الدين مقابل السلطة.. مأزق الإسلام السياسي في تركيا والعالم العربي

الأربعاء 15/يناير/2020 - 10:29 م
طباعة الدين مقابل السلطة.. دكتور كمال حبيب
 
يواجه الإسلام السياسي في العالم العربي، وفي تركيا تحديدًا مأزقًا كبيرًا، وذلك بعد اختبار مشروعه في بلدان عربية عديدة، وعجز ذلك المشروع عن امتلاك رؤية حقيقية واضحة  من ناحية، وتحول مشروعه في تركيا من صيغة «ديموقراطية محافظة»، تقوم على التوفيق والاعتدال والوسطية، إلى منزع الاقتحام وفقدان الحكمة، والتدخل في العالم العربي؛ للتغطية على التحديات الداخلية، التي يواجهها.

التدخل التركي في ليبيا
جاء التدخل العسكري في ليبيا؛ بناءً علي مذكرة تفاهم «بحرية، وأمنية ـ عسكرية»، بين حكومة السراج وأردوغان؛ ليخفي الصيغة المعروفة في العلاقات الدولية، وهي أنه حين تواجه حكومات ذات طابع شمولي ديكتاتوري مشاكل في الداخل؛ فإنها تسعى لتصدير تلك المشاكل إلى الخارج.
ورغم أن الاتفاق العسكري بين حكومة السراج وبين حكومة أردوغان، حظي «ببروباجندا» إعلامية ضخمة، إلا أن تصريحات «أردوغان»، أشارت إلى القوات التركية، التي تم إرسالها إلى طرابلس، هي 35 عسكريًّا؛ للاستشارة والإدارة، وليست  للحرب، ومعلوم أن التدخل العسكري التركي في ليبيا، التي تبعد أكثر من 1500 كم، لا يحظى بأي قبول داخلي، فليس في ليبيا «قسد»، والأكراد الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، متحالفين مع حزب العمال الكردي، الذي يستخدم القوة العسكرية؛ للانفصال عن تركيا، وتشير صحيفة «الجارديان»، إلى أن الذهاب التركي لتوقيع مذكرة تفاهم بحرية؛ للحصول على حق التنقيب عن النفط في شرق المتوسط، ولتوقيع مذكرة تفاهم أمنية وعسكرية، يزيد من الصداع الداخلي المتصاعد للحزب الحاكم في تركيا، وتشير الصحيفة، إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، فقد 10% من عضويته؛ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي لليرة التركية، وللوضع الاقتصادي بشكل عام، ومن المعلوم أن «أحمد داوود أوغلو»، الذي ترأس الوزراء، وترأس حزب العدالة والتنمية، قد استقال من الحزب، وأسس حزبًا جديدًا اسمه «حزب المستقبل»، كما أن «علي بابا جان»، الذي كان وزيرًا للاقتصاد في حكومة العدالة والتنمية، يسعى هو الآخر لتأسيس حزب جديد، وقد استقال من حزب العدالة والتنمية، ومن المعلوم أن حزب العدالة والتنمية، قد خسر بلديات كبرى، في انتخابات البلديات الأخيرة، بما في ذلك بلدية أنقرة وإسطنبول، وقد أغضب تدخل «أردوغان» وحزبه؛ لإعادة الانتخابات التي أظهرت فوز مرشح المعارضة «أكرم إمام أوغلو»، وهو ماجعل المواطنين الأتراك، يعيدون انتخاب الرجل بأصوات أكبر بكثير، مما حصل عليها في الجولة الأولى. 
ويعتقد أن «أكرم أوغلو» مواليد عام 1970، سيكون مرشحًا منتظرًا للانتخابات الرئاسية التركية، التي ستجرى عام 2023م، الانقسام في المعسكر المحافظ، الذي كان يقوده «أردوغان»، يعكس المأزق الداخلي، الذي يواجهه مشروع العدالة والتنمية، الذي فقد سحره، وفقد اهتمام المواطن به.


رفض حكومة الجملي
الحبيب الجملي، هو مرشح حركة النهضة، التي حصلت على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة «52صوتًَا»، وتولى راشد الغنوشي، رئيس الحركة ،رئاسة البرلمان، وتعرض مرشح الحركة لانتكاسة كبيرة، بعد رفض الأحزاب التونسية منحه الثقة، فقد حصل على موافقة 72 صوتًا، بينما رفضه 134، بينما تحتاج الحكومة لمنحها الثقة إلى 109 صوتًا، وفور تلقي حركة النهضة لتلك اللطمة القاسية، غادر بعيدًا عن الإعلام «راشد الغنوشي»، رئيس البرلمان التونسي، ورئيس الحركة إلى تركيا؛ ليلتقي «أردوغان»، وهو ما أغضب القوى السياسية والشارع التونسي؛ لأنه أعطي الانطباع بأن الحركة تتلقى أوامرها من «أردوغان»، كما أن لقاء «الغنوشي» للسفير التركي، أثناء مشاورات تشكيل الحكومة، قبل رفض منح الثقة لها، طرح علامات استفهام، حول ثقل اليد التركية في توجيه سياسات النهضة، وتشكيل الحكومة، وبينما قال «خليل البرعومي»، المسؤول الإعلامي لحركة النهضة، بأن الزيارة شخصية، وتعبير عن حزب حركة النهضة، وبموعد سابق، فإن ذلك التبرير لم يمنع أصوات أقطاب داخل حزب الحركة نفسه من الغضب، وتحميل الغنوشي مسؤولية الفشل، الذي مُنيت به الحكومة، التي دعمها الحزب ورعاها، وهناك اتجاه قوي داخل الحزب لإبعاد الغنوشي عن رئاسة الحركة، في مؤتمر الحزب القادم، بعد أشهر قليلة.
وعلى صعيد القوى والأحزاب السياسية، التي رفضت الزيارة، ورفضت منح الثقة للحكومة، فإنها تنادي الآن لجمع توقيعات؛ من أجل إبعاد الشيخ «راشد الغنوشي» نفسه عن رئاسة البرلمان؛ بسبب ما تعتبره وصاية تركية على القرار الوطني التونسي، وتواجه حركة النهضة مأزق التوفيق بين الحاجة التركية إلى تونس؛ من أجل تدخلها في ليبيا، وهو مادفع «أردوغان» إلى زيارة قصر قرطاج؛ للحصول على تسهيلات، توفرها تونس للقوات التركية المتدخلة في ليبيا، وبين رفض الأحزاب التونسية الكبرى، كـ«قلب تونس، والدستوري الحر، وتحيا تونس، وحركة الشعب، والتيار الديموقراطي»؛ لما تعتبره عدم ثقة في حركة النهضة، ورفض هيمنتها على النظام السياسي.

الإخوان علي لائحة الإرهاب الأمريكية
في جلسة حوارية، بمعهد هوفر بجامعة استانفورد، قال وزير الخارجية الأمريكية «مايك بومبيو»: إنه كان واحدًا من ثمانية نواب بالكونجرس، قدموا مشروع وضع الإخوان على لوائح الإرهاب الأمريكية، وذلك في إدارة الرئيس السابق، «باراك أوباما»، وأشار إلى أن الإدارة الحالية لا تزال تنظر في ذلك وتقيم الخطوة؛ لضمان أن تتم بصورة صحيحة، وقال: هناك عناصر داخل الإخوان، لاشك أنهم إرهابيون، وهم مدرجون على قائمة الإرهاب، نحن نحاول الإدراج بشكل صحيح، ونحدد الموضوع بشكل صحيح، وضمان الأساس القانوني لذلك .
وشرح «بومبيو»، أن عملية الإدراج عملية معقدة، ولا بد من وجود الأساس القانوني وضمان تواجد البيانات الصحيحة، واختتم بقوله: لا أعرف متى سننتهي من تلك العملية، إلا أنني أعرف أن هناك خطرًا حقيقيًّا من الإخوان المسلمين، في العديد من الدول في الشرق الأوسط، وهناك أصوات داخل الكونجرس ومجلس الشيوخ، تتداعى من أجل الإقدام علي تصنيف الجماعة، كجماعة إرهابية، منذ عام 2017، وكان عام 2019، هو الأكثر صخبًا في المطالبة بإدراج الجماعة، كجماعة إرهابية في أمريكا، ويعكس حديث «بومبيو» في مطلع العام الجديد، أن مشروع وضع الجماعة على لائحة الإرهاب، لا يزال مطروحًا بقوة داخل أروقة السياسة الأمريكية، وهو ما يعني تحديًّا كبيرًا للجماعة التي تصنف علي أنها إرهابية، في العديد من الدول، على رأسها مصر والسعودية والإمارات وغيرهم، من دول العالم .

شارك