من تل أبيب إلى عواصم أوروبا... عندما تصدّر جماعة الإخوان هزيمتها إلى الآخرين

الأحد 03/أغسطس/2025 - 04:34 م
طباعة
 
في مشهد لا يخلو من المفارقة والرمزية السوداء، شارك عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب مشردين من تنظيمي داعش والقاعدة، في هجمات على سفارات أردنية في بعض العواصم الأوروبية، بينما وقف آخرون من الجماعة ذاتها في اعتصام أمام سفارة مصر في تل أبيب، تحت العلم الإسرائيلي. هذا التناقض الصارخ لا يكشف فقط عن ارتباك في البوصلة السياسية، بل عن مشروع متهالك يحاول أن يتنفس عبر أزمات الآخرين، بعدما لفظته الشعوب وفضحته الوقائع.

أزمة هوية أم إعلان هزيمة؟
ما يحدث ليس تعبيرًا عن موقف سياسي أو رؤية استراتيجية، بل هو ارتباك وجودي لجماعة فقدت دورها، وخسرت أدواتها، وتحولت من لاعب إلى عالة. لم يعد للإخوان أي مشروع فعلي، سوى إعادة تدوير خطاب الضحية، ومحاولة إثبات الوجود عبر افتعال المعارك، حتى لو كان الثمن هو الاصطفاف مع أعداء الأمس، أو الارتماء في أحضان المشروع الإيراني الذي طالما نددت به في العلن، وتحالفت معه في السر.
فأن يُهاجم "مشردو الخلافة" سفارات أردنية في أوروبا، ويتصدر الإخوان واجهة هذا الحراك، فذلك لا يعني إلا أمرًا واحدًا: تصدير الأزمة. فبعد سقوط المشروع الإخواني في مصر، ثم تقهقره في السودان وتونس، وارتباكه في المغرب، وفقدانه الشعبية في الأردن، لم يعد أمام الجماعة سوى افتعال عدو جديد في الداخل العربي، وتصدير فشلها إلى من حافظ على تماسك دولته ومجتمعه.

تل أبيب... حيث تتجلى المفارقة
الأخطر في المشهد لم يكن في الشوارع الأوروبية، بل في قلب تل أبيب. حين يقف عناصر الجماعة أمام سفارة مصر، حاملين العلم الإسرائيلي، تحت ذرائع نصرة غزة أو مناهضة التطبيع، فإن الرسالة هنا لا تخفى. لقد فقدت الجماعة أي حس بالتاريخ والكرامة السياسية. لم يعد يعنيها شيء سوى إثارة الفوضى، حتى لو كان ذلك من داخل حضن العدو ذاته. مشهد يحمل دلالات خطيرة: أن تصبح مصر هي العدو، لا إسرائيل. وأن تتحول القومية إلى خيانة، والولاء لتنظيم دولي إلى فضيلة.

الإخوان والمشروع الإيراني: تلاقٍ في النهايات
من السذاجة الاعتقاد أن ما يجري مجرد انفلات تنظيمي أو اجتهاد فردي. هناك تقاطع واضح اليوم بين الإخوان وبين المشروع الإيراني – رغم التناقض المذهبي – في توظيف الفوضى، وضرب استقرار الدول التي لم تخضع لهذا المحور. فبينما ترفع طهران راية "المقاومة" لتبرير نفوذها في سوريا والعراق ولبنان، ترفع الإخوان راية "الشرعية" لتبرير الفوضى والدم في مصر والأردن وغيرها.
في الحالتين، تُستخدم الشعارات كأقنعة لأجندات توسعية، والنتيجة واحدة: تفكيك الدول، ونشر الفتنة، واستنزاف المجتمعات. وما مشهد الاعتصام تحت العلم الإسرائيلي إلا صورة مصغّرة من المشهد الأكبر، حيث تختلط الأدوار، وتتقاطع المصالح، ويُباع كل شيء في سوق الأوهام السياسية.

الختام: سقوط لا يحتاج إلى بيان
لم تعد جماعة الإخوان تملك شيئًا تقدمه سوى الفوضى. خطابها مستهلك، ورموزها مطاردون أو فاقدو الصدقية، وتحالفاتها هجينة تفضحها الوقائع. ومن تل أبيب إلى برلين، لم تعد تسير الجماعة على خط الثورة، بل على درب التيه. لم تسقط فقط في ميدان السياسة، بل تهاوت أخلاقيًا حين اختارت الاصطفاف مع أعداء الشعوب، ضد أوطانها.
الرسالة اليوم واضحة: لم يعد أحد يشتري بضاعة الإخوان. وما نراه من محاولات لاستفزاز الأردن، أو شيطنة مصر، أو إثارة الفوضى في غزة، ليس إلا إعلانًا صريحًا عن هزيمة كاملة. هزيمة مشروع لا يعرف كيف يموت، لكنه يتقن فنون الانتحار السياسي، بأقصى قدر من الضجيج.

شارك