الجهاز السري.. الإخوان المسلمون وصناعة الموت

الخميس 27/أكتوبر/2022 - 10:50 ص
طباعة الجهاز السري.. الإخوان حسام الحداد
 
يوثق الكتاب الجديد للباحثة الأمريكية من اصل مصري سنثيا فرحات، والذي سوف يصدر قريباً عن دار  Bombardier Books، الأبعاد الخفية الخاصة بالجهاز السري للجماعة التي تشكلت 1928 على يد حسن البنا في مصر، وطرائق عمله، لهذا يحمل عنوان: "الجهاز السري.. الإخوان المسلمون وصناعة الموت".
حيث تؤكد في هذا الكتاب ما جاء في معظم دراساتها حول الجماعة بكونها الحاضنة العالمية للتوجه الإسلامي المتطرف والعنيف، وكذلك كونها أخطر جماعة متشددة معاصرة، فهي التي أفرخت جماعات مصرية تلوثت أياديها بالدماء مثل "التكفير والهجرة"، و"الجماعة الإسلامية"، وجماعة "الجهاد الإسلامي" المصرية، في القرن الماضي وكذلك حسم ولواء الثورة والمقاومة الشعبية وكتائب حلوان وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تم تدشينها عقب سقوط الجماعة في مصر.
فلم يتوقف المد الإرهابي للإخوان ـ بحسب الكتاب ـ عند الداخل، بل تم تصديره إلى الخارج، كما الحال مع جماعة "أنصار الشريعة في ليبيا"، وجماعة "التوحيد والجهاد في الأردن"، وبالقدر نفسه، جماعة "طلائع الفتح" ذات الفروع في دول عدة، ثم "حماس" في فلسطين، وصولاً إلى الشرين الأعظمين، "القاعدة" و"داعش".
وما يميز هذا الكتاب عن غيره، القدر الكبير من الأسماء والتواريخ والأحداث، والعديد من الحقائق الدقيقة الأخرى، والتي كانت خافية عن أعين المتابعين، والكاتبة تدعم أحاديثها بوثائق مصرية وأميركية وبريطانية، جميعها تكشف عن الوجه الحقيقي للإخوان.
تهتم الكاتبة في طرحها بإظهار العلاقات الماورائية للجماعة الإخوانية، بل والسياقات التاريخية التي تأثرت بها في نشأتها، ومن أخطرها وفي مقدمها، جماعة "الحشاشين"، التي ظهرت ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي.
حاولت جماعة الإخوان وربما لا تزال، تتبع منهج التقريب الذي سارت عليه جماعة الحشاشين، والقائم على تقريب وتقليص الاختلافات الفقهية، بين الشيعة والسنّة، والهدف من وراء ذلك، تأسيس دولة الخلافة الموحدة، ومن ثم إعلان الجهاد العالمي ضد بقية "الكفار المشركين" ولو كانوا بقية العالم.
كما تؤكد المؤلفة أن مرشد الثورة الإيرانية الأول، الخميني، التقى حسن البنا في مصر أواخر الثلاثينيات، ولاحقاً في ستينيات القرن الماضي، وفيما هو حبيس في سجون الشاه، قام بترجمة كتب سيد قطب والبنا، ولاحقاً جعلها مناهج تعليمية في مدارس الحرس الثوري، بل أكثر من ذلك، إذ أن شعار "الإسلام هو الحل"، الذي رفعه الإخوان في ممارساتهم السياسية المستترة، لم يكن سوى شعار طبعه وروج له خامنئي نفسه.
لهذا لم يكن غريباً أن تقف جماعة الإخوان بجانب إيران في حربها ضد العراق في ثمانينيات القرن الماضي، كما تدعم الجماعة البرنامج النووي الإيراني.
وترى سنثيا أن التعاون الإخواني الإيراني، أحد أخطر العلاقات وأكثرها تعقيداً، في عالم السياسة الدولية والإرهاب العابر للحدود.
كما يهتم الكتاب بإيضاح ما خفي عن أعين العوام، بخصوص الجهاز السري، المكلف بتنفيذ العمليات ذات الطابع الدموي، والهيكلية الفكرية التي نشأ عليها، وعندها أن البنا عاد بنظره بعيداً إلى جمال الدين الأفغاني، والذي تعتبره مؤسس المشروع الحركي، والشخصية الأكثر أهمية في بلورة رؤية تقدم خليطاً من فكرة المجتمعات السرية الغربية، والدعوة الإسلامية السرية، وبهذا يكون البنا قد قدم "كياناً موازياً لحركة الحشاشين في القرن العشرين".
تظهر فصول الكتاب أن أخطر جماعة إرهابية في العالم لا تختبئ في كهوف "هندوكوش"، في جبال أفغانستان، ولا في "الصحراء الممتدة"، شمال أفريقيا، بل تعمل اليوم من داخل الولايات المتحدة الأميركية، وقد أقسم أعضاؤها على "الجهاد الأبدي"، ضمن خطة "المئة عام لتدمير الغرب"، الركن الرئيس في المشروع العالمي للإخوان المسلمين.
يطرح الكتاب قضية مهمة للغاية وهي وقوع الولايات المتحدة في بئر الجماعة الإرهابية، حيث أن طرح "لاهوت الاحتواء" للأخوين دالاس، والذي هدف لحصار الشيوعية من خلال تشجيع الحركات الإسلامية عالمياً، مثل حصان طروادة للإخوان لاختراق الداخل الأميركي، شعبياً وحكومياً، وتأسيس حضور إخواني داخل المؤسسات العلمية والتعليمية ناهيك عن الإعلامية والسياسية.
تبدو خطيئة الولايات المتحدة الكبرى في عيون ثقات التحليل الاستراتيجي الأميركي، أنها استبدلت نهجها السياسي الذي نجح في مواجهة الفاشية والنازية في النصف الأول من القرن العشرين، والمعروف بـ "استراتيجية القوة لضمان السلام العالمي"، بنسق آخر اتبعه الألمان والعثمانيون، وهو توظيف "مرتزقة جهاديين" لتنفيذ سياسات فاسدة.
وبدأ الأمر من عند أيزنهاور الذي التقى في البيت الأبيض ضمن قيادات إسلامية عالمية، سعيد رمضان، صهر حسن البنا، ولم ينته المشهد بدعم الجهاديين في أفغانستان، لا سيما وأن زمن ما سمي الربيع العربي، كان خير دليل على التواصل الأميركي الإخواني حتى الساعة.
ساهمت السياسات الأميركية خاصة والأوروبية عامة التي دعمت الإخوان في مقتل الآلاف وتشريد الملايين كما الحال مع النظام الإخواني السابق في السودان، أما عن أفغانستان فحدث ولا حرج.
وتقطع سنثيا فرحات بأن سياسات الغزل الأميركي على خيوط الإخوان لن تفيد بل ستتسبب في خسائر فادحة للأميركيين قبل الآخرين، وعليه فإنه على واشنطن تجريم جماعة الإخوان المسلمين من خلال تصنيفها منظمة إرهابية حتى تحمي أمنها ومن أجل ازدهار الحرية دولياً.
مثل هذا الإجراء لن يؤدي إلى توضيح هوية العدو فحسب، بل سيساعد أيضاً في التمييز الجوهري بين المسلمين والمتأسلمين، فإما أن تكون مع الغالبية العظمى من المسلمين، وكل فرد مسالم على وجه الأرض، وإما أن تكون مع الإخوان المسلمين، ومشروعاتهم المخضبة بالدماء في الحال والاستقبال.

شارك