فرنسا والرسوم المسيئة.. هجمات تفجر الجدل بين الدين والحرية

الجمعة 30/أكتوبر/2020 - 03:32 م
طباعة فرنسا والرسوم المسيئة.. جبريل محمد
 
عاشت فرنسا خلال الفترة الماضية، هجمات مروعة راح ضحيتها العديد من الأبرياء، تتقاطع حلقاتها مع قضية نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد (ص).
الهجمات التي اشتعلت منذ نشر صحيفة "شارلي إيبدو" رسوما مسيئة للنبي محمد، مما أدى لعملية إرهابية ضد محرري الصحيفة، وعادت من جديد مع قطع رقبة مدرس عرض تلك الرسوم على طلابه في إحدى الحصص الدراسية الخاصة بحرية التعبير، ليتفجر من جديد الجدل حول الخيط الرفيع بين الحرية والدين.
جدل اشتعل بقوة مؤخرا ليترجم إلى أفعال إرهابية، بدأت بقطع رقبة صمويل باتي، مدرس التاريخ ثم تلتها عملية طعن في كنيسة روتردام بمدينة نيس، ليعلن بعدها عن القبض على شخص يحمل سكينا في مدينة أخرى كان يعتزم مهاجمة المدنيين.
وسبق ذلك دعوات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة البضائع الفرنسية، ردا على تعليقات اعتبرت مسيئة للإسلام والمسلمين، أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، وسط إصرار على نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد.
تصريحات ماكرون ودفاعه عن الرسوم، جعلت فرنسا في مرمى العاصفة، وجعلتها على خلاف مع العديد من الدول الإسلامية، التي اعتبرت مؤسساتها الدينية على أن "حرية الرأي والكلمة والتعبير على اختلاف وسائله لا تعني التطاول على عقائد الآخرين ورموزهم".
ودعا العديد من الرموز الدينية في العالم الإسلامي فرنسا لإعادة النظر بمفهوم الحرية المطلقة، التي ليس لها حدود، والعودة إلى المفاهيم الحقيقية لحرية التعبير، التي تقف عند احترام الآخرين وعدم المس بعقائدهم ورموزهم.
ففرنسا؛ التي يروج البعض أنها تسيء للإسلام وتضطهد المسلمين، هي نفسها التي طالب وزير داخليتها جيرالد دارمانان بوضع المساجد في مدينتي بوردو وبيزييه تحت حماية الشرطة بعد تلقيها تهديدات، وبعد تلقيها رسائل كراهية، هي نفسها التي خرج بيان حكومتها بالتأكيد على خطر "الإسلام السياسي".
وشدد الرئيس ماكرون على قيم الجمهورية الفرنسية، بالقول إن "على فرنسا التصدي للانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية"، بيد أنه خلط بين الحجاب بصفته زيّ حشمة ويزج به بين الرموز الدينية؛ الأمر الذي يمكن للبعض قراءته على أنه ممارسات لشرعنة التمييز ضد المسلمين من خلال سياسة ممنهجة قانوناً.
وهذا يقودنا إلى محاولة قراءة بيان الحكومة الفرنسية؛ هل هو شرعنة تمييز ضد المسلمين بوصفهم أقلية تعيش في فضاء الجمهورية الخامسة، أم أنه محاولة لتحصين فرنسا من تسلل قوى الإسلام السياسي الذين أفسدوا الحياة السياسية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق؟ وإن كانت مصر تخلصت من عباءة الإسلام السياسي مبكراً، على العكس من ليبيا التي خاضت حروباً ومواجهات مسلحة مع عنف "الإسلام السياسي".
ويرى مراقبون، أن الحملة الفرنسية ضد الإسلام السياسي تستهدف أساساً "الإخوان" والتنظيمات المنبثقة عنها، والتي استفادت من الغطاء القانوني للحريات الفردية وقيم الجمهورية الفرنسية الخامسة. 
مشهد القتل بقطع الرأس الذي تعرض له المدرس الفرنسي على يد أحد "الذئاب المنفردة" والتي يحركها الإسلام السياسي من بُعد، هو القشة التي قصمت ظهر البعير.
وبعد موجات التطرف والإرهاب التي طالت فرنسا، فمن حقها حماية أمنها المجتمعي وفق القوانين التي تكفل العدالة والمساواة للجميع من دون الإضرار بحرية العبادة، خصوصاً أن من بين ضحايا الإرهاب مسلمين، ولعل مشهد قتل الشرطي الفرنسي المسلم أحمد مرابط بدم بارد على رصيف مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، ما يؤكد أن ليس للإرهاب دين. 
واستغل البعض الرسوم المسيئة الأرض حول فرنسا، ورغم أن الهجوم الذي استهدف صحيفة شارلي إيبدو في 2015 سلط الضوء بشكل أكبر على الرسوم المسيئة للنبي محمد، إلا أن الجدل الذي فجرته رسوم مماثلة يعود إلى 15 عاما.
ففي 30 سبتمبر 2005، نشرت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، ما أثار استنكارا عربيا واسعا، لكن دون تسجيل أي حوادث عنف بهذا الخصوص.
وبحلول 2006، انطلقت حملة مقاطعة واسعة للسلع والمنتوجات الدنماركية، واندلعت مظاهرات عنيفة استهدفت سفارات هذا البلد في العديد من البلدان الإسلامية.
وفي 2007 أيضا، تفجرت الرسوم مجددا على خلفية محاكمة مجموعة قال الأمن الدنماركي إنها كانت تخطط لعمليات إرهابية، مشيرا إلى أن أحد المتهمين استحضر قضية الرسوم خلال التحقيقات.
أما عام 2008، فشهد عودة قوية للقضية عقب إعلان الشرطة الدنماركية إحباط محاولة اغتيال أحد رسامي الكاريكاتيرات الـ12 في صحيفة "يلاندس بوستن".

شارك