مستقبل الدم... باحث أمريكي يكشف أسباب سقوط "داعش" في ليبيا

الإثنين 09/ديسمبر/2019 - 10:26 ص
طباعة مستقبل الدم... باحث روبير الفارس
 
علي اثر بثّ تنظيم داعش الإرهابي، الاسبوع الماضي  فيديو لعملية ذبح مواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.والفيديو الذي بثته وكالة "أعماق" التابعة لتنظيم داعش حمل اسم "وأخرجوهم من حيث أخرجوكم"، استمر لنحو 31 دقيقة، وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رميا بالرصاص على رؤوسهم في منطقة صحراوية وكذلك داخل قرية الفقهاء، وفي مقطع آخر تم ذبح مواطنين بطريقة وحشية. فهل  يعبر الفيديو عن عودة  داعش الي ليبيا بقوة ام ان التنظيم يلتقط انفاسه الاخيرة واستخدم الفيديو ليعلن عن وجوده الضعيف  حاليا ففي 6 ديسمبر 2016، خسر تنظيم داعش في ليبيا آخر بقايا سيطرته على الأراضي عندما سلّم مدينة سرت الشمالية الوسطى. وبعد ثلاثة أعوام، أصبحت المجموعة مجرد ظل من نسختها السابقة، على الرغم من تعهد نحو خمسة وعشرين عضوًا من أعضاء التنظيم بمبايعة الزعيم الجديد لمنظمتهم الأم العابرة للحدود في الخامس عشر من نوفمبر.وفي تقرير نشره الباحث هارون زيلين بمعهد واشنطن لسياسيات الشرق الادني  عن تلاشي تنظيم داعش في ليبيا اعاد هذا السقوط ايل ثلاثة عوامل هي الغارات الجوية الأمريكية وسقوط شبكات المقاتلين الأجانب وايضا العجز في التمويل .وجاء في التقرير

في الماضي، سعى داعش في ليبيا إلى تكرار ممارساته في العراق وسوريا، وبلغ مستويات مماثلة من النجاح العسكري والتسلط . ولكن اليوم، لم يعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم واحد في ستة أشهر، كما عانى من نكسات كبيرة في التجنيد والتمويل والقدرات الإعلامية. ولهذا السبب عمل على توحيد "ولاياته" الليبية الثلاث في كيان واحد من أجل تبسيط عملية صنع القرار، على غرار ما فعلته داعش في العراق وسوريا. ورغم ذلك، يبدو أنّ التنظيم في ليبيا لا يمتلك القدرة على البقاء نفسها التي تمتّع بها إخوانه في العراق في العقد الماضي أو في سوريا اليوم ــ على افتراض أن الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى على استعداد لمواصلة الضغوط.
منذ سقوط سرت

وقال هارون في غضون السنوات الثلاث الأخيرة، أصدر تنظيم داعش في ليبيا أربع رسائل فيديو فقط، ما يشير إلى أن عملياته الإعلامية قد تراجعت بشكل كبير. وقد تم نشر آخر مقطع فيديو هذا الأسبوع، وذلك على الأرجح من أجل حشد المؤيدين. ولكن، لم يكن لدى التنظيم أي جديد، فقد اعتمد على لقطات لهجمات سابقة من هذا الربيع ومؤكدًا بشكل غير مباشر على ضعف الجماعة.

في مقاطع الفيديو الثلاثة السابقة، لقيت المواضيع التالية الصدى الأكبر:

في سبتمبر 2017: "سنصبر ونصابر".
وفي يوليو 2018: "التزموا الجهاد في سبيل الله وقاتلوا".
وفي يوليو 2019: "ما زلنا كيانًا واحدًا في العهد".
تتماشى هذه الأفكار مع السرد العام الذي كانت داعش تروّج له في مختلف البلدان، وهو ما يوضح كيف حافظ داعش في ليبيا على ولائه لمنهجيات الرسائل التي تتبناها الجماعة الأم على الرغم من الضغط الذي تتعرض له في ليبيا.

ومع ذلك، يشير توقيت الفيديو الثالث إلى تأخير في الاتصال بين تنظيم داعش في ليبيا والعراق. فقد كان هذا الفيديو جزءًا من سلسلة رسائل أعادت تأكيد التعهدات بمبايعة أبو بكر البغدادي، زعيم داعش آنذاك. وكان مقطع الفيديو الذي عرضه تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا هو الثامن، على الرغم من أنه كان في السابق أقوى وكيل للتنظيم  خارج محورها الأساسي. وعلى نحو مماثل، وبعد مقتل البغدادي في أواخر أكتوبر، تم نشر فيديو جديد يبايع فيه تنظيم داعش في ليبيا الزعيم الجديد بعد مرور أسبوعين كاملين على قيام داعش حملة إعلامية لإظهار الدعم المستمر في "ولاياتها" الأساسية والخارجية.

العمليات العسكرية منذ سقوط سرت
بعد تفكك إقليم داعش في ليبيا، توارت الجماعة عن الأنظار وكانت هادئة نسبيًا عام 2017، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى الغارات الجوية الأمريكية المستمرة على معسكراتها خارج سرت. فقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن أربع هجمات فقط في ذلك العام: اثنان في سرت وواحد في كل من مصراتة وأجدابيا. وعلى الأرجح كانت هذه الهجمات نتيجة فرصة تم انتهازها وليس حملة منسّقة.

وبدأت الوتيرة في الارتفاع في فبراير 2018، عندما قرر داعش  في ليبيا أن الوقت قد حان للخروج من الظلال وتجديد تمرّده. وقد شنت الجماعة هجمات في مواقع عديدة خلال ديسمبر من ذلك العام: أربعة في أجدابيا، وثلاثة في طرابلس، واثنان في الجفرة، وواحد في كل من سرت وأوجلة، والعقيلة، والفقهاء، ووادي كعام، وتازربو. وازدادت ثقة التنظيم بنفسه إلى حد أنه في أغسطس 2018، بدأ في إنشاء نقاط تفتيش على الطريق بين أجدابيا وجالو. وبعد شهرين، زعم أنه قد استولى على مدينة الفقهاء لبضع ساعات.

هجمات 

 ووفقًا للصحافي الإيطالي دانييل راينيري، توقف هذا الزخم في ديسمبر 2018 عندما اكتشف الجيش الوطني الليبي قاعدة للتنظيم بالقرب من المدينة الواحة غدوة. فقد انتقلت الجماعة بعد ذلك إلى حقل هروج البركاني وبدأت عملياتها من جديد في  أبريل 2019، حيث شنّت 11 هجومًا في الأسابيع التالية: اثنان في سبها، واثنان في تمسة، وواحد في كل من الفقهاء (وهي البلدة التي ادعى التنظيم مرة ثانية أنه استولى عليها لفترة وجيزة)، وغدوة، وزلّة، ودرنة، وسمنو، وهروج ونقطة التفتيش 400 بين سبها والجفرة. وقد انتهت هذه الهجمات عندما عثر الجيش الوطني الليبي على أحدث قاعدة لعمليات التنظيم في منتصف يونيو، ولم يتعاف بعد.

تلاشي 

وقال الباحث يمكن أن يُعزى انخفاض وتيرة عمليات الجماعة وعجزها الأكبر عن إعادة بناء نفسها بطريقة مستدامة إلى ثلاثة عوامل رئيسية:

الغارات الجوية الأمريكية. وبالإضافة إلى الجهود المحلية لخنق شبكات تنظيم داعش في ليبيا وأنشطته، واصلت الولايات المتحدة غاراتها الجوية ضد أصول الجماعة ومعسكراتها، ما أدّى إلى تحييد قدرة التنظيم على إدامة أي ولادة جديدة له ـ وهو الدرس الذي ربما تعلمته واشنطن من فشلها في تحويل الانتصارات التكتيكية في العراق قبل عشرة أعوام إلى انتصار استراتيجي أكثر. وفي منتصف نوفمبر، وصف وزير الدفاع مارك إسبر هذه الاستراتيجية بأنها بمثابة "قصّ العشب"، موضحًا أنه "يجب بين الحين والآخر القيام بمثل هذه الضربات للسيطرة على زمام الأمور وحتى لا تكون هناك تهديدات جديدة أو تعاود هذه الجماعات الظهور." ومنذ سقوط سرت، أعلنت قيادة الولايات المتحدة في إفريقيا عن شنّ عشر مجموعات من الغارات الجوية ضد داعش في ليبيا، مستهدفة بشكل أساسي المعسكرات المتنقلة والمركبات وأعضاء الجماعة. وحسب مسؤولي الدفاع الأمريكيين، فإن آخر سلسلة من الهجمات وقعت في سبتمبر الماضي وأسفرت عن مقتل 43 فردًا من مقاتلي التنظيم- وهي نكسة يُقال إنها أبقت على ما يقل عن 100 مقاتل في كافة أنحاء البلاد.
وسقوط شبكات المقاتلين الأجانب. وحتى في أوج نشاط داعش في ليبيا، كان جزء كبير من أنشطته يدار من قِبَل أجانب، ولا سيّما التونسيين والسودانيين والمصريين. وقد قُتِل عدد كبير من هؤلاء العملاء الأجانب في الحملة التي شنتها قوات "البنيان المرصوص" التابعة لمصراتة وقوات أخرى لاستعادة الأراضي التي استولى عليها التنظيم. وفرّ آخرون إلى تونس (لمساعدة شبكة داعش هناك)، أو سيناء أو السودان (سواء لإيجاد ملاذ آمن أو تسهيل العمليات اللوجستية بين الشبكات المختلفة في المنطقة). وعندما "تتخفى" الجماعات الجهادية، يصبح من الصعب على الأجانب أن يندمجوا في الوسط المحلي. كما لم ينضم المقاتلون الأجانب إلى تنظيم داعش في ليبيا كما فعلوا أثناء ذروة نشاط الجماعة في الفترة ما بين 2014-2016.

وايضا هناك صعوبات مالية. لسنوات عديدة، اعتمد التنظيم على التمويل القادم من منظمته الأم، إنّما نضب معظم هذه الأموال منذ أن خسر التنظيم  أراضيه في العراق وسوريا. ومع ذلك، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ التنظيم قد حاول تنويع تمويله من خلال مصادر محلية، مثل الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم في المدن الساحلية، وابتزاز المواطنين الليبيين، وفرض ضرائب على شبكات الاتجار بالبشر واختطاف الأفراد طلبًا للفدية. وفي بداية هذا العام، تم تقويض هذه الجهود الأخيرة من خلال غارات الجيش الوطني الليبي التي استهدفت معسكر غدوة التابع للتنظيم، حيث ورد أن الجماعة كانت تحتجز أربعة وعشرين رهينة.

مستقبل داعش في ليبيا

من الصعب توقّع قدرة داعش في الأمد البعيد على إطلاق التمرد في ليبيا وإدامته نظرًا للحرب الأهلية الجارية في البلاد. والواقع أن داعش في ليبيا قد عجز عن الاستفادة من هذا الصراع يعطي بعض الآمال، ويدل على أن الليبيين قد لا يكونون قابلين للإيديولوجية أو الوحشية التي تمارسها الجماعة كما كان بعض الأجانب. ولكن، فإن تغيير الديناميكيات قد يوفر للتنظيم مساحة أكبر للعمل. وعلى وجه الخصوص، فإن الحملة الحالية التي يشنها الجنرال خليفة حفتر للاستيلاء على طرابلس قد تساعد الجماعة على تجنيد الإسلاميين الساخطين أو الغاضبين الذين يعتقدون أن الانضمام إلى التنظيم هو الخيار الوحيد أمامهم للانتقام.

وفي الوقت الراهن، يعجز تنظيم داعش في ليبيا عن معاودة الظهور كما فعل السلف الرئيسي للتنظيم  في العراق، بعد النكسات الكبرى التي عانى منها في الفترة ما بين 2006-2009. وحتى عندما كانت الجماعة الأخيرة في أضعف حالاتها، كانت وتيرة عملياتها أعلى بكثير من الوتيرة التي كان عليها داعش في ليبيا في السنوات الثلاث الماضية. وبحلول عام 2012، أصبح واضحًا أن المنظمة العراقية تعيد بناء نفسها وتستفيد من الاضطرابات في الداخل والفرص الجديدة في سوريا. وبطبيعة الحال، لا تتمتع ليبيا بنفس نوع الديناميكيات الطائفية التي شهدناها في العراق، ناهيك عن الحرب الأهلية التي تلوح في الجوار والشبيهة بتلك التي اندلعت في سوريا. وإذا نشأ مثل هذا الصراع في السودان أو الجزائر، فسيغيّر بالتأكيد آفاق تنظيم داعش في ليبيا، إلاّ أنّ ذلك يبدو غير محتمل في الأمد القريب.

وطالب الباحث من  واشنطن مواصلة تنسيق الضربات الجوية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع شركائها في ليبيا من أجل تفكيك معسكرات التنظيم ومنع الجماعة من الظهور مرة أخرى على غرار العراق وسوريا. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الدبلوماسيين الأمريكيين التوسّط بين مختلف الأطراف الليبية على الصعيدين المحلي والدولي للمساعدة على تفادي التبعات السلبية التي قد تترتب على أي هجوم شامل على طرابلس من ناحية تعزيز إمكانية نهوض تنظيم داعش في ليبيا.

شارك