البريلوية من التصوف إلى الإرهاب العابر للحدود

الثلاثاء 27/سبتمبر/2022 - 07:56 م
طباعة البريلوية من التصوف حسام الحداد
 
البريلوية هي فرقة صوفية في العقيدة. وتدعي الانتساب لمذهب أبي حنيفة في المسائل الفقهية الفرعية. نشأت في شبه القارة الهندية في مدينة بريلي بالهند أيام الاستعمار البريطاني، وتنسب هذه الفرقة إلى أحمد رضا خان.
ولد مؤسسها في بريلي بولاية اترابراديش وتتلمذ على أبيه الشيخ تقي علي خان وغيره كالشيخ الميرزا غلام قادر بيك. زار مكة المكرمة وقرأ على بعض المشايخ فيها عام 1295هـ، وكان نحيلاً حاد المزاج، مصاباً بالأمراض المزمنة، دائم الشكوى من الصداع والآم الظهر، شديد الغضب، حاد اللسان، مع فطنة وذكاء، ومن أبرز كتبه أنباء المصطفى وخالص الاعتقاد ودوام العيش والأمن والعي، لناعتي المصطفى ومرجع الغيب والملفوظات وله ديوان شعر حدائق بخش.

أهم الشخصيات
ديدار علي: بريلوي، ولد في نواب بور بولاية ألور وتوفي في أكتوبر 1935م ومن مؤلفاته تفسير ميزان الأديان وعلامات الوهابية.
نعيم الدين المراد آبادي 1883ـ 1948م وهو صاحب المدرسة التي سماها الجامعة النعيمية ويلقب بصدر الأفاضل، ومن كتبه الكلمة العليا في عقيدة علم الغيب.
أمجد علي الأعظمي: ولد في كهوسي، وتخرج في المدرسة الحنفية بجونبور سنة 1320هـ، وكانت وفاته سنة 1367هـ الموافق 1948م وله كتاب بهار شريعت.
حشمت علي خان: ولد في لكهنو، وفرغ من دراسته سنة 1340 هـ، وكان يسمى نفسه كلب أحمد رضا خان معتزاً بهذه التسمية وله كتاب تجانب أهل السنة، ويلقب بـ (غيظ المنافقين)، وكان موته سنة 1380 هـ.
أحمد يارخان: 1906-1971م كان شديد التعصب للفرقة، ومن مؤلفاته جاء الحق وزهق الباطل، سلطنت مصطفى.'

الأفكار والمعتقدات
 يعتقد أبناء هذه الطائفة بأن الرسول لديه قدرة يتحكم بها في الكون، يقول أمجد علي: «إن النبي نائب مطلق لله سبحانه وتعالى، وإن العالم كله تحت تصرفاته، فيفعل ما يشاء، يعطي ما يشاء لمن يشاء، ويأخذ ما يشاء، وليس هناك أحد مصرّف لحكمه في العالمين، سيد الآدميين، ومن لم يجعله مالكاً له حرم من حلاوة السنة».
 وأن محمداً والأولياء من بعده لديهم قدرة على التصرف في الكون يقول أحمد رضا خان: «يا غوث» أي يا عبد القادر الجيلاني «إن قدرة» كن «حاصلة لمحمد من ربه، ومن محمد حاصلة لك، وكل ما يظهر منك يدل على قدرتك على التصرف، وأنك أنت الفاعل الحقيقي وراء الحجاب».
 لقد غالوا في نظرتهم إلى النبي حتى أوصلوه إلى قريب من مرتبة الألوهية يقول أحمد رضا خان في حدائق بخشش 2/104: «أي يا محمد لا أستطيع أن أقول لك الله، ولا أستطيع أن أفرق بينكما، فأمرك إلى الله هو أعلم بحقيقتك».
 كما بالغوا في إضفاء الصفات التي تخالف الحقيقة على النبي حتى جعلوه عالماً للغيب، يقول أحمد رضا خان في كتابه خالص الاعتقاد ص 33: «إن الله تبارك وتعالى أعطى صاحب القرآن ومولانا محمد جميع ما في اللوح المحفوظ».
 لديهم عقيدة اسمها (عقيدة الشهود) حيث إن النبي في نظرهم حاضر وناظر لأفعال الخلق الآن في كل زمان ومكان، يقول أحمد يارخان في كتابه جاء الحق 1/160: «المعنى الشرعي للحاضر والناظر هو أن صاحب القوة القدسية يستطيع أن يرى العالم مثل كفه من مكان وجوده، ويسمع الأصوات من قريب ومن بعيد، ويطوف حول العالم في لمحة واحدة ويعين المضطرين، ويجيب الداعين».
 ينكرون بشرية النبي ويجعلونه نوراً من نور الله. يقول أحمد يارخان في كتابه مواعظ نعيمية ص 14: «إن الرسول نور من نور الله، وكل الخلائق من نوره» ويقول أحمد رضا خان في أشعاره «ما قيمة هذا الطين والماء إذا لم يكن النور الإلهي حل في صورة البشر».
 وهم يكفّرون المسلمين من غير البريلويين لأدنى سبب ولم يتركوا تجمعاً إسلاميًّا ولا شخصية إسلامية من وصف الكفر، وكثيراً ما يرد في كتبهم بعد تكفير أي شخص عبارة «ومن لم يكفره فهو كافر»، وقد شمل تكفيرهم الديوبنديين وزعماء التعليم والإصلاح ومحرري الهند من الاستعمار. كما شمل الشيخ إسماعيل الدهلوي وهو من علماء الهند ممن حاربوا البدع والخرافات، ومحمد إقبال والرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق وعدداً من وزرائه.
يكفرون ابن تيمية وينعتونه بأنه مختل وفاسد العقل ويدرجون معه تلميذه ابن القيم.
يكرهون محمد بن عبد الوهاب ويرمونه بأشنع التهم وأسوأ الألفاظ وذلك لأنه مخالف لهم في كثير من أرائهم وبالأخص تسوية القبور.
 يعملون دائماً على شق صفوف المسلمين وتوهين قوتهم وإضعافهم وإدخالهم في متاهات من الخلافات التي لا طائل تحتها. 

الجذور الفكرية والعقائدية
تصنف هذه الفرقة من حيث الأصل ضمن جماعة أهل السنة الملتزمين بالمذهب الحنفي. ويرى بعض الدارسين أن أسرة مؤسس الفرقة كانت شيعية ثم أظهرت تسننها تقية، لكنهم مزجوا عقائدهم بعقائد أخرى وبسبب عيشهم ضمن القارة الهندية ذات الديانات المتعددة فلقد انتقلت أفكار من الهندوسية والبوذية لتمازج عقيدتهم الإسلامية.
لقد أضفوا على النبي وعلى الأولياء صفات تماثل تلك الصفات التي يضفيها الشيعة على أئمتهم المعصومين في نظرهم

بدايات ظهور الإرهاب في الداخل
بدأ تطرف البريلوية في الظهور بوضوح في باكستان في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. في نوفمبر 2010، حكمت محكمة في البنجاب بالإعدام على فتاةٍ مسيحية تدعى آسيا بيبي، بتهمة التجديف ضد النبي محمد (ص). زار حاكم البنجاب، سلمان تيسير، المرأة في السجن، وانتقد بشدة قانون التجديف، مدعيًا أنه يصب فقط في صالح التطرف. من المهم التأكيد على أن تيسير نفسه لم يجدف، بل انتقد فقط قانون التجديف. ومع ذلك، فلا تزال الجماعات الإسلاموية، سواء الديوبندية أو البريلوية، تتفاعل مع تصريحات تيسير وأفعاله بقوة، وتطالب بعزله من منصبه، بل وتتهمه بالرِدّة. وفي 4 يناير 2011، قُتل تيسير على يد حارسه الشخصي، ممتاز قادري، وهو من أتباع الدعوة الإسلامية البريلوية. وقد ألقي القبض على قادري وحكم عليه بالإعدام في أكتوبر 2011، وأعدم في فبراير 2016، حيث اندلعت احتجاجات عنيفة في جميع أنحاء باكستان، لأن الكثيرين يعتبرون القادري بطلًا.
أحد الأطراف الفاعلة الرئيسة في مثل هذه الاحتجاجات، وفي قضية التجديف، كان، ولا يزال، حزب لبّيك باكستان. يشتهر قادة الحزب بالتحريض على العنف: على سبيل المثال، أعلن الشيخ أفضل قدري، الراعي العام للحزب، أن قُضاة المحكمة العليا الذين برّأوا آسيا بيبي في أكتوبر 2018 “يستحقون القتل”. وفي عام 2010، دعا علنًا إلى قتل سلمان تيسير، وهدد بقتل المسؤولين الحكوميين الذين يدعمون التجديف. في نوفمبر 2018، ألقي القبض على قدري ورضوي، وغيرهما من قادة الحزب، وإن كان قد أطلق سراحهم بكفالة بعد بضعة أشهر.

تطرف الطائفة البريلوية
ترتبط شبكة جبّار أيديولوجيًا بحركة لبّيك باكستان، حزب سياسي إسلامي تأسّس في باكستان في عام 2015 على يد خادم حسين رضوي، رجل دين بنجابي بريلوي معروف بخطاباته ضد التجديف، وأدين حتى بموجب قوانين مكافحة الإرهاب الباكستانية المتساهلة، بسبب خطاب الكراهية والأنشطة المناهضة للدولة.
الحركة البريلوية، المعروفة أيضُا باسم أهل السنة والجماعة، هي حركة إحيائية سُنيّة ذات ميول صوفية قوية نشأت في الهند بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولطالما كان أفرادها في توتر مستمر مع فرع آخر من الإسلام، نشأ أيضًا في الهند، يُعرف باسم الديوبندية، الذي وفرّ المقاتلين والدعم الأيديولوجي للحرب ضد السوفييت في أفغانستان بين عامي 1979 و1989. وقد تمكّنت الأيديولوجية الديوبندية، التي تعتنقها طالبان أيضًا، من ترسيخ نفسها في باكستان.
وفي هذا الصدد، أشار سوشانت سارين، باحث أول في “مؤسسة أوبزرفر للأبحاث”، إلى أن الطائفة الديوبندية قد نمت منذ فترة الأربعينيات إلى الثمانينيات، وازدهرت مع صعود الميليشيات الإرهابية التي كانت في الغالب متحالفة مع المدرسة الديوبندية ومدعومة من قبل المؤسسة العسكرية لمتابعة أجندات السياسة الخارجية والأمنية في أفغانستان والهند، وأجزاء أخرى من العالم. وقد أدّى صعود الديوبندية إلى زيادة هلع أتباع الطائفة البريلوية.
في منتصف فترة الثمانينيات، شكّل أتباع الطائفة البريلوية وحدة مخصصة للدعوة الإسلامية تنافس جماعة التبليغ الديوبندية. وبعد فترةٍ وجيزة، ظهرت جماعات بريلوية أخرى، مثل الحركة السُنيّة، أي جماعة أهل السنة، وحركة “تحفظ ناموس رسالت” التي تعني بالعربية حفظ رسالة النبي. وفي كشمير، حاولت جماعتان من الطائفة البريلوية، معروفتان باسم مجلس الجهاد السني وحركة الجهاد، لعبَ أدوارٍ نشطة على الساحة الإسلامية، لكنهما بقيتا هامشيتين على الرغم من جهودهما مقارنة بالجماعات الديوبندية.
بعد هجمات 11 سبتمبر عندما كانت الأضواء الغربية مسلّطة على باكستان، حظَرت عددًا من المنظمات الطائفية المتعلقة بالمدرسة الفكرية الديوبندية. هذه الجماعات تتقاسم طالبان الأيديولوجية نفسها، ولم يعد من الممكن تقديمها كشركاء أساسيين ضد السوفييت. والآن، أصبح وجودهم محرجًا لدولةٍ يُفترض أنها حليفة في “الحرب على الإرهاب”. ومع ذلك، استمرت الدولة العميقة الباكستانية ووكالاتها الاستخباراتية في استخدام مقاتلي الديوبندية، بما في ذلك طالبان، في قضايا السياسة الخارجية، وحتى على الصعيد المحلي، تمكّن العديد من الجماعات من مواصلة العمل ببساطة عن طريق تغيير أسمائها وشعاراتها.
وفي غضون ذلك، اعتبرت الجماعات البريلوية معتدلة، وظلت تتلقى دعمًا وترويجًا علنيين من مؤسسات الدولة. وقد أوضح يعقوب الحسن، محلل أبحاث في معهد مانوهار باريكار للدراسات والتحليلات الدفاعية، ذلك قائلًا:
“لقد ظلَّت البريلوية في الغالب طائفة غير سياسية وسلمية، داعمة للدولة بشكلٍ عام. على مرِّ السنين، كانت هناك صحوة سياسية متنامية داخل الطائفة، حيث كان هناك شعور بأنها تفقد نفوذها وجاذبيتها للطوائف الأخرى، خاصة الديوبندية. وفي حروب الصراع على النفوذ مع الطوائف الأخرى، وجدت البريلوية نفسها هي الخاسرة. فلقد قُتل معظم كبار قادتها في هجومٍ انتحاري نفذه انتحاريون يُزعم أنهم من جماعة عسكر جهانگوي، التي هاجمت تجمعًا لقادة الطائفة البريلوية في يوم 12 ربيع الأول في حديقة نيشتار في أبريل 2006”.
ومع ذلك، فمن المهم أن نضع في اعتبارنا أن الطائفة البريلوية ليست بالضرورة كتلة متجانسة، وليست جديدة على العنف في باكستان، فهي جزء من نزعة طائفية معروفة تستهدف في معظم الحالات المسلمين الآخرين، حيث أصبحت الاتهامات بالتجديف تمثل “القضية” المفضلة للبريلوية.

الإرهاب في القارة الاوروبية
في 6 يونيو 2022، اعتقلت الشرطة الإيطالية أربعة عشر مواطنًا باكستانيًا، جميعهم متهمون بالانتماء إلى جماعاتٍ إرهابية دولية، كجزءٍ من شبكة إرهابية عابرة للحدود الوطنية مرتبطة بـ الطائفة البريلوية، تنشط في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا واليونان. عملية الاعتقال هذه جاءت بناءً على معلوماتٍ استخبارية حصلت عليها السلطات في عام 2020 حول وجود بعض الأجانب في إيطاليا على علاقةٍ مباشرة بحسن زهير محمود، الباكستاني البالغ من العمر 27 عامًا، الذي أصاب -في 25 سبتمبر 2020 في باريس، بالقرب من المقر السابق لمجلة شارلي إبدو الفرنسية الساخرة- شخصين بجروح خطيرة بمنجل “للانتقام” من نشر رسوم كاريكاتورية جديدة مسيئة للنبي محمد (ص).
الجدير بالذكر أن الشبكة، التي نشأت في باريس، كانت نشطة على نطاقٍ واسع على فيسبوك وتيك توك، وأطلقت على نفسها اسم “جبّار”. وفي 21 يوليو 2020، قبل شهرين فقط من الهجوم، التقط ثلاثة عشر عضوًا من الجماعة صورة اصطفوا فيها جميعًا أمام برج إيفل، وأرفقوا بها تعليق “اصبروا، سنلتقي في ساحة المعركة”؛ وكان في وسط الصف حسن زهير محمود.
ووفقًا للمحققين الإيطاليين، بعد هجوم 25 سبتمبر 2020، أزيلت الإشارات جميعها التي تشير إلى مجموعة “جبّار” من وسائل التواصل الاجتماعي، لتجنب ترك أي آثار. ومع ذلك، ففي 27 يناير 2021، نشطت مجموعة جبّار جديدة تُسمى “المجموعة المتحدة بباريس فرنسا”، وسرعان ما تعرّفت السلطات على الشخص الموجود في صورة الملف الشخصي باسم ياسين طاهر، زعيم الخلية النشطة على الأراضي الإيطالية، الذي ظهر أيضًا في بعض الصور وهو يحمل منجلًا يشبه إلى حد كبير المنجل الذي استخدمه محمود في الهجوم.
ومع استمرار التحقيقات، تبيّن أن طاهر كان هو المنسق لخليةٍ كانت نشطة في مدن إيطالية مختلفة، وكان مركزها في فابريكو، بلدة يقل عدد سكانها عن 7,000 شخص بالقرب من ريجيو إميليا، حيث التقى أعضاء الشبكة في مناسبات عدة. ونسّق طاهر أنشطة الخلية “الإيطالية”، حيث تولى تجنيد أعضاء للجماعة، والبحث عن مخابئ محتملة، وشراء أسلحة، والتواصل مع كبار قادة الشبكة في الخارج.
ومع استمرار التحقيقات، تبيّن أن طاهر كان هو المنسق لخليةٍ كانت نشطة في مدن إيطالية مختلفة، وكان مركزها في فابريكو، بلدة يقل عدد سكانها عن 7,000 شخص بالقرب من ريجيو إميليا، حيث التقى أعضاء الشبكة في مناسبات عدة. ونسّق طاهر أنشطة الخلية “الإيطالية”، حيث تولى تجنيد أعضاء للجماعة، والبحث عن مخابئ محتملة، وشراء أسلحة، والتواصل مع كبار قادة الشبكة في الخارج.
من المهم أيضًا التذكير بأنه في 29 سبتمبر 2021، اعتقلت الشرطة الإيطالية المواطن الباكستاني حمزة علي البالغ من العمر 19 عامًا بالقرب من مدينة لودي (ليست بعيدة عن فابريكو). وتشير السلطات الفرنسية إلى أنه متورّط أيضًا في هجوم سبتمبر 2020. في الواقع، أرسل له محمود الفيديو الذي أعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، وطلب من حمزة علي نشر الفيديو في حال لم يتمكن من القيام بذلك.

شبكة جبّار عبر الوطنية
في فبراير 2022، اعتقلت الشرطة الإسبانية، بالتنسيق مع المحكمة الوطنية العليا، خمسة مواطنين باكستانيين في برشلونة وجيرونا وأوبيدا وغرناطة، وجميعهم متهمون بأنهم أعضاء في الجماعة الإسلامية الباكستانية المعروفة باسم “لبّيك باكستان”. ووفقًا للمحققين الإسبان، فإن محمود ينتمي إلى هذه المجموعة نفسها، وجميع أعضائها متهمون بالدعاية الإرهابية والتحريض على ارتكاب أعمالٍ إرهابية، وبشكل أدّق القتل، ضد أولئك الذين يسيئون للإسلام ونبِيِّهِ. وأشادوا أيضًا بأعمال الإرهابيين الذين نفّذوا هجماتٍ في أوروبا وباكستان ضد أشخاص يعتبرون مجدفين. وكانت الجماعة قد شكّلت جهازًا دعائيًا للحفاظ على بنية أيديولوجية متماسكة، وجذب أتباع جدد.
من بين الأشخاص الخمسة المعتقلين، شعيب الله البالغ من العمر 31 عامًا. وبالإضافة إلى منشورات شعيب على شبكات التواصل الاجتماعي، استعادت الشرطة الإسبانية من هاتفه الخلوي صورًا فوتوغرافية عدة كان يحمل فيها سواطير، وصورًا لأسلحة صغيرة وبنادق هجومية، فضلًا على لقطة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بجانب عبارة “طلقة في الرأس” باللغة الانجليزية.
وكما اتضح لاحقًا، كان ثلاثة على الأقل من الأفراد الذين اعتقلوا في إسبانيا على اتصال بأعضاء في شبكة جبّار التي أبعدتها السلطات الإيطالية. ومن المثير للاهتمام أيضًا ملاحظة كيف أوقفت الشرطة الإسبانية ياسين طاهر وحسن رضا أثناء محاولتهما العبور إلى فرنسا في نوفمبر 2020، بعد شهرين فقط من الهجوم على المقر السابق لشارلي إيبدو.
وقد اعتقل الأخير (ويقضي حاليًا حكمًا بالسجن لمدة 21 شهرًا في برشلونة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الصحة العامة)، في حين تمكّن طاهر من الهروب إلى باريس، حيث اُعتقل بعد ثلاثة أشهر، في 22 فبراير 2021، في محطة قطار سانت لازار، حيث عُثر بحوزته على منجل مطابق تقريبًا للمنجل الذي استخدمه محمود.
في أبريل 2021، أفرجت السلطات الفرنسية عن طاهر، وأعادته جوًا إلى إيطاليا، حيث كان يقيم. وكشفت عمليات اعتراض الهاتف التي أجرتها السلطات الإيطالية في وقتٍ لاحق أن طاهر وشركاءه كانوا يخططون أيضًا لتشكيل مجموعة في برشلونة ورضا نفسه كان نشطًا جدًا في الدعاية للجماعة على شبكة الإنترنت.
كان لدى شبكة جبّار، التي تنشط في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان، هيكلًا هرميًا دقيقًا: زعيم مؤسس، ورئيس، ونائب رئيس، وسكرتير، والعديد من المناصب المحددة الأخرى. على رأس الشبكة كان نديم رعن، المعروف أيضًا بـ (السيد)، الذي يستشيره طاهر باستمرار عبر الهاتف، على الرغم من حقيقة أن رعن كان محتجزًا في سجن فرنسي. في 11 أغسطس 2021، خلال محادثة هاتفية بين الاثنين، أخبر رعن طاهر أنه بمجرد إطلاق سراحه من السجن، سيسافر إلى إيطاليا، وسينفذ “كل شيء” يريده، وخلال المحادثة نفسها، قال رعن أيضًا:
“أنا رجل شجاع في الأوقات الصعبة، والآن بعد أن خرج إخواني سأخرج قريبًا، وسترى ما نفعله هناك. ستسمع جميع الجماعات اسم جبّار، وسيخضع لنا الجميع. يجب أن تعرفوا أنني شخص مهم في باكستان. أعرف أشخاصًا لا يمكنك أن تتخيلهم، غدًا سأرسل لك مقطع فيديو حتى تدرك ذلك”.
وفي محادثاتٍ هاتفية أخرى، ناقش الاثنان إمكانية شراء الأسلحة، والعثور على ما لا يقل عن عشرة أعضاء في كل مدينة، وتشكيل خلايا لشبكة جبّار في إيطاليا وإسبانيا. كما جذبت المجموعة انتباه السلطات الباكستانية، كما تبيّن في محادثة هاتفية بين طاهر وشخص يستخدم رقم هاتف فرنسيًّا زعم، بعد اعتقاله في فرنسا، أن السلطات قد فتشت منزل عائلته في باكستان، وأنه بالنسبة للسلطات الباكستانية أصبح الآن مشتبهًا به. ومع ذلك، ينصحه طاهر بعدم القلق لأنه “في باكستان، إذا دفعت ستتم تبرئتك”.
من المثير للاهتمام ملاحظة كيف أن أعضاء شبكة جبّار لم يترددوا في إظهار أنفسهم في الصور ومقاطع الفيديو وهم يحملون السكاكين والسواطير والعصي، على الرغم من أنهم كانوا على علم بأنهم يخضعون للمراقبة من قبل سلطات إنفاذ القانون، كما ظهر في العديد من المكالمات الهاتفية بين أعضاء الجماعة، ومن إزالة جميع الإشارات إلى جبّار مباشرة بعد هجوم سبتمبر 2020 على مقر شارلي إبدو السابق.
وكما هو موضح في أمر الاحتجاز، ذكرت قاضية التحقيق الأولي، الدكتورة سيلفيا كاربانيني ما يلي:
“هناك العديد من مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تشيد بالعنف، وتظهر دون تردد أعضاء جماعة جبّار المسلحين بأدواتٍ قاتلة، التي تستخدم عادة في الهجمات الإسلاموية، والحصول على موافقة الشركاء وعدد لا يحصى من الأفراد الآخرين الذين يشاركونهم رسالتهم، ويعبرون عن أنفسهم من خلال علامات الإعجاب والتعليقات وغيرها من عبارات التقدير”.
وأضافت: “وجود منشورات متعددة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة اجتماعات المجموعات، لا ينبغي أن يفاجئنا، لأنه على الرغم من أنه سلوك غير حصيف، فإنه يفيد الاحتياجات الدعائية للمجموعة، ويمثل قناة التجنيد الرئيسة الخاصة بها”.

نوع جديد من التنظيم
بالنظر إلى شبكة جبّار، ما يراه المرء هو تنظيم هجين يجمع بين هيكل هرمي نموذجي للتنظيمات الإرهابية التقليدية وجنسية وعرقية محددة (باكستانية وبنجابية) جنبًا إلى جنب مع طريقة عمل مشتركة لما يمكن وصفه “الإرهاب المرتجّل”، الذي ساد في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مع ظهور تنظيم داعش.
إنه نوع جديد من الإرهاب لا يتطلب الانضمام إلى منظمة إرهابية تقليدية وسرية، والذهاب إلى بعض معسكرات التدريب في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا. بل يستند إلى المبادرة الحرة والعفوية للجهات الفاعلة المحلية في أوروبا. ومعظم الدعاية والتجنيد تتم من خلال شبكة الإنترنت، والأسلحة المستخدمة في الهجمات هي من تلك التي يسهل الحصول عليها، التي عادة ما تكون أسلحة حادة، بدلًا من البنادق والمتفجرات.
ووفقاً لما هو معروف حتى الآن، لم يكن لشبكة جبّار أي علاقة بمنظماتٍ إرهابية كبيرة وراسخة، مثل القاعدة أو داعش. وعلى الرغم من أن اسم المنظمة لم يكن له أي إشارة دينية علنية -جبّار هي كلمة بنجابية تشير إلى شخص شجّاع ومِقدام- فإن أيديولوجية الشبكة تستند إلى التطرف الإسلامي للطائفة البريلوية، كما سيظهر في القسم التالي.
وعلى الرغم من الهيكل الهرمي لشبكة جبّار وسماتها البنجابية الصارمة، فمن المفارقات أنها بدت وكأنها تفتقر إلى سلسلة واضحة من القيادة والسيطرة. في الواقع، اتخذ محمود، الذي كان عضوًا رفيع المستوى في المجموعة، قرارًا من تلقاء نفسه، وبينما ربما كان أعضاء آخرون في جبّار يعرفون نواياه، فمن غير المرجح أن يكون المهاجم قد طلب أي إذن قبل هجومه. كما أن مرونة الشبكة تجعل استخدام مصطلحاتٍ، مثل “الخلية” و”الشبكة”، لوصفها والأجزاء المكونة لها أمرًا صعبًا؛ وحيثما تكون هذه المصطلحات أمرًا لا مفر منه، يجب فهمها في سياق دينامي كامل.
على سبيل المثال، الإشارات إلى “الخلية الفرنسية” و”الخلية الإيطالية” مضللة إذا فهمت على أنها كيانات ثابتة ذات عضوية مستقرة: كانت جبّار شبكة مرنة للغاية مع الأفراد الذين يتنقلون باستمرار، ويغيرون أماكن إقامتهم ومناطق اجتماعاتهم، ويغلقون مجموعات فيسبوك، ويفتحون مجموعات جديدة بسرعة، وما إلى ذلك.
وعلى الرغم من أنه لم يُكتشف حتى الآن أي دليل قاطع على وجود صلات أجنبية بشبكة جبّار، فإن تاريخ أعضائها في باكستان لا يزال غامضًا. وبالنظر إلى الوجود الإسلامي والإرهابي الواسع في باكستان، واستخدام الدولة لهؤلاء المتطرفين والإرهابيين في السياسة الداخلية ولا سيما الخارجية، فإن هذا خط واضح يجب التحقيق فيه. وهل كان أي منهم معروفًا للسلطات الباكستانية؟ هل كانت لهم صلات مباشرة بالجماعات المتطرفة؟ هل حضر أي منهم أي معسكرات تدريب إرهابية في البنجاب أو كشمير؟
نقطة أخرى يجب توضيحها: بعد هجوم سبتمبر 2020 مباشرة، بدأت العديد من وسائل الإعلام الأوروبية، على الفور، في الإشارة إلى زهير حسن محمود على أنه “ذئب منفرد”، وهو مصطلح أصبح شائعًا جدًا عند التعامل مع الإرهاب الإسلامي في العقد الماضي. الإرهابي “الذئب المنفرد” هو الشخص الذي يتصرّف بمفرده، دون أي دعم، باستخدام سلاح يسهل الحصول عليه.
في العالم الحقيقي للإرهاب، “الذئاب المنفردة” غير موجودة أساسًا. وعند النظر في الحالات، تُظهر الأدلة أن “الذئاب المنفردة” المفترضة لم تكن عادة وحدها كما كان متوقعًا. قضية محمود هي مثال نموذجي على ذلك: فلقد تبيّن أنه عضو مهم في شبكة إرهابية. ربما لم يكن يحظى محمود بدعمٍ خارجي من إحدى المنظمات الإرهابية القديمة، مثل القاعدة أو داعش، لكنه كان جزءًا من منظمة محلية في أوروبا لها هيكل متميّز، وإن كانت أكثر مرونة من هذه المنظمات الإرهابية التقليدية.

الخلاصة
تتأتى أهمية إلقاء هذه النظرة العامة على حزب لبّيك باكستان من كونها تعطي فكرة واضحة عن الأيديولوجية الكامنة وراء مجموعة جبّار وشخصياتها المرجعية، لاسيَّما خادم حسين رضوي. بالإضافة إلى ذلك، فمن المهم أيضًا التذكير بأنَّ قَتَلة كل من أسد شاه وكانهايا لال (قتل الأول في جلاسكو في مارس 2016، والأخير في يونيو 2022 في راجستان، وكلاهما بتهمة التجديف)، كانوا جميعًا مرتبطين بالجماعة الإسلامية المذكورة أعلاه.
ينبغي أن يثير صعود العنف والإرهاب الذي ينبع من الجماعات البريلوية القلقَ لأنه لا يتجلى بكامل قوته فحسب، بل يتجاوز أيضًا المستوى الوطني منتشرًا خارج الحدود وبطريقةٍ مرنة للغاية، ما يجعل من الصعب اكتشافه ووقفه. ونظرًا لأن هذه الظاهرة تتجاوز حدود باكستان، كما يتضح من الاعتقالات الأخيرة في أوروبا، يجب أن يوليها المحللون والحكومات قدرًا أكبر من الاهتمام.

شارك