صراع التيارات تحت عمائم الملالي.. إيران تشتعل سياسيًّا قبيل الاستحقاقات البرلمانية

الجمعة 21/فبراير/2020 - 06:57 م
طباعة صراع التيارات تحت
 
مرﭬت زكريا
تشهد طهران حاليًّا حالة من المواجهة المحتدمة بين الفصائل السياسية المختلفة، على خلفية التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وقرب موعد بعض الاستحقاقات الانتخابية الهامة داخل إيران، والتي تتمثل في الانتخابات البرلمانية في 21 فبراير 2020، والانتخابات الرئاسية في 2021. وتصاعدت حدة المواجهة بين التيارات السياسية على خلفية حالة الانقسام التي يشهدها تيار الإصلاحيين، وعدم توافقهم حول مرشح سياسي بعينه بعد عدم صلاحية روحاني للترشح مرة أخرى، في السياق ذاته استغل التيار الأصولي المحسوب على المرشد الأعلى «علي خامنئي» حالة الضعف التي تعانى منها طهران بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي؛ للتعويل على فشل حكومة روحاني في إدارة الأزمات التي تمر بها البلاد.
يتوازى ذلك، مع موجات كبيرة من الاضطرابات الداخلية التي تمر بها إيران على الصعيد الداخلي، وهو ما يتمثل في تصاعد حدة الاحتجاجات منذ ديسمبر لعام 2017 و المتواصلة حتى الآن، والتي كان آخرها التظاهرات التي اندلعت على خلفية إسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية راح ضحيتها عدد كبير من الطلبة الإيرانيين.

التيارات السياسية في إيران
بدأ ظهور أول تكوين للتيارات السياسية في إيران بعد الثورة الإسلامية لعام 1979، وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية «1980-1988»، وتدهور الوضع الاقتصادي؛ ما أدى لظهور أول معركة سياسية بين فئتين سياسيتين مختلفتين «الإصلاحيين والمحافظين»، يحملون توجهات متباينة حول كيفية إدارة الاقتصاد والسيطرة عليه، ولكن بعد وفاة آية الله الخميني ونهاية الحرب العراقية الإيرانية، انقسمت هاتين الفئتين إلى ثلاثة جماعات رئيسية؛ حيث تحول إسلاميو اليسار المتطرف إلى إصلاحيين، بينما انقسم الإسلاميون اليمينيون إلى قسمين رئيسيين «المحافظين والتكنوقراط المعتدلين».
يتوازى ذلك، مع تغير خريطة التيارات السياسية داخل إيران بعد فوز الرئيس الإيراني المتشدد «أحمدي نجاد»؛ حيث تم تصنيف الجماعة التابعة له بالمحافظين الجدد، بينما أُطلق على المحافظين التقليديين، اسم المتشددون أو المتشددون المحافظون، وتم تفسير عملية التغير المرحلي لطبيعة التيارات السياسية الموجودة داخل الدولة الإيرانية، بطبيعة الأيديولوجية الثورية لنظام ولاية الفقيه في إيران وترحيبه بوجود عدد كبير من الفصائل السياسية المتنافسة بشكل صوري نسبيًّا؛ لأن القرار السياسي في النهاية يتم اتخاذه من قبل بعض المؤسسات الهامة الخاضعة لسلطات و نفوذ المرشد الأعلى «علي خامنئي».

دوافع المواجهة 
من الواضح، أن هناك حالة غير مسبوقة من الشد و الجذب بين التيارات السياسية الرئيسية في طهران، على خلفية اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 21 فبراير 2020، وهو الأمر الذي من المقرر أن تستمر تبعاته حتى موعد الاستحقاقات الرئاسية في 2021، وسنعرض فيما يلى لأبرز دوافع هذه المواجهة:
1-  التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية
بدء التصعيد الإيرانى مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي في عام 2018، على خلفية اعتراض واشنطن على ما يعرف ببنود الغروب، والتي تتضمن مدة الاتفاق النووي «خطة العمل المشتركة الشاملة» التي وقعتها حكومة روحاني مع الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما»، فضلًا عن اعتراض واشنطن على الدور الإقليمى لطهران في المنطقة وتغلغل النفوذ الإيرانى الشيعي في عدد لا بأس به من العواصم العربية، ولاسيما الخليجية والأمر الذي يضر بمصالح واشنطن في الشرق الأوسط، وشرعت الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد في فرض موجات من العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي كان له تأثير سلبي بالغ الأثر على الاقتصاد الإيرانى؛ ما أدى إلى تدهور وضعه، تزايد نسبة التضخم، فضلًا عن ارتفاع معدل البطالة.
وعليه، أدى ما سبق إلى انقسام حاد بين التيارات السياسية الموجودة داخل إيران وهجوم حاد على حكومة روحاني باعتبار سياستها و سعيها لعقد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية غير الموثوق فيها على حد اعتقاد التيار الأصولي المحافظ، هى المتسبب الرئيسي في كل الأزمات التي باتت تعاني منها الدولة الإيرانية بالداخل، وأصبحت الاحتجاجات التي اندلعت بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مؤشرًا جيدًا على هشاشة الوضع الاقتصادي الإيراني، وترجمة لصراع بين تيارات النظام ومساعي إضعاف روحاني ومشروع الاقتصادي والسياسي، بما يعني وحدة القرار داخل التيار المحافظ المسيطر على مفاصل النظام داخل إيران على كافة الأصعدة.  
2-  انقسام تيار الإصلاحيين
كان التيار الإصلاحي من أكثر  المعولين على الاستثمارات الأجنبية وجنى العوائد الاقتصادية للاتفاق النووي الإيراني بعد توقيعه، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن وخرجت معظم أن لم يكن كل الشركات الأجنبية متعددة الجنسية بمجرد إعلان الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران والشركات الأجنبية العاملة بداخلها، كما يدرك أنصار التيار الإصلاحي جيدًّا أنه لا فائدة من تحدي القوى الدولية والدخول في مرحلة جديدة من التهديدات المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية أخرى، يحاول الإصلاحيون الاندماج بكل الطرق الممكنة في النظام العالمي، بما يحسن وضع الشعب الايراني في كثير من الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الشخصية، ومن ثم الانفتاح على العالم سياسيًّا واقتصادياً.
لذا، أدى كل ما سبق إلى انقسامات حادة داخل تيار الإصلاحيين، ولاسيما بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي و فشل الدول الأوروبية بالتعاون مع حكومة روحاني في الحفاظ عليه، وهو الأمر الذي اتضح في عدم قدرتهم على توفير مرشح بديل للرئيس الحالي «حسن روحاني» بعد عدم صلاحيته للترشح مرة أخرى بعد أن قضى فترتيه الرئاسيتين، و التي ستنتهى آخرها في 2021. 
3-  عدم الاستقرار الداخلي
بات عدم الاستقرار أحد السمات الهامة التي تميز الداخل الإيرانى، الأمر الذي اتضح منذ اندلاع احتجاجات  أواخر ديسمبر لعام 2017 على خلفية اعتراض المواطن على توجيه الحكومة الإيرانية الكثير من أموال التي من المفترض أن يتم توجيهها لحل مشكلات الداخل للإنفاق على المشروع الإيرانى في المنطقة، وتمويل الجماعات الشيعية التابعة لطهران في الشرق الأوسط بما يتضمن «الحشد الشعبي» في العراق وجماعة «حزب الله» في لبنان  و«الحوثيين» في اليمن، وتكرر الأمر فيما بعد على خلفية تأثير العقوبات على المستوى المعيشي للمواطن الإيرانى، الأمر الذي تمثل في نقص بعض المواد الغذائية، بل واختفائها من الأسواق، فضلًا عن ارتفاع أسعارها.
واندلعت الاحتجاجات مرةً أُخرى في نوفمبر لعام 2019 على خلفية قرار مجلس التنسيق الاقتصادي بين السلطات الثلاث برفع أسعار الوقود، وهو ما أدى لخروج الناس إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لسياسات الحكومة في هذا السياق، منددين بسلوك الدولة الإيرانية الإقليمي على حساب العوز الداخلي، أما في 2020 فتكررت الاحتجاجات في يناير على خلفية إسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية راح ضحيتها عدد كبير من طلبة الجامعات الإيرانية، الأمر الذى تزامن مع اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري «قاسم سليماني» على خلفية قيام الميليشيات التابعة له بتهديد المصالح الأمريكية في العراق.

المحافظون والفوز المرتقب
من المتوقع، أن يحرز تيار المحافظين فوزًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية القادمة والمرتقب حدوثها في 21 فبراير 2020 على خلفية استغلالهم للتصعيد الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لاسيما بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري «قاسم سليماني»، والتعويل على الخسائر التي منيت بها حكومة روحاني جراء تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيرانى، وهو الأمر الذى أثار حفيظة التيار الإصلاحي وعلى رأسه الرئيس الإيرانى «حسن روحاني» وخاصةً بعد رفض مجلس صيانة الدستور لعدد كبير من أهلية المرشحين من تيار الإصلاحيين والمعتدلين.
يتوازى ذلك، مع تعويل التيار الأصولي المحافظ على موقف الشارع الإيرانى والتشكيك في مقدار الثقة التي يمكن منحها للتيار الإصلاحي بعد فشل حكومة روحاني في جنى عوائد الاتفاق النووي، بل والحفاظ عليه من الأساس، على أن يتمثل الأمر الأكثر أهمية في تراجع نسب المشاركة السياسية داخل الجمهورية الإسلامية، على خلفية نبرة المعارضة السياسية والاقتصادية العامة والتي تمثلت في تصاعد الظاهرة الاحتجاجية والتي تمثلت آخر موجاتها في تظاهرات يناير 2020؛ بسبب إسقاط الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري لطائرة ركاب أوكرانية، راح ضحيتها عدد لابأس به من طلاب الجامعات الإيرانية؛ ما يفتح الباب على مصراعيه للتزوير والتضليل الانتخابي فيما يتعلق بعدد الأصوات ونسب المشاركة الفعلية لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي.

شارك