علاقة إخوان المغرب العربي بالتنظيم الأم

السبت 23/يناير/2021 - 12:54 م
طباعة علاقة إخوان المغرب فاطمة عبدالغني
 
رغم محاولات طمس الوقائع والحقائق التي تؤطر لارتباط إخوان المغرب العربي "التنظيمي" بالجماعة الأم، إلا أن التاريخ له أحكامه الخاصة ومنطقه الصارم في الحكم على مواقف جماعة الإخوان وكشف أجندتها السياسية وحقيقة مخططات "التمكين" للوصول إلى السلطة.
وفي الوقت الذي تتناسل فيه العديد من الشهادات والتعبيرات السلوكية التي تؤكد وتقطع يوما بعد يوم بوجود ارتباط عضوي وتنظيمي وإيديولوجي، إلا أن قيادات الإخوان في المغرب العربي تنكر ارتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وتمثل حالة إخوان تونس والمغرب أهمية خاصة، فحزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب لا ينكرا أنهما كانا يتبنيان المشروع الإخواني في مرحلة سابقة، ويدعي كليهما أنهما تجاوزا الفكر الذي يقف من وراء هذا المشروع، ولم يعد ثمة ما يربطهم به سوى الاتفاق حول تبني المرجعية الإسلامية في الحكم. 
ولكن حتى إدعائهما بقطع الروابط مع الفكرة والتنظيم الأم يظل محل شك كبير لأسباب عدة. أولها، تبنيهما لشعارات غامضة ومعممة على شاكلة شعار الإخوان "الإسلام هو الحل"، حيث يتبنيان شعارا مماثلا وهو "الحكم بمرجعية إسلامية". فمثلما عجز الإخوان التقليديين عن تقديم مشروع واضح لكيفية حل المشاكل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية عن طريق مرجعية الإسلام هو الحل، ما يزال الإسلاميون الذين يدعون تجاوزهم لفكر وأيدولوجية الإخوان عاجزون عن شرح معني "الحكم بمرجعية إسلامية" على نحو يحدد موقفهم من شكل الدولة ودور رجال الدين في الحكم، وقضايا عديدة مثل حرية العقيدة وحقوق المرأة، وغيرها. ثاني الأسباب التي تشكك في فكرة تجاوز الحزبين لفكر جماعة الإخوان أن كليهما يحرص على المشاركة أو دعوة عناصر محسوبة على الإخوان والتنظيم الدولي في تظاهرات عدة. وعلى سبيل المثال، كشف الباحث المغربي إدريس الكنبوري، عن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وبين حركة التوحيد والإصلاح التي انبثق عنها الحزب، بقوله: في جميع المؤتمرات التي يعقدها الحزب أو الحركة تتم دعوة أشخاص من الإخوان المسلمين المصريين والحركات الإسلامية الأخرى، والأمر نفسه بالنسبة إلى مؤتمرات هذه الحركات. والفلسفة الكامنة وراء هذا الحضور هي الوقوف على سير الأمور في أفق وضع تقارير حول الوضعية العامة للحركات الإسلامية في مختلف الأقطار، وتبادل الخبرات والمصالح، وتنسيق المواقف في ما يجب أن يتم فيه التنسيق، وطبعا مع ترك هامش لكل تنظيم محلي للاشتغال وفقا للقوانين المحلية وأوضاع البلد.
وفي تونس شهد حزب النهضة انقسامات على خلفية ابتعاد الحزب عن مرجعيته القريبة من فكر الإخوان المسلمين رغم كل ادعاءات التجاوز، فالجناح المحافظ القريب من الفكر التقليدي للإخوان أعرب عن امتعاضه من تقديم الجناح المسمى بجناح "لندن"، والذي يقوده الغنوشي، لمزيد من التنازلات لصالح الحزب الحاكم بما يمس بمصداقية المرجعية الإسلامية للحزب، خاصة في قضايا جوهرية مثل قانون المصالحة مع السياسيين السابقين في نظام بن على. كما عبر الجناح المحافظ نفسه عن غضبه من دعوة الرئيس التونسي السابق قايد السبسي للرئيس عبد الفتاح السيسي في نوفمبر من العام 2017 لزيارة تونس معتبرين سكوت الغنوشي عن ذلك، وهو شريك في الائتلاف الحاكم، بمثابة خيانة لما ادعوه من إراقة دم إخوانهم في مصر، بحسب زعمهم.
أما فيما يتعلق بالجزائر فبحسب تقرير سابق لموقع بوابة الحركات الإسلامية اختارت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر ألا تحسم موقفها من حركة مجتمع السلم "حمس"، التى ظلت تمثل جناح الإخوان في الجزائر رسميا منذ إنشائها 1990، وحركة الدعوة والتغيير، ورغم إعلان المرشد العام للجماعة السابق، محمد مهدى عاكف في مارس 2009 ، إعفاء "حمس" من تمثيل الإخوان، لم تتوقف الاتصالات بين الجماعة الأم والحركة، التي انقسمت إلى شطرين بعد صراع طال بين قادتها أنذاك- رئيس الحركة "أبو جرة سلطانى" ونائبه الوزير السابق عبد المجيد مناصرة، وانفلتت معه الأوضاع داخل مجتمع السلم، ولم تُجد محاولات الصلح التى بذلها المرشد العام حينها- الأمر الذي عكس تضاربا إخوانيا، سواء من قبل مكتب الإرشاد أو من قبل قادة التنظيم الدولى في أوروبا.
وأعلن مهدى عاكف رفع غطاء الإخوان عن أكبر حزب إسلامى في الجزائر، قائلا في تصريحات صحفية في 28 مارس 2009 إنه بعث برسالة إلى الطرفين يقول فيها: "إنكم الآن لا تمثلون حركة الإخوان"، وهو الموقف الذى كرره للصحفى الجزائرى، أنور مالك ؛ حيث قال المرشد العام: "لا يوجد إخوان في الجزائر"، وإنما "حمس" جماعة تربت فقط على فكر الإخوان.
ورغم ذلك ظلت الاتصالات قائمة، خاصة في ظل الحرص الشديد الذى أبداه كلا المتسابقين على الفوز بشرعية الإخوان، هذه الشرعية التى تصبح في منظور أعضاء الحركتين لا معنى لها دون تزكية التنظيم الدولى لقيادة الإخوان، ما يجعل قادة الحركتين في قلق دائم من أمرهم توجسا من أن ينالها طرف دون الآخر، وفى إطار التحركات التى تقوم بها الأطراف القيادية الفاعلة في "حمس" لكسب ودّ قيادة الإخوان العالمية، لم تتوقف الزيارات التى يقوم بها الإخوان الجزائريون لعدد من مدن العالم، أهمها (القاهرة، ولندن، واسطنبول)؛ ويراهنون على الدعم المعنوي لمرجعية الإخوان، على أمل أن تتجاوز الحركة خلافاتها، مؤكدين أنهم يقفون على الحياد ولا يدعمون طرفا على حساب آخر.
أما في موريتانيا يدخل حزب "تواصل" في تبعية مباشرة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ حيث يستمد أفكاره ومرجعيته العقدية من أدبيات المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، ومقولات سيد قطب، وهو بمثابة الذراع السياسي للإخوان المسلمين في موريتانيا.
وبحسب مصادر مطلعة نسج تيار الإسلام السياسي في موريتانيا علاقات وثيقة مع الحركات الإسلامية الأخرى، فضلاً عن كون حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، يدخل في تبعية مباشرة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ حيث استثمرت فيه، وفق ما ورد في تقارير صحفية أشارت إلى التمويلات الضخمة التي نجح الحزب من خلالها في تكوين بنية اقتصادية، تمثلت في مؤسسات تجارية كبيرة، بالإضافة إلى أموال الزكاة، وهو ما مكّن الحزب من الإنفاق الهائل على حملته الانتخابية الأخيرة، في سبتمبر 2018، ورغم ذلك مُني بهزيمة كبيرة.

شارك