ميريت الثقافية.تناقش القتل المقدس..

الثلاثاء 04/مايو/2021 - 08:36 ص
طباعة ميريت الثقافية.تناقش روبير الفارس
 
صدر العدد الجديد من مجلة ميريت الثقافية يتضمن ملفا حول الصحوة الاسلامية رصد وتقييم.وفي الافتتاحية كتب سمير درويش عن القتل المقدس 
يقول 
حين بدأ العالم يكتشف انتشار فيروس كوفيد- 19 وانتقاله من دولة لأخرى، وزادت أعداد الإصابات به والوفيات، وبدأ الحديث يتزايد عن العزل والمكوث في المنزل وارتداء الكمامات.. إلخ، سألني صحفي -ضمن مجموعة من الأدباء والمثقفين العرب- عن شكل العالم بعد كورونا: هل ستتوقف الحروب حول العالم ويكون لدى الأطراف المتصارعة استعداد للوصول لحلول وسط ترضي جميع الأطراف؟ وهل ستتوقف الدول القوية عن استخدام القوة لنهب الثروات الطبيعية والبشرية للضعفاء؟ وهل سيكون لدى الإنسان العادي استعداد لقبول الآخر المختلف -دينيًّا وعرقيًّا وطبقيًّا- دون الحاجة إلى تصفيته؟ وهل وهل؟ قسمٌ مهمٌّ من أساتذتي كانوا يرون إمكانية حدوث ذلك، استنادًا إلى أن الوباء جعل كل الأشياء بلا قيمة أمام خطر فقد الحياة نفسها، أو -على الأقل- فقد كثيرين من الأحباب والأهل والأصدقاء، فليس بعد الحياة قيمة يمكن أن يحافظ الإنسان عليها ويتقاتل من أجلها.
لكنني -عكس كثيرين- كنت أرى أن شيئًا لن يتغير لأن الناجين من كوفيد- 19 سيكونون قد نجوا بالفعل دون أن يقعوا تحت رحمته، كما أن دولًا وقوى وأفرادًا كثيرين سيحاولون تعويض الخسائر التي لحقتهم من الفيروس وتوقف الحياة، وبالتالي سيكونون أكثر شراسة.. والأهم أن العالم عانى من حروب عظمى -مثل الحربين العالميتين-، ووباءات عديدة مثل الإنفلونزا الإسبانية وغيرها، راح ضحيتها -الحروب والأوبئة- ملايين الأرواح حول العالم، دون تفرقة بين غني وفقير أو أبيض وأسود أو مسلم ومسيحي وبوذي.. إلخ، ومع ذلك مضى العالم في طريقه، وزادت أشكال التوحش ومعدلات القتل على الهوية!
سيدهشك أكثر أن الرسالات الدينية الكبرى نفسها -مثل المسيحية والإسلام- التي من المفترض أنها جاءت لتشيع العدل والسلام والطمأنينة بين البشر، حملت معها رياح الحروب والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والقتل والتدمير، فالحروب الصليبية تسترت وراء الدين لتستحلَّ لنفسها قتال الناس واحتلال الدول ونهب خيراتها، كما فعلت الغزوات الإسلامية ما هو أبشع حين فرضت على الفقراء الجزية التي تذهب للمركز بدل أن تحررهم وترفع عنهم أعباءهم، حتى أن من يدَّعون الحكمة والعدل يوازنون بين ما كان يدفعه المصريون للبيزنطيين قبل الغزو، وما صاروا يدفعونه للعرب بعده، دون أن يناقشوا فكرة فرض الإتاوات على الناس من الأصل! وفي هذا قد تنافس المتنافسون.
بل إن الذي يتابع تاريخ الصراعات الدينية سيجدها الأشد فتكًا والأعلى إزهاقًا للأرواح بالطرق الأكثر قسوة ووحشية، فقد بدأت الصراعات الدموية في التاريخ الإسلامي بعد وفاة النبي محمد مباشرة، فيما عرف بـ"حرب المرتدين" الذين لم يجدوا أنفسهم ملزمين بدفع الزكاة لأبي بكر لأنه ليس مبعوثًا من الله مثل النبي محمد، هذه الحرب التي تخللتها أعمال وحشية مثل ما ذكره الواقدي في كتاب "الردة" ص107: "ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه، فقال مالك: (أتقتلني وأنا مسلم أصلي القبلة)، فقال له خالد: (لو كنت مسلمًا لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها، والله لما قلت بما في منامك حتى أقتلك). قال: فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال: (يا خالد، بهذا تقتلني)؟ فقال خالد: (بل لله أقتلك برجوعك عن دين الإسلام، وجفلك لإبل الصدقة، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم)، قال: ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرًا. فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك، ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم".
موضوع قتل مسلم اعترف لقاتله أنه يصلي القبلة؛ والزواج بامرأته لوجود سابق علاقة بينهما، أو رغبة، ليست أشد ما يُروى في هذه الحادثة التي قيل إن عمرًا بن الخطاب اعترض عليها وطالب بعزل خالد بن الوليد، وعزله بالفعل حين آلت إليه الخلافة، فهناك حكايات عن قطع رؤوس الناس وسلقها وأكلها، وفسخ أجساد ضعفاء بربط كل رجل بناقة وزجرهما لينطلقا في اتجاهين مختلفين! ثم هناك الروايات التي رويت عن حروب الفتنة، سواء بين جيش علي بن أبي طالب وجيش المبشرين بالجنة، وبينهم السيدة عائشة بنت أبي بكر، أو بين جيشه وجيش معاوية بن أبي سفيان التي استخدمت فيها المصاحف أداة للخديعة، ويقول الرواة إنها (شطارة) و(حكمة) وفنون قتال! هذه الحروب أُزهقت فيها عشرات الآلاف من أرواح المسلمين، ناهيك عن قتلى الغزوات بدءًا من تبوك مرورًا بالأندلس، وليس انتهاء بالجرائم التي ترتكبها الجماعات العنيفة الآن من الجهاد والتكفير والهجرة إلى داعش.وقال سمير درويش
لا شك أن وجود الحكومات وأجهزتها الأمنية يقلل كثيرًا من وقوع تلك الحوادث بسبب الملاحقة والمحاكمات والعقاب، أقول يقلل ولا يمنع بدليل مئات الحوادث التي تحدث يوميًّا حول العالم، ولو غابت تلك الأجهزة لتحول العالم إلى غابة حقيقية وبحار من الدم، وما زالت حادثة قتل المواطن المصري حسن شحاتة وضيوفه وحرق منزله -في فترة الفراغ الأمني التي أعقبت ثورة يناير 2011- ماثلة في الأذهان، فالفرد العادي مقتنع أنه ظل الله على الأرض، وأنه مسئول عن فرض تعليماته كما يتصورها ويفهمها، وأن من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، خروجًا على كل الأطر والمؤسسات التي استحدثت لتقوم بهذا الدور، لأننا لم نعد نعيش في صحراء قاحلة مترامية الأطراف لا يلتقي الشخص فيها بآخرين إلا لمامًا، بل في شقق متلاصقة متراكبة كل منها مائة متر أو أقل أو أكثر، وتتشارك في المداخل والمخارج والمنافع، بشكل لا يضمن الحياة إذا تُرِك الأمر للقوة وحدها.
حين تولَّت القوى الباطشة نفسها أمور الحكم في بعض الدول ارتكبت فظائع ستظل ندبًا في جبين الإنسانية التي تحاول أن ترتقي وتعلو فوق الخلافات الدينية والمذهبية، من ذلك مثلًا ما فعله أدولف هتلر حين حكم ألمانيا بحرق اليهود في الأفران، كذلك حين أعلنت جماعة داعش إماراتها في بعض مناطق العراق وسورية فقتلت الناس على الهوية، المسلمين المختلفين في المذهب وليس غير المسلمين فقط، وحرقتهم وذبحتهم ومثلت بالجثث في مشاهد مروعة لا علاقة لها بالإنسانية، والغريب والفظيع أنها فعلت ذلك وفق فتاوى شيوخ ما زلنا نسبغ عليهم ألقابًا مثل شيخ الإسلام وحجة الإسلام.. إلخ.
الأصل -إذن، فيما أرى- أن الناس يتسابقون للحصول على أكبر مكاسب ممكنة بالطرق المشروعة وغير المشروعة، ليس لأنفسهم فقط، بل لأولادهم وأحفادهم من بعدهم، وهم في سبيلهم إلى ذلك يستخدمون كل ما يتاح لهم من قوة -عضلية أو ذهنية- دون أن تردعهم أفكار العدل والمساواة والرحمة والحق.. إلخ، ودون أن يتعظوا -كذلك- من حدوث الأوبئة والحروب والفيضانات والزلازل والحرائق، فهذه الأشياء عارضة في التاريخ الإنساني، تجعل المرء يتوقف للحظة قبل أن يبدأ العدو مرة أخرى إلى ما لا نهاية.
سيزول وباء كورونا حتمًا، اليوم أو غدًا أو هذا العام أو العام القادم، بفضل العلماء الذين يحبسون أنفسهم في مختبراتهم لدراسة تركيب الفيروس القاتل وسبل مواجهته، لا بفضل الذين يوزعون يقينهم ويقتلون الناس ويدمرون الحياة بسبب اعتقاداتهم، لكنه -الوباء- سيذهب إلى صفحات تاريخ الأوبئة بجوار السوابق، وسيندفع الناس مرة أخرى إلى الطرقات، يتزاحمون ويتقاتلون ويغش بعضهم بعضًا، ويجبر واحدهم الآخرين على ما لا يريدون بسبب مصلحته الشخصية، وكذلك ستفعل الدول القوية بالدول الضعيفة، ليظل العالم ماشيًا إلى مزيد من الاحتقان والاستغلال واستخدام القوة المفرطة وتكميم الأفواه ومصادرة الرأي الآخر وقتل المخالف.
لست متشائمًا، إنما أحاول قراءة الواقع بتفاصيله المرعبة!!

شارك