السلطان العماني الجديد.. سلاسة انتقال الحكم

الأحد 12/يناير/2020 - 07:22 م
طباعة السلطان العماني الجديد.. عبد المجيد أبو العلا
 
في الساعات الأولى من صباح السبت 11 يناير 2019، أعلن البلاط السلطاني العماني عن وفاة السلطان قابوس بن سعيد، عن عمر ناهز الـ79 عامًا بعد صراع مع المرض، وبعد نحو 50 عاما من الحكم، وجدت سلطنة عمان نفسها أمام اختبار خلافة الراحل، وأمام تحديات تبدأ من اختيار السلطان الجديد وحتى التحديات التي سيعمل على مواجهتها داخليًّا وخارجيًّا.

أولًا: آليات اختيار السلطان الجديد بين الدستور والواقع:

طبقًا للنظام الأساسي للدولة -الذي يعد الدستور الحاكم للسلطة العمانية- الصادر عام 1996، والمعدل عام 2011، فإن «نظـام الحكم سـلطاني وراثي في الذكـور من ذريـة السيد تركـي بن سعيد بن سلطـان، ويشترط فيمن يختار لـولاية الحكم من بـينهم أن يكون مسلمًا رشيدًا عـاقلًا وابنًا شرعيًّا لأبوين عمانيـين مسلمين» طبقًا للمادة الخامسة، وتحدد المادة السادسة من النظام الأساسي آلية الاختيار؛ حيث «يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تـنتـقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتـفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطـان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة»، ثم يؤدي السلطان الجديد اليمين قبـل ممارسـة صلاحياتـه، في جلسـة مشتركة لمجلسـي عمـان والدفاع، على أن تستمر الحكومة في تسيير أعمالها كالمعتاد، فيما بين وفاة السلطان الراحل واختيار السلطان الجديد وممارسته لصلاحياته.

في الواقع فقد أصدر مجلس الدفاع خلال ساعات بيانين، حسم خلالهما أمر خلافة السلطان قابوس؛ حيث نص البيان الأول على دعوة مجلس الدفاع بجميع أعضائه لمجلس العائلة المالكة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، ولم ينتظر المجلس الثلاثة أيام المنصوص عليها بالدستور العماني(1)، وسريعًا تلقى المجلس رد مجلس العائلة المالكة؛ حيث انعقد الأخير وقرر تثبيت من أوصى به السلطان قابوس في وصيته، وبناء على ذلك عقدت جلسة فتح الوصية بحضور أعضاء مجلس الدفاع، ورئيسي مجلس الدولة، ومجلس الشورى، ورئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه.(2)

وقد دفعت هذه التطورات المتسارعة مجلس الدفاع لعدم التقيد بمدة الثلاثة أيام المنصوص عليها بالدستور العماني، بل أصدر المجلس بيانه الثاني بعد حوالي أربع ساعات فقط من البيان الأول، معلنًا فيه أن هيثم بن طارق بن تيمور هو سلطان عمان الجديد.(3)، وقد أدى السلطان الجديد اليمين القانونية أمام مجلس عمان عقب ذلك.



وبالطبع فإن اختيار السلطان الجديد بهذه السلاسة يشكل تغلبًا على ما كان يعتبره عدة محليين تحديًا سيواجه الدولة العمانية بعد وفاة السلطان قابوس؛ حيث لم تحتج السلطنة حتى إلى تفعيل النصوص الدستورية لحسم الخلافات، ولا شهدت الأسرة الحاكمة خلافات وتكتلات لاختيار السلطان الجديد، مفضلين تجاوز كل ذلك بتنصيب من رشحه السلطان الراحل، وهو ما كان سيحدث أيضًا في حالة حدوث خلافات داخل الأسرة، وعدم توحيد الاختيار.


ثانيًا:  السلطان العماني الجديد .. من هو؟

السلطان العماني الجديد هو هيثم بن طارق بن تيمور بن سعيد البوسعيدي، وهو ابن عم السلطان الراحل قابوس، وعمه هو السلطان الراحل سعيد بن تيمور، والسلطان الجديد هو نجل رئيس الوزراء العماني الراحل طارق بن تيمور.

ويبلغ السلطان هيثم من العمر 66 عامًا، فهو من مواليد عام 1954.

وتقلد السلطان الجديد العديد من المناصب؛ حيث تولى رئاسة اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية «عمان 2040» في يناير 2019، وهو ما يعني أنه كان مشرفًا على إعداد الرؤية المستقبلية لعمان، والتي من المرجح أن تكون أحد أهم محاور عمله، كما كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية ومنها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية ووزير مفوض، مما يضفي عليه الطابع الدبلوماسي، ويعني اطلاعه على دولاب العمل للخارجية العمانية، وأنه –على الأرجح- سيمثل استمرارًا للسياسة الخارجية العمانية، كما عمل في بعض الأحيان كمبعوث خاص للسلطان قابوس بن سعيد؛ مما يدل على الثقة بينهما والخبرة في العمل على أعلى المستويات، وشغل منصب رئيس جمعية الصداقة العمانية اليابانية، وعلى الصعيد الثقافي والرياضي فإن السلطان الجديد ومنذ 2002 وحتى تنصيبه كسلطان لعمان كان يعمل كوزير للثقافة والتراث بالسلطنة، علاوة على رئاسته للاتحاد العماني لكرة القدم بين عامي 1983 و1986، وخلال هذه الفترة كان نائبا لرئيس اللجنة المنظمة العليا لكأس الخليج العربي 1984، وفي 2010 ترأس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية، بالإضافة إلى رئاسته الشرفية للاتحاد العماني للكريكت ولنادي السبب الرياضي وجمعية رعاية الأطفال المعاقين.(4)

ثالثًا: مهام السلطان الجديد وصلاحياته:

طبقًا للنظام الأساسي لسلطنة عمان، فإن مهام السلطان تتحدد في المحافظة علـى استقـلال البـلاد، ووحدة أراضيها، وحماية أمنها الداخلي والخارجي ورعايـة حقـوق المواطنين وحريـاتهم، وكفالة سيـادة القانـون، وتوجيه السيـاسة العامة للدولة، واتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة السلطنة أو وحدة أراضيهـا أو أمن شعبهـا ومصالحـه، أو يعـوق مؤسسـات الدولة عن أداء مهامها، بالإضافة إلى تمثيل الدولة في الداخل وتجاه الدول الأخرى في جميع العلاقات الدولية، كما يرأس السلطان مجلس الوزراء أو يعين من يتولى رئاسته، والأمر ذاته مع المجالس المتخصصة، ويعين السلطان ويقيل نـواب رئيس مجلـس الـوزراء والـوزراء ووكلاء الوزارات والأمناء العامين ومن في حكمهم، والأمر ذاته مع كبار القضاة والممثلين السياسيين لدى الدول الأخرى والمنظمات الدولية.(5)

كما يتمتع سلطان عمان بالقدرة على إعلان حالة الطوارئ، والتعبئـة العامـة والحرب وعقد الصلح، وإصدار القوانين والتصديق عليها، وكذلك توقيع المعاهدات والاتـفاقيات الدولية والتصديق عليها، والعفو عن أي عقوبة أو تخفيفها، وكذلك منح أوسمة الشرف والرتب العسكرية، وإنشاء وتنظيم وإلغاء وحدات الجهاز الإداري.(6)

والسلطان هو المخول باعتماد خط التنمية والسياسات العامة، فيما يقتصر دور مجلس الوزراء على الاقتراح والتنفيذ (7)، وله صلاحية إصدار مراسيم سلطانية لها قوة القانون، فيما بين أدوار انعقاد مجلـس عمــان، وخـلال فترة حـل مجلـس الشـورى وتوقـف جلسات مجلس الدولة.(8)

خلاصة القول إن أحد أهم ما ميز عملية انتقال السلطة في سلطنة عمان السلاسة التي تمت بها الأمور، في حين كان يتوقع كثيرون أن تمثل عملية خلافة السلطان قابوس إشكالية، وطبقًا للنظام الأساسي للسلطنة العمانية فإن أمام السلطان الجديد صلاحيات واسعة يمارس عبرها حكمه؛ حيث يعد هو الحاكم الرئيس للسلطنة والممسك بمقاليد الأمور وصاحب الكلمة العليا، كما أن السلطان الجديد -ومن واقع مناصبه السابقة- يتضح درايته وإشرافه على صياغة خطط التنمية، بالإضافة إلى خبرته في السياسة الخارجية، هذا إلى جانب اهتمامه بالرياضة، وهو ما يقول بأن التنمية والرياضة ستشهد اهتمامًا من السلطان الجديد إلى جانب استمرارية السياسة الخارجية العمانية.

شارك