"الدواعش" الأجانب.. بين التأهيل والمحاكمة وسيناريوهات المستقبل

الإثنين 17/نوفمبر/2014 - 10:36 م
طباعة الدواعش الأجانب..
 
الدواعش الأجانب..
عودة الجهاديين الأجانب إلى بلادهم، مشكلة كبيرة ومأزق وقعت فيه عدد من البلاد الأوربية، نتيجة ما يحملونه من أفكار جهادية متطرفة، تمثل خطورة كبيرة على مجتمعاتهم، وبالرغم من إعداد برامج لإعادة تأهيل هؤلاء من أجل إدماجهم في المجتمعات من جديد، حتى لا يقوموا بأعمال عنف، إلا أن الغالبية من البلدان لا تزال تنظر إلى هذا الأمر بنوع من الريبة والشك والتحذير أيضا، نتيجة إقدام بعض الجهاديين على القيام بعمليات إرهابية في بلادهم.
وسبق أن استضافت العاصمة البلجيكية بروكسل في مايو الماضي اجتماعا لوزراء خارجية الدول التسع الأوروبية الأكثر تعرضا لهذه المشكلة، وتم الاتفاق على مراقبة الحدود الأوروبية بالتنسيق مع تركيا، وإعادة النظر في قوانين "شينجين" الخاصة بتنقل الأشخاص داخل المجموعة الأوروبية لا سيما أن إحصاءات رسمية تنبأت بعودة نحو 15 ألف مواطن أوروبي ممن يشاركون الآن في النزاع المسلح بسوريا، وما يخيف الحكومات الأوروبية هي عودة هؤلاء الشباب لأوروبا بغرض تنفيذ هجمات إرهابية.
وهذه الإشكالية، كانت محل اهتمام الحكومات الغربية والمنظمات الدولية، والآن هناك اهتمام كبير من قبل الباحثين والمختصين، وبرز ذلك عبر كتابات ودراسات تناولت جذور المشكلة، وتداعياتها، وهو ما رصدته الباحثة دنيا بوزار تحت عنوان "بحثوا عن الجنة فوجدوا الجحيم" في كتاب حديث صادر عن دار نشر "إديسيون لي زاتولييه".
الكتاب استهلته الباحثة برسالة صوفي، المراهقة الفرنسية التي رحلت لسوريا للتطوع في صفوف الجماعات الإسلامية، وقالت " أعتذر لكم عن رحيلي المفاجئ، لكني أفكر في هذا الأمر منذ شهور، حتى اقتنعت بأن مكاني لم يعد هنا، وإنما هناك مع إخواني في بلاد الشام"، واعتبرت الباحثة الفرنسية أن المراهقة تشرح إحساسها بالوحدة ورفضها العيش في مجتمع لا يتفهم مشاعرها وقناعاتها الشخصية، والتأكيد على أن قصة هذه المراهقة الفرنسية ليست الاستثناء الوحيد، فمنذ 3 سنوات تقريبا بدأت تظهر أخبار عن مراهقين فرنسيين من الصبيان والبنات قرروا فجأة ودون علم أهليهم الرحيل لسوريا للمشاركة في النزاع المسلح، آخرهن فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تم إلقاء القبض عليها في مطار ليون وهي تحاول الإقلاع على متن طائرة باتجاه تركيا بنية الالتحاق بسوريا، وكذا فتاتان من مدينة تولوز في الخامسة عشرة تم توقيفهما وهما تحاولان شراء تذاكر السفر، وهو ما تؤكده أرقام وزارة الداخلية الفرنسية التي أفادت أخيرًا بوجود نحو 800 فرنسي على الأراضي السورية، قدموا لها بغرض الانضمام لصفوف الجماعات الإسلامية؛ أكثر من 20 في المائة منهم هم من القصّر الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، بينهم أكثر من 20 فتاة.
الدواعش الأجانب..
ويرى الخبراء والمحللون أن فرنسا باتت تنظر بعين الريبة لهذه الظاهرة الجديدة، واتخذت عددًا من الإجراءات لمواجهة المشكلة، ومنها الإعلان عن تشكيل لجان عمل وتفكير ينشطها أئمة واختصاصيون نفسيون مهمتهم توعية الشباب بمخاطر التعصب والغلو والتطرف الديني، وحثهم على الالتزام بتعاليم الدين السمح، كما كلفت وزارة الداخلية بعمل رقم مجاني يوضع في خدمة العائلات التي تشعر بأن أحد أبنائها أو بناتها على وشك اتخاذ قرار السفر أو على اتصال مع شبكات تجنيد شباب للقتال في سوريا، بإشراف مربين واختصاصيين اجتماعيين يحاولون إرساء أواصر للحوار مع الشباب وإقناعهم بالعدول عن قرارهم، مع الإعلان عن دورات تكوين مهني وتدريب لإخراج هؤلاء المراهقين من العزلة الاجتماعية والنفسية التي يعانون منها.
ورصد محللون عددًا من السيناريوهات الخاصة بعودة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم، ويختلف تعامل بعض البلدان الأوروبية معهم، في بلجيكا يجد العائدون الأجانب أنفسهم أمام القانون، وتتم محاسبتهم، بينما في الدنمارك هناك تعليمات بعدم اعتقال الجهاديين الأجانب في حال عودتهم إذا تعاون مع السلطات الأمنية والاجتماعية. 
الدواعش الأجانب..
وهناك أرقام غير رسمية ترصد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، فهناك أرقام تشير إلى عدد المقاتلين الأجانب من بريطانيا وفرنسا حوالى 500، بينما عدد المقاتلين الأجانب من بلجيكا 350 و500 ، وهو ما أكده جيل دي كيركوف في مؤتمر نظّمه معهد إيجمونت للدراسات في بروكسيل الشهر الماضي ، أن  80 % من المقاتلين البلجيكيين في سوريا والعراق من أصول مغربية، وأن 6 في المئة من المقاتلين البلجيكيين هم من الذين اعتنقوا الإسلام، وأن أعمارهم تتراوح بين 20 و29 سنة، وأن السلطات البلجيكية حالت دون سفر 50 شاباً، وتعد نسبة الإناث مرتفعة «وتصل إلى 18 في المئة من إجمالي المقاتلين البلجيكيين.
وسبق أن أشرنا إلى تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات جيرهارد شيندلر  والتي أكد فيها بقوله نعلم أن داعش أصبح الآن أكثر منظمة إرهابية ثراء والأفضل تنظيما وتسليحا، كما أنه يمتلك ويستخدم مفاتيح الإرهاب كافة، من الهجمات الإرهابية التقليدية وصولًا إلى العمليات العسكرية المخطط لها بعناية وشمولية، منوها بقوله :الاستخبارات الألمانية تسعى من خلال التعاون مع أجهزة استخباراتية دولية إلى جمع معلومات عن مقاتلي "داعش" المنحدرين من ألمانيا، كما أن نهج "داعش" لا يعتمد بشكل أساسي على أسر الرهائن، بل قتل الأعداء، وأن الإعدامات الجماعية والصلب والرجم العلني يكشف عن الجرائم البشعة لداعش.
كما سبق وحذر وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش العام الماضي من أن المقاتلين الأجانب وعودتهم لبلادهم فيما بعد، بعد رصد مقاتلين من ألمانيا يشاركون في القتال إلى جانب الجماعات المسلحة بسوريا، مؤكدًا أنهم يمثلون خطرًا كبيرا على أوروبا، والإشارة إلى أن هناك عددًا مماثلا من شباب الدول الأوروبية الأخرى وربما يكون أكثر من ذلك استميلوا للقتال في سوريا.
ونوه فريدريش بقوله "هؤلاء الناس يذهبون إلى سوريا بتصميم عال ويتعلمون هناك صناعة القتل التي ينفذون بها كراهيتهم بصورة عملية، إنهم يمثلون قنبلة موقوتة، حين يعودون إلى أوروبا.
القضية لا تزال مستمرة، وتداعياتها لم تنته، والمحاولات جارية من أجل استيعاب هؤلاء المقاتلين العائدين أو محاسبتهم، لمنع نشر أفكارهم في مجتمعاتهم، مع دراسة الأسباب التي دعتهم للخروج خارج أوطانهم للقتال، وكذا أسباب العودة، ووضع سيناريوهات مستقبلية لمنع تكرار هذه المشكلة.


شارك

موضوعات ذات صلة