الإخوان خصوم الديمقراطية.. الجزء الأول

الثلاثاء 01/ديسمبر/2020 - 01:01 م
طباعة الإخوان خصوم الديمقراطية..
 

أعد الملف : حسام الحداد - على رجب - روبير الفارس - هاني دانيال - أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني


حينما نبحث في ملف الإخوان والديمقراطية، فإننا بلا شك نصطدم بحقائق كانت غائبة عن أعيننا قبل عام 2011، حيث حاول الإخوان الربط بين الديمقراطية ومبدأ الشورى من أجل تبرير انخراطهم في السياسة ولهذا أخذوا بالديمقراطية مجبرين، لأنهم يدركون أنها طريقهم الوحيد إلى السلطة وتحقيق أهدافهم، ويتبين هذا من مسيرة الإخوان تاريخيًا والتي تعكس استغلال الآليات والسبل كافة، بما فيها الدين نفسه، وتوظيفها من أجل تحقيق هدف الوصول إلى الحكم في مختلف الدول العربية والإسلامية.

نشأت جماعة الإخوان المسلمين في البداية كحركة دينية، ولم يكن من ضمن أهدافها المشاركة في السياسة أو الحكم. فقد نصت المادة 3 من الباب الثاني في القانون الأساسـي لإنشاء جمعية الإخوان الصادر عام 1930 على عدم التعرض للسياسة أو الخلافات الحزبية والدينية، كما نصت ديباجة هذا القانون على:

إنشاء جمعية دينية أغراضها ومقاصدها نشـر الأحكام الشـرعية، والحض على التحلي بمكارم الأخلاق والعمل على المحافظة على كتاب الله تعالى "القرآن الكريم"، وكذا العمل على عمارة ما يتهدم من بيوت العبادة "المساجد"....

لذلك لم تكن القضايا المتعلقة بالسلطة أو الوصول إليها آنذاك، خاصة الأحزاب أو الديمقراطية والانتخابات، موضع ترحيب من المؤسس حسن البنا أو جماعته، بل تميزت هذه الفترة بالذات بعلاقة جيدة بين الجماعة والملك فاروق، الذي حكم مصـر من عام 1936 إلى عام 1952. كما كان موقف الإخوان من الأحزاب السياسية القائمة وكذا الحكومات موقفًا محايدًا لا يتعدى دور الناصح والواعظ لها، وقد ذكر البنا في رسائله أن من أهم خصائص دعوته هو الابتعاد عن الأحزاب والهيئات.

ومع ذلك كان موقف الجماعة الفكري من الأحزاب مختلفًا، ليس في عدم إنشائها أو المشاركة فيها فقط، وإنما في جدوى وجودها ومشـروعيته أيضًا، فقد تحدث البنا عنها في أكثر من موضع في كتاباته، حيث يقول:

أما موقفنا من الأحزاب السياسية فلسنا نفاضل بينها ولا ننحاز إلى واحد منها، ولكننا نعتقد أنها تتفق جميعًا في أمور عدة، منها أنها لم تقتنع بوجوب المناداة بالإصلاح الاجتماعي على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام. 

 


تبرير الانخراط بالسياسة 

ومن هنا أصبح موقف الإخوان من الأحزاب منذ البداية سلبيًا وفي مرحلة لاحقة رافضًا، لذا طالب البنا بإلغائها وحلها من منطلق أنها من الفتن أو مسبباتها. فقد أرسل البنا عام 1938 رسالة إلى الملك فاروق يطالبه فيها بحل الأحزاب السياسية بسبب فسادها والانقسام الذي أحدثته في المجتمع المصـري والدولة. وأعلن في السياق نفسه التحول من دعوة الكلام إلى الأعمال والنضال، وأن الجماعة ستختصم جميع الأحزاب والزعماء، سواء كانوا في الحكم أو خارجه ما لم يعمل هؤلاء على نصـرة الإسلام واستعادة حكمه ومجده. ولعل هذا يفسـر الموقف الرافض للأحزاب في البداية بحجة عدم وجود أصل لها في الدين أو التاريخ الإسلامي، أو أنها مستوردة أو تمثل ثقافة دخيلة من الغرب، ومن ثم فإن هدفها السلطة، وعادة ما تكون سببًا في الفرقة والفساد.

وتدريجيًا، انتبهت جماعة الإخوان إلى ضـرورة تغليف نهجها بفكر مغاير لتحقيق الأهداف السياسية المتوخاة، فأعلنت عن تغير في نظرتها للأحزاب إلى درجة التناقض تقريبًا. فبينما كانت معظم الكتابات والآراء الفقهية تميل نحو الرفض، بل وأحيانًا التحريم، بدأ الإخوان المسلمون بإضفاء شـرعية على عمل الأحزاب كهيئات تنظيمية يمكن التعامل معها أو المشاركة فيها أو إنشاؤها من أجل تحقيق الهدف الأساسـي، لذا كان التحول في نظرة الإخوان المسلمين للأحزاب مصحوبًا دائمًا بتوجهها إلى المشاركة في الانتخابات والوصول إلى السلطة، سواء في البرلمان أو الرئاسة. لذلك قبل الإخوان المسلمون تعدد الأحزاب السياسية، وقاموا بتأسيس الأحزاب وفقًا للقوانين التي كانوا يرفضونها من قبل في العديد من الدول التي يوجدون فيها، كالمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية والجمهورية التونسية وجمهورية مصـر العربية.

ولا ينفصل مفهوم الإخوان المسلمين ونظرتهم إلى الأحزاب عن نظرتهم إلى الديمقراطية التي تقوم على التعددية الحزبية والمحاسبة. فقد كانت الجماعة منذ نشأتها ترفض الديمقراطية كمفهوم غربي وعلى أقل تقدير تعزف عن الانخراط أو العمل في إطارها أو إطار المؤسسات المنبثقة عنها، من منطلقات شـرعية فقهية. ولم يكن الإخوان المسلمون، كغيرهم من الجماعات الدينية في هذا السياق، بعيدين عن الخلط أحيانًا بين الديمقراطية ومفاهيم إسلامية أساسية كالشورى، حيث كثيرًا ما كانت الأدبيات تُقارن الديمقراطية بالإسلام مع أنها ليست دينًا، بل وتقوم في فلسفتها على مبدأ تحييد الدين عن السياسة أو أبعد من ذلك، فصله كليًا عن الدولـة.

وفي النهاية، وبالمنطق والمبررات ذاتها، أعلن الإخوان المسلمون قبولهم الديمقراطية كآلية للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه لتحقيق أهدافهم، وبدءوا ينخرطون فيها تدريجيًا ومن ثم يؤسسون الأحزاب، وكان الغطاء العقائدي لذلك، هو الانطلاق من فرضية وجود قواسم مشتركة بين الديمقراطية ومبدأ الشورى في الإسلام، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ﴾، حيـث ينظـرون إليهـا كإطار وليـس كجوهر. لذلك يبرز - كما يرى الكثيرون - التناقض في التصور كثيرًا عندما تتم مناقشة قضية الاختيار والإلزام، فبينما كانت الشورى أهم المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام كما يعتقد الإخوان المسلمون، وغيرهم من الجماعات الدينية السياسية، بل وربما تكون من الأسس المتفق عليها بين الفقهاء المسلمين على مر العصور، فإن إظهار "الديمقراطية" باعتبارها البديل أو المرادف لمفهوم "الشورى" ينطوي على تناقضات عدة، فهناك خلاف ممتد في الفقه الإسلامي حول إلزامية الشورى من عدمها، فضلًا عن قضية الحاكمية ومرجعية الشـريعة؛ أي دخول الدين في السياسة والقوانين.

ولقد أخذ حسن البنا في البداية بمبدأ ينطلق من أن الشورى تقوم على إعلام ولاة الأمر وليس إلزامهم. وهذا في جوهره لا يتوافق مع مبدأ الديمقراطية، حيث يكون فيها قرار الغالبية ملزمًا في الإطار الوطني، ولهذا لم يكن من الممكن الانخراط في السياسة وفقًا لقواعدها القائمة آنذاك من دون الأخذ بمبدأ الإلزامية، لذا حدث تحول في فكر البنا نفسه، حيث أخذ في أواخر حياته بمبدأ إلزامية الشورى. الحقيقة أن موقف الإخوان المسلمين من الديمقراطية كان دائمًا مثار نقاش داخل الجماعة نفسها ولسنوات طويلة قبل أن تحسم الجماعة أمرها وتغلب الرأي القائل بالديمقراطية كونه يحقق مصلحة الجماعة على المدى البعيد، ومن ثم أصبح الحديث عن الديمقراطية أمرًا مستقرًا في أدبيات الإخوان المسلمين ومنطلقًا لهم في توظيف المعطيات القائمة، ومن ثم قبول صناديق الاقتراع كطريقة للوصول إلى الحكم.

وعليه أصبح موقف الإخوان المسلمين من موضوع الديمقراطية والأحزاب فضلًا عن المواقف من بعض القضايا الفقهية من أسباب خلاف الجماعة مع التيارات الدينية الأخرى، بل ومن أسباب الانشقاقات التي حدثت داخل الجماعة نفسها ونتج منها تنظيمات مختلفة في الفكر، يتبنى بعضها العنف المبني على التكفير أساسًا لمنهجها وسعيها إلى التغيير. وقد ظهر الخلاف بشكل كبير في التسعينيات، حيث لجأت "الجماعة الإسلامية" في مصـر إلى العنف والمواجهة المسلحة مع الحكومة المصـرية، بينما كان الإخوان المسلمون يعيدون النظر في تصوراتهم السابقة من قضايا الحكم والسياسة، ويعملون على التكيف مع المعطيات الجديدة التي يتطلبها الواقع ورغبتهم في الوصول إلى السلطة والمشاركة في الحكم، فأصدروا ثلاث وثائق يعبرون فيها عن رؤيتهم الجديدة للدولة والحكم، وتعد أهم وربما أخطر ما صدر عنهم، حتى عدّها بعضهم بمنزلة التأسيس الثاني للجماعة. ففي الوثيقة الأولى التي صدرت في مارس 1994م بعنوان "المرأة والشورى"، تم تأكيد حق المرأة في العمل والمشاركة في الانتخابات وتولي الوظائف العامة والحكومية. أما الوثيقة الثانية التي سميت "الشورى وتعدد الأحزاب في المجتمع المسلم" والتي صدرت في الشهر نفسه (مارس 1994م)، فقد أعلنت الجماعة من خلالها قبولها الحكم الدستوري النيابي، وأن الأمة مصدر السلطات، وأن الشعب هو صاحب الحق في اختيار من يتولى أمره، كما أكدت الوثيقة قبول الإخوان المسلمين مبدأ تداول السلطة بين الجماعات والأحزاب عن طريق الانتخابات الدورية.

أما الوثيقة الثالثة التي سميت "بيان للناس" والصادرة في أبريل 1995م، فتتناول الموقف العام من المسلمين وغير المسلمين، وعلاقة الدين بالسياسة، ورفض العنف وتأكيد حقوق المسيحيين، وأبرز ما في الوثيقة أنها أشارت إلى أن شـرعية الحكام تستمد من رضـى الناس واختيارهم. ومن المؤكد أن هذه الوثائق تعكس قبولًا من الإخوان المسلمين لمفاهيم سياسية غربية، وهي مفاهيم تجافي مبدأ "الحاكمية"، وذلك من دون إجراء الجماعة أي مراجعات فكرية وفقهية تعكس قبولها الواقع السياسـي المعاصـر، والتراجع عن ثوابتها الفكرية في هذا الشأن، ما يثير بدوره تساؤلات حول جدية الجماعة في تطبيق هذه الوثائق الجديدة، والذي تمت الإجابة عليه حينما وصلوا إلى الحكم في مصر وتونس بعد أحداث الربيع العربي.

قد طوّر الإخوان خطابهم في الديمقراطية لاحقًا، من خلال المشاركة في الانتخابات التشريعية؛ على صعيد الممارسة العملية، دون مراجعة أفكار شيوخهم ومفكريهم، وآرائهم، ودون مراجعة الفتاوى الفقهية التي تشكلت منهم عبر التاريخ، وما زالت تحكم العقل الإسلاموي حتى الآن؛ بمعنى أنّ المنهاج الفكري لقواعد الإخوان، بقي كما هو، ينهل من آراء حسن البنا المتناقضة والمبهمة؛ كموقفه الرافض للحزبية السياسية. أو من أفكار سيد قطب الذي لا يؤمن بالديمقراطية؛ لأنها تشارك الخالق في الحاكمية والتشريع! أما الشيخ والقيادي الإخواني الأردني، الدكتور محمد أبو فارس، فيقول عن الديمقراطية:

"كمسلم، لا أرى في الديمقراطية حلًّا، فالإسلام هو الحل، والديمقراطية تنتمي لنظام علماني غير إسلامي، أنّها حكم الشعب بواسطة الشعب، بالنسبة إليَّ: الحاكمية لله، وليست للشعب، لأنّ الله هو أساس السلطان".

فموقف شيوخ الإخوان هذا من الديمقراطية، يفضح انتهازيتهم وتدليسهم على الناس، ويثبت أنّ خطابهم السياسي، الذي يتضمن شعاراتٍ ديمقراطية، هو تقية سياسية، وقناع للوصول إلى السلطة، ومن ثمّ خنق الديمقراطية، وإلغاؤها، لتكون السيادة الفاشية إخوانية فقط. وقد بلغت هذه الانتهازية حدّ التحالف مع بعض القوى اليسارية والليبرالية، لأجل تشكيل جبهة تعطيهم غطاءً سياسيًا، يزيد نفوذهم داخل المجتمع والدولة، ثمّ يسارعون للانقلاب، في أول فرصة تلوح لهم، وهذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير مباشرة.

استطاعت جماعة الإخوان وبمساعدات خارجية من أنظمة إقليمية وعالمية، القفز على ثورة 25 يناير 2011، واستغلالها للاستيلاء على الحكم والسيطرة على مؤسسات الدولة المختلفة ووضع خطة لأخونتها، من أجل تحقيق أهداف ومآرب وأغراض الجماعة والترويج لفكرها المتطرف وأفكارها الإرهابية، وخططت الإخوان للاستحواذ على سلطات الدولة، ولجأت في سبيل ذلك إلى ارتكاب انتهاكات وتزوير وتهديد، واستغلت السلطة والنفوذ لأخونة المؤسسات وتحقيق مصالحها.

وفى عام حكم الجماعة (2012/2013) خططت الجماعة للسيطرة على السلطة التشريعية (مجلسى الشعب والشورى)، وفى سبيل ذلك ارتكبت أخطاء وانتهاكات دستورية وقانونية، ما بين إصدار قانون مخالف للدستور لتمكين أعضاء الجماعة من التسلل إلى مجلسى الشعب والشورى والحصول على الأغلبية النيابية من أجل إصدار تشريعات تحقق مصالح الجماعة وأهدافها على حساب الصالح العام للوطن.

مكتب الإرشاد بديلا لمؤسسات الدولة

كانت جماعة الإخوان المسلمين تحكم مصر من داخل المقر الرئيسى لمكتب الإرشاد، وشهد هذا المبنى - طوال العام الذى حكمت فيه الجماعة مصر صدور أهم القرارات التي كان يخرج المعزول محمد مرسى للإعلان عنها باعتباره رئيس جمهورية مصر العربية، لكنه في الواقع كان ناطقا باسم مكتب الإرشاد والمرشد العام للجماعة الإرهابية وقتها محمد بديع.

وصار هذا المقر بديلا لقصر الرئاسة بالاتحادية ومجلس الشعب ومجلس الوزراء وكافة المؤسسات التشريعية والتنفيذية، يمنع أحدًا من الاقتراب منه، وكان مكتب الإرشاد يُدير الدولة المصرية كما يدير قطيع الإخوان تماما، وربما كان هذا سببا في السقوط المدوى والسريع للجماعة في الشارع المصرى، وذلك بعد أن رفض المصريون أن يُعاملوا معاملة القطيع من الراعى الجالس في مكتب الإرشاد.

لم يكن محمد مرسى رئيسا فعليا للبلاد، وكانت مؤسسة الرئاسة وقتها مجرد أداة في يد مكتب الإرشاد ومرشده العام للسيطرة على مفاصل الدولة، وحاولت الجماعة هدم تلك المؤسسات من داخلها بعدما فشلوا في تمكين عناصرها من المؤسسات وأخونتها بالكامل وذلك عن طريق تنشيط كوادرها داخل المؤسسات.

فقد تحولت مؤسسة الرئاسة إلى لجنة من اللجان النوعية المستحدثة في الهيكل التنظيمى لجماعة الإخوان، وكان مسئول اللجنة هو محمد مرسى، وهو ملتزم بتوجهات الجماعة وقرارات مكتب الإرشاد كأى عضو أو مسئول تنظيمى داخل الجماعة، فأما من الناحية الإدارية فكان مرسى المتحكم في إدارة أعضاء هيئة اللجنة بتوزيع الاختصاصات فيما بينهم، أما الجوانب الفنية في اتخاذ القرار فكانت تخضع لمكتب الإرشاد.

الاستحقاقات الدستورية

كان أول هذه الاستحقاقات استفتاء 19 مارس والشهير بغزوة الصناديق، “،”أبشروا بالاستقرار.. ودوران العجلة“.. بهذه الشعارات رَوَّج الإخوان، وأنصارهم من السلفيين، لاستفتاء مارس 2011؛ من أجل حث الشعب للتصويت بـ“،”نعم“،”، وحتى تنقلب الأحوال وتتبدل الأمور، وتأتي انتخابات مجلس الشعب قبل وضع الدستور، أو على الأصح نبني البيت ثم نضع الأساس!

روج دعاة جماعة الإخوان، وتيار الإسلام السياسي، وبعض المتأخونين، لـ“،”غزوة الصناديق“، وبشروا الشعب بالاستقرار والثراء وعودة الأموال المنهوبة، وأخرجوا من جيبوهم السحرية صكوك دخول الجنة للتصويت بـ”نعم“على استفتاء 19 مارس 2011؛ من أجل «الاستقرار والعجلة اللي بتدور»، وكان هذا الاستفتاء بداية الكوارث والأزمات السياسية، 19 مارس كان مجرد إرهاصة لعدد من التجاوزات وصلت حد الكوارث، وساهمت في شعور المواطن العادي بحالة من الإحباط تزداد يومًا بعد يوم.

في 26 سبتمبر 2011 أصدر المجلس العسكري إعلانًا دستوريًّا حول الانتخابات البرلمانية، وذلك على أن تكون نسبة الانتخاب بالقوائم الحزبية ثلثين ونسبة الثلث للفردي، ويتضمن الإعلان مراسيم 3 قوانين منظمة للعملية الانتخابية.


انتخاب مجلس الشعب

على إثر الإعلان الدستوري للمجلس العسكري تم انتخاب البرلمان المصري، الذي حصل فيه الإخوان والسلفيون على الأغلبية، بنسبة 43% للإخوان و22% للسلفيين و7% للوفد و3% المصري الديمقراطي الاجتماعي والمصريين الأحرار.

  

وهذه الانتخابات التي كانت بعد الثورة مباشرة نوفمبر 2011، ارتكبت الجماعة الإرهابية وحزبها المنحل "الحرية والعدالة" عدد كبير من الخروقات والانتهاكات للعملية الانتخابية بجانب التزوير والتي تمثلت في شراء أصوات المواطنين وتوزيع مواد غذائية أمام اللجان، لسرقة ارادة الشعب والسيطرة على السلطة التشريعية.

كما رفعت الجماعة شعارات دينية لدغدغة مشاعر المواطنين، وتحولت دور العبادة والمؤسسات الدينية إلى منابر للدعوة لدعم وتأييد الجماعة.

وكان سيناريو الجماعة الإرهابية يقوم على تشويه وضرب الصف الوطنى للشارع السياسى المصرى وصولا لهيمنة مكتب الإرشاد على القرار السياسى، وتضمن مخططهم اختطاف الدستور من خلال اختطاف البرلمان في انتخابات متعجلة لم يستعد لها أحد سواهم، ورفعوا شعار الانتخابات قبل الدستور لتكون لهم الغلبة والسيطرة العددية لإصدار دستور إخوانى لتحقيق أطماع الإخوان وأهدافهم.

وبعد سيطرة الجماعة الإخوانية على البرلمان، شرعت في استعداء السلطة القضائية، محاولة إصدار قانون لعزل آلاف القضاة بهدف السيطرة على المؤسسة القضائية وأخونتها، ولكن السلطة القضائية والقوى المدنية والسياسية تصدت بقوة لهذا المشروع وأفشلته، كما سعت الجماعة الإرهابية من خلال البرلمان إلى إصدار قوانين تخدم أهدافها وأطماعها السياسية للسيطرة على الحكم.

كما عملت جماعة الإخوان على الانفراد بكتابة الدستور المصرى بعد الثورة، وصدار دستور غير متوافق وطنيًا مع جموع الشعب المصري، مما أدى لافتقاد التوافق نهائيًا، وزيادة حالة الاستقطاب في الشارع المصري، بتزوير الاستفتاء عليه، بالإضافة إلى سن قوانين وتشريعات مقدمة من جماعة الإخوان من خلال مجلس شورى باطل لم ينتخبه إلا 5% من الشعب المصري، وذلك بعد صدور حكم قضائي ببطلان مجلس الشعب.حل مجلس الشعب

قضت المحكمة الدستورية العليا يوم 14 يونيو 2012 -في حكم تاريخي- بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، وقالت في حيثيات حكمها إن انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، وقضت أن تكوين المجلس بكاملة يكون باطلًا منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتبارًا من تاريخ الحكم، دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر.

قرار عودة مجلس الشعب

بعد فوزه برئاسة الجمهورية؛ أصدر الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، قرارًا بإلغاء قرار حل مجلس الشعب، الصادر من المحكمة الدستورية العليا، على أن يعود المجلس لممارسة مهام عمله. ونص القرار على سحب القرار رقم 350 لسنة2012 باعتبار مجلس الشعب منحلًا، اعتبارًا من يوم الجمعة الموافق 15 يونيو سنة 2012، وعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته، وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها، بالمادة 33 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30 مارس 2011، كما قرر إجراء انتخابات مبكرة لمجلس الشعب خلال 60 يومًا من تاريخ موافقة الشعب على الدستور الجديد، والانتهاء من قانون مجلس الشعب.

مرسي يتراجع عن القرار

وفي بيان عن رئاسة الجمهورية تراجع الرئيس محمد مرسي عقب عاصفة قانونية عن قراره بعودة المجلس للانعقاد، مؤكدًا احترامه لقرار المحكمة الدستورية العليا. وقالت في بيان صادر الأربعاء: “،”إننا نؤكد على أن قرارانا رقم 11 لسنة 2012 بسحب قرار حل مجلس الشعب وعودته لأداء عمله وإجراء انتخابات مبكرة خلال 60 يومًا من وضع الدستور الجديد وقانون انتخابات مجلس الشعب كان الهدف منه هو احترام أحكام القضاء وحكم المحكمة الدستورية“،”.

إعلان دستوري بتحصين القرارات

ووصل تحدى جماعة الإخوان ورئيسها المعزول لإرادة الشعب المصرى، إلى إصدار الإعلان الدستورى في 22 نوفمبر 2012، والذى أثار جدلا ورفضا واسعا بين الأوساط الميدانية والشعبية، وكان يرمي لتعزيز صلاحياته، وتوسيع سلطاته، وتحصين قراراته من القضاء، وتسبب هذا الإعلان في احتجاجات عريضة في الشارع المصري، ويعد هذا الإعلان هو الشرارة الأولى لإسقاط حكم الجماعة الإرهابية واندلاع ثورة 30 يونيو وخروج الملايين بالميادين.

وكان الإعلان الدستوري ينص صراحة على تحصين أعمال مرسى بصفته رئيسا للجمهورية من رقابة القضاء، وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور من الحل، وهو ما يخالف الدستور ويعد تعديا على السلطة القضائية وإرادة الشعب وحق التقاضي، حيث أعطى الرئيس الإخوانى المعزول بموجبه صلاحيات مطلقة له، وجعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أى جهة أخرى، وكذلك تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أيًا منهما "كما حدث لمجلس الشعب في بداية حكمه".

وإزاء تجاوزات وانتهاكات الإخوان وتعديها على إرادة الشعب، خرج الشعب المصري في ثورة 30 يونيو حت أسقطت حكم الإخوان وعزل "مرسى" من الحكم.

شهادة سيف عبد الفتاح:

وربما كانت شهادة سيف عبد الفتاح، المستشار السابق للمعزول محمد مرسى، عن تفاصيل خطيرة لأول مرة عن كيفية اتخاذ مرسى قراراته المهمة والمصيرية المتعلقة بشئون الدولة والمواطنين، خير دليل لما ذكرناه سابقا، فقد أزاح سيف الستار عن أن مستشارو مرسى كانوا مجرد مناصب رمزية لا يؤخذ برأيهم، وإنما كانت الاستشارات والقرارات تأتى لرئاسة الجمهورية من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان الإرهابية ومستشارى التنظيم الإرهابى، وأهل الثقة من أعضاء التنظيم، وليس أهل الخبرة وأصحاب المناصب الرسمية في رئاسة الجمهورية، كما هو معمول به في كافة الدول والعهود السابقة واللاحقة في مصر.

وقال سيف عبد الفتاح، في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية، إن "الرئيس – في إشارة للمعزول محمد مرسى - لما عينا مستشارين.. قعد وقالنا يعنى إيه مستشار، فقال مستشار يعنى يقول الرأى لكن أنا مش ملزم به".

شارك