أمن ليبيا وتدوير الإرهاب في مصر.. هشام عشماوي نموذجًا

الإثنين 13/يناير/2020 - 01:40 م
طباعة أمن ليبيا وتدوير شيماء حفظي
 
يؤثر تفاقم الأوضاع الأمنية، على الدول المجاورة، فنشاط الجماعات الإرهابية في مالي جعل منطقة الساحل الأفريقي تعاني بسبب تسلل الإرهابيين، وهو ما يعني أن الأزمات المضطربة في ليبيا سيكون لها تأثيرٌ على مصر.



العلاقة بين الأمن في ليبيا ومصر كدولتين متجاورتا الحدود، ليس مبحثًا للدراسة فقط، لكنه مرتبطٌ بتاريخ الدولتين، وتأثير استقرار أيٍّ منهما على الأخرى، فخطورة الخلل الأمني في ليبيا، أنه يسمح بخلق بيئة مواتية لهروب الإرهابيين واحتضانهم، ومن ثم عودة تهديدهم لمصر بعد ذلك، وهو ما يمكن التدليل عليه بقصة «هشام عشماوي» الإرهابي الذي اختبأ في ليبيا، وخطط من هناك لعمليات إرهابية ضد مصر، حتى تم القبض عليه وتسلمته مصر في 2019.



«حي المغار».. بؤرة الإرهاب وموقع سقوط «هشام عشماوي»

إرهاب عشماوي من ليبيا


وقصة عشماوي، الذي أحيل في 2007، للمحكمة العسكرية بسبب تحريضه ضد الجيش وتقرر فصله من الخدمة في 2009، واتجه للعمل في الاستيراد والتصدير، وخلالها تعرف على مجموعة من معتنقي «الفكر المتطرف» في أحد المساجد بحي المطرية، ثم نقل نشاطه لمدينة نصر، وشكَّل خلية لتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي.



سافر «عشماوي» إلى تركيا في أبريل 2013، وتسلل منها إلى سوريا، وهناك انضم لمجموعات تقاتل ضد الجيش العربي السوري، وسرعان ما عاد إلى مصر، مع عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، ليشارك في اعتصام رابعة، وفقًا للتحقيقات.



اتخذ من ليبيا، لاسيما مدينة درنة، ملاذًا آمنًا له، لمحاولة تهديد أمن مصر واستقرارها، عبر قيادته مجموعة من الإرهابين وعناصر من مجموعة المرابطون، التي شكلها، وعند القبض عليه في 2018، تمت محاصرته مع نحو 50 إرهابيًّا من بينهم أجانب، تحصنوا بحي المغار مع عدد من عناصر داعش.



وحي المغار، لديه جزء من الطبيعة الجبلية لمدينة درنة، وكان أهله قديمًا يسكنون فيما يعرف بـ«كهوف المغاير» (ومن هنا جاءت تسميته بـ«المغار»)، ويبنون بيوتهم من الحجارة والطين، ثم تطور ذلك إلى بيوت من الزنك، حتى أصبح منطقة آهلة بالسكان.



وبمقارنة موقع حي المغار، الذي كان يختبئ فيه «عشماوي»، بمناطق العمليات التي خطط لها الإرهابي؛ فإنها كانت محطة انطلاق مناسبة جدًا لقربها الكبير من الحدود المصرية.



ومن أبرز العمليات الإرهابية التي شارك فيها «عشماوي»: مذبحة كمين الفرافرة، التي وقعت في 19 يوليو 2014، وهي العملية التي استشهد فيها 22 مجندًا مصريًّا، وبحسب بيانات «جوجل ماب»؛ فإن الفرافرة تبعد عن حي المغار نحو 15 ساعة و48 دقيقة.



وفي أكتوبر من عام 2017، استشهد 14 ضابطًا ومجندًا، وأصيب 8 آخرون، أثناء اشتباكات بين قوات الأمن المصرية وإرهابيين بمنطقة الكيلو 135، بطريق «الواحات البحرية  - الجيزة»، فيما عرف وقتها بـ«حادث الواحات الإرهابي»، وهو الذي رجحت المصادر انتماء المنفذين له لكتيبة الإرهابي هشام العشماوي.



ويبعد حي المغار، عن منطقة الواحات البحرية نحو 14 ساعة، فيما تبعد المنطقة عن طريق الواحات الجيزة نحو 12 ساعة.



كما شارك «عشماوي»، في التدريب والتخطيط  لـ«مذبحة العريش الثالثة»، التي وقعت في  فبراير 2015، واستهدفت «الكتيبة 101»، واستشهد بها 29 عنصرًا من القوات المسلحة المصرية.



وشارك «عشماوي»، أيضًا في حادث اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام المصري الراحل، وكذلك في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، اللواء محمد إبراهيم.



وداخل أزقة حي المغار، كانت تجري خلال الفترة الماضية، المواجهة الأخيرة بين الإرهابيين والجيش الليبي، والتي انتهت بإعلان ليبيا الانتهاء من تحرير درنة.



ويعد حي المغار، النقطة التي أعلن منها الجيش الليبي، تحرير مدينة درنة، حيث أكد اللواء سالم الرفادي، قائد غرفة عمليات عمر المختار في الجيش الليبي، في تصريحات في يونيو الماضي، أن القوات المسلحة اقتحمت آخر معاقل تنظيم القاعدة في مدينة درنة شمال شرقي البلاد (حي المغار)، وأن المدينة باتت على عتبة التحرير بعد نحو 5 سنوات من سيطرة الإرهابيين عليها.

الخطر يكمن في الحدود


تمتد الحدود المصرية مع ليبيا، على امتداد نحو 1100 كيلو متر، ويبقى خط الحدود الفاصل بين مصر وليبيا أحد المصادر التي تؤرق دومًا الدولة المصرية، لما يمثله من مصدر نشط للتهريب بأنواعه كافة (سلاح وبشر ومخدرات).



وطبيعة الحدود الجغرافية الشاسعة بين مصر وليبيا وما تحتويه من صحارٍ وجبال وكهوف وكثبان رملية، كانت بيئة خصبة لعمليات التهريب، ونشر السلاح، وتمركز الجماعات الإرهابية.



وفي تقرير للأمم المتحدة، عام 2011، قُدرت قطع السلاح المنتشرة في ليبيا، والخارجة عن سيطرة الدولة بنحو 6 ملايين قطعة، لتتجاوز مخاطر الخط الفاصل أمن البلدين، إلى أمن المنطقة بأكملها، وهو ما استدعى معه تحذيرات مصرية رسمية، مطالبة بضرورة الحذر، وتعزيز سلطة الدولة في تلك المنطقة، وهو ما قاد إلى توجيه القوات المسلحة المصرية أكثر من ضربة وعملية واسعة الانتشار بها.



ونقلت صحيفة إندبندنت عن دراسة نشرت في «شاتام هاوس»، عام 2017، «فإن الجماعات المسلحة والمهربين، تمكنوا في فترة الانفلات التي شهدتها حدود البلدين، من اتخاذ مسارات جديدة للوصول إلى الأراضي المصرية، رغم تشديد الإجراءات الأمنية من قبل القاهرة على حدودها الغربية، لمنع أي عمليات تسلل».



بحسب الدراسة، كانت مسارات التهريب في تلك المنطقة محصورة في 3 طرق، أولها من الجهة الشمالية بين منطقتي إمساعد في ليبيا ومدينة السلوم المصرية، والثانية في المنطقة الوسطى من الحدود من واحة الجغبوب الليبية باتجاه منطقة الخارجة في الوادي الجديد في مصر، والمسار الثالث جنوب الحدود الغربية عند جبل العوينات بين مصر وليبيا والسودان.



وباستثناء السلوم وسيوة، تفتقر خطوط الحدود المصرية الليبية لأي تجمعات سكنية، في وقت تعد فيه منطقة بحر الرمال، بمحاذاة الحدود مع ليبيا، التي يبلغ طولها نحو 150 كيلومترا وعرضها نحو 75 كيلومترا، أصعب ممر للعبور إلى داخل مصر.



ويقول الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء جمال مظلوم لصحيفة إندبندنت عربية: إنه «رغم وجود معسكرات أو تجمعات إرهابية دائمة في تلك المناطق، فإن الطبيعة الجغرافية الخاصة لتلك المساحة الكبيرة من مصر والتي تبلغ أكثر من 80% من المساحة الكلية للبلد، تشكل بين الحين والآخر منطلقا مناسبا لترتيب عمليات إرهابية متنوعة على معظم المحافظات المصرية».



ويضيف «تكمن خطورة تلك المنطقة بالأساس لكونها ملاصقة للحدود المصرية مع ليبيا، التي تشهد صراعات أمنية وسياسية منذ عدة سنوات، سمحت للمسلحين من الجماعات الإرهابية وغيرها المنتشرة بشكل مكثف هناك، بالعبور إلى مصر وتهريب مختلف أنواع الأسلحة».



ما يعني أنه و«على الرغم من التشديد الأمني واهتمام السلطات المصرية بعد 30 يونيو 2013، والإطاحة بحكم جماعة الإخوان، فإن نشاطات جماعات التهريب والمسلحين تبقى مرتبطة بوجود الحدود ذاتها وأن خفتت حدتها في السنتين الأخيرتين».

وأعادت هجمات إرهابية كبرى الأنظار إلى خطورة عمليات التهريب عبر الحدود المصرية الليبية، وانتقال السلاح والإرهابيين، حيث شهدت مصر في الفترة ما بين 2014/2017، 8 عمليات إرهابية كبرى، كان "الانفلات" وتسلل العناصر المنفذة، عبر الحدود الليبية المصرية، سببًا مباشرًا أو غير مباشر في إتمامها، وفق إعلان السلطات الأمنية المصرية.



وبدأت القوات المسلحة المصرية، منذ فبراير2018، تنفيذ عملية عسكرية عبر تدخل جوي وبحري وبري وشرطي و«بصورة شاملة»، لـ«مواجهة عناصر مسلحة شمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى بدلتا مصر (شمال)، والظهير الصحراوي غرب وادي النيل».

شارك