كثيرون عن أسباب إحجام الولايات المتحدة الأمريكية عن توجيه ضربة عسكرية لإيران، أو إنهاء هذا الصراع بالدخول في حرب وإسقاط النظام الإيراني، والحقيقة أنه منذ بداية الصراع الأمريكي الإيراني في ظل قيادة «ترامب»، والاستراتيجية الأمريكية واضحة في التعامل مع إيران، وهذه الاستراتيجية تستبعد أي فرص للصدام العسكري، على الأقل في الوقت الرهن.



الإدارة الأمريكية تعلم جيدًا أنها لابد أن تعمل على إضعاف الطرف الإيراني وحصاره وتفكيكه، وهي الاستراتيجية التي اعتمدت عليها منذ الصراع الأخير، والتي بدأتها في نوفمبر 2018؛ حيث أعادت فرض عقوبات اقتصادية، وشددت عقوبات أخرى على قطاعات النفط والبنوك والنقل الإيرانية، بعد أن انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، وتعهدت بمزيد من التحركات للضغط على طهران.



وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين حاولوا التظاهر بالصمود أمام العقوبات التي تزايدت خلال مراحل لاحقة فإن التدهور الاقتصادي والانفجار الشعبي كشف عن مدى تأثير هذه العقوبات على النظام الذي يخسر شعبيًّا يومًا بعد يوم؛ بسبب الظروف الاقتصادية، والرفض الشعبي لإصرار النظام على إنفاق المليارات على أذرعه في الخارج.



السياسة التي اعتمدت عليها إيران في مواجهة العقوبات اعترف بخطئها علي ربيعي المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية؛ حيث أكد خلال الاحتجاجات الأخيرة أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول عدم تأثير العقوبات الأمريكية على إيران، وأنها «لا شيء»، كان خطأ استراتيجيًّا، مؤكدًا أن «الولايات المتحدة تبحث عن إسقاط النظام من خلال العقوبات، وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعيش أصعب أيامها».



من خلال تدهور الأوضاع، واعتراف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية بهذا التدهور يتبين تأثير الاستراتيجية الأمريكية في إضعاف النظام الإيراني، وإشعال الداخل، إضافة إلى المساعي الأمريكية إلى الاستمرار في شلِّ الأطراف، وتقليم الأظافر التي تعتمد عليها إيران في الخارج، وذلك من خلال حصار الميليشيات، وقطع الإمدادات عنها، ويتزامن ذلك مع الرفض الشعبي للوجود الإيراني في المنطقة.



الخلاصة.. إن الأيدولوجيا ستظل تحكم السياسة الإيرانية، وسيحاول النظام الإيراني كسب مزيد من الوقت رهانًا على التباين في المواقف الدولية تجاهه، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحاول الحفاظ على استراتيجتها في التعامل مع النظام الإيراني، وذلك من خلال الحصار والتضييق والإضعاف وتقليم الأظافر، وذلك لتهيئة الأجواء لتوجيه ضربات عسكرية في مرحلة مقبلة إن لزم الأمر، ما لم تتراجع إيران عن سياستها

شارك