النمنم يرصد معارك "مكـــــــرم محمد احمد" مع الإرهاب

الأحد 25/أبريل/2021 - 11:24 م
طباعة النمنم يرصد معارك روبير الفارس
 
مكرم محمد احمد  تاريخ طويل وعريق في الصحافة، بدأ سنة ١٩٥٧، أي ٦٤ عامًا في الصحافة، بينها ٢٤ عامًا رئيسا لتحرير المصور ولمجلس إدارة دار الهلال.. ويصعب أن نختزل هذه الرحلة في مقال أو صفحات، لذا اختر الكتاب الكبير حلمي النمنم وزير الثقافة السابق ان  قضية واحدة من اهم القضايا التي  خاضها مكرم محمداحمد  وباصرار في مواجهة الإرهاب وجماعات التأسلم السياسى.
وفي دراسته التي نشرت بالعدد الاخير من المصور  وقال النمنم 
- تأسست مجلة «المصور» سنة ١٩٢٤، بعد نجاح ثورة ١٩١٩ وصدور دستور ١٩٢٣، أي أنها جاءت من رحم الحدث الوطنى الأكبر والأهم وقتها، ليس على مستوى مصر والمنطقة فقط، بل ربما من الأحداث المعدودة في العالم وقتها، وتولى رئاسة تحريرها فور الصدور فكرى أباظة، ابن الحزب الوطنى، حزب الزعيم مصطفى كامل، ومحمد فريد، وهكذا اجتمعت لها كافة العناصر كى تكون المجلة الوطنية الأبرز، وهكذا كان قدر «المصور» والعاملين بها من جيل إلى جيل ومن مرحلة إلى أخرى أن تكون صوتًا وطنيًا خالصًا وصادقًا، يدافع عن الوطنية المصرية، وجودا واستقلالا ودولة، تجاه من يحاول المساس بها، أيًا كان.
ويقول النمنم 
وحين تولى رئاسة تحريرها أستاذنا العظيم مكرم محمد أحمد صيف سنة ١٩٨١، كانت مصر على موعد المواجهة مع الجماعات الظلامية، والإرهابية التي انطلقت من جماعة حسن البنا، مؤسس الإرهاب والتطرف المتأسلم في عالمنا المعاصر، ومع مكرم وفريق العمل من محررين ومحررات، خاضت المصور المعركة، لم تتراجع ولم تساوم يومًا، لم تهتز صفحاتها، تحت تهديد وترهيب الظلاميين سواء المعلنة أو التي كانت تأتى عبر «الخلايا النائمة» من جرذان الجماعة التي تعيش في الجحور، ولم يجد الإرهابيون سوى أن يضربوا ضربتهم الكبرى في سنة ١٩٨٧ وهو الإقدام على محاولة اغتيال رئيس التحرير مكرم محمد أحمد، نفذ المحاولة تنظيم الناجون من النار، وهو أحد تنظيمات جماعة حسن البنا، وكان متخصصًا في اغتيال الشخصيات العامة.

كان السائد وقتها أن الجماعات الإرهابية تقدم على محاولة اغتيال وزراء الداخلية السابقين وكبار رجال الأمن، في إطار ما اعتبروه عمليات ثأر من رجال الأمن، وهكذا حاولوا اغتيال اللواء حسن أبو باشا، ثم اللواء نبوى إسماعيل، ومن بعده اللواء حسن الألفى، وعدد آخر من رجال الأمن، وتبين فيما بعد للمجتمع المصري أن الهدف لدى جماعة البنا هو هدم وزارة الداخلية، لأنه دون الوزارة سوف يكون الطريق مفتوحًا أمامهم للإرهاب وللسرقات ومختلف الجرائم التي اعتادوها، مثل سرقة محلات الذهب المملوكة لمواطنين مسيحيين، وغير ذلك.
واضاف النمنم قائلا
من هنا كانت محاولة الجماعات الإرهابية اغتيال مكرم محمد أحمد، جديدة وغريبة بالنسبة لمزاعمهم ومبرراتهم المعلنة في محاولات الاغتيال التي ذكروا أنها مقصورة على رجال الأمن، ومن يعرف أفكارهم جيدا، يعرف أن حسن البنا شرع لهم اغتيال كل من يصل إليه سلاحهم، وكل من يتصدى لأفكارهم الهدامة، ويرفض مشروعهم الظلامى، في الأربعينيات قتلوا المستشار أحمد الخازندار، لمجرد أن قضية متهم فيها أفراد من الجماعة عرضت عليه، واغتالوا أحمد ماهر لأنهم حملوه مسؤولية فشل حسن البنا في الانتخابات النيابية بالإسماعيلية، وكل من يعرف قواعد التصويت في المجتمع المصري يدرى جيدا أن البنا كان لابد أن يفشل، فهو ليس من أبناء الإسماعيلية وكان منافسه أحد أبناء العائلات الكبرى بالإسماعيلية، وفضلا عن ذلك كانت علاقات البنا المريبة بشركة قناة السويس تدفع الأهالى إلى النفور منه، وبغض النظر عن كل ذلك، كان أمامه أن يطعن على نتيجة الانتخابات أمام القضاء، لكنه يفضل الإرهاب دائمًا.

هزت محاولة اغتيال مكرم المجتمع، فيما بعد سوف يفعلونها سنة ١٩٩٢ مع د. فرج فودة وفى سنة ١٩٩٤، مع نجيب محفوظ، لكن محاولة مكرم تستحق التوقف، لأنها في الواقع كانت استهدافًا للصحافة عموما ولحرية الرأى والتعبير، كان الهدف إسكات مجلة «المصور» نهائيًا وإسكات كل الصحافة المصرية، بحيث لا يكون أمام الصحفيين إلا التسبيح بحمد الإرهابى حسن البنا وجماعته، أو الصمت المطبق عنها، ولم يكن مكرم من المسبحين بحمد البنا ولا الذين صمتوا، بل جعل من «المصور» شعلة ضوء تبدد ظلمات أفكارهم على النحو التالى:

أولا: كشف عوار وتهافت أفكار جماعات الإسلام السياسي كلها، من خلال مناقشة تلك الأفكار بهدوء وعقلانية، ليس هذا فقط، بل كشف أكاذيبهم والوقائع التي يختلقونها، مثل أن محاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية كانت مفبركة.

ثانيا: فتح صفحات «المصور» لمن درسوا أفكار الجماعة وثبت لهم زيفها، خاصة إذا كانوا من علماء الأزهر الشريف، مثل عميد كلية أصول الدين د. عبدالمعطى بيومى، صاحب كتاب «الدولة المدنية في الإسلام»، وكان في الأصل مقالات بالمصور؛ وكانت الفكرة أصلا من اقتراح «المصور»؛ وكذلك فتح المصور الباب واسعا أمام المرحوم على عشماوى ليكتب مذكراته؛ وكانت موجعة لهم؛ كان عشماوى أحد الذين شاركوا في تنظيم سيد قطب سنة ١٩٦٥؛ وما رواه من مشاهدات والكثير من الوقائع كان طرفا فيها وشاهدا عليها تكشف زيف أسطورة سيد قطب، ويؤكد أن قطب كان متآمرا ضالعًا وطلب منهم اغتيال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين وكبار رجال الدولة.

ثالثًا: قدمت «المصور» فرصة للمفكرين المستنيرين؛ القادرين على التصدى فكريا للجماعة ومختلف تنظيماتها؛ مثل المستشار محمد سعيد العشماوى؛ والذي نشرت فصولا من كتابه عن الإسلام السياسي على صفحات «المصور»؛ والمستشار العشماوى هو من صك مصطلح الإسلام السياسى، تعبيرا عن هذه التنظيمات والجماعات؛ ولفترة كان العشماوى من بين كتاب المصور؛ وكذلك قدمت المصور فرصة للدكتور فرج فودة ليعبر عن أفكاره من خلال دعوته للمشاركة في أكثر من جلسة من جلسات «حوار الأسبوع» بالمصور.

رابعًا: محاولة السعى لبناء جبهة وطنية عريضة؛ تقف ضد الإسلام السياسى؛ على أرضية وطنية وفى ظل دولة مدنية حديثة؛ من هنا صارت «المصور» نداء وطنيا؛ يتحدث فيه ويكتب كبار المفكرين من مختلف الأطياف الفكرية؛ مثل د.لويس عوض؛ د. محمود عبد الفضيل د. يحيى الجمل وغيرهم.

خامسا: ضغطت المصور من خلال قسم التحقيقات وآراء الكتاب كى يتسع هامش حرية التعبير وهامش الديمقراطية في النظام السياسى؛ مع المطالبة بتوسيع الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين؛ مثل جودة التعليم المجانى وتوفير المساكن للمواطنين ومواجهة العشوائيات؛ بعد أن لوحظ أن الجماعة الإرهابية تحاول السيطرة على المناطق الشعبية؛ التي يضعف فيها مستوى الخدمات العامة؛ كما حدث فى إمبابة وفى غيرها؛ سواء في القاهرة أو في الإسكندرية كما جرى حين أغرقت السيول بعض المناطق في مدخل المدينة وأطرافها.

لم تكن تجربة «المصور» بقيادة مكرم محمد أحمد ومشاركة فريق العمل من محررين ومحررات كل في تخصصه بالمجلة؛ قائمة على التصدى لأفكار التنظيمات وجماعة الإرهاب فقط؛ لكن محاولة تقديم وإبراز البديل الوطن المدنى؛ لأنه يمكن لنا أن نرفض أفكار جماعة البناء ونفندها؛ لكن دون إبراز البديل والأرضية التي نقف عليها عندهم، فإن النجاح لن يكون كاملًا ولن يكون مؤكدا.

لهذا كله؛ جرت محاولة اغتيال مكرم صيف سنة ١٩٨٧؛ وكان في طريقه من مبنى دار الهلال إلى مكتب صديقه الراحل فاروق خورشيد؛ رئيس اتحاد كتاب مصر السابق والباحث المتميز في الدراسات والأدب الشعبى؛ وكان خورشيد يعقد صالونا ثقافيا أسبوعيا بمكتبه في باب اللوق؛ ومن حسن الحظ فشلت المحاولة؛ وكتب الله له عمرًا جديدًا.

وقال النمنم بعد هذه المحاولة؛ لم يتغير موقف مكرم الفكرى والسياسي من هذه التنظيمات؛ كما أنه لم يتحول إلى موقف الانتقام والثأر؛ ربما كان غيره يفعلها؛ لكن لأن موقفه كان مؤسسا على رؤية سياسية، وطنية وفكرية عميقة؛ اعتبر ذلك الحادث أمرا عارضا، واللافت أن بعض قيادات جماعة الإخوان، حين كانوا يريدون من يتوسط لهم لدى الدولة في بعض الأمور؛ كانوا يلجئون إليه ويأتون إلى مكتبه في «المصور» ولم يتأخر عنهم؛ كان هناك تصور وقتها لديه ولدى آخرين في الدولة أنه ربما لو فتحنا صفحة من الحوار معهم؛ لأمكن دفعهم نحو الاعتدال والانخراط في المشروع الوطنى وبناء الدولة، وقد ازدادت تلك القناعة بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١.

أخطر ما كشف عنه حادث ١١ سبتمبر الإرهابى أن الإرهاب يمثل خطورة واضحة على الدولة الوطنية، بل وعلى السيادة الوطنية؛ خطورته على الدولة إذ إنه يعمل على تقويض مؤسسات الدولة وإسقاط رموزها؛ ثم إسقاط الدولة معها؛ هكذا مارسوا في مصر مرارًا؛ ومارسوا فى العديد من الدول؛ لكن ١١ سبتمبر جعلت الإرهاب سببا في استدعاء قوة أجنبية لغزو الوطن وانتهاك سيادته؛ لقد تعرضت أفغانستان لقصف جوى أمريكي عنيف؛ ودخلت قوات أمريكية أفغانستان؛ لا لسوء العلاقات بين البلدين ولا لأن هناك أطماعا أمريكية في أفغانستان؛ فقط للحد من النشاط الإرهابى وتنظيم القاعدة الذي استوطن أفغانستان وهدد الولايات المتحدة الأمريكية؛ وكذلك الأمر بالنسبة للعراق، وربما خطر في بال القيادة المصرية العمل على أن تتجنب مصر وجود إرهابيين على أراضيها؛ يمكن أن يؤدوا إلى المساس بسيادتها، الواقع أن درس ١١ سبتمبر مازال يتأكد إلى اليوم؛ الشهر الماضى شن الطيران الأمريكي غارة داخل الأراضي السورية بسب تجمعات إرهابيين موجودين على أرضها؛ وربما يكون هذا ما جعل الدولة المصرية تقرر إغلاق هذا الملف؛ فشجعت المراجعات في السجون التي قام بها قادة الجماعة الإسلامية؛ وكان مكرم محمد أحمد من أكثر الذين تحمسوا لهذه التجربة؛ لذا ذهب إلى سجن العقرب وأجرى حوارات مطولة مع قياداتهم؛ ونشرتها المصور بتوسع؛ ثم صدرت في كتاب عن دار الشروق؛ وأعيدت طباعته في مكتبة لأسرة.

وقد ثار جدل وقتها بين أصدقاء وتلاميذ مكرم محمد أحمد؛ كانوا مختلفين مع هذه الخطوة؛ لكنها في وقتها أدت إلى نتيجة إيجابية؛ فقد نشروا أفكار المراجعة بينهم ومنهم من ثبت على موقفه؛ مثل الراحل كرم زهدى ود. ناجح إبراهيم؛ لكن هناك من عاد ثانية إلى الإرهاب بعد ٢٥ يناير ٢٠١١.

كان مفاد التجربة؛ بغض النظر عن مدى الاتفاق معها أو الاختلاف تعكس رغبة حقيقية داخل الدولة لإغلاق ملف العنف والإرهاب؛ حتى نحافظ على سلامة المجتمع وسلامة الدولة وكذلك أن نتجنب أي تشويه لديننا «الإسلامفوبيا» أو المساس بأوطاننا.

ورغم هذه المكرمة وغيرها التي قدمها مكرم محمد أحمد وقدمتها مجلة «المصور» ومؤسسة «دار الهلال» لتلك التنظيمات؛ بأنهم بعد ذلك حاولوا اغتيال مكرم محمد أحمد سنة ٢٠١٣؛ وكانت هذه المرة اغتيالا معنويا؛ حين وقف محمد مرسى يهاجم مكرم بضراوة؛ يوم ٢٥ يونيه ٢٠١٣؛ لأن مكرم كان وجه انتقادا لمرسى ولدولة المرشد في حوار صحفى له؛ وانبرى غلمان الجماعة؛ بكل ما لديهم من بذاءة وتطاول على تاريخ وقيمة مكرم؛ لكن الله يمهل ولا يهمل؛ لم يمر أسبوع على هذا الهجوم؛ حتى هب الشعب المصري يعزل مرسى ويعزل جماعته؛ وهم معزولون ومنبوذون إلى اليوم؛ بينما دور وقيمة مكرم في تاريخ الصحافة والتاريخ المصري يعرفه القاصى والدانى.

شارك