المودودي مُنظِّر الحاكمية والجاهلية والدولة الإسلامية

الأربعاء 24/يونيو/2020 - 02:08 ص
طباعة المودودي مُنظِّر حسام الحداد
 

تعتمد الجماعات والحركات الإسلامية على أسماء مؤثرة من التراث الإسلامي بشكل عام لإسناد أيديولوجيتها المتطرفة، وقد أعاد الداعشيون طرح أفكارٍ تعود بجذورها وتأصيلاتها النظرية إلى شخصيات مؤثرة في حركة التاريخ الإسلامي، وإن تمّ ذلك بشكلٍ مشوّهٍ ومبتور عن سياقه أو متصل، فإن بروز هذه الأسماء ارتبط بألسنة المنادين بالعنف الديني أو التغيير الثوري الانقلابي؛ لتبديل المجتمعات العربية والإسلامية منذ النصف الثاني من القرن الماضي.


وفي هذا السياق يقدم رشيد إيهُـوم الباحث المغربي في الفلسفة والفكر الإسلامي دراسته "المودودي مُنظِّر الحاكمية والجاهلية والدولة الإسلامية" المنشورة ضمن أبحاث كتاب المسبار “مرجعيات العقل الإرهابي: المصادر والأفكار” والذي يتناول بعض المصادر النظرية التي يستند إليها «الجهاديون المتطرفون» و«التنظيمات الإرهابية» و«السلفية الجهادية» لإضفاء المشروعية المزعومة لعنفهم ضد المجتمع والدولة، ساعياً إلى تتبع المسارات التاريخية لنضوج الأيديولوجيات الجهادية على مستوى التنظير والتأصيل والتأثر، على اعتبار أن الفهم العام الذي يحاول تفسير ظاهرة «العنف الإسلاموي» لا بد له من استحضار الرموز والأطر العقائدية التراثية والحديثة، لتحديد القوالب النظرية التي ينهض عليها الخطاب السلفي الجهادي.

يقول رشيد إيهُـوم  في دراسته: إن العنف الذي يُمارس اليوم، والذي يُعتبر سمة من سمات العقود الأخيرة التي يمر بها  العالمان العربي والإسلامي؛ يعبر عن أزمة حضارية بدأت بوادرها ترتسم في شرايين هذه الحضارة منذ سقوط الخلافة العباسية في بغداد بعد الغزو المغولي سنة 1258م، والتي أعلنت بعد ذلك عن انتهاء العصر الذهبي في الإسلام، وبداية التراجع الحضاري للمسلمين، مقابل النهوض الغربي، الذي أسّس للحداثة الكونية. 

ويرى أن أهمية العرض التاريخي تكمن في النظر إلى السياق العام الذي يُؤطر ظاهرة العنف الديني كما نلاحظها اليوم، لذلك فإن أي فهم لهذه الظاهرة لا بد له من استحضار مجموعة من المعطيات والمحددات التي تتضافر لكي تنتج هذا العنف الذي يمس من جهة الفكر السلفي، باعتباره المشتل الذي نبتت فيه فكرة «الجهاد»، كما يمس من جهة أخرى صميم الدين الإسلامي، الذي تحول في مخيال الغربيين إلى دين عنف وقتل، وهو ما يفرض على المسلمين إعادة النظر في دينهم وفي واقعهم الحضاري والسياسي، من أجل النهوض وتجاوز التأخر التاريخي.

ويضيف أنه ما دام الحديث عن العنف و«الجهاد» والإرهاب، فإن مواجهته تقتضي الغوص عميقاً في الفكر الذي سمح بظهوره، ونظر له قبل أن يتحول إلى واقع على الأرض. وتعتبر الرموز التي ذكرناها ذات مسؤولية، إما مباشرة أو غير مباشرة في هذه الأحداث، وكي لا يتم إصدار أحكام متسرعة وطلباً للموضوعية، لا بد من الرجوع إلى الأدبيات التي نظرت لهذا الفكر لمساءلة أطروحاتها، والكشف عن مدى مسؤوليتها المعنوية في هذه الأحداث، وسينصب اشتغالنا على أحد أهم هذه الرموز، القيادي الإسلامي الباكستاني أبي الأعلى المودودي، الذي عاش خلال القرن العشرين، وأسهم في تأسيس «الجماعة الإسلامية في الهند» وفي التنظير لأيديولوجيتها السياسية.

ويخلص الباحث في دراسته وتحليله لأفكار المودودي إلى ما عمل على إيجازها في مجموعة من النقاط المهمة: 

أولاً: الطابع الأيديولوجي لفكر المودودي، والذي يجب فصله عن الدين، لأن الدين قد يتحول إلى أيديولوجية للتجييش والدمج والانقلاب، والمودودي خير أنموذج عن الأيديولوجية الإسلامية السلفية الانقلابية التي ارتبطت بسياق تاريخي محدد، والتي استغلت في زمن ومكان آخرين.

ثانياً: ارتباط المشروع النظري الفكري بسياق معين، لا يمكن لغير المطلع عليه، أن يأخذ فكرة وافية عن هذا الصرح الأيديولوجي الذي بناه المودودي، وهو ما أبرزناه في تحليلنا، إذ بينا أن الطموحات السياسية للمودودي ورغبته في الزعامة، في فترة شهد فيها مسلمو الهند تحولاً جوهرياً في تاريخهم، جعلته يوظف الموروث الديني والشعور القومي، كأفكار يمكن أن تؤسس لدولة دينية تحتضن الهنود، وتحكم بينهم بما أنزل الله.

ثالثاً: إن امتداد فكر المودودي وتأثيره على رموز السلفية والإسلام السياسي في الوطن العربي، جعل فكره أكثره انتشارا، ورفع المودودي إلى مرتبة المنظرين الكبار للدولة الإسلامية في الفترة المعاصرة من تاريخ الإسلام.

رابعاً: المودودي له مسؤولية معنوية في ظهور الجهاد والإرهاب في العالم المعاصر، ما دامت أفكاره تشكل عقيدة مجموعة من الجماعات الإرهابية، التي توظف مفاهيم، «الحاكمية» و«تكفير الدول» و«تكفير المجتمعات» و«الانقلاب» و«تطبيق الشريعة» و«القضاء على الجاهلية» وغيرها من المفاهيم. وحتى إن سلمنا جدلاً بأن هذه الجماعات هي التي أساءت الفهم، فإن الثابت هو أن المودودي، أضفى على طروحاته مسحة دينية مقدسة، قد تغري كل مسلم لا يمتلك العدة النقدية والحس العقلي في التمييز بين الصواب والخطأ، ما دام أنه ينطلق من النصوص المؤسسة، وهي القرآن والسنة، ليصوغ من خلال آياتها ومقولاتها، فكراً لا نكاد نميز فيه بين حدود الدين والأيديولوجيا، وذلك راجع بالأساس إلى طبيعة الإسلام نفسه، الذي ظهر في البداية كحركة دينية وسياسية وأيديولوجية تهدف إلى توحيد عرب شبه الجزيرة العربية، وهو ما يقتضي -كما رأينا في المحور الأخير- إعادة النظر في ديننا وتراثنا، من أجل تخليصه من كل التأويلات المغالية، والمتطرفة التي قام بها أشخاص كان هدفهم في المقام الأول سياسياً، ومن ذلك، الحد الأدنى من الفصل بين المجال الزمني، والمجال الديني المطلق، من باب المساهمة في حماية الدين من مقتضى العمل السياسي، المتميز بطابعه النسبي والمتحرك والذي يغلب عليه منطق المصلحة، وإرجاع الدين بالمقابل إلى نفوس معتنقيه وقلوبهم، وفي ذلك تحصين للدين من انحرافات الفاعلين في الحقل الديني.


شارك